هرقليطس
هِرَقْليطُس أو هيراقليتوس (باليونانية :Ηράκλειτος ό Εφέσιος) فيلسوف يوناني في عصر ما قبل سقراط. كتب بأسلوب غامض، يغلب طابع الحزن على كتاباته، ولذا، عُرف بالفيلسوف الباكي. تأثر بأفكاره كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو. قال بأن النار هي الجوهر الأول، ومنها نشأ الكون. وقال أيضاً بالتغيّر الدائم. يصعب تحديد تاريخ حياته بدقة، وقد وضع كتاباً وحيداً، لم يصلنا منه غير شذرات. ولا يعرف المؤرخون عن حياته إلاّ القليل. ولا يكاد يُعرف عنه غير أنه كان من الأسرة المالكة في مدينة أفسس بمنطقة آسيا الصغرى.
كان هرقليطس مشهورًا لإصراره على أن الوجود في تغير دائم باعتبار التغير هو الجوهر الأساسي في الكون كما جاء في قوله: «لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدًا». يعتبر ذلك إحدى النقاشات الأولى لمفهوم الصيرورة الفلسفي، وقد تعارض مع كلام بارمينيدس القائل بأن: «يبقى المرء على ما يكون عليه». وتلك إحدى النقاشات الأولى في مفهوم الكينونة الفلسفي. وبذلك يمكننا اعتبار بارمينيدس وهرقليطس اثنين من مؤسسي علم الوجود. يعتقدُ العلماء بشكل عام أن بارمينيدس كان يرد على هرقليطس أو هرقليطس يرد على بارمينيدس، وكان موضوع من كان يرد على يتغير على مدار القرن العشرين. اكتملت رؤية هرقليطس من خلال التزامه الكامل بفلسفة وحدة الأضداد (قسم من الفلسفة الجدلية) مشيرًا إلى أن «الطريق إلى الأعلى أو الأسفل هو نفسه». نظّم هرقليطس من خلال هذه الفلسفة جميع المعطيات الموجودة على شكل أزواج من الخواص المتعاكسة، حيث لا يجوز على الإطلاق لأي كيان أن يوجد بحالة واحدة في وقت واحد.
حياته
المصدر الرئيسي لسيرة حياة هرقليطس هو ديوجانس اللايرتي، على الرغم من أن البعض قد شكك في صحة كتاباته بأنها «نسيج من الحكايات الهلنستية، ومعظمها ملفقة بشكل واضح بحسب البيانات الواردة في الأجزاء المحفوظة من كتابات هرقليطس». قال ديوجانس أن هرقليطس قد اشتهر خلال الأولمبياد اليونانية الـ 69 بتاريخ (501-504) قبل الميلاد. كل ما تبقى من الأدلة (الناس الذين قيل إن هرقليطس يعرفهم أو الأشخاص الذين كانوا على اطلاع بأعماله) تؤكد ازدهار هرقليطس في عصره. وتخبرنا تواريخ ميلاده وموته المتعددة أنه قد عاش مدة 60 سنة، وهو ايضًا العمر الذي يقول فيه ديوجانس أن هرقليطس قد توفي عليه، وقد حقق نجاحاته بعمر الـ 30.
وُلد هرقليطس لعائلة أرستقراطية في مدينة أفسس في الإمبراطورية الفارسية، فيما يُعرف اليوم باسم أفس في تركيا. كان والده يدعى إما بلوسون أو هيراكون. قال ديوجانس أن هرقليطس تنازل عن منصب الملك لصالح شقيقه، وأكد المؤرخ سترابو أن هناك عائلة حاكمة في أفسس تنحدر من مؤسس أيوني (اسم شعب كان يسكن نفس المنطقة) يدعى أندروكلوس. كانت أفسس جزءًا من الإمبراطورية الآرامية منذ عام 547 وكان يحكمها ساتراب وهو ليس من نفس العائلة حيث منح ملك الإمبراطورية حكم ذاتي كبير للأيونيين. قال ديوجانس أن هرقليطس اعتاد لعب لعبة الجاكس مع الصغار في معبد أرتميس وعندما طُلب منه البدء في تطبيق القوانين رفض قائلًا ان الدستور كان (ponêra) والتي يمكن أن تعني إما أن الدستور خاطئ من الأساس أو أن هرقليطس اعتبرها مهمة صعبة.
