هنري دو سان سيمون
كلود هنري دي روفروي، كونت دي سان سيمون (بالفرنسية: Claude Henri de Rouvroy, comte de Saint-Simon) والمعروف باسم هنري دو سان سيمون (17 أكتوبر 1760 - 19 مايو 1825) فيلسوف فرنسي وواحد من أكثر الأرستقراطيين الفرنسيين تميزاً. مؤسس الاشتراكية الفرنسية، ومؤسس مذهب السان سيمونية في الاقتصاد والسياسة. يميل إلى مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.
وُلِدَ سان سيمون في باريس، وعاش خلال فترة تاريخية مشهودة. ذهب في فترة شبابه إلى أمريكا، وحارب في الثورة الأمريكية. لم يكن له أي دور فعّال في الثورة الفرنسية بالرَّغم من ترحيبه بها. وقد أنقذه تعاطفه الجمهورى الليبرالى القوى من المقصلة خلال الثورة الفرنسية، وقام بعد استعادة البوربون لأوضاعهم، بتطوير منظومة من الأفكار عن التقدم الاجتماعى. أطلق على تلك المنظومة : الإيديولوجيا المميزة للتصنيع، فكل فرد يجب أن يعمل وأن يكافاً بناء على الكفاءة والجدارة، وأن كل التقدم يعتمد على العلم، وأن مجتمع المستقبل سيعمه السلام والرخاء وسيسير على أسس علمية مباشرة. وقد جمع سان سيمون حوله مجموعة من التلاميذ المتحمسين الذين كانوا يعدون راديكاليين، بل وحتى اشتراكيين، على الرغم من أن مذهبه الفكرى لم يحوى الكثير مما يطلق عليه اشتراكي فى وقتنا الحالى.
كان من طموحاته الأولى الارتقاء بوضع الإنسان، حيث سعى إلى إيجاد مجتمع جديد يؤدي كل إنسان فيه عمله ويتقاضى أجراً مساويًا لعمله. ليس لأحد أن يرث الثروّة، بل يبدأ كل فرد حياته على أسس متساوية. عمل سان سيمون على ترسيخ نظريته على أساس من الأدلة العلمية، غير أن نتائجه كانت في الحقيقة غير متماسكة.
وكانت دعوته موجهة إلى الاهتمام بالصناعة، ونوه إلى أهمية الحياة البرلمانية في الاقتصاد، ودعى إلى أن يكون البرلمان مكونا من ثلاثة مجالس هي: (1) مجلس الاختراع؛ (2) مجلس الفحص؛ (3) مجلس التنفيذ. وبذلك تتمثل في الحكومة هيئات من قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والمهندسين.
من الآراء التي كان يبشر بها دعوته إلى تكافؤ الفرص لا التجانس الكامل. واشترك سان سايمون في الثورة الأمريكية مدفوعا بحماسه وإخلاصه، وأيد الثوار الفرنسيين في فرنسا. وتعرض في حياته إلى الجوع والتشرد، وتحمل الكثير من الصعاب في صراعه الطويل من أجل صياغة أفكاره ونظرياته التي كان يرمي منها قيام مجتمع عادل، ومن أشهر مؤلفاته (المسيحية الجديدة).
وقد عمل الفيلسوف أوغست كونت مع سان سيمون طوال الفترة من 1817 حتى 1824 حيث تنازعا وانفصلا. وكان تأثير سان سيمون على نظريات كونت المشاب ملحوظا. كما كان من أتباع سايمون المهندس فرديناند دي لسبس الذي قام بحفر قناة السويس في مصر. وقد رأى أنصار سان سيمون في دولة مصر، وحكم محمد علي فرصة لتطبيق أفكارهم، لذا فقد سافر الكثير منهم إلى مصر للمساهمة في نهضتها.
ولكن يلاحظ أن مذهب سان سايمون الذي حمله أتباعه (سان سيمونيون) فيما بعد كان مذهبا أشتراكيا ويدعو إلى إلغاء الميراث. وكان من رأيهم أن انتقال الثروة يجب عدم تقييده بالعائلة وإنما يجب أن تؤول هذه الثروة بعد وفاة صاحبها إلى الدولة.
