ألبيرتوس ماغنوس
ألبيرتوس ماغنوس (باللاتينية: Albertus Magnus) (لاونغن، حوالي عام 1200 - كولونيا، 15 نوفمبر 1280)، معروف أيضا باسم القديس ألبيرت الكبير، وألبيرت كولونيا، كاهن وراهب دومينيكي حقق الشهرة لمعرفته الشاملة ودعوته للتعايش السلمي بين العلم والدين.
يعتبر أعظم فيلسوف وعالم لاهوت نصراني ألماني في العصور الوسطى. كان الأول من بين دارسي القرون الوسطى الذي طبـّق فلسفة أرسطو في الفكر المسيحي. وكرس معظم وقته لتعميم كتابات الفيلسوف الإغريقي القديم، كما كتب عددًا كبيرًا من التعليقات عن فسلفة أرسطو. وكان لهذه الكتابات تأثير على أشهر تلاميذه القديس توما الأكويني، وعلى لاهوتيين آخرين يعرفون بالمدرسيين.
اكتسب أهميته لدرايته بالاختلاف بين اللاهوت والفسلفة وبين الحقيقة المجردة والعلم التجريبي.كان يعتقد أن المجالات المختلفة للمعرفة تتبع مجموعات قوانين مختلفة، وتتطلب مناهج استقصاء مختلفة. سبق زمانه في معرفته بالعلوم. وكتب عن موضوعات علمية مختلفة، مستخدمًا ملاحظاته الخاصة، مثل: الفلك، الكيمياء، الجغرافيا، الفلسفة.
كان ألبرت الكبير أحد أعظم العقول في الكنيسة، وقد كرمته الكنيسة الكاثوليكية بصفة دكتور الكنيسة واحداً من 33 شخصاً فقط الذين نالوا هذا التكريم. من إنجازاته في الكيمياء اكتشاف عنصر الزرنيخ. كان ذلك عام 1250م.
وُلد القديس ألبرت الكبير لعائلة نبيلة في لاونجن بالقرب من أولم. والتحق بجامعة بادوا في إيطاليا، حيث انضم في عام 1223م لنظام الرهبنة الدومينيكاني. ودرس في العديد من الجامعات الأوروبية، لكنه قضى معظم حياته في كولون بألمانيا. شغل وظيفة أسقف، وممثل البابا في ألمانيا، وهو منصب دومينيكاني رفيع.
السيرة الذاتية
تراجم حياته ترجع إلى الربع الأخير من القرن الخامس عشر («بطرس البروسي» سنة 1487، رودلف من تيمخن، سنة 1488) بيد أنها تستند إلى مصادر أقدم. لكنها مع ذلك حافلة بالتناقض وعدم التدقيق والتناقض فيما بينها. إذ تختلف في تحديد عمره (البعض يجعله يعيش 87 سنة) وسنه حين انضم إلى طريقة الدومينكان (البعض يقول 16 سنه). لا نعرف تاريخ ميلاده بالدقة، لكنه ربما ولد حوالي عام 1200 في كولونيا ابناً لأحد اللوردات العسكريين اللذين كانوا في خدمة الإمبراطور فريدريك الثاني.
الشيء المؤكد هو أنه ولد في مدينة لونجن Luiningen على نهر الدانوب قرب أولم (في إقليم اشفابن في جنوب ألمانيا) حيث عاشت عائلته، وأنه ارتحل في شبابه المبكر إلى إيطاليا، ودرس في جامعة بادوفا، حيث درس مبادئ فلسفة أرسطو. وقد استطاع رئيس الطريقة الدومنكية واسمه جوردان السكسوني، أن يضمه إلى طريقته في سنة 1223 أو سنة 1229، وبعث به إلى كولونيا لدراسة اللاهوت.
أما لقبه «الكبير» نجده في مخطوطات من القرن الرابع عشر، لكنه في مواضع أخرى يلقب بـ «ألبرتس التيتوني» Albertus Theutonicus أو «ألبرتس الكولوني» Coloniensis.