وفيما يتعلق بالتعليم يقول ديوجانس أن هرقليطس كان مذهلاً منذ مرحلة الطفولة.
أعماله
يقول ديوجانس أن أعمال هرقليطس كانت «دراسة متواصلة حول الطبيعة، ولكن تم تقسيمها إلى ثلاثة مجالات إحداها عن الكون وأخرى عن السياسة والأخيرة عن اللاهوت». يقول ثاوفرسطس: «بعض أعماله غير مكتملة، في حين أن أجزاء أخرى منها هي أعمال غريبة جدًا».[١]
قال ديوجانس أيضًا أن هرقليطس سخّر كتاباته بشكل كامل لمعبد أرتميس الكبير. يعدُّ معبد آرتميسيوم أحد أكبر المعابد في القرن السادس قبل الميلاد وأحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. كانت المعابد القديمة تستخدم بشكل دائم لتخزين الكنوز، وكانت تفتح لأشخاص محددين تحت ظروف استثنائية. وقد درسَ العديد من الفلاسفة اللاحقين في تلك الفترة إعمال هرقليطس. يقول خان: «حتى وقت بلوتارش وإكليمندس (إن لم يكن بعدهم) كان كتاب هرقليطس الصغير متاحًا في نسخته الأصلية لأي قارئ يريد البحث فيه». وقال ديوجانس: «اكتسب الكتاب شهرة كبيرة بسبب حشده اتباع لفلسفته وكان يطلق عليهم لقب هيرقليطسيين».
كما هو الحال مع جميع الكتابات ما قبل سقراط فإن ما تبقى منها الآن فقط مقاطع صغيرة مبعثرة مقتبسة من قبل مؤلفين آخرين يتم فهرستها باستخدام نظام ترقيم (Diels–Kranz).
الفيلسوف الغامض
اشتهر هرقليطس بالغموض، فقيل عنه "الفيلسوف الغامض". وشاع هذا القول في كل العصر اليوناني و الروماني، والسبب في ذلك أنه كان يطيب له المفارقات والأقوال الشاذة، وكان يعبر عنها بلغة مجازية رمزية. و من هنا لقبه تيمون الفليوسي (300 ق. م) بلقب "صاحب الألغاز". ويقول عنه أفلوطين: "كان يتكلم بالتشبيهات، ولا يعنى بإيضاح مقصوده".
انظر ايضا
هرقليطس
فيلسوف يوناني سابق على سقراط، قال بالتغير الدانم .
من الصعب أن نحدد بالدقة تاريخ حياة هرقليطس؛ والراجح أنه ازدهر ( أيكان في الأربعين من عمره ) حوالي
سنة ٠ ٠ ٥ق. م. ولا نعرف عن حياته غير أنه كان من الاسرة المالكة في مدينة أفسوس ( بآسيا الصغرى). وما عدا ذلك من أساطير يبدو انه مأخوذ من أقواله . فوصفه بأنه كان يعرف بلقب , الفيلسوف الباكي »إثنما هو سوء تأويل لما نسب إليه ثاوفرسطس من «مالنخرليا»، وكانت تطلق آنذاك لا على الأحزان بل عل االاندفاع،. لكن شاع في العصر القديم القول بأن ديمقريط كان ايضحك ا من حماقة بني الإنسان ، بينما كان هيرقليطس يبكي منها ، فسمى يمقريط بالفيلسوف الضاحك، وهرقليطس بالفيلسوف الباكي.