ويدعو انصار هذا المذهب إلى أن تتولى الدولة تنظيم الإنتاج وتعهد به إلى المقتدرين لمصلحة المجموع العام. وأن تعهد إلى كل شخص من العمل بما يتناسب ودرجة كفاءته وتقيم هذه الكفاءة بالقدر المنتج من العمل. ويجب على السلطة أن تسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها فروق المولد والنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراؤه وراء بدايات «العلم الوضعي» والاشتراكية.
حياته
ولد في باريس في 17 أكتوبر سنة 1760. وهو ينحدر من أسرة ارستقراطية عريقة في فرنسا، من أشهر رجالها دوق سان سيمون صاحب «المذكرات»، الشهيرة ذات القيمة التاريخية والأدبية الكبيرة (ولد في سنة 1675 وتوفي في سنة 1755).
ولما قامت حرب الاستقلال الأمريكية في سنة 1779 تطوع فيها جندياً يحارب في صف الثوار ضد الإنجليز المستعمرين لأمريكا، ودفعه إلى التطوع ما كان يستشعره من أن هذه الثورة «ستتمخض عن نتائج خطيرة وتغييرات كبيرة في النظام الاجتماعي في أوروبا». واستغل مقامه في أمريكا الشمالية فأقترح على نائب الملك في المكسيك مشروع شق قناة تربط بين المحيطين: الأطلسي والهادي. ثم عاد إلى فرنسا وهو برتبة قائمقام (عقيد) وسنه الثالثة والعشرون. لكنه تخلى عن مهنة الحرب. وحضر دروس مونج Monge في الهندسة الوصفية في متس Metz. ولما شبت الثورة الفرنسية في يوليو سنة 1789، لم يشارك في أحداثها، على الرغم من أنه كان من دعاة الحرية والإخاء والمساواة رغم أنه من أسرة ارستقراطية. غير أنه أراد استغلال مصادرة أملاك النبلاء، فضارب فيها، وربح الكثير. ولما قامت فترة الإرهاب (سنة 1793) سجن في قصر اللكسمبورج، ثم اطلق سراحه بعد ذلك.
ولما بلغ من العمر 37 سنة أدرك أن رسالته الاجتماعية تتطلب معرفة علمية كاملة. يمكن أن يستنبط منها قانوناً شاملاً لكل ألوان النئاط في العالم. حتى إذا ما اكتشف هذا القانون، أمكن تطبيقه لهداية المجتمع وانتشاله من حالة الضلال التي تردى فيها. ومن أجل هذا أقام في منزل مواجه لكلية الهندسة، وواظب على حضور دروسها لمدة ثلاث سنوات ثم انتقل عنها إلى كلية الطب. وتعرف إلى عدد كبير من العلماء، مثل جال Gall وكابانيس Cabanis وبيشا Bichat وبلانفيل Blainville، وأحاط نفسه بجو علمي، حتى صار منزله موئل أهل العلوم الطبيعية والفيزيائية والطبية.
وبدا التأليف، ونشر كتاباً بعنوان: «رسائل ساكن في جنيف»، (سنة 1802)
وأدرك سان سيمون أن السبيل لإصلاح حال العلم والمجتمعات الانسانية ليس المبادئ المجردة، غير العلمية، من أمثال مبادىء الثورة الفرنسية في سنة 1789، بل السبيل هو العقل العامل في الوقائع، أو بعبارة أخرى: العلم الوضعي. وما السياسة والأخلاق إلا وجهان من أوجه «العلم العام» فمعرفة الخير والشر هي من شأن رجال العلوم الرياضية والفيزيائية والحيوية. و«الله بفضل هؤلاء العلماء سيحيل الأرض إلى جنة».
وهو في وسط هذه الأفكار المتحمسة للإصلاح الشامل عن طريق العلم، أصابه الإفلاس يسبب خيانة شريكه في المضاربات وبسبب تبذيره هو. فاشتغل كاتباً في محل رهونات، لا يكسب غير ألف فرنك في العام. لكن انقذه من هذا البؤس رجل كريم يدعى Diard تولى الإنفاق عليه حتى سنة 1810 ولما مات ديار Diard عاد إليه الفقر والبؤس. ويقول عن نفسه آنذاك: «إن حياتي سلسلة من السقطات، وبالرغم من ذلك فإن حياتي لم تخفق، فإني استمررت في الصعود ولم انحدر. وفي ميدان الاكتشافات كان لي تأثير المد، وكثيراً ما نزلت، لكن قوة الصعود تغلبت دائماً على قوة الهبوط».