وقد كان والديه أثرياء مما أتاح له الفرصة لتلقي أفضل تعليم. كانت أسرته أيضاً أسرة أيضاً تقية جداً وساعدته علي الإيعاز في طريق الإيمان. وعندما كان طفلاً وانجذب إلى المساعي العلمية أظهر استعداداً غير متوقع بالتفكير بالنظر الي عمره. كان متقدماً جداً في تفكيره وبدأ بدراسة العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية في جامعة بولونيا في عمر الخامسة عشر فقط. كانت الجامعة مرتبط بصورة وثيقة مع الرهبانية الدومينيكانية وذلك وجه ألبرت بصورة أقرب إلى حرصه على خدمة الرب. أطلق هذا المزيد من هذا الحرص عند وصول ريجنالد الأورليانزي المبارك وهو واعظ دومينيكاني وأستاذ سابق في جامعة باريس والذي وصل إلى الكلية للوعظ. بعد فترة ليست طويلة قابل أباً دومينيكانياً ثانياً هو المبارك جوردان من ولاية سكسونيا والذي كان قد وصل إلى بادوا. وهو واعظ بليغ وجه العديد من الشباب بما في ذلك ألبرت نحو الحياة الرهبانية. لكن عائلة ألبرت عارضت دخوله الرهبانية نظرا لشبابه وبراعتة العلمية الاستثنائية ولكن ألبرت كان ممزقاً من داخله. وفي إحدى الليالي رأى في أحلامه نفسه يدخل إلى الرهبانية فقط ليغادر بعد ذلك بوقت قصير. وفي اليوم التالي سمع المبارك جوردان يعظ وتحديداً حول كيف أن الشيطان يحول أولئك الذين سيدخلون الرهبانية بعيداً عن دعوتهم من خلال الأحلام والوعود الكاذبة. وبعد القداس حدث ألبرت المبارك جوردان متسائلاً: «يا سيد من الذي كشف عن قلبي لك» ودخل فيما بعد في ذلك الصيف الرهبانية في سن ال 16. باعتباره راهباً دومينيكانياً واصل ألبرت دراسته وحصل على الدكتوراة في اللاهوت.
ثم قام بالتدريس بطاعة أينما تم إرساله وسافر إلى كولونيا، بادوا، بولونيا، ساكسونيا، راتيسبون. ومنذ سنة ١٢٣٣ نجده يقوم بالتدريس في دير الدومنيكان في مدينة هلدسهيم (في ألمانيا) ثم في فرايبورج في برسجاو (جنوبي ألمانيا) وستراسبورغ. وفي كل مكان من هذه الأماكن جذب العديد من تلاميذه إليه وبعضاً من هؤلاء التلاميذ صاروا رهباناً ولاهوتيين وعلماء بارزين ومع ذلك ظل ألبرت متواضعاً وركز فقط علي الرب. عندما توفي المبارك جوردان عام 1237، تولى ألبرت واجباته بصفته رئيساً عاماً حتى تم انتخاب خليفة له. في تلك المرحلة، عاد إلى كولونيا، حيث كان لقاءه مع تلميذه الأكثر لمعاناً وهو القديس توما الاكويني. في حين رأى رفاق صف توما أنه رجل أبكم عديم العلم اعترف به ألبرت كطالب ممتلئاً بالنعمة ومجد الرب.
سافرا معا إلى جامعة باريس طلباً لمزيد من الدراسة في سنة 1243-سنة 1244، حيث حصل ألبرتوس على الدكتوراه في عام 1245. وحيث لاهوت القديس ألبرت وفلسفته أزدهرتا وتغير الأسلوب الذي كان يفكر به في العالم. في حين انه كتب العديد من الأعمال العلمية، كان أولا وقبل كل شيء وهو كاثوليكي يكتب عن لاهوت وايمان الكنيسة الكاثوليكية.