كان هرقليطس إذن من أسرة ملكية، ومن هنا تتجلى ارستقراطيته ، وكبرياؤه. وهناك نادرة تقول إنه كان يلعب النرد ذات يوم مع الصبيان ، فسأله الناس لماذا تفعل ذلك ، فأجابهم : , وما يدهشكم في هذا أيها الأغبياء ؟ اليس هذا أفضل من اللعب بالسبياسة معكم ؟!،( ذيوجانس الاثرسي ٩: ٣) ومن أقواله في هذا المجال : ا الرجل الواحد في نظري يكون الف رجل ، إذا كان هوالأفضل ا ( شذرة رقم ٤٩)؛ وقال أيضاً : ٠ إن من القانون أيضاً ان يطيع المرء نصيحة شخص واحد ٠ ( شذرة رقم ٣٣)
وكان يكره الآراء القاثلة بالمساواة بين الناس. قال : إنعلى كل رجل ناضج من اهالي افسوس أن يشنق نفسه ويترك المدينة للأولاد؛ لأن أهل أفسوس نفوا هرمودورس الذي كان أفضلهم جيعا ، قائلين : « لا يتفوقن احد بيننا ، وإذا تفوق فليكن ذلك في مكان آخر وبين أناس آخرين 1 ( شذرة رقم ١٢١ ).
كذلك اشتهر هرقليطس بالغموض، فقيل عنه : , الفيلسوف الغامض »، وشاع هذا القول في كل العصر اليوناني والروماني . والسبب في ذلك أنه كان يطيب له المفارقات والأقوال الشاذة ، وكان يعبر عنها بلغة مجازية او رمزية . ومن هنا لقبه تيمون الفليوسي ( القرن اثالث ق.م) بلقب» صاحبالألغاز )) . ويقول عنه أفلوطين : «كان يتكلم بالتشبيهات ، ولا يعنى بإيضاح مقصوده ، ربما لأنه كان من رأيه أن عليناأن نبحث في داخل نفوسناكمابحث هوبنجاح ا ( « ا لتساعات» ٤ : ٨).
وكان يزدري غالبية الناس . يدل على ذلك بعض أقواله التالية :
هرقليط
شذرة ١ : , اناس آخرون لا يعلمون ما يفعلون وهم يقظى ، تماماً كما ينسون ما يفعلون وهم نيام »
شذرة ١٧ : , كثيرون لا يفهمون مثل هذه الأمور ، بل كل الذين عثروا بها، ولا يحفظونها غيرأنهم تعلموها ؛ يبدون لأنفسهم أنهم يحفظونها» .
شذرة ٣٤: ا الحمقى حين يسمعون يكونون مثل الصم . والمثل يصفهم فيقول : رغم أنهم حاضرون هم غائبون ٠ *
شذرة ٩ : ا الحميريفضلون سقط المتاع على الذهب 8
شذرة ٩٧ : I الكلاب تنبح في وجه كل من لا تعرفه 8.
شذرة ٧٨ : « الطبيعة الانسانية لا بصيرة لها ، أما الطبيعة الإلهية فبصيرة »
شذرة ٧٩: , الرجل طفل في أعين الإله ، كما أن الطفل طفل في عيني الرجل ا،
شذرة ٨٣ : < أحكم الناس يبدو قرداً إذا ما قورن باله : في الحكمة والجمال وسائر الأمور»
شذرة ١٠٢ «في نظر لله كل الأمور جميلة وحسنة وعادلة ، لكن الناس زعموا أن بعضها غير عادلة وبعضها الآخرعادلة.
وكان هرقليطس يعتقد أنه امتلك ناصية الحقيقة الأبدية ، وأنه لم يأخذ عن أحد من المفكرين السابقين ، بل فكر بنفسه وتعلم كل شيء من نفسه » ( ذيوجانس اللائرسي ٥٠٩).
ومن نظرياته الفلسفية الرئيسية القول باللوغوس Logos . وفي مستهل كتابه يؤكد وجود هذا اللوغوس . ماذا يعني باللوغوس ؟
يبدو أنه في بعض الشذرات يقصد باللوغوس معنى خاصاً ؛ لكنه في سائر الشذرات يستعمله بالمعفى الشائع . فهويستعمله بمعنى خاص حين يقول : « كل شي محدث وفقاً للوغوس 8 ( شذرة ١ ) وحين يقول : ه إن اللوغوس يرتب كل الأشياء a ( شذرة ٧٢ ) . لكنه يستعمله بالمعنى الجاري -أي بمعنى : القول، في الشذرات التالية :
شذرة ١٠٨: « لا أحد من سمعت أقوالهما6000قد أنجز هذا . . .
شذرة ٨٧ : « الأحق يتهيج لأي قول ؟70ةد 8.