ومنذ ذلك الحين انصرف إلى السياسة وحدها، واهتم بالعلم الاجتماعي بدلاً من العلم العام، ابتغاء إصلاح المجتمع. وحاول في هذا السبيل الاستفادة من الأحزاب السياسية، دون أن ينضم إلى واحد منها بعينه. واتخذ نائباً عنه «وحوارياً» اوجستان تييري Augustin Thierry (1856-1795) ومعه كتب: «الاجراءات التي ينبغي اتخاذها ضد تحالف سنة 1815». وطالب بإدراج مادة في الدستور تنص على التحالف مع الإنجليز لكن لم يأخذ أحد بنصيحته هذه.
ثم أصدر كتابه الرئيسي وهو: «مرشد الصناعيين» Catéchisme des Industriels (سنة 1823) وقد استعرض فيه تاريخ تطور الإنسانية خلال أربعة عشر قرناً، وانتهى إلى هذه النتيجة وهي أن الغاية من المجتمع الحديث ليس الحرب والغزو، بل الإنتاج والصناعة. وفي هذا يقول: «إن الأمة ليست شيئاً آخر غير مجتمع صناعة كبير»، والهدف الوحيد لجهودنا هو التنظيم الأمثل للصناعة. والسياسة هي علم الإنتاج الصناعي. وكل السياسة تنحصر في الاقتصاد السياسي. إن العلاقات بين الحاكمين والمحكومين تحولت تقريباً إلى مجرد علاقات مالية. والحكومة هي القائمة بأعمال المجتمع، ودورها الوحيد هو تأمين الأمن والحرية في الإنتاج». والنظام الصناعي هو نظام المستقبل.
ووجد سان سيمون أن العقبة في سبيل تحقيق هذا المجتمع الصناعي الإنتاجي في نرنسا هو سيطرة طبقة العسكريين التي استفحل أمرها منذ أيام أمبراطورية نابليون، وطبقة رجال الدين والنبلاء التي رفعت رؤوسها من جديد في عهد إعادة الملكية بعد سقوط نابليون، وطبقة رجال القانون الذين اثقلوا الحكم بالعهود والقوانين.فلا بد من التخلص من هذه العقبات الأربع. يقول سان سيمون: «إن رسالتي هي اخراج السلطات السياسية من أيدي رجال الدين والنبلاء ورجال القضاء والقانون لإيداعها في أيدي رجال الصناعة». ولا يستبعد من مجتمعه الداعي إليه: أهل العلم، لكنه يقصر دور العلماء على اكتشاف القوانين الكفيلة بحسن استغلال الكرة الأرضية. ويضيف إلى هاتين الفئتين رجال الصناعة والعلماء، فئة الفنانين، الذين بإلهامهم أووجدانهم ينيرون المسيرة أو يسرعون بها. وعدا هذه الفئات الثلاث، لا يوجد - في نظر سان سيمون - إلا «الطفيليون والمتسلطون Parasites dominateurs».
وعلى هذه الأسس ينبغي إقامة السلطات: الروحية منها والزمنية. والصعوبة الوحيدة في تحقيق ذلك هي في ترتيب المرحلة الانتقالية من النظام الحالي الفاسد الهجين، الذي هو كومة من الأنقاض الميتة ومن المبادىء الخيالية، إلى نظام المستقبل المنشود القائم على الصناعة وعلى السياسة الوضعية. والمثل الأعلى - الموقت - لنظام الحكم هو إنشاء برلمان ذي سيادة مؤلف من ثلاثة مجالس: «مجلس الاختراع» وأعضاؤه من الفنانين وهم رجال ذوو خيال واسع فيقومون «بافتتاح المسيرة ويعلنون مستقبل النوع الإنساني». والمجلس الثاني هو «مجلس الفحص» Chambre d’examen وأعضاؤه من العلماء الذين «يقررون القوانين اللازمة لحفظ صحة البنية الاجتماعية». والمجلس الثالث هو«مجلس التنفيذ» ويتألف من رجال الصناعة «الذين يحولون الأفكار إلى إنتاج، ويحددون ما هو قابل للتنفيذ العملي مباشرةً من بين مشروعات المنفعة العامة التي أسهم في تصورها ودراستها الفنانون والعلماء معاً».