وهنا ألقى محاصرات، بوصفه Baccalaureatus (حاصل على الإجازة) عن كتاب «الأقوال» لبطرس اللومباردي، وفي سنة 1246 صار معلماً لاهوتياً Magister theologiac. وفي سنة 1251 قام بالتدريس في «المعهد العام» Studium generale المنشأ حديثاً في كولونيا لتأهيل الرهبان الدومنيكان، وهنا تتلمذ عليه القديس توما الأكويني.
كان من الموهوبين ذوي المعرفة الموسوعية واستخدام هذه الموهبة في خدمة الكنيسة واستخدم منطق العقل والتفكير بجد. وقد كان عالماً بارعاً وطالب باحث عن الحقيقة. كتاباته تملأ ثمانية وثلاثين مجلداً. وتفسيراته بشأن مواضيع واسعة استغرقت عشرين عاماً لإكمالها. كان ألبرت يمتلك طاقات كتابة لا حدود لها وكتب حصرياً عن العلوم الطبيعية والمنطق والبلاغة والرياضيات والفلك والأخلاق والاقتصاد والسياسة والميتافيزيقيا والفيزياء وعلم المعادن والكيمياء والبيولوجيا وعلم النبات وعلم وظائف الأعضاء البشرية والحيوانية ومن ضمن إنجازاته في علم الكيمياء اكتشاف عنصر الزرنيخ عام 1250م. في حين أن القديس ألبرت كان يضن تماماً البقاء في باريس للكتابة والتدريس ولكن طاعة لرهبنته طلب منه السفر مرة أخرى إلى ألمانيا عندما انتخب مسؤؤولاً عن مقاطعة بكاملها. ومن سنة 1254 إلى سنة 1257 كان مرشداً إقليمياً لاقليم توتونيا. خدم جماعته بأمانه وسافر إلى جميع الأديرة في ولايته سيراً على الأقدام ومن دون أي أموال وعبر مسافات طويلة ما بين النمسا وبافاريا وسكسونيا وهولندا.
وفي سنة 1260 تم تعيينه مطراناً لريجنسبرج. وبعد ثلاث سنوات سمح له بالاستقالة ولكن كان قد أستدعي فيما بعد ليكون مستشاراً للبابا وارسل في عدة بعثات دبلوماسية. وشارك في السنوات التالية في عدة مجامع خاصة بطريقة الدومنيكان، كما قام ببعض المهام التي كلفه بها البابا أوربان الرابع ومنها الدعوة إلى الحروب الصليبية. ووسط رحلاته والأعمال الحماسية وجد القديس ألبرت الوقت لكتابة ثمانية وثلاثين مجلداً في العلوم الطبيعية والفلسفة واللاهوت.
توفي القديس ألبرت في 15 نوفمبر من عام 1280 على ما يبدو من التعب وهو يبلغ من العمر ثلاثة وسبعون عاماً. وقد تم دفن جسده في كنيسة سانت أندريا للأباء الدومينيكان في كولونيا. وبعد مرور ثلاثة سنوات من وفاته كان جسده في حالة من الحفظ والكمال وكان جسده ينضح رائحة مبهجة وقدسية سجلت في قبور العديد من القديسين. أبلغ عن حالات الشفاء الخارقة بسببه وهو في القبر وتلقى آخرون رؤى تم تسجيلها بسبب شفاعة ألبرت. وفي سنة 1931 منحه البابا بيوس الحادي عشر لقب قديس وعالم من علماء الكنيسة، وفي سنة 1941 منحه البابا بيوس الثاني عشر لقب «شفيع العلماء».
كثيرا ما يقال عن القديس ألبرت الكبير: "لقد كان كبيراً في العلم، وعظيماً في الفلسفة وأعظم في اللاهوت." لقد اكتشف العلم الذي هو فوق كل العلوم والمعرفة التي يمكن لله وحده نقلها والحكمة السماوية التي تأتي عندما يتم ربط العقل والإيمان معاً في المحبة تجاه الآخرين وفي الصلاة والعمل. القديس ألبرت يذكرنا بعدم الاعتماد على أي شيء أو أي شخص ولا أن نثق في أحد أكثر من الله. ففي هذه الثقة الإيمان والعقل يتوحدا مما يؤدي بنا نحو المزيد من المعرفة الأبدية.