لكن المعنى الخاص يدل عند هرقليطس على العقل الانسافي، وعلى المبدا الذي يحكم العالم، أو القانون الذي وفقا له يترتب العالم . وهذا اللوغوس شامل سائد في كل الكون . لكنه يتصوره تصوراً مادياً ، أي على أنه كيان مادي من عنصر النار ، لأنه يقول إن كل الأشياء متحولة من النار فالمظهر المادي للوغوس هو النار . ولهذا فإن العقل الإلهي في أصفى أحواله حار وجاف . والنار في نظره تمثل أعلى وأصفى أشكال المادة ، ومنها يتكون العقل والروح , لكن كا يقول يحي النحوي ( في شرحه على ٠ في النفس» لأرسطو، صه ٠ ٤ أ سه ٢)؛ «هولا يعني بالنار : اللهيب ؛ بل النار اسم أطلقه على البخار الجاف، ومنه تتقوم الروح أيضاً،. ومن هنا يقول هرقليطس : ا النفس الجافة هي الأحكم والأحسن ٠ ( شذرة ١٨ ).
وإلى جانب القول باللوغوس، قررهرقليطس المبادى ء الثلاثة التالية :
أ ) الانسجام هو دائماً نتاج المتقابلات ، ولهذا فإن الحقيقة الأساسية في العالم الطبيعي هي الكفاح.
ب )كل شيء في حركة مستمرة وتغير
ج) العالم نارحية دائمة البقاء .
والمبدأ الأول له ثلاثة أوجه :
١ - كل شيء مؤلف من متقابلات ، ولهذا فإنه خاضع للتوتر الداخلي .
٢ - المتقابلات في حالة هوية بعضها مع بعض ، أي أن المتقابلات واحدة
٣ - الحرب هي القوة المهيمنة والخلاقة ، وهي الحالة السليمة للأمور ٠
أما المبدأ اثاني فيعبر عنه بقوله : , كل شى ء في سيلان
والقول المشهور جدا الذي Travra pfy. a دائم
يعبر به هرقليطس عن هذا المبدأ هو : « لا تستطيع أن تنزل في نفس النهرمرتين ا. ويضيف إليه فلوطرخس (٠ المسائل الطبيعية» ٩١٢ج ) التفسير التالي : » لأن مياهاً جديدة تتدفت فيه«. ويفسرم أفلاطون (« اقراطيلوس» ٤٠٢ا) بقوله إن هاهنا رمزا لكل ما هو موجود بوجه عام ، ومعناه: » كل شيء يتحرك ، ولا شيء في سكون ».
أما المبدأ الثالث فيشرحه هرقليطس في قوله : „ إن نظام العالم Kosmos واحد للجميع ، لم يصنعه أحد الآلهة ولا
هرقليطس
٠٣٠
الناس ، لكنه هو هو دائيا وسيكون كذلك أبدا ت نارا حية داثمة البقاء ، أشعلت مقاييس وأطفئت مقاييس S ( شذرة ٣٠) ويشرح ذيوجانس اللائرسي (٩ :٨ ) هذا القول أنه يعني أن ا الكون ولد من نار وسينحل من جديد الىنار، في عصور متوالية على التبادل ، وهكذا أبداً ، ,
آثاره
راجع الشذرات الباقية من أقواله في :
- H. Diels: Herakleitos von Ephesus, griechich und deutsch, 2. Aufl. Berlin, 1909
تقويم مذهبه
إذا كان مذهب الإيليين قد قال بالوجود الثابت كا قال بالوحدة ، فإننا الآن يإزاء مذهب يعارضه تمام المعارضة فيقول بالتغير الدائم بدا من الثبات ، ويقول بالكثرة المطلقة بدلا من الثبات ، ويقول بالكثرة المطلقة بدلا من الوحدة . ولكن المذهبين - مع ذلك - يسيران في طريق متواز تقريبا ، لأن نقطة البدء عند الواحد هي نقطة البدء عند الآخر ، كما أن نقطة الانتهاء عند كليهما واحدة ٠