ويتباهى سان سيمون بمشروعه هذا قائلاً: «نحن الفنانين الجسورين القائمين بهذه العملية، إننا نعمل على رفع رجال الصناعة إلى الدرجة العليا من التقدير والسلطة».
لكن سان سيمون لا يريد استعمال القوة والعنف في سبيل تحقيق مشروعه هذا. بل بالعكس تماماً، إنه يريد أن يستعين بالملكية في هذا السبيل «ذلك أن الملكية - هكذا يقول - نظام له طابع من العموم يميزه ويضعه فوق سائر النظم. ووجودها ليس مرتبطاً بالنظام السياسي الحالي». وملك فرنسا «يمكن أن يصبح أول رجل صناعة في فرنسا وفي العالم كله».
ثم تعلو نبرة سان سيمون في الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي إلى اعلى درجة وأحر نغمة في آخر كتبه - ويعده البعض أهمها - وهو كتاب «المسيحية الجديدة» والشبه كبيربين هذه الدعوة ودعوة المسيحية الأصيلة. فالمسيحية جعلت من محبة القريب قاعدة الأخلاق الفردية، أما «المسيحية الجديدة» التي دعا إليها سان سيمون فتجعل من المحبة القانون الاجتماعي والعقيدة السياسية الوحيدة. والإصلاح يجب أن يتوجه إلى الطبقة الأكبر عدداً، والأشد فقراً، فيا أيها الفنانون، وأيها العلماء امضوا قدماً إلى الشعب، إلى الفقراء فالشعب سيفهم كلماتكم، لأنها لا تحتاج إلى برهان، اذ هي صورة من القلب .
وتخيل سان سيمون في نفسه مسيحاً جديداً، أو الوريث الحقيقي لرسالة المسيح، فقال: «أنا واثق أنني أؤدي أؤدي رسالة إلهية حين أدعو الشعوب والملوك إلى ادراك الروح الحقيقية للمسيحية». ولهذا نراه يوجه هذا النداء إلى العظماء على هذه الأرض:
«أيهاالأمراء! اسمعوا صوت الله الذي يتكلم على لساني: عودوا مسيحيين طيبين، كفوا عن اعتبار الجيوش المأجورة والنبلاء، ورجال الدين الهراطقة والقضاة الفاسدين - كفوا عن اعتبار هؤلاء أعوانكم الرئيسيين، واعرفوا، وأنتم متحدون باسم المسيحية، كيف تؤدون كل الواجبات التي تفرضونها على الأقوياء، وتذكروا أنها تطالبهم باستخدام قواهم من أجل زيادة السعادة الاجتماعية لأفقر الفقراء في أسرع وقت ممكن» ( «المسيحية الجديدة» ) .
توفي سان سايمون في 19 مايو عام 1825م. ودفن في مقبرة بير لاشيز في باريس في فرنسا.
أفكاره
الثورة الصناعية
نشر سان سيمون في عام 1817 بيانًا يدعى «إعلان المبادئ» في عمله المنشور بعنوان «الصناعة». تمحور الإعلان حول مبادئ أيديولوجية تسمى الصناعة، دعت إلى إنشاء مجتمع صناعي يقوده أشخاص ينتمون إلى الطبقة الصناعية بحسب تعريفه؛ إذ عرّف سان سيمون الطبقة الصناعية أو الطبقة العاملة بأنها الطبقة التي تشمل جميع الأشخاص المشاركين في العمل المنتج المساهم في بناء المجتمع مع التركيز على العلماء والصناع بالإضافة إلى المهندسين، ورجال الأعمال، والمدراء، والمصرفيين، والعمال اليدويين، وغيرهم.
قال سان سيمون إن التهديد الرئيسي لاحتياجات الطبقة الصناعية كان فئة أخرى أشار إليها على أنها فئة العاطلين عن العمل، وهم عبارة عن أشخاص قادرين على العمل لكنهم يفضلون أن يكونوا متطفلين ومستفيدين من أعمال الآخرين. عزى سان سيمون أصول هذا النشاط الطفيلي من قبل العاطلين إلى ما اعتبره الكسل الطبيعي للبشرية، وكان يعتقد أن الأدوار الاقتصادية الرئيسية للحكومة تتمثل في ضمان عدم عرقلة النشاط الإنتاجي في الاقتصاد، والحد من الخمول في المجتمع.