كتاباته
كان البرتس غزير الإنتاج جداً، حتى لو استبعدنا الكتب الكثيرة المنحولة عليه. ومؤلفاته - وبعضها بقي ناقصاً، أو دون مراجعة وتنقيح - تشمل كل فروع المعرفة في عصره، لهذا يلقب "العالم المحيط" doctor universalis.
وصلت كتابات ألبرت التي جُمعت في عام 1899 إلى ثمانية وثلاثين مجلدًا، أظهرت عاداته ومعرفته الموسوعية بموضوعات مثل المنطق وعلم اللاهوت وعلم النبات والجغرافيا وعلم الفلك وعلم التنجيم وعلم المعادن والكيمياء وعلم الحيوان وعلم وظائف الأعضاء وعلم الدماغ والعدالة والقانون والصداقة والحب. لقد استوعب وفسّر ونظم كل أعمال أرسطو من الترجمات اللاتينية وملاحظات المعلقين العرب، وفقًا لعقيدة الكنيسة.
كتب أعماله اللاهوتية الرئيسية في ثلاثة مجلدات، ومع ذلك، كان نشاط ألبرت فلسفيًا أكثر منه لاهوتيًا. الأعمال الفلسفية، التي شغلت 7 مجلدات من أصل 21، قُسّمت وفقًا لمخطط أرسطو للعلوم، وتتألف من أعمال أرسطو النسبية بشكل مكثف ومفسر، مع مناقشات تكميلية حول الموضوعات المعاصرة بالإضافة إلى بعض الاختلافات العرضية. يعتقد ألبرت أن نهج أرسطو للفلسفة الطبيعية لم يشكل أي عقبة أمام تطوير وجهة نظر فلسفية مسيحية عن النظام الطبيعي.
كانت معرفة ألبرت بالعلوم الطبيعية كبيرة ودقيقة بشكل ملحوظ في ذلك العصر. لم يقم فقط بإنتاج التعليقات وإعادة الصياغة لكامل مجموعة أرسطو، بما في ذلك أعماله العلمية، ولكنه أضاف أيضًا إليها وحسّنها. تضمنت كتبه موضوعات مثل علم النبات وعلم الحيوان والمعادن واستخدم معلومات من المصادر القديمة، ووضع نتائج تحقيقاته التجريبية.
أ) أول إنتاجه هو رسالة «في طبيعة الخير» De natura bene وهي رسالة غير تامة.
ب) يتلو ذلك رسائل صغيرة عن مسائل في العقيدة المسيحية.
ج) ثم شرح كبير على كتاب «الأقوال» لبطرس اللمباردي هو ثمرة محاضراته في باريس.
د) وفي كولونيا بدأ (أو استأنف) شرحه على الكتب المنحولة على ديونوسيوس الأريوباغي. وألقى محاضرات عن كتاب «الأخلاق إلىنيقوماخوس» لأرسطر، حضرها القديس توما.
ه) ومن ثم بدأ في تلخيص مؤلفات أرسطو الصحيحة وبعض المنحولة. وقد بدأ بكتاب «الطبيعة» وتلاه بكتاب «الكون والفساد». و«السماء والعالم». و«طبيعة الأماكن» (وهذان الملخصان الأخيران يوجد منهما نسخة بخط ألبرتس نفسه) و«الآثار العلوية» و«الأحجار» و«النفس» و«التغذية» و«الحس والمحسوس»
و) وفي سنة 1258 ألف كتابه «مسائل في الحيوان». وفي نفس الوقت بدأ في كتابة كتابه الضخم «في الحيوان» De Animalibus وهو تلخيص واف جداً وموسع لكتب أرسطو الثلاثة في الحيوان (ويوجد منه نسخة بخط المؤلف في كولونيا، بمقالاتها التسع عشرة) استناداً إلى ترجمة ميخائيل اسكوت.
ز) كذلك لخص كتب أرسطو المنطقية، مبتدئاً بكتاب «الكليات الخمس» المنسوب إلى فورفوريوس أو إلى بوئتيوس.