يبدأ هرقليطس بحثم بالكلام عن معتقدات الناس ، فيقول إن الناس يتبع بعضهم بعضا ولا يفكرون تفكيرا حرا مستقلا، وكل شيء يظهر عندهم بمظهر خاطى ء ، والطريق الذي ييرون فيه لا يدرون إلى أين ينتهي ؛ وعلى وجه العموم ، معنقدات الناس واراؤهم العامة كلها خاطئة ، بل والقلة القليلة من المفكرين ليسوا بأحسن حظا كثيرا من عامة الناس وهنا يحمل هرقليطس على هزيود، وهوميروس خصوصا ، وفركيدس والثعراء الذين سبقوه حلة عنيفة ، وينسب إليهم تضليل الناس في الجزء الأكبر من معتقداتهم ، لأنهم يتحدثون حديثا خياليا غير قائم على العقل ، لأن حديثهم هذا قاثم على الحس ومصدره الظن . والخطأ الأكبر الذي عند الناس في نظر هرقليطس هو أنهم يطلبون الوجود الثابت ، والواقع أنه ليس ثمت شيء ثابت قط ، وكل شيء في تغير مستمر، ولا يبقى شيء ثابتا، بل الوجود يتحول باستمرار ، ولا يقف لحظة واحدة عن التغير ، لأن الوجود عند هرقليطس دائم السيلان، على حد تعبيره فالشى الواحد لا يستمر على حاله وا لأشياء كلها تتحول باستمرار. وليس فقط الشيء الواحد يتحول إلى شيء آخر، بل أيضاً
هذا الشيء الواحد لا يستقرلحظة واحدة على حال واحدة وإنما هو ينقلب دائيا وباستمرار من حال إلى حال؛ فالشيء يكون حاراً، ويكون بارداً، ويكون حاراً من جديد، وهكذا باستمرار. وهكذا في جميع الأشياء: لا تثبت لها صفة واحدة ثباتاً دائما أو على الأقل ثباتاً لمدة غير قصيرة ومن هنا يقول هرقليطس بأن كل شيء يشمل ضده ويحتويه، لأن كل شيء حين يتغير، يتغير من ضد إلى ضد، فلا بد له إذاً أن يكون حائزاً من قبل على اكيء الآخر لكي يمكن هذا التغير أن يتم. إلا ان هذا القول يجب الا يفسر عل النحو الحديث ي فعل هيجل مثلا، وكيا فعل لاسله. فإن هؤلاء صوروا هرقليطس على أنه القائل بالمذهب الذي سيقول به هيجل من بعد وهو أن المتقابلات واحدة؛ ولم يكن لمثل هرقليطس في هذا الدور من أدوار الفكر الإنسافي أن يصل إلى هذا المستوى العالي من التجريد.
لكن، وعلى الرغم من هذا، يمكن أن يقال إن هرقليطس قد قال بأن الأضداد تتحول باستمرار الواحد إلى الآخر ، وأن كل ضد مرتبط به ضده . وهنا - على طريقة الفلاسفة اليونانيين السابقين على سقراط جميعاً, يصور هرقليطس هذ المبداً القائل بأن الأشياء جميعاًدائمة السيلان تصويراً حسياً فيقول إن هذا المبدأ هو النار ، لأن النار هي العنصر الذي تتمثل فيه فكرة التغير الدائم المستمر , ولكن هنا تعترضنا مسألة هي هل قال هرقليطس إن الأشياء جميعا دائمة السيلان ، لأنه رأى أن أصل الأشياء هو النار ، أم أن هرقليطس قال إن أصل الأشياء النار، لأنه رأى أن الأشياء دائمة السيلان ؟