انتقد سان سيمون بشدة في الإعلان امتداد واتساع تدخل الحكومة في الاقتصاد بما يتجاوز الدورين الاقتصاديين الرئيسيين سابقي الذكر قائلًا: إن الحكومة تصبح «عدوًا مستبدًا للصناعة» عند تجاوزها تلك الأدوار، وإن الاقتصاد الصناعي سينخفض نتيجة لهذا التدخل الحكومي المفرط. شدد سان سيمون على ضرورة الاعتراف بجدارة الفرد والحاجة إلى التسلسل الهرمي في المجتمع والاقتصاد كامتلاك منظمات بتسلسل هرمي معتمد على جدارة الفرد من المدراء والعلماء ليكونوا صناع القرار في الحكومة. كانت وجهات نظره وآراءه ثورية حينها؛ إذ بناها على أسس تنويرية متحديًا التعاليم الكنسية والأنظمة القديمة بأفكار تقدمية حول الصناعة والعلوم.
بعد تأثره الشديد بغياب الامتياز الاجتماعي الذي رآه في الولايات المتحدة الوليدة، تخلى سان سيمون عن لقبه الأرستقراطي، وأصبح مؤيدًا لحكم الجدارة (أو حكم الأخيار)، وأصبح مقتنعًا بأن العلم مفتاح التقدم ويمكن تحقيق تطوير المجتمع بالاعتماد على المبادئ العلمية الموضوعية. رأى سان سيمون أن المجتمع الإقطاعي في فرنسا وأماكن أخرى يحتاج إلى حل، ورأى أيضًا وجوب الانتقال بهذا المجتمع ليصبح مجتمعًا صناعيًا، وعلى هذا النحو ابتكر سان سيمون مفهوم المجتمع الصناعي.
تأثرت آراء وأفكار سان سيمون الاقتصادية بآدم سميث وأطلق عليه مادحًا لقب «آدم سميث الخالد». شارك سان سيمون سميث الاعتقاد بوجوب انخفاض الضرائب للحصول على نظام صناعي أكثر عدلًا، أراد سان سيمون أيضًا التقليل من تدخل الحكومة في الاقتصاد لمنع إعاقة العمل المنتج، لكن سيمون أكد بشكل أكبر على أن إدارة الدولة للاقتصاد متطفلة ومعادية للإنتاج. حاكى نموذج المجتمع الذي قدمه سيمون الأساليب العلمية لعلم الفلك، وقال: «إن علماء الفلك يقبلون فقط تلك الحقائق التي يمكن التحقق منها بالملاحظة؛ لقد اختاروا النظام الأمثل، ومنذ ذلك الوقت لم يقودوا العلم على نحو ضال».
استعرض سان سيمون الثورة الفرنسية واعتبرها ثورة مدفوعة بالتغيير الاقتصادي والصراع الطبقي. اعتقد في تحليله لذلك أن حل المشكلات التي أدت إلى الثورة الفرنسية هو إنشاء مجتمع صناعي يكون فيه التسلسل الهرمي وحكم الجدارة واحترام العمل المنتج أساس المجتمع، بينما تقل أهمية التسلسل الهرمي الوراثي والعسكري في المجتمع لأنهم غير قادرين على قيادة مجتمع منتج.
وصف كارل ماركس سان سيمون بأنّه من «الاشتراكيين الطوباويين»، ولكن المؤرخ آلان ريان اعتبر بعض أتباع سان سيمون، وليس سان سيمون نفسه، مسؤولين عن صعود الاشتراكية الطوباوية (الاشتراكية الخيالية) التي استندت على أفكار سان سيمون.