ح) ومن مؤلفاته الخاصة كتاب عن «وحدة العقل ضد الرشديين» وفيه يدافع عن القول بتعدد النفوس الفردية.
وقد طبعت مجموعة مؤلفاته للمرة الأولى في ليون سنة 1651 في 21 مجلداً بإشراف P. Jammy لكنها ناقصة. وتلتها نشرة في 38 مجلداً، في باريس سنة 1890 - سنة 1899، ومنذ سنة 1931 يتولى معهد البرتس ماجنوس في كولونيا الإشراف على إصدار نشرة نقدية مخصصة لمجموع مؤلفاته، بدأت تحت إشراف ولا تزال مستمرة في الظهور حتى اليوم.
الفلسفة
المهمة الرئيسية التي عني بانجازها ألبرتس الكبير كانت تقديم التراث الفلسفي اليوناني والعربي لأوروبا في القرن الثالث عشر، في كل فروع العلم الممكن انذاك، في الفيزياء، والرياضيات، وما بعد الطبيعة وفي هذا يقول : «إن غرضنا هو أن نيسر للاتينيين فهم كل ما قيل في مختلف الفروع» . وهو في سييل ذلك لا يكتفي بإيراد تلخيص لما كتبه أرسطو وشراحه اليونانيون والمسلمون بل يشرح ويكمل ويعدل. وفي ميدان العلوم الطبيعية قام بأبحاث شخصية، وكشف عن روح ملاحظة نادرة في ذلك الوقت في العصر الوسيط في أوروبا. وهو يقول عن الطريقة التي اتبعها إزاء نصوص أرسطو وشراحه:
«في عملي هذا سأتابع نظام أرسطو وفكره، وسأقول كل ما يبدو لي ضرورياً لتفسيره ولاثباته. وإلى جانب ذلك سأقوم باستطرادات، ابتغاء إبراز الشكوك التي يمكن أن تتجلى للذهن وإكمال بعض المناقص التي جعلت فكر أرسطو غامضاً لدى كثير من الأذهان. وتقسيم مؤلفاته كلها سيكون التقسيم الذي تدل عليه عنوانات الفصول: وحيث العنوان يدل فقط على موضوع الفصل، فهذا يدل على أن الفصل ينسب إلى سلسلة كتب أرسطو، لكن حينما يدل العنوان على استطراد، فذلك معناه أننا أضفناه على سبيل الاكمال أومن أجل إيراد برهنة وفي سلوكنا على هذا النحو سنكتب من الكتب بقدر ما كتب أرسطو، وبنفس العنوانات. وإلى جانب ذلك سنضيف أقساماً إلى الكتب التي بقيت ناقصة كما نضيف كتباً بأكملها تنقصنا، أو أغفلت، اما لأن أرسطو نفسه لم يكتبها، أو كتبها لكنها لم تصل إلينا».
وفي مسألة الصلة بين العقل والنقل يمثل ألبرتس تقدما ظاهراً على أسلافه. إذ هدف إلى تحديد ميدان كليهما تحديداً واضحاً، وجعل أنواعاً من الحقائق تنتسب إلى الواحد ولا تنسب إلى الآخر. وفي هذا يقول:
«فيما يتعلق بالدين والأخلاق، إذا اختلف أوغسطين مع الفلاسفة فينبغي تصدير الأول دون الأخرين. لكن إذا تعلق الأمر بالفيزياء، فإنني أصدق أرسطو، لأنه كان يعرف الطبيعة خير معرفة».
ومع ذلك فإنه لم يطبق هذا المنهج بدقة، يل كان يضطر إلى الأخذ بما يقوله النقل حين يتعارض مع العقل. فيقول مثلاً بالخلق من القدم، لا بفكرة الصدور التي قال بها ابن سينا وكأن العالم له بداية في الزمان ولا يقول بقدم العالم كما قال أرسطو وشراحه والفلاسفة المسلمون.