إن الروايات والمنطق ينطقان بصحة الرأي الثاني القائل بأن هرقليطس جعل النار المبدأ الأول لأنه رأى أن الأشياء كثيرة التغيرأو داثمة السيلان فأرسطووسنبلقيوس في شرحه على أرسطو يقولان لنا إن هرقليطس قد جعل المبدأالأول هو النار، لأنه رأى أن هذا المبدأ هو-من بين المبادىء كلها -الذي يتمثل فيه دوام السيلان ، أما المبادىء الأخرى فلا يتمثل فيها هذا الدوام في السيلان . والنار التي قال عنها هرقليطس إنها أصل الأشياء ، لا يجب أن تفهم بمعنى روحي وإنما يجب أن تفهم أيضاً بمعنى حسي مادي بوصفها هذا العنصر الذي يدركه الحس ، وهذه النار هي مصدر لأشياء كلها ، وعنها تصدر الموجودات
هرقلبط
والآن فكيف يتم هذا الصدور ؟ هذا الصدور يتم عن طريق التنازع، لأننا قلنا إن الأشياء تتحول الأضداد منها إلى الأضداد الأخرى، فالأشياء المتقابلة أو المتضادة هي التي ينثأ عنها الوجود وهكذا يلاحظ أن مصدر الوجود هو مبدأ النزاع ، إلا أنه يوجد إلى جانب مبدأ النزاع هذا ، مبدأ الانسجام ؛ فإن الأشياء لا تستمر في هذ النزاع ، بل تعود إلى شىء من الوحدة ، ولو أن هذه الوحدة ليست شيئا نهائياً ، والأحرى أن يقال تبعاً لمذهب هرقليطس إن هذه الوحدة هى الفناء كما سيقول أنبادوقليس من بعد فكأن هناك إذا ، يهيمن عل جميع الأشياء ، مبدأ واحداً يجعلها تتغبر باستمرار . وتبعا لهذا المبدأ أو القانون تتحول الأشياء بعضها إلى بعض عن طريق هذا السيلان الدائم ، وهذا المبدأ يسميه هرقليطس باسم القانون أو باسم النسب المستمرة الثابتة ، أو باسم اللوغوس
هذا اللوغوس هو القانون العام الذي يسير عليه الوجود في تغيره من ضد إلى ضد ٠ وهو الشيء الوحيد الثابت في هذا الوجود الدائم السيلان ، وهو اله ، وهو النار .
ونحن إذا نظرنا إلى مذهب هرقليطس في تغير الأشياء من حيث صدر الموجودات . وجدنا أن أرجح الروايات في هذا الصدد هي تلك التي تجعل هرقليطس قاثلا بعناصر ثلاثة، هي النار والماء والتراب ٠ فالنار عنده تتحول إلى ماء ، والماء يتحول إلى تراب ، والتراب بدوره يتحول من جديد إلى ماء والماء إلى نار ٠ ومن السهل أن نفهم هذا في مذهب هرقليطس لأن النار إن أصيبت بالرطوبة تحولت إلى ماء ، وإذا أصيبت باليبوسة تحولت إلى تراب ؛ كما أن النار عند هرقليطس ذرات ترابية حادة كتلك الذرات التي نجدها في أشعة الشمس وهذا الطريق الذي تنتقل فيه الأشياء ، أولاً من النار عن طريق الماء إلى التراب، وثانياً من التراب عن طريق الماء إلى النار من جديد، يسميه هرقليطس باسم طريق من اعلى إلى أسفل وطريق من أسفل إلى أعل • فالطريق من أعل إلى أسفل هو الممتد من النار، ماراً بالماء ، حقى التراب؛ والطريق من اسفل إلى اعلى هو المبتدى ء بالتراب ماراً بالماء منتهياً عند النار وهذ التعبير قد اخذه أفلاطون عن هرقليطس وأورده في «طيماوس».