الإقطاعية والأرستقراطية
دعا سيمون في معارضته للنظام الإقطاعي والعسكري إلى شكل من أشكال الاشتراكية التكنوقراطية، وهو ترتيب يجب على الزعماء الصناعيين أن يسيطروا فيه على المجتمع؛ على غرار الملك الفيلسوف لأفلاطون. رأى سان سيمون بأن التوجه الروحي للمجتمع في العصور الوسطى ينبغي أن يكون نحو رجال العلم بدلًا من رجال الكنيسة؛ فمن حق الرجال الذين ينظمون المجتمع للقيام بعمل منتج أن يحكموه. لا يوجد الصراع بين العمل ورأس المال الذي أكدت عليه الاشتراكية اللاحقة في أعمال سان سيمون، ولكن برأيه ينبغي على الزعماء الصناعيين المسيطرين على الإنتاج أن يحكموا وفقًا لمصلحة المجتمع. تلقت قضية الفقراء في وقت لاحق المزيد من اهتمامه لتصبح كما الدين، وذلك في كتابه «المسيحية الجديدة». أدّى هذا التطور في أفكاره إلى شجاره الأخير مع كومت.
آراؤه الدينية
لم يكن سان سيمون مهتمًا باللاهوت قبل نشره لكتاب «المسيحية الحديثة»، ففي هذا العمل يسبر سان سيمون الإيمان بالله هادفًا إلى اختزال المسيحية وصولًا لعناصرها البسيطة والأساسية. فعل سان سيمون هذا من خلال مسحه للدوغماتية والعقد وغيرها من العيوب المتواجدة في الكاثوليكية والبروتستانتية. طرح سان سيمون هذا المبدأ باعتباره الصيغة الشاملة للمسيحية الجديدة: «يجب على المجتمع بأسره أن يسعى إلى تحسين الوجود الأخلاقي والمادي للفئات الأكثر فقرًا؛ يجب على المجتمع أن ينظم نفسه على أفضل وجه لتحقيق هذه الغاية»، وقد أصبح هذا المبدأ بعد ذلك شعارًا لكل مدرسة سان سيمون الفكرية.
تأثيره
كانت آراء سان سيمون خلال حياته ذات تأثير ضئيل للغاية، إذ لم يتبق سوى عدد قليل من التلاميذ المخلصين الذين واصلوا الدعوة إلى مذهب أستاذهم الذي كانوا يعتبرونه نبيًا. وقد كان أوغست كومت التلميذ الأكثر شهرة بالنسبة إلى سان سيمون، بينما كان أوليندي رودريغيز تلميذ سان سيمون المفضل، بالإضافة إلى بارثيلمي بروسبر إينفانتين الذين تلقوا معًا آخر تعاليم سان سيمون. كانت خطوتهم الأولى هي إنشاء مجلة سُميّت بـ «المنتِج» لكنها توقفت في عام 1826. بدأت طائفة سان سيمون في النمو، وقبل نهاية عام 1828، عقدت اجتماعات في باريس والعديد من المدن الأخرى.
امتلكت مسيرة تأثيره تطورًا مهمًا في عام 1828، قام به أماند بازارد الذي قدم «عرضًا كاملاً لعقيدة سان سيمون» في جولة طويلة من المحاضرات في باريس حضرها عدد كبير من الحضور. جلبت ثورة يوليو عام 1830 حرية جديدة للإصلاحيين الاشتراكيين لينشروا بذلك إعلانًا يطالب بالملكية العامة، وحق تصويت المرأة، وإلغاء حق الميراث.
ادّعت الكاتبة النسوية والاشتراكية الفرنسية فلورا تريستان (1803-1844) أن ماري ولستونكرافت مؤلفة كتاب «دفاع عن حقوق المرأة» توقعت أفكار سان سيمون قبل جيل.
استُخدم اسما سان سيمون وفورييه في رواية «الشياطين» لفيودور دوستويفسكي كإهانات موجهة لآخرين من قبل العديد من الشخصيات النشطة سياسيًا.
أعماله
كتب سان سيمون روايات مختلفة عرض فيها آرائه:
- رسائل أحد سكان جنيف إلى معاصريه (1803).
- الصناعة (1816-1817).
- السياسة (1819).
- المنظم (1819-1820).
- من النظام الصناعي (1822).
- التعليم المسيحي للصناعيين (1823-1824).
- المسيحية الجديدة (1825).
- نُشرت نسخة من أعمال سان سيمون وإنفانتين من قبل الناجين من الطائفة (47 مجلد- باريس- 1865- 1878).