على أنه حاول مع ذلك إيجاد مزيج من المسيحية والأفلاطونية المحدثة على نحو قريب مما فعله ابن سينا. إذ نجده يتحدث عن العلة الأولى، وأنها نور أول، يهب الصور للمادة، «إنها حياة ونور لأنها نوع من الحياة لكل موجود، وهي النور لكل معرفة والعقل لكل شيء». والعقل الالهي يحتوي على «الصور» الأولى والله يهب الهيولي صوراً متمايزة، ليست إلا صور الكليات الالهية. وإشعاعات نور العقل الفعال الكلي، الذي هو الله، تسري في الهيولي، حيث توجد الجواهر العينية.
ويهاجم ألبرتس، مع ذلك، نظرية ابن سينا وابن رشد في العقل الفعال. ويستقصي هذا الموضوع في كتابه «خلاصة اللاهوت» Summa Theologiae، ويسرد ثلاثين حجة لصالح إثبات وحدة العقل الإنساني، لكنه يتلوها بست وثلاثين حجة ضد وحدة العقل الإنساني، وبهذه الزيادة في الحجج يرجح بطلان القول بوحدة العقل الإنساني. ويقرر أن لكل نفس عقلاً بالقوة، وعقلاً بالفعل خاصين بها. ذلك لأن النفس الإنسانية ليست مجرد صورة لجسم، بل هي جوهر روحي، ولهذا الجوهر قواه المستقلة الخاصة به والضرورية كي يؤدي مهامه.
لكنه يبادر فيربط بين النفس الانسانية وبين الله، إذ هي صورة له، ولهذا فإنها مفتوحة لقبول الاشراقات الالهية، وهي بمعرفتها للمعقولات تتشبه بالله.
علم الفلك
كان ألبرت مهتمًا بعلم الفلك، كما أوضح علماء مثل باولا زامبيلي وسكوت هندريكس. خلال العصور الوسطى - وحتى أوائل العصر الحديث - كان علم التنجيم مقبولًا على نطاق واسع من قبل العلماء والمفكرين الذين كانوا يعتقدون أن الحياة على الأرض هي فعليًا عالم مصغر داخل الكون. كان يعتقد أن هناك تطابقًا بين الاثنين وبالتالي تتبع الأجرام السماوية أنماطًا ودورات مماثلة لتلك الموجودة على الأرض. مع هذه النظرة للعالم، بدا من المعقول التأكيد على أنه يمكن استخدام علم التنجيم للتنبؤ بالمستقبل المحتمل للإنسان. جادل ألبرت في أن فهم التأثيرات السماوية التي تؤثر علينا يمكن أن يساعدنا على أن نعيش حياتنا وفقًا للمبادئ المسيحية. يمكن العثور على البيان الأكثر شمولًا لمعتقداته الفلكية في عمل ألّفه عام 1260، والمعروف الآن باسم مرآة علم الفلك.
الموسيقى
اشتهر ألبرت بتعليقه على الممارسة الموسيقية في عصره. عُثر على معظم ملاحظاته الموسيقية المكتوبة في تعليقه على كتاب فن الشعر لأرسطو، كتب بشكل موسّع عن الأبعاد في الموسيقى على ثلاثة مستويات ذاتية مختلفة يمكن أن يعمل فيها الشخص العادي على النفس البشرية: تطهير النجاسة؛ الإضاءة التي تؤدي إلى التأمل، وتغذية الكمال من خلال التأمل. من الأمور ذات الأهمية الخاصة لمنظري الموسيقى في القرن العشرين هو الاهتمام الذي أولاه للصمت كجزء لا يتجزأ من الموسيقى.
القانون الطبيعي
كرّس ألبرت الجزء الأخير من كتابه دي بونو لنظرية العدل والقانون الطبيعي. يضع ألبرت الله في قمة العدالة والقانون الطبيعي. الله يشرع والسلطة الإلهية هي العليا. وحتى ذلك الوقت، كان هذا هو العمل الوحيد المكرس بشكل خاص للقانون الطبيعي الذي كتبه عالم لاهوت أو فيلسوف.