وهنا نرى أن هرقليطس لما كان قد قال بهذين الطريقين المتضادين ، فإنه يقول بأن الوجود تأتى عليه دورات يفنى فيها ثم يبدأ من جديد الوجود , وهكذا باستمرار : يوجد أولا
العالم ، ويستمر هذا العالم في التغير والتطور حتى ينتهي تطوره إلى حد يفنى فيه كل الوجود، ثم يأتي من جديد وجود آخر يبدأ من حيث انتهى الوجود الأول ويكرر تمام التكرار الوجود السابق . وهكذا يسير الوجود في دورات ، وكل دورة مشابهة للأخرى . وهذا هو مذهب ,ا العود الأبدي » عند هرقليطس وعلى الرغم من اختلاف الناس في تصوير هذا الجزء من مذهب هرقليطس، وعلى الرغم من أن هذ التصوير متأثر كل التأثر بمذهب الرواقيين الذين تأثروا بهرقليطس في كل شيء تقريبا ، فإن من المسلم به نهائيا أن هذا المذهب قد قال به هرقليطس مع اختلاف في التفاصيل بحسب الروايات ٠ فبعض هذه الروايات تفصل هذا المذهب تفصيلا تاما ، فتقول إن هرقليطس قد قال بأن هناك شيئا اسمه « السنة الكبرى ٩، وهذه السنة الكبرى تأتي في دورات معينة ، وفي هذه السنة الكبرى يحدث للعالم احتراق تام ، فيفنى العالم لكي تبدأ دورة جديدة مشابهة تمام لمشاهة للدورة السابقة . وهذه لروايات التي تفسر لنا مذهب هرقليطس فيا يتصل بهذه المسألة تختلف في مقدار الزمن المقدر لكل دورة حتى تأتي السنة الكبرى : فيقول بعضهم إن مقدار الدورة الواحدة ١٠٨٠٠، والبعض الآخر يقول إن مقدار الدورة الواحدة ثمانية عشر ألف سنة ,
والقول بهذه الأدوار يستخلص مباشرة من القول بالطريقين : طريق الصعود وطريق النزول، وعلى هذا كان من المنطقي أن يقول هرقليطس بهذا المذهب ، إلى جانب أن هذا المذهب- كما قلنا- قد قالت به الروايات الصادرة عن أرسطو وشراحه فيما يتصل بهرقليطس والمعلومات التي لدينا عن الطبيعيات عند هرقليطس معلومات تافهة أكثرها منتحل ٠ ومن بين هذه المعلومات أنه قال بأن الشمس تفنى كل يوم وتتجدد كل يوم، وطبيعي أن يقول بمثل هذا المذهب ما دام يقول بالتغير الدائم ، وما دام يقول بأن الشيء الواحد يتغير تغيراً مستمراً من ناحية الكيف وهنا نلاحظ أنه في قوله بالمبدأ الأول كان مختلفا كل الاختلاف مع الفلاسفة الذين جاءوا بعده ، فبينا هم يقولون جميعا عن المبدأ الأول إنه لا يتغير من ناحية الكيف وإن التغير لا يتم بالكيف بل بالكم عن طريق الامتداد والتقلص أو التخلخل والتكاثف ، نجده ٠ على العكس من ذلك - يقول إن المبدأ الأول يتغير بالكيف باستمرار ، وإن التغير هو تغير استحالة ، أي تغير الأعراض بعضها إلى بعض باستمرار . ومعنى هذا أن هناك
هرقليط
تغيراً بالكيف ، سواء في المبدأ الأول وفيكل ما يتم في الوجود من تغييرات .
والآن، إذا نظرنا إلى الصلة بين القول بأن الأشياء دائمة السيلان، وبين القول بأن المبدأ الأول هو النار، وجدنا أن هرقليطس لم يصل إلى هذ لاستنتاج عن طريق استدلال منطقي بل عن طريق الخيال ، فكان نوعا من لإدراك الوجداني استطاع أن يدرك فيه ، بنظرة واحدة ، الصلة بين دوام السيلان وبين النار بوصفها المبدأ الأول الذي يصلح وحده لأن يمثل دوام السيلان هذا . وفكرة اللوغوس قد أثارت حولها كثيراً من الجدل فيم يتصل بماهية هذا اللوغوس : أهو نفس النسب التي على أساسها تتوالى التغيرات ، أم أنه العقل ، وأن هذا العقل هو العقل بالمعنى المفهوم فيما بعد بوصفه الوجود اللامحسوس، أو الروح الكلية - كما سيقول الرواقيون من بعد . فهنا يذهب بعضهم إلى القول يأن اللوغوس عند هرقليطس هو نسب فحسب ونسب مادية ، بينما يتصور الآخرون اللوغورس على أنه مبدأ عقلي يهيمن على الوجود ، كيا تهيمن الروح الكلية أو الله على الأشياء.
فإذا انتقلنا من مذهب هرقليطس العام في الوجود إلى مذهبه في المعرفة ، وجدنا أنه قد حمل على المعرفة الحسية - كما فعل برمنيدس من قبل- وقال إن المعرفة الصحيحة هي المعرفة العفلية وحدها ، وأما معرفة الحواس فليست معرفة حقيقية بل هي ظن ولا تؤدي إلى اليقين . وأقوال هرقليطس في النفس غجعل من النفس شيثا نارياً ، وهذ طبيعي تبعاً لمذهبه العام ٠ ولكن ، هل يجب أن نفهم من هذا أنه يتصور النفس جا نارياً كالنار الحفيفية سراء يبوا، . أو أنه يرتفع ٢ا في درجة الوجود ، فيصورها تصويراً مجرداً لا حسيا ؟ الواقع أن الاختلاف في هذه المسألة كالاختلاف في لمسائل السابقة التي أشرنا إليها من قبل فمن يجعلون هرقليطس يقول بمبدأ لامحسوس وباللوغوس بحسبانه العقل ، يجعلون النفس عندم شياً روحياً لا حسياً ، والذين يذهبون المذهب المضاد يجعلون النفس ناراً كالنار المحسوسة سواءبسواء,
ومن نظرية المعرفة نصل إلى لأخلاق : فنجد أن أول بحث في الأخلاق بمعناها الحقيقي عند اليونان ، كان هرقليطس هو أول منقام به فقد كان يطلب بالحرية الأخلاقية، وأن يسير الإنسان على العقل في أفعاله، وبألا
يتبع العامة والمجموع ٠ وكان من أجل هذا يحمل على الديموقراطية لأنها قانون العامة وأوساط الناس . لكن يلاحظ مع هذا أن الأخلاق الني أقامها هرقليطس لم تك لتخرج كثيرا عن الأقوال الأخلاقية المتناثرة التي قال ها الفلاسفة السابقون ، فهي لا تكون مذهباً أخلاقياً بمعنى الكلمة ، كما أن نظرية المعرفة عنده لا تكون نظرية في المعرفة بالمعنى الحقيقي ، لأن نظرية المعرفة عنده لم يكن ينظر إليها على أنها الأساس التمهيدي الذي يجب أن يبدأ به الإنسان قبل بدء البحث في الوجود .
ونحن إذا نظرنا نظرة عامة إلى مذهب هرقليطس من الناحية التاريخية ، وجدنا أنه جديد كل الجدة ، لأنة أول مذهب قال بالتغير الدائم المطلق ، وجعل من التغير في الكيف تغيراً مستمراً ، الأساس في الوجود ،كما أن فكرته في الأضداد وفي أن كل شيء يحوي ضده وأن الأضداد هي هي نفسها ، نقول إن هرقليط كان في كل هذا صاحب فكرة جديدة كان لها أكبر الأثر فيما بعد في تاريخ الفلسفة . وقد أثرت في كل الذين قالوا بالتطور، وكانعلى كل فيلسوف أت بعد هرقليطس أن يحسب حساباً للتغير الدائم للاشياء إلى جانب فكرة الثبات الدائم
الموسوعة
هرقليطس فيلسوف يوناني نشيط عاش في القرن السادس قبل الميلاد. قال إن كل شيء مصنوع من النار. وجعله هذا يبدو مثل فلاسفة اليونان السابقين، الذين نظروا إلى مادة واحدة اعتقدوا أنها يجب أن تكون مشتركة في كل الموجودات. إلا أن رأي هرقليطس كان أكثر تعقيدًا.
اعتقد هرقليطس أن النضال هو الشرط الأساسي للعالم الطبيعي وأن كل شيء في حركة وتغير دائمين. وقد قال العبارة التي تقول ¸إن الشخص لايستطيع أن يقفز في النهر نفسه مرتين·. واعتقد هرقليطس أن وحدة الأشياء لا تكمن في جوهر المادة، ولكنها تكمن في توازن أو شد رقيق للقوى المعارضة. تُمثِّل النار ـ بسبب أنها متحركة دائمًا ـ رمزًا جيدًا لرأي هرقليطس في الكون.
وُلِدَ هرقليطس في إيفيسوس في تركيا الآن، في عائلة أرستقراطية وعاش منعزلا عن الناس. وقديمًا، سُمي الغامض نظرا لصعوبة فهم فلسفته.
انظر أيضًا: فلسفة ماقبل سقراط.
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةix6