مارتن هايدغر

(بالتحويل من هايدغر)

مارتن هايدغر (بالألمانية: Martin Heidegger)‏ (26 سبتمبر 1889 - 26 مايو 1976) فيلسُوفوجودي أَلَمَّانِي. ولد جنوب ألمانيا، درس في جامعة فرايبورغ تحت إشراف إدموند هوسرل مؤسس الظاهريات، ثم أصبح أستاذاً فيها عام 1928. وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكلات الوجود والتقنية والحرية والحقيقة وغيرها من المسائل. تبنى منهج إدموند هوسرل الفينومينولوجى (انظر : الفلسفة الظاهراتية) لبحث طبيعة الوجود الإنساني. ومن أبرز مؤلفاته: الوجود والزمان (1927) الذى أثر تأثيراً مهما على نزعة ما بعد الحداثة، وكان مصدراً لأفكار أنتونى جيدنز عن الزمان والمكان؛ دروب مُوصَدة (1950) ؛ ما الذي يُسَمَّى فكراً (1954) ؛ المفاهيم الأساسية في الميتافيزيقا (1961)؛ نداء الحقيقة؛ في ماهية الحرية الإنسانية (1982) ؛ نيتشه (1983).

تميز هايدغر بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين ومن أهمها الوجودية، التأويليات، فلسفة النقض أو التفكيكية، ما بعد الحداثة. ومن أهم إنجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيداً عن الأسئلة الميتافيزيقية واللاهوتية والأسئلة الإبستمولوجية، ليطرح عوضاً عنها أسئلة نظرية الوجود (الأنطولوجيا)، وهي أسئلة تتركز أساساً على معنى الكينونة (Dasein). ويتهمه كثير من الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين بمعاداة السامية أو على الأقل يلومونه على انتمائه خلال فترة معينة للحزب النازي الألماني.

أفكاره

كانت تجربة مارتن هايدغر في القلق والتي كشفت له لا الوجود وإنما العدم (Le Néant) أساسية بشكل لافت والذي بدوره كشف لهايدغر عن معنى الوجود (L’être)، فالقلق الذي عايشه هايدغر له صلة بفكرة العدم، فالإنسان يقلق وذلك لكونه يدرك أنه محكوم في النهاية بالموت الذي هو العدم نفسه، والقلق هذا هو ليس الخوف، إذ أن الفرق بين الاثنين واضح: في الخوف يستطيع الإنسان أن يحدد موضوع خوفه والذي يأتي من خطر معروف، أما القلق الذي على الشكل الذي عايشه مارتن هايدغر فإن موضعه وأسبابه تكون غير مفهومة (مبهمة)، منشأ القلق عند هايدغر ليس الشعور بالذنب بعد ارتكاب خطيئةٍ ما كما عند كيركغور، وإنما منشأه هو الخوف من العدم، فيكون مصدره هو الوجود:

«وما القلق إلّا حالة الخوف المطلق أمام العراء المطلق»، وللقلق الوجودي دور هام يتمثل بانتشال (الأنا) من سقوطها ثم إرغامها على الاختيار بين تركيبين وجوديين، تكشفا لهايدغر بفعل تجربته الأساسية الخاصة في القلق: «وإنه ينبثق [أي القلق] هو نفسه من أن الأنية (الأنا) تشعر بأنها “ملقاة-هناك” وبأنها مرغمة على الاختيار بين شكلين متعارضين للوجود.»

فهذان الشكلان (التركيبان) المتعارضان هما:

الوجود الأصيل

(Authentique) أو الشعور بالموقف الأصيل: حيث القلق هو الذي يأتي بالأنانية (الأنا) إلى هذا الوجود الذي يسميه هايدغر (الوجود-في-العالم)، وهذه «الأنا» في هذا الوجود تستشعر بصورة قوية بـالعزلة، وهي «الأنا الوحدية» والتي هي (الصورة الأساسية للشعور بالموقف الاصلي)، فالقلق يعري الذات الإنسانية ويساعد الإنسان على تأكيد ذاته وان يكون هو نفسه، فالوجود المفعم بالقلق الوجودي هو الوجود الأصيل عند هايدغر، أفراد قلائل هم الذين يختارون (الوجود الأصيل) وهذا يعني قبولهم في معايشة القلق، وذلك بهدف تأكيد ذواتهم وتأكيد تفردهم كأفراد يسعون إلى معرفة حقيقتهم ومعرفة معنى وجودهم الخاص، وسيكشف لهم (القلق)، لا معقولية الوجود، وأن الحياة لا معنى لها، ولكن مع الاستمرار بها فالإنسان هو الذي يمنح الحياة معناها والوجود معقوليته، والقلق يحث ويدفع الإنسان إلى البحث عن ماهيته التحقيقية المحتجبة، وهو في الفلسفة الوجودية صانع لنفسه عبر ذاته التي يستحثها القلق، وأن يكون الإنسان هو ذاته فهذه صفة من صفات الوجود الأصيل، إلا أن الذات لا يمكن أن تكون هي نفسها إلا إذا تمتعت بالحرية.

الوجود الزائف

(Inauthentique) أو المبتذل: يرى هايدغر أن الأنية لها القدرة على الاختيار بين هذين الوجودين (الوجود الأصيل أو الوجود الزائف) الذي كشفهما له القلق، وفي الوجود الزائف تستغرق الأنية (الأنا) في العالم والوجود الجماعي (L’être communautaire)، والذي هو «ضرب من عدم الوجود»، وهذا معناه (ألا يكون المرء ذاته، وهنا تصبح الأنية ــ بصورة إيجابية ــ شيئاً آخر غير ذاتها) فالأنية ستكون هناك دوماً فيكون سيان عندها ما يحدث في الحياة أو لا يحدث شيء، وهذا هروب للأنية (الأنا) من القلق، وعندما تهرب فإن الوجود التي هي فيه سيكون في مرحلة «السقوط»، ثلاث سمات رئيسية تميز هذا السقوط الذي يؤدي إلى الوجود الزائف:

  1. الثرثرة اليومية (bavardage)، حيث تقطع الأنية (الأنا) كل صلة لها بالوجود الأصيل، وحيث تصبح هذه الثرثرة مقياس لمعرفة المرء.
  2. الفضول الزائف (curiosité)، حيث الدافع له هو الهروب من الذات، والتسلية، والضياع في الأشياء، وهو يحجب الطبيعة الأصلية للإنسان فيغدو لا رغبة له بفهم الوجود والنفاذ إليه، فالفضول يقدم للأنية أسوأ خداع إذ تتوهم هذه الأنية أنها تحيا حياة حقيقية غير زائفة.
  3. الالتباس (equivoque): وهذا يحدث عند الإنسان عندما يصل إلى مرحلة من الابتذال، فيصعب عليه التمييز بين الحياة الحقة الأصيلة والحياة المبتذلة. إن هذا الوجود الذي أطلق عليه هايدغر اسم (الوجود المبتذل) هو وجود مع الناس الذين لا يريدون العيش مع القلق، فيتملصون بكل وسيلة للابتعاد عنه وعن قصده، فلا يهمهم «تأكيد الذات» أو تأكيد تفردهم أو معرفة ذواتهم، فهم لا يتحملون متاهات القلق، لذا فإنهم يسعون إلى التخلص منه بالانغماس في الحياة اليومية الروتينية رافضين الخروج من عبوديتهم لها، مبتعدين عن أية محاولة تقودهم إلى البحث عن معنى الوجود أو البحث عن ماهيتهم الحقيقية. السقوط هو الهروب من القلق والعزل.
مارتن هايدغر إِن لُغتِي هِي مسكنِيٌّ، وَهِي موطِنِيّ ومُستقِرِّيٌّ، وهِي حُدود عالمِيّ الحمِيمِ ومعَالِمِهِ وتَضَارِيسِه، ومِن نوافذِها ومِن خِلال عُيُونِهَا أَنظر إِلَى بقِّيَّة أَرجاء الكونِ الواسِع مارتن هايدغر

—مارتِن هَايِدغر

طالع أيضًا

هيدجر

المؤسس الحقيقي للوجودية ٠

ولد مارتن هيدجر في ٢٠ سبتمبر سنة ١٨٨٩ في مسكرش Messkirch، وهي مدينة صغيرة في مقاطعة بادن ( ألمانيا) ، لأسرة عميقة الجذور في هذا الاقليم . وكان أبوه فريدرش Friedrich صانع براميل وفي الوقت نفه كان أمينا لخزانة كنيسة القديس مارتن في تلك المدينة ، وكانت ديانته الكاثوليكية وكذلك زوجته يوهانا كمف Johanna Kempf

ويقول هيدجر عن نفه في ترجمته لحياته الملحقة برسالة سنة ١٩١٤ : Ä نظرية الحكم في المذهب النفسافي » :

ا( دخلت المدرسة الشعبية في بلدي ، ثم دخلت المدرسة الثانوية في كونستانس من ١٩٠٣ إلى ١٩٠٦، وابتداء من السنة قبل النهائية دخلت مدرسة برتولد Berthold الثانوية في فبرابورج - في بريسجاو . وبعد أن حصلت على شهادة إتمام الدراسة ( الثانوية ) في سنة ١٩٠٩، تعلمت في ( جامعة ) فرابورج-في- بريسجاو حتى الامتحان النهائي Rigorosum . وفي الفصل الدراسي الأول حضرتدروس اللاهوت والفلسفة ، وابتداء من سنة ١٩١١ خصوصا تابعت دروس الفلسفة والرياصيات والعلوم الطبيعية ، وفي الفصا الأخير تابعت أيضا دروس التاريخ »

لقد بدأ هيدجر إذن دراسته الثانوية سنة ١٩٠٣ في مدرسة كونستان الثانوية , وهناك التقى بالدكتور كونراد جروبرConrad Grober الذي كان آنذاك قسيساً في كنيسة الثالوث ، وسيصير فيما بعد رئيساً لاساقفة فرايبورج ، وهو الذي وجه هيدجر إلى دراسة اللاهوت ، وأهدى هيدجر نسخة من رسالة فرانتس برنتانو التي عنوانها : « في المعاني المختلفة للموجود عند أرسطوK ، وكان لقراءة هيدجر لهذه الرسالة أثرها في توجيه هيدجر للبحث في مشكلة الوجود ، كماقال هوعن نفه ( « في الطريق إلى اللغة ، ص٩٢ )■

وتابع هيدجر تعليمه اللاهوقي في معهد فرابورج الاسقفي حتىسنة ١٩٠٩ حيث كان طالبا داخلياً ٠ وكان لهذم الدراسة اللاهوتية دورها في توجيه فكر هيدجر إذ استند إليها في عاضراته الأولى التي كرسها لتحليل حياة القديس بولس والقديس أوغطين ، كما أنها أسهمت في تشكيل فكره الفلسفي والميتافيزيقي بخاصة .

ثم قضى عاماً في معهد اليسوعيين ، ودخل بعدم جامعة فرابورج -في - بريسجاو حيث أتم دراسته في اللاهوت والفلسفة وأخذ يقرأ بنفسه مؤلفات هسرل في الفينو مينولوجيا ، ومؤلفات اميل لاسك Lask، كما حضر سمنارات هينرش ركرت Rickert وكانت تدور حول لمعفى الأخلافي لفلسفة نيتشه .

وفي سنة ١٩١٥ ناقش الرسالة التي تقدم ب للحصول على دكتوراه التأهيل ( للتدري في الجامعة ) Habilitation، وعنوانها : (( نظرية المقولات والمعنى عند دونس اسكوتس I) وقد أهداها إلى أستاذه ركرت ٠ وقد استند فيها إلى رسالة لم تكن في الواقع من تأليف دونس اسكوتس ، بل من تأليف توماس الذي من ارفورت Thomas von E-rfurl، ي أثبت ذلك فيما بعد مؤرخ فلفة العصور الوسطى العظيم مارتن

■ Martin Grabmann جرا بمن

وإلى جانب اهتمامه معنى الوجود ، نجده في ذلك الوقت نفسه -هتم بمشكلة الزمان ، فيلقي محاضرة - كجزء من امتحان دكتوراه التأهيل هذه — عن «معنى الزمان في علم التاريخ fl (نشرت في«مجلة الفلسفة والنقد الفلسفي » سنة ١٩١٦ ،ج١٦١ص ١٧٣ - ١٨٨ )، ويبدو فيها تأثره باراء فلهلم دلتاي ؛ وفيها يحدد أصالة علوم التاريخ تجاه علوم

٥٩٨

هيدجير

الطبيعة .

وبعد حصوله على دكتوراه التأهيل في سنة ١٩١٥ عين هيدجر مدرساً Privat Dozent في جامعة فرابورج . وفي سنة ١٩١٦ عين هسرل استاذاً في جامعة فرايبورج ، فلفت انتباهه ذكاء هيدجر الفائق ، وداعبه الأمل في أن يصبح هيدجر من أنصار مذهب الظاهريات ؛ فاتخذم مساعداً له إلى جانب

اللذين سيكون لهما E. Stein وأ . اشتين E. Fink يوجن فنك

شأن ايضاً في فلسفة الظاهريات .

وفي سنة ١٩٢٣ عين هيدجر استاذاً غير ذي كرسي للفلسفة في جامعة ماربورج Marburg . وهنا الف كتابه الرئيسي : , الوخود والزمان، الذي أودع فيه زبدة فلسفته كلها، ويعد من أعظم المؤلفات الفلسفية على مدى تاريخ الفلسفة .

وفي عيد العنصرة ( الاحد السابع بعد عيد الفصح ) سنة ١٩٢٩ أصدر هيدجر كتابه , كنت ومشكلة الميتافيزيقا , وهويحتوي على تفسيره للمعنى الذي قصده كنت من انقد العقل المحض ,: هل هو كتاب في نظرية المعرفة العلمية ، كما يزعم أنصار الكنتية الجديدة ( كوهن ، ناتورب ، ركرت )،أوهو تأسيس للميتافيزيقا كما يرى هيدجر ؟ وزبدة الكتاب كان هيدجر قد ألقاها محاضرات في الفصل الدراسي الشتوي ٢٨/١٩٢٧ وفي محاضرات ألقاها في سبتمبر سنة ١٩٢٨ في معهد هردر في ريجا ، وفي محاضرات القاها في مدرسة التجارة العليا في دافوس Davos ( سويسرة ) , في شهر مارس سنة ١٩٢٩ وفي مارس سنة ١٩٢٩ انعقدت ندوات في دافوس، اشترك فيها هيدجر كما اشترك ارنست كاسيرر ٠ وعرض هيدجر تفسيره لمعنى كتاب I نقد العقل المحض K معارضاً تفسير الكنتية الجديدة . فانبرى له ارنستكاسيرر، ودارت بينهما مناقثة حادة ( تجد نصها في ملحق الطبعة الرابعة من كتاب هيدجر : ل كنت ومشكلة الميتافيزيقا ، ) .

وكان هيدجر قدم عين فى سنة١٩٢٨ أستاذاً ذا كرسى في جامعة فرايبورج خلفاً لهسرل وبناء على توصية منه . وفي ٢٤ يوليو سنة ١٩٢٩ ألقى محاضرته الافتتاحية في جامعة فرايبورج بعنوان : D ما الميتافيزيقا ؟».

وبدعوة من المدير السابق لجامعة فرايبورج ، وبتأييد من مجلس الجامعة وبناء على طلب جميع الأساتذة ، وافق هيدجر على ترشيح نفسه لمنصب مدير جامعة فرايبورج ٠ وفي

٢٢ أبريل سنة ١٩٣٣ نشرت جريدة بريسجاو أن هيدجر انتخب رسمياً مديراً لجامعة فرايبورج .

وفي ٣ و٤ مايوسنة١٩٣٣ - وكان هتلر قد تولى الحكم في ألمانيا في ٣٠ يناير سنة ١٩٣٣ - نشرت الصحف المحلية خبر نضمام هيدجر رسمياً إلى الحزب الوطني الاشتراكي ( النازي ). وفي ٢٧ مايو سنة ١٩٣٣ القى هيدجر المحاضرة الافتتاحية (التى استهل بها منصبه الجديد) بعنوان: ٠ التوكيد الذاتي للجامعة الألمانية » وفيها عرض برنامجاً مفصلاً لاصلاح الجامعة .

لكنه ما لبث أن وقع في خلاف مع السلطات ، وذلك أن مكتب الفرد روزنبرج ، الموجه الفكري للنازية ، طلب منه فصل اثنين من العمداء في جامعة فرايبورج بسبب عداوتهما للنازية ، وهما الأستاذ فولف والأستاذ مولندورف Mollendorf . لكن هيدجر رفض تنفيذ هذا لامر، وقدم استقالته من منصب مدير الجامعة ، وقبلت استقالته ولم بمض عليه في هذه المنصب إلآ عشرة اشهر . لكنه استمر استاذاً يلقي محاضراته .

غير انه صار هدفاً للمضايقات من جانب السلطات . فكانت الشرطة السرية.5.5 تكتب تقارير منتظمة عما يدور في محاضراته ودروسه وتقدمها إلى ألفرد بيوملرA. Baeumler، مدير جامعة برلين ، وكريك E. Krieck مدير جامعة هيدلبرج ، وكلاهما كان واسع النفوذ عالي المكانة في لحزب النازي ٠ كذلك منعت بعض دروسه ( السمنارات ) ومنها سمنار كان يدور حول كتاب I العامل»]ع1ذ•0]٨]ع•لأرنست يونجر . ومنع من اعادة طبع كتاب ٠ كنت ومشكلة الميتافيزيقا» ومن نشر كتاب : I نظرية أفلاطون في الحقيقة a كذلك منع من حضور مؤتمر الفلسفة المنعقد في باريس في سنة ١٩٣٧ .

وآثرهومن جانبه عدم الاصطدام بالسلطات، فاكتفى بالدروس ( السمنارات )، دون المحاضرات العامة واعتصم بالعزلة والاستغراق في التأملات الفلسفية ، وذلك في بيته الجبلي في قرية توتناوبرج Todtnauberg في قلب الغابة السوداء ، حيث كان قدشيدهذا البيت في سنة ١٩٢٢ بصبره ومثابرته كما قال :

« من أقام البيت ها هنا هو المثابرة على إدراج الأرض والسماء ، والأمور الإلهية والغاية بكل بساطتها ، إدراجها في

هيلجر

الأشياء . وهذه القوة هي التي أقامت البيت على سفح لجبل، في مأمن من الرياح، وفي مواجهة الجنوب، بين لمروج وبالقرب من الينبوع ٠ وهي التي وهبته سقفا من الألواح بارزاً بروزاً كبيراً يحمل شحنات الثلح وبانحناء مناسب ، وهو ينزل إلى أسفل جداً ، فيحمي الغرف من عواصف ليالي الشتاء الطويلة . ولم ينس « ركن الرب » خلف المائدة المشتركة ، وهيأ في الحجرات مواضع مقدسة ، هي مواضع الميلاد و(1 شجرة الموت ا - وبهذا الاسم يسمون هناك النعش — وهكذا بالنسبة إلى غختلف الأعمار ، صور ، تحت نفس السقف ، أثر مرورها خلال الزمان » ( « مقالات ومحاضرات » ص ١٩١ - ١٩٢ ، ترجة فرنسية ، باريس سنة ١٩٥٨ ).

وكان هيدجر قد تزوج في سنة ١٩١٧ من ألفريده بتري Elfrede Petri ، ورزق منها بأول ولد وهويرج Jörg في سنة ١٩١٩، وبالولد الثافي هرمن Hermann في سنة ١٩٢٠

وفي خريف سنة ١٩٤٤ استدعي هيدجر للاشتراك في الميليشيا الشعبية Volkssturm ، لما كانت ألمانيا على وشك الهزيمة ,

فلا هزمت ألمانيا هائياً في أوائل مايو سنة ١٩٤٥ ، واحتل الحلفاء ( امريكا وانجلتره وروسيا وفرنسا الخ ) كل ألمانيا ، أصدرت سلطات الاحتلال قراراً بمنع هيدجر من التدريس في جامعة فرايبورج . واستمر هذا المنع حتى سنة ١٩٥١ وخلال هذه الفترة كان هيدجر يكتب مؤلفاته ويتحدث مع جماعات صغيرة من الطلاب أو المعجبين . فكتب رسالة صغيرة بعنوان : 11 وما فائدة الشعراء ؟٥( سنة ١٩٤٦) وألقى أربع محاضرات في نادي برمن Bremen ( ألمانيا الغربية ) في ديسمبر سنة ١٩٤٩ . وألقى محاضرة عن « الشيء Das Ding a في أكاديمية بافاريا للفنون الجميلة في ٦ يونيو سنة ١٩٥٠ ، ومحاضرة عن « اللغة» في ٧ اكتوبر سنة ١٩٥٠ .

وفي سنة ١٩٥١ أعيد هيدجر إلى منصبه أستاذاً في جامعة فرايبورج . وكانت دروسه (سمنار) الأولى عن : ه أرسطو، كتاب الطبيعة م٢ ف١ ، م٣ ف١-٣ ».

واستمر بعد ذلك في إلقاء الدروس، التي تمخض عنها الكتابان التاليان : « مامعنى التفكير؟ ه ( سنة ١٩٥٢ )، I مبدا العلية ٠ ( سنة ١٩٥٥ - سنة ١٩٥٦ ). وكان يلقي

كثيرا من المحاضرات العامة ويشترك في مختلف الاحتفالات التذكارية .

وبدأ نشر محاضراته في كتب ضخمة عديدة ، أهمها كتابه الضخم عن « نيتشه» في مجلدين ( سنة ١٩٦١ )

وسافر إلى فرنسا في سنة ١٩٥٥ ليشترك في B أحاديث سريزي لاسال fl التي دارت في قصر سريزي لاسال ( شمالي باريس ) وخصصت لدراسة فلسفة هيدجر ، وقد ألقى هيدجر هناك محاضرة في سبتمبر سنة ١٩٥٥ بعنوان : ما هذا الشيء المسمى بالفلسفة؟ ?Was ist das-die Philosophie

وسافر مرة أخرى إلى فرنسا في سنة ١٩٥٨ وألقى محاضرة في كلية الآداب بجامعة اكس- آن بروفانص (في جنوبي فرنسا قرب مرسليا)، عنوانها] «هيجل واليونان» (في ٢٠ مارس سنة ١٩٥٨ ) .

وقام بأول رحلة له إلى اليونان في ابريل سنة ١٩٦٢

وفي العام الجامعي ٦٧/١٩٦٦ استأنف هيدجر، وهو في السابعة والسبعين، التدريس في جامعة فرايبورج حيث خصص سمناراً للفيلسوف اليوناني هرقليطس.

وفي سنة ١٩٦٨ ألقى دروساً (سمنار) في تورThor (في اقليم البروفانص جنوبي فرنسا ) جعل موضوعها كتاب هيجل الذي بعنوان : B الفارق بين مذهبي هيجل وشلنج » ، وذلك خلال المدة من ٠ ٣ أغطس حتى ٨ سبتمبر . وقد عاد إلى تور Thor في السنة التالية فألقى دروساً عن كتاب امانويل كنت وعنوانه : ه في البرهان الوحيد الممكن على وجود الله»، وذلك في الفترة من ٢ إلى ١١ سبتمبر سنة ١٩٥٩

وأمضى بقية حياته في بيته الجبلي في توتناوبرج، إلى أن توفي في ٢٦ مايو سنة ١٩٧٦ في مسكرش Messkirch مقط رأسه .

نلفته

هيدجر هو المؤسس الحقيقي للوجودية.

والموضوع الرئيسي الذي تدور حوله كل فلسفته هو الوجود - ومهمة الفيلسوف في نظره هي إيضاح معنى الوجود . والمنهج الذي يستخدمه هيدجر في سبيل ذلك هو « الاشارة» Aufweisung ، لأن الوجود لا يقبل البرهان للتدليل عليه ، بل الايضاح والكشف ، وذلك بالاشارة إليه

هيدجر

ذلك أن الوجود اسم مشترك بين كل الأشياء الأحياء . وهو يشمل السائل نفسه الذي يسأل عن معنى الوجود . ومن المستحيل النظر إليه من الخارج ، أو استنباطه من شيء أسبق ، لأنه لا شيء أسبق عليه .

أين تتجلى ظاهزة الوجود ؟ في الموجودات نفسها . إن الوجود هو وجودالموجودات التي تستمد كلها منه وجودها الخاص ب . فعلينا إذن أن نمضى من الموجود das Seiende إلى الوجود Sein ٠ لكن الوجود نفسه ليس موجوداً من الموجودات . بلهو ما يعطي الوجود لكل ما هوموجود ، لا كعلة خارجية ، بل كمبدأ أساسي قائم في عمائق الموجودات ، ولهذا لا نستطيع أن ننعته إلا بالقول بأنه ا الوجود فحسب، das Sein schlechthin.

ومن هنا يقوم تمييز أساسي بين ميدان الوجود ، وميدان الموجود، أو بين الوجودي ( الانطولوجي ) وبين الموجودي ontisch فالانطولوجي يرجع إلى ما يجعل لموجود موجوداً ، أي يرجع إلى تركيبه الأساسي . أما الموجودي فيشمل الموجود كماهو معطى

والوجود في كل مكان ، لكنه لا يعطي الوجود على نحو واحد ، بل هناك أحوال عديدة للوجود وانماطختلفة للموجودات : وجود الشيء ، وجود الأداة ، وجود الإنسان ، الخ . فبأي نمط من هذه الأنماط نبدأ البحث ؟ والجواب عند هيدجر واضح حاسم : إنه وجود الانسان ، وجودنا نحن ، هو الذي ينبغي أن نبدأ به البحث ، إذ لا توجد نقطة ارتكاز أخرى أقوم من الانسان. فنقطة ابتداء البحث في الوجود ينبغي أن تكون إذن هي تحليل وجود الإنسان . وعلى هذا التحليل أن يوضح وجود هذا الموجود ( الانسان ) الذي يتساءل عن الوجود , إن الانسان ، بالنسبة إلى تجربتنا ، هو الموجود الوحيد الذي يستطيع أن ينقى موجودات أخرى ، وأن يوجه إليها انتباهه وأن يتصل ما , وبالنسبة إلى الانسان وحده تكون هذه الموجودات مفتوحة ، منكثفة ، وهو وحده أيضاً الذي يقدر على أن ينكشف لها . وهو الموضع الوحبد الذي فيه يظهر فهم الوجود، وفيه لا يتوقف عن التكاثر والوجود . ولهذا يقول هيدجر : ا إن ماهية الإنسان جوهرية بالنسبة إلى حقيقة الوجود ’ ( ا الوجود والزمان ٠ ص ١٢)،

ووجود الانسان يسميه هيدجر ا الآنية ٠ Dasein ( آ

الوجود - هناك ) ، أي الوجود في العالم ، وهذه العبارة لا تشتمل فقط على المعنى المكاني ، بل وأيضاً وخصوصاً المعنى الانطولوجي . وهذا الوجود الانساني عام بين الناس جميعا ، وإن بدأت تجربتي من وجودي أنا الخاص بي . ومهمة التحليل الانطولوجي ستكون إذن الكشف عن الوجود الانساني بعامة .

التراكيب الجوهرية للإنسان هي تلك التي تلزمه ككل فعلى التحليل الانطولوجي أن يتناول إذن كل أحوال وجود الآنية Dasein,

وأول خاصية جوهرية لوجود الانسان هي أن وجوده لا يشبه وجود الشي، ، لانه لا يبدوأبداً كنسخة من هذا الصنف أوذاك . إن قانونه هوعدم التعين ، أعني أنه غيرثابت، بل متغيرمن فرد إلى آخر، ولكل الحق في أن يقول : أنا. ( , الوجود والزمان ٩ص٥٣ )

وهذا الأنا ليس جوهراً ، أي موضوعاً ثابتاً تجري عليه التغيرات . ذلك أن وجود الانسان يتجلى على أنه إمكان وجود Seinkönnen . إنه ينبوع للامكانات ، واستعداد لتحقيقها ٠ إنه يميل دائياً إلى أن يعطي نفسه المزيد . ولما لم يكن بعد ما سيكونه فيما بعد ، فإنه ما ليس إياه ، وبالتالي أكثر مما هو بالفعل . إنه إمكان نفسه باستمرار . إنه سبق على نفسه باستمرار ، ولهذا فإن آنيته مشروع يحقق نفسه باستمرار Entwurf. إنه يقدم نفسه في إمكانياته الخاصة . وفي هذا المشروع Entwurf يكشف امكان وجود الآنية . وتلك هي خاصيته الثانية ، أي أنه مشروع ذاته باستمرار .

والخاصية الثالثة الأساسية لوجود الانسان هي : الحرية . فالآنية حرة . وهذه الحرية هي تحديد تقوم به الآنية لتعيين ذاتها . فأنا الذي أقرر طريقة وجودي بنفسي ، وذلك باختياري لأحد أوجه الممكن المتاحة أمامي . وهكذا فإنني أختار نفسي في وجودي ، وأنا مسؤول عن ذاتي .

ولما كانت الآنية في سبق على نفها باستمرار، فإنها دائماً تسبق ذاتها Sich - vorweg - sein ذلك أن الآنية هي بالضرورة خارج ذاتها ، وبالتالي هي في العالم . يقول هيدجر : < إن ماهية الآنية تقوم في وجودها خارج ذاتها > ( , الوجود والزمان , ص ٤٢) Das Wesen des Daseins

?Existenz والوجودخارج الذات . liegt in seinerExistnz

الحضور في العالم .

هيدجر

وهذا الحضور في العالم أو الوجود في العالم هو أول ما يتجلى لنا حين نلتفت إلى الوجود الانساني ٠ إن الآنية توجد بحيث تفهم ذاتها ابتداء ما هو ليس إياها . ولا يمكنها أن تضع العالم بين اقواس ، لأنها مرتبطة به ارتباطاً ضرورياً .

لكن الوجود في العالم ينطوي على ثلاث لحظات مقومة له ، هي : العالم ، الموجود الذي هو في العالم ، والحضور في العالم ٠

فلننظر في هذه المعاني الثلاثة :

ا ) العالم : إن العالم يبدو لنا أنه ما تقيم فيه الآنية ، وما يجعل الموجودات في داخل العالم ممكنة . ولدى الالتقاء مع اي موجود ، فإن العالم يكون مفتوحاً ، وهذا الانفتاح يكشف عن الطابع العالمي ( نسبة إلى داخل العالم ) للموجود . والعالم هو ما يجعل بمكناً كلتجل للموجود . وهذ الا مكان ينتسب إلى الآنية نفسها .

لكن العالم ليس موجوداً من الموجودات ٠ إنه ليس في الأشياء ، بل هو في أفق الأشياء . وهو يدل بالأحرى على حال وجود للموجود ؛ وهذه الحال أصيلة أصالة مطلقة . ذلك أن العالم ليس موجوداً ابداً ، بل هو صائر دائياً ، إنه تحول Welt ist nie, sondern weitet (أو يتعولم weitet، أي يصيرعالماً ، علىطريقةهيدجري التعبير) وهوصفة للآنية نفسها : إن وجود العالم هو نفسه تحديد لوجود العالم , والعالم هو في وقت واحد كشف شامل للموجودات وانفتاح للآنية على هذا المجموع.

وموقف الآنية من الموجودات غير الانسانية التى تحيط بهاهو نوع من الأنس الواثق ، ومظهره الاكثر مباشرة هو مظهر عملي . فالحياة العملية تقوم في استعمال الأشياء . وأقرب لموجودات إلينا هي الأدوات أيكل ما يمكن أن نستخدمه أو نستعمله أو نتعين به في قضاء حاجة ما عملية . وبهذ المعنى الواسع جداً يمكن ان يقال عن القطار، او الصحيفة اليومية ، إنه أداة Zeug . ونستطيع فهم العالم عن طريق فهم وجود الأداة . إن الأداة تتجلى لنا كموجود ينتسب بالضرورة إلى العالم .

ولكن الأداة ليست حاضرة في الأصل امام الحياة العملية كيا لو كانت مادة بسيطة للعالم ، أو كموجود غليظ ، يتخذ له شكلاً فيا بعد , كا أن الأدام ينبغي الآ تعد موجوداً

من نوع الشيء ، أي كموجود معطى Vorhanden. إن الوجود الخاص للادام لا ينكشف إلآ بالعمل وفي الامور العملية وبالاستعمال . فالمطرقة لا يعرف حال وجودها إلا إذا استعملتها اليد . ولهذا فإن الأداة هي • الوجود- في-متناول - اليد ) Zuhandensein.

والأداة لا توجد مستقلة بنفسها («الوجود والزمان» ص٣٥٣)، بلهي تحيل داثما إلى أدوات أخرى ولهذا فإن الأدوات المختلفة تؤلف مركباً، هو نسيج من الارتباطات الفي تؤلف وجود الأداة الخاصة وفقاً لوحدة إحالية منظمة ولهذا لا يمكن فهم أية أدام إا داخل المركب Zeug- ganzes الذي تؤلف هي جزءاً منه, وهذ المركب يتسع مداه إلى ان يشمل كل الأشياء. إن الأدوات تؤلف شبكة ينكشف فيها العالم في الشمول الانطولوجي لعناصره

لكن العالم الذي احيا وأتطور فيه ليس مسكوناًفقط بأدوات ، بل هو يشتمل ايضاً على موجودات مشابهة لي . وهؤلاء الآخرون لا يتجلون كذرات منعزلة معطاة فقط، إلى جانب الموضوعات الكائنة في العالم . بل هم كائنات مزودة بنفس التركيب الذي لي . ووجودها حاضر في الأدوات التي ألتقي بهافي العالم .إنهم مثلي: كائنات في العالم .

لكن بينيا الأدوات تخدمني ، فإن الآخرين يصحبونني ويرافقونني ( االوجود والزمان»ص١١٨ ): إنهم عي وأناأصطدم ٣م ، وعلي أن أتقاسم العالم وإياهم. هذاالعالم الذي نحن نسكنه معاً هو عالم محيط Mitwelt (=عالم ع )، عالم مشترك نحن موجودون فيه ٠ ومتى ما وجدت وجدت مع آخرين . ومقى ما وجد الإنسان عاش في نوع من الانفتاح يدخل فيه الغير ويتجلى له . ولهذا فإن وجود الآخرين هو بالنسبة إلي أصيل أصالة وجود الأدوات نفسها . إني في وجودي أنا أكون في الوقت نفسه مع الآخرين . إنني اوجود-٠ع > . اوالوجود- مع، صفة جوهرية اساسية في كل آنية . وفهم الآخرين هو حال وجودية للوجود الذاتي . وحتى الوحدة والانفرادوالعزلة هي أيضاًنوعمن االوجود مع».

أن يوجد ، بالنسبة إلى الإنسان ، هو أن يكون مع أناس آخرين ٠ إنني اوجود- مع»، مفتوح بالضرورة على الآخرين ، مشارك لهم في الوجود ٠ •وبالوجود- مع, ينكشف لي وجود الآخرين . «والوجود- مع» يحيل إلى

هيلدجر

ذاتي ، في نفس الوقت الذي يحيل فيه إلى الغير ■

ب ) الوجود - في : إن وجود الآنية في العالم يتضمن ثلإث خصائص : الموقف، الفهم،السقوط فلنتحدث عد كلمها:

١ - إن « الموقف Befindlichkeit هو الذي يكشف عن الحال لأساسية في الإنسان . إنه شعوره بانه قائم هناك في العالم تجاه الغير . وهذا الموقف كشف وشعور عاطفي Gefühl معاً . إن الآنية تشعر آنذاك أها موجودة ، وتشاهد وتحس بأنها كائنة . وفي الوقت نفسه يتضح لها موقعها من العالم بوصفها في وسط موجودات أحياء وأشياء

وفي ([ الموقف» ينكشف الموجود الشامل . إنه يكشف لي أنني كائن في موقف، ذو فردية، وأنني في مكان يلتقي فيه العالم: الآخرون وأنا. و« بالموقف» يحال الانسان إلى الموجودات التيي مكن أن تؤثر فيم ، لأن انفتاح الموقف يجعل لانفتاح الوجودي عل العالم مكناً.

إن « الموقف I) شبيه بالينبوع ، والأساس ، بالنسبة إلى مشاعرنا الخاصة . ومن خلال علاقاتنا مع الموجود ، نحن نستشعر دائما عاطفة ما ، حتى إن الوجود هو بالنسبة إلينا « أن نتأثر» على نحو ما . وعلى هذا النحو تتأسس الآنية في وسط الموجود Bodennehmen ( = تتخذ اساساً ) I

لكن حضور العالم ، حضوره الشامل ، يفرض نفسه علينا بفضل بعض العواطف، التي يمكن أن تسمى ه كونية «، مثل الملال ، الملال الحقيقي « المنتشر كالضباب الصامت في مهاوي الآنية» ( « ما الميتافيزيقا ؟ » ص ٢٨ )، الملال الجارف العميق الذي فيه كل شيء يثقل علينا , وهذا الملال هو الذي يكشف لنا عن العالم , وكذلك السرور الذي يحدثه حضور كاثن محبوب لدينا . وأهم من هذين الشعورين ، هناك: القلق Angst، الذي به يزداد انفتاح الآنية على العالم .

إن الموقف يضع الانسان أمام وجوده ، فيكشف له عن حال وجوده هناك . والانسان موجود في العالم بسبب وجوده نفسه . إنه (ر الهناك ٠ Da الذي ينفتح على العالم ٠

ويشعر الانسان أنه هناك ، دون أن يكون هو الذي قرر ذلك . فيبدوله وجوده كا لوكان ملقى به geworfen، مرمياً هناك ، لا كنتيجة لفعل حر صدر عنه . ونحن لا نوجد إلآ

من حيث أننا مرميون هناك ، متورطين في هذا المحيط دون إرادتنا . وهذا الشعور هوما يسميه هيدجر Geworfenheit، أي الشعور بأننا ملقى بنا ، مرميون هناك .

وهذ الشعور يتضمن أننا موجودون دائماً في العالم، ومضطرون إلى أن نحسب حساب هذه الواقعة ، وتلك هي الرناثعية Faktizität .

والشعور بالإلقاء أو الرمي هناك مصحوب بالشعور بأننا D متروكون ا) إلى مصيرنا بين الموجودات الذين يرغموننا ويضغطون علينا وهذا الترك Ueberlassenheit لا ينفصل عن وجودنا وحالنا الجوهرية -

نحن متروكون إذن لأنفسنا في هذا العالم . وهذه الواقعة صفة دائمة للوجود مرتبطة به . إنني متروك في الوجود . وبهذا يتجلى طابع العرضية في موقفي في العالم : إنني عارض فيه.

وفي الموقف أنا لا أرى فقط أنني موجود، بل وأنني يجب أن أوجد ( 1( الوجود والزمان )) ص ٤١). إن على أن أكون موجوداً ، وعلي أن احقق ذاتي ، وعلي أن التزم بوجودي كمهمة لا املك الافلات منها . وعلي أن أحقق ما لدي من إمكانات . ورغم شعوري بعجزي ، فإن علي أن أصير، أن أصير من أنا . إن وجودي أعطي لي كأنه لآ وجوب وجود،

.Zu - sein

على أن هذه المهمة ليست امراً خارجا عنى على بلوغه، بل هي دائماًمتحققة في كل مسلك ونشاط تؤديه الآنية .

٢ - والآنية تفهم العالم ، وتفهم وجودها في العالم . ويتم هذ الفهم بتوترها في نزوعها إلى تحقيق امكانياتها . إن الآنية مستوفزه دائماً نحو المستقبل لتحقق إمكاناتها، بهذا تفهم نفسها ، إذ يتم الفهم بواسطة تحقيق الممكنات، والسعي إلى الكشف عنها . ولهذا يقول هيدجر إن الفهم Verstehen هو مشروع Ent - Wurf. والشروع ينجم عن إمكان الوجود الذي ينكشف في المشروع. والآنية تستشرع-إن صح هذا التعبير ( من الاسم : مشروع) نفسها ، أي تدرك مشروعات نفها وتسعى إلى تحقيقها .

ولهذا فإن الآنية تتعين اساساً بواسطة ما يمكن ان تصبر إليه . وتركيب المشروع ليس إلآ الطابع التوقعيلوجودها. وبعبارة أخرى ، الآنية تتجاوز نفسها باستمرار في مشروعات

هيدجر

إمكانياتها ولهذا فإنها تستبق وجود ذاتها باستمرار ,

وليس لمقصود بالفهم المعنى العقلي فقط . فأن نفهم موقفنا في الوجود لا يعني فقط أن نحدده ونشرحه أو نتأمله فحسب . بل ينطوي الفهم - عند هيدجر- على معنى عملي ، هو تحقيق الشيء والسيطرة عليه وصنعه . ومن يفهم شيئاً ما يملك امكانيات خاصة بهذا الشيء . فأن يفهم الانسان العالم معناه ان يعيش موقفه فيه . والفهم يلزم الانسان كله ، ويوجه الآنية في مشروعها وفقاً لرؤية عينية للطرق المتاحة للحرية .

والفهم إذن ليس ملكة مستقلة عن وجود الإنسان ، إنه التعبير عن وجوده نفسه ، إنه تحديد انطولوجى وحال وجودية للآنية ٠ والفهم يربط الآنية بالوجود ربطاً وثيقا . ومعنى هذا أن الآنية،هي الوجود الانسافي

وهنا يميز هيدجر بين ضربين من وجود الآنية؛ الوجود الصحيح ، والوجود الزائف . وفي الحياة اليومية تعيش الآنية عامة على نحو زائف : إنها تتحصن وراء الكلام Gerede ، وتتغذى بحب الاستطلاع، وتمارس الاشتراك المعنوي Zweideutigkeit، فترى نفسها على صورة الأشياء التي تشاهدها ، ويصير العالم صورة مشوهة للواقع . وبدلأ من الالتصاق بالعالم ، يقفز الفهم إلى ما وراء الموقف : ولخوفه من فهم العالم الذي أمامه وليشيع الطمأنينة في نفسم ، فإنه يخلق لنفسه عالماً جديداً .

كذلك يصيب الزيف ميدان الالتقاء بالغير، فلا يكون الغير هو الآخر الذي يؤلف جزءاً من همي ، بل نسخة أخرى من ذاتي ، « انا آخر, alter ego حضوره الأصيل يتحطم لصالح الامتثال المسوي ( بين الناس). والموت يصبح مجرد فكرة تعني كل واحد ولا تعني احداً في آن واحد : يموت المرء كما يتكلم .

وهذه الحياة الزائفة التي تجرد الآنية من امكانياتها تعبر عن امكانية أساسية للانسان ، هي : السقوط Verfallen . وللسقوط طابعان : الحياة في المتوسط Durshschnittlichkeil والتسوية بين مكنات الوجود Einebnung. هنا تدع الآنية نفسها تعيش في الزمان الذي يمضي ، بدلاً من ان تحمل ذاتها على عاتقها .

وهذا نوعمن التلهية له دلالته الانطولوجية : إنه عحاولة

للافلات من قبضة الوجود . إني أهرب من ذاتي لأفي اخاف من ذاتي ، من خطيئتي . وليس المقصود بهذه الخطية ما يعرف في الدين باسم الخطيثة الأولى ، بل المقصود هو كتشافي أنني متناه ، فان . إن الضمير يدعوني إلى ترك العالم المطمئن الذي خلقته لنفسي ، ابتغاء العود إلى الحقيقة العارية . وهذه الدعوة تقلقني وتجعلني أشعر بأني غريب عن نفسي ، عن ذاقي الحقيقية .

أما الوجود الصحيح فهو ااستجابة لنداء الضمير الذي يقول إفي مذنب . يقول هيدجر: اإن الضمير يتجلى كصيحة للهم : والسائل هو الآنية ، التي تقلق من سقوطها، وتقلق على إمكانيتها الأخص ( وهي أن تشترع نفسها إلى الامام ...). والآنية مدعوة من التساؤل الواردمن لسقوط في الناس , ( ا الوجود والزمان» ص٢٧٧ ). إن صيحة الهم ، وهي تنتزعني من أرض الموجود ، تكشف لي عن عدم تعين وجودي . ذلك أن الخوف يتعلق دائماً بموضوعات جزئية : فأنا أخاف من شيء ما ، وعلى العكس من ذلك نجد ان القلق ليس له اطار محدد لأنه لا يتعلق بشيء . إن القلق هو الشعور بما هو ماثل هاهنا ، والتوقع لكون الحضور يقع وراء الموضوعات الحاضرة . فالخوف هو إذن خوف من الخوف الذي يهرب من القلق ٠

وليس المقصود بالصحيح أو الزائف حين يطلقان هنا على الوجود أي تقويم أخلاقي . إن للوجود الزائف لغته وقانونه الخاص : إنه ليس مجرد ظهور للوجود، بلهو بعد حقيقى للوجود, ولا يمكن تجاوزه أبداً بواسطة الوجود الصحيح . والإنسان يحيا دائما في تقاطع الزائف مع الصحيح ، والهموم اليومية تخفي عنه همه الأساسي ، ومشهد العالم يميل إلى جعله ينسى وجوده- في-العالم ■

إن السبب في الزيف يرجع إلى كون العالم الحاضر في الآنية هو - الحياة اليومية - عالم < الناس، ، das Man أي أنه عالم من الكائنات غير المشخصة، تذوب فيه امكانية الوجود الحقيقي ، وجود الذات المشخصة الفردية أو الأنا . إن في < الناس ه تتنازل الآنية عن هويتها ، عن كونها وحيدة مفردة نسيج وحدها .

٣ - والضرب الثالث من اندراج الآنية في العالم يتحقق عن طريق القول ( الكلام ) بالمعنى الأوسع لهذا اللفظ ويقوم هذا الضرب في القدرة على صنع معان Sinn، وترتيب فكر .

هيدير

والمعفى هو كل ما يتحدد في الفهم ، إنه مضمونه المنظم . وليس للكون معنى إلا بسبب وجود الأنية . لكن المعنى ليس معنى عقليا فقط، إنه ليس كليا مستخلصا ( مجرداً ) من حادث، ينطبق على عامة الحوادث التي من نفس النوع.إنما هو ما يقوم فيه الفهم - إنه يعني بغد المشروع الانساني ، وزاوية النظر التى منها يتجلى الشىء وابتداء منها بمكن أن يفهم في امكانياته ، التي هي أيضاً إمكانياتنا نحن ٠ وهكذا تتخذ الأشياء معاني من حيث هي مادة لامكانياتنا . إن الأشياء ، من حيث ذاتها ، لا تخلو من المعنى sinnlos، ولكنها بلا معنى unsinnig ( « الوجود والزمان، ص١٥٢ ). والمعنى يكتشف في - ومن أجل - آنية عينية محددة، وينشأ عن الموقف الدقيق لمشروع في داخل مجموع حقائق واقعية أنا مرتبط بها بواسطة الاهتمام . ففهم معنى بيت ما ، هو رؤ يته وفقا لكونه يفيد في شى ء ما ، أعنى وفقا لكونه أداة Zeug هى السكنى فيه .

والمعنى هو الذي يؤس اللغة ( ا الوجود والزمان ه ص ١٨٧ ) أو القول الذي هو تحديد عيني للكلام وبه يعبر عادة . وبدون اللغة لن تكون الأشياء أبداً هي ما هي عليه ، ذلك أن اللغة هي التي تستدعيها وتعطينا القدرة على استدعائها . وبهذا المعنى فإن اللغة هي التي تفتح لنا العالم ، لأنها وحدها التي تعطينا امكان الاقامة بالقرب من موجود منفتح من قبل ، وأن نتوجه بالخطاب إلى الموجود بما هو موجود ٠ وكل ما هو كائن لا يمكن أن يكون إلآ في ه معبد اللغة ) . وفي هذا المعبد يقيم الإنسان دائياً ، لأن هذا المعبد هو الذي يجعل من الانسان موجودا يعبر عن نفسه . إن اللغة هي بيت الوجود، الذي يسكنه الإنسان ، وفيه يتخذ كل شيء مكانه

والحوار هو الكلام الذي يتم فيه التعبير باشتراك الغير . وبالحوار نكون واحدا ، مترابطين في تركيباتنا الأساسية . أنا ما أقول ؛ ونحن معاً ما تعبر عنه كلماتنا . والآنية هى بالضرورة حوار ، لأن وجودها ديالكتيكى، متعلق دائاً بالآخرين الذين يكونون معاً عالم الآنية ( * الوجود والزمان > ص ٠ ١٧ ) إن الحوار يريد أن يوحد بيننا في قصد مشترك ، دون أن نختلط بعضنا ببعض .

واللغة هي التي تؤسس كل ما هوكائن، من حيث هو كائن . أو هذا على الأقل ما تفعله حين يكون الكلام صحيحاً ، يفتحنا على المعقولية الصحيحة , إذن اللغة تقول

الوجود ،كما أن القاضى يفول القانون . واللغة الصحيحة هي خصوصاً تلك التي ينطق بها الشاعر، بكلامه الحافل .

أما الكلام الزائف فهو كلام المحادثات اليومية . إن هذا الكلام سقوط ، وانهيار ، بالمعفى الانطولوجي ، لا بالمعنى النفسي، لهذا اللفظ إن الآنية وقد أسلمت إلى العالم ، تضيع في الوجود - مع Mitsein . ولا يستطيع الانسان أن يتجنب الاختلاط بالموجودات ، عندهم Sein - bei وهذم العندية تجر بالضرورة إلى نوع من الاستعباد العملي للكائنات التي نحن في حاجة إليها .

والانسان بسقوطه في العالم يتميز ملامح رئيسية هي : الإغراء ، الطمأنينة الظاهرية، مغايرة الذات، والموحل .

والإغراء ابرز هذه الملامح، لأن السقوط معناه أن يغرى الإنسان بالوجود السهل، وجود الناس، ورفض الذات، والولوع بالثرثرة، والتطفل والاشتراك المعنوي (٠ الوجود والزمان»، ص١٧٥ )• وفي الثرثرة لا يهتم المرء بالموضوع الذي يجري الكلام حوله، بل يهتم بما يقوله الآخرون عن هذا الموضوع . والتطفل يرتبط بالكسل وانعدام الفعل . فحينا يكف المرء عن الفعل، يتجل التأمل، ومعه التطفل الذي يؤدي بدوره إلى التلهية وعدم الانتباه، والرغبة في اقتناء اكبر مقدار من المعرفة . أما الاشتراك المعنوي ( أي في المعاني ) فينشأ من كوننا نسعى قبل كل شيء إلى التفاهم مع الآخرين . لقد وضعنا أنفسنا، لاتجاه الأشياء ، بل تجاه بعضنا البعض، هنالك لا نستطيع أن نميز ما رؤي على الوجه الصحيح وما لم ير كذلك .

اما الخاصية الثانية للسقوط وهي١لطمأذيذةBeruhigung فتنشأمن كوننا قد استندنا إلى رأي الآخرين ، فأشاع ذلك الطمأنينة في نفوسنا ، لكنها طمأنينة ظاهرية فحسب، ولا تزضي ولا تقنع .

والخاصية الثالثة هي مغايرة الذات ، الناجمة عن توافقها مع العالم ٠ إن الأنية قد قررت ضد نفسها بتوافقها مع الغير، وبذلك فقدت إمكانياتها الصحيحة . لقد تخلت عن شخصيتها الحقيقية .

والخاصية الرابعة والأخيرة للسقوط هي : الموخل، أي الانغراس في وحل الآخرين -

ومع ذلك فإننا في الوجود الساقط لا نفلت من

عيديجر

الوجود . ذلك أن السقوط Verfallen هو نفسه وجود الآنية . إن الآنية بقوطها تؤدي حركة تجري في داخل ذاتها : وهذه الحركة موجودية existential.

ولا آنية تبدا بالوجود الصحيح. بل الإنسان، أولاً وبالعادة، مسلم إلى العالم وإلى اغراآته وغوايأته. إنه منذ البداية ساقط, وابتداء من هذه الحالة يجب على الأنية أن تغزو وجودها الخاص ٢ا ٠ إن الإنسان لا يصير ذاتم حقا، إلا إذا مجاوز الوجود اللاشخصي الذي يتبدى داثنا امامم كإمكان يغويه،

الهم رالزمانية:

والعناصر الثلاثة المكونة للآنية يوحد بينها الهم والآنية، من حيث هي هم، تعرف هكذا: «إنها الوجود المستبق الملقى به والمتروك في عالم ضاع فيه» («الوجرد والزمان» من١٩٢ ) والوجود المستبق Das- sich- vorweg sein هو الذي في سبق على نفسه، وكل وجود هو في سبق على نفسه لأن فيه إمكانيات لم تتحقق بعد وعذا الوجود المستبق يتعلق بالفهم . أما الوجود -منقبل - في - العالم -Das- sich vorweg- schon- sein فيتعلق بالموقف، وبالوقائعية.

والهم هو الذي يربط الآنية بالعالم وبالآخرين - والهم هو وجودم الانان ، والعالم يولد ، بالنسبة إليه ، وهومتوقف على الهم . فواء كانت تعرف ، أو تحب ، أو تفعل، فإن الهمهو المبدا لكل شيء.

ولما كان الهم يعبر عن الجذر النهائي للشخصية الانانبة ، فإنه يشمل كل أوجه الشخصية , فهو لا يتعلق بالجانب العملي فحسب ، بل وايضا بالجانب النظري ، لأن كليهما من امكانيات وجودها .

لكن الهم إنما يقوم على اساس معنى آخر مهم جداً للوجود هو ( الزمانية , Zeitlichkeit ذلك أن الآنية وجود متزمن بزمان ؛ بل مي عملية تزئن Zeitigung، لأها تشبر داثاً وبالضرورة إلى مستقبل ، وماض ، وحاضر . رالزمانية تتضمن هذه اللحظات الثلاث ، التي تؤلف أفق الآنية . ويناظر كل لحظة منها عنصر من عناصر الهم .

والزمانية هي صورة التخارج المحض • وأوجهها خارجية بعضها عن يعض ، ويستبعد كل واحد منها الآخر. ذلك أن الزمان هوما ليس إياه ، إنه تفارج s’extériorise ،

أي أنه خارج ذاته باستمرار، بأن يتجاوز الماضي نفسه لبصبح حاضراً ، ويتجاوز الحاضر نفسه ليصبح مستفبلا ، وهكذا .

لكن لحظات الزمانية تكون - مع ذلك ٠ وحدة لا تنفصم عراها ، ولهذا تستطيع الآنية أن تفهمها .

ولقد كان , الحاضر1 هو أوفر هذه اللحظات الثلاث عناية به لدى الفلاسفة . لقد رفعه البعض إلى درجة السرمدية ، لأن السرمدية حضور داثم ، فجعلوا الماضي والمستقبل في المقام الثاني . وبهذا حرموا الزمان من بغدين من ابعاده ، مع أنه لا يوجد إلا بالنلاثة معاً .

ويرى هيدجر أن اللحظة الأهم بين لحظات الزمان الثلاث هي المستقبل ، وانه ببق اللحظتين الأخرين : الماضي والحاضر. والمستقبل يقوم في قدرة الآنية عل التوجه نحوإمكانياتها ، ويتولد بفعل التشرع ( أي تكوين مشروعات والسعي إلى تحقيقها ). والآنية نفسها حاملة للمستقبل . إنها مستقبل في وجودها لأنها بتركيبها قادرة على الذهاب أو التوجه نحو ما هوآت . والفهم يقوم على اساس المستقبل ، وبه تتزمن الآنية كمستقبل .

ويكون المستقبل صحيحاً حين تتوجه الآنية إلى امكانيتها القصوكى ، القي هي موتها الفردي . ولا يقصد بالمستقبل ها هنا لحظة ليست بعد واقعة ، بل العملية التي ٣ا الآنية تصل إلى ذاتها في داخل قدرتها الأصح .

ولما كان اليقين بالموت هو أعلى مراتب اليقين ، وكان يحدث في المستقبل ، فمن الطبيعي أن تتسلسل لحظات الزمان ابتداء من المستقبل ، على الأقل حين يتعلق الامر بالصورة الأصيلة والصحيحة للزمان .

بيد أن الآنية لايمكن ان تنطلق نحو الموت إلآ إذا كانت موجودة من قبل - ولكي تحقق وجودها الأنسب ، فعليها ان تتقبل - إلى جانب موتها - كوها مقذوفة هناك ، اعني موجودة بالفعل . وهكذا يرتبط المستفبل بالماضي ارتباطا لا انغصام له . إن الوجود الصحيح يبت موتم ، ويولد إسلامه للعالم .

رالماضي يناظر الموقف ، وبه تتزمن الآنية بوصفها قد كانت . وفي الوجود الصحيح بخاصة ، تكون الأنية هب ماضيها وفقا لكونها تتلفت نحوحالتها الأصيلة في كونها ملقى ب هناك ، وملمة لمصير يتضمن قبولها انهامستمرة فيكونها

عيلجر

هذا الماضي. فالآنية تتجلى على أنها الوجود الذي قد كان، وهي قادرة على أن تكون ماضيها مثلما كان ، أي في القوط .

أما الحاضر فيتعين بالهدف من الفعل . إنه لحظة الانشغال. لكن الانشغال النشيط ليس مكناً الأ إذا استحضرت لنفسي مجموعاً يقوم نشاطي بالعمل فيه . ولهذا ينبغى على أن أرى مستقبلى في ماضى ، ويهذا احسب حساب الحاضر وفقا لمختلف أاحوال التزمن.

ويناظر الحاضر : السقوط ، حين يكون الوجود زائفاً . أما حضور الوجود الصحيح فهو الوجود — في موقف ، !نه موقف من يدرك المهام الملقاة على عاتقه ويؤديها بنزاهة ,

والآتية تتزمن بنفسها وبذاتها كمسرحية يمثلها الزمان ، لا كمسرحية تجري في الزمان. وتركيبها يتألف من هذا الزمان • والزمان ليس موجوداً من الموجودات، بل هو تعبير عن واقعة الوجود، وهو واقعة تحقق الوجود • أن يوجد هو أن يتزمن sich zeitigen.

ولما كانت الآنية بطبعها متزمنة ، فهي في جوهرها تاريخية . والانسان وحده هو ذو تاريخ ، أما الطبيعة فليست ذات تاريخ ■ إن الآنية هي تاريخ ٠ والتاريخ يتأسس وترتسم معالمه على أساس العلاقة مع الموجودات في شمولها .

ويفرق هيدجر بين الواقع التاريخي Geschichte، وبين العلم بهذا الواقع التاريخي وهو علم التاريخ Historie ■ ومكن أن نسمي الأول باسم ا( التاريخ» ( بدون همزة )، والثاني باسم « التأريخ K ( مع لهمزة ) .

وبين الوجود والزمان علاقة وثيقة ، إذينبغي النظر إلى الوجود من أفق الزمان .

الحقيقة :

الحرية هي ماهية الحقيقة . ولا يقصد من هذا جعل الحقيقة خاضعة للهوى أو لإرادة الاختيار . ذلك أن الحرية ليست ملكة خاصة ، بل هي قدرة الانسان على الانفتاح على العالم وسؤال الوجود ٠

لقد كانت النظرة الغالبة عند الفلاسفة إلى الحقيقة هي أنها التطابق بين القول وبين الشيء ، وهذا التطابق يقوم في التناظر بين الشيء وماهيته , ومن هنا كان يقرر أن

يكون حقاً معناه أن يتطابت مع الواقع ، وأن يسيطر عل الشيء تحت نظرة العقل , وهذه النظرة إلى مفهوم الحقيقة هي الأساس في النظرات الأخلاقية والتقويمية والعملية .

لكن هناك سؤلاً اساسياً يغفله هذا التصور : ما الذي يمكن من التقاء الشيء مع العقل ؟ إذا كانت الحقيقة تقوم في التناظر بين التصور العقلي والشيء المعقول، فلا مناص من التساؤل اولاًعن معنى هذا التناظر

إن النظرة إلى الشيء تحول ظهور الشيء إلى مجرد مظهر. والفكرة الميتافيزيقية للحقيقة تقتصر على اقامة علاقة حيوية أو تطابق مع الظواهر الملاحظة . لكنها بهذا تغفل الظاهرة الأصيلة للظهور. كيف يتسنى امتثال الموضوعات إذا لم يكن هناك موضع منه يمكن اضاءتها به . أن يرى الشيء معناه أولاً أن يكشفم، ان يفتحه عل شيء آخر غيره . وفي داخل هذه الفتحة الانطولوجية تكون كل نظرة مكنة . إن الفتحة هي الوسط الذي منه ينبثق الشيء

وليست نظرتنا هى التى تقيس الشى ء ، بل أفق الشى ء هو الذي يقيس نظرتنا . ذلك ان الوافع يتجل مليناً بالعان التى لا يدرك منها العقل إلا الهيكل العظمي Gestell. والأرضية التي عليها ينكشف الشيء هي أولاً الوجود في العالم ، وكذلك عالم الوجود , فالحقيقة لا تقوم إذن في احالة العقل إلى الواقع ، بلفي احالة العقل والواقع إلى الأفق الانطولوجي الذي يضيئه. إ٧ لا تقوم في المقياس الذي ينظم تطابق النظرة ، بل في الفتحة التي تكيف وتقوم شرطا لكل أخذ لقياس . وبالجملة ، الحقيقة هي كشف الحجان م)€0?٨7به ، الذي يخرج الوجود من النسيان

إن الحقيقة هي الفعل الديناميكي الذي يجعل الأشياء تنبثق على ضوء يقظة فكرنا ليفهم الوجود ’

لا أحد يملك الحقيقة . لكنا نحن في الحقيقة ونسير على ضوئها .

والحرية هي القدرة التي بفضلها ننفتح على الأشياء بكشفنا للوجود . والوصول إلى الأشياء ليس مكناً إلآ لأننا نملك ملكة الكشف عن الوجود .

« والحرية تنصب من الماهية الأصيلة للحقيقة ، ومن علاقة السر في الخطأ» («ماهية الحقيقة، ص ٩٩).

هيدجر

وهيدجر يشير إلى أن الوقوع في الخطأ ضروري ، لكن في الانسان القدرة على عدم الانهيار أمام الخطأ . فنحن في ترجح مستمر بين السر وبين التهديد بالضلال .

ماهية الشعر :

اهتم هيدجر بالبحث في ماهية الشعر وفي العلاقة بين الشعر والفلسفة . وآثر الشعراء عنده هو هيلدرلن . وقد خصه بأول بحث في هذا الموضوع بعنوان : ه هيلدرلن وماهية الشعر» ( سنة ١٩٣٦ ). وتلاه ببحث بعنوان : « كما في يوم العيد » ( سنة ١٩٤١ )؛ ثم ه ذكرى ، عودة » ( سنة ١٩٤٣)؛ ثم: «,لم الشعراء؟» (سنة ١٩٤٦)؛ ثم « جورج تراكل ه ( سنة ١٩٥٣ ) ، لم B الانسان يسكن كشاعر ... ٠( سنة ١٩٥٤ )؛ ثم « هيبل ، صديق البيت » (سنة ١٩٥٧)؛ ثم «في الطريق إلى اللغة» (سنة ١٩٥٩ ) ؛ ثم « سياء هيلد رلن وأرضه » ( سنة ١٩٦٠ ),

وهيدجر يرى أنه إذا كان الفكر والشعر من أصل واحد ، فإن ثم مسافة كبيرة بينهما مع ذلك . 1( إن المفكر يقول الوجود ، أما الشاعر فيسمي المقذس . . . ولا شك أننا نعرف الكثير عن العلاقات بين الفلسفة والشعر . لكننا لا نعرف شيئا عن الحوار بين الشاعر والمفكر اللذين يسكنان قريبا كل واحد منهما من الآخر على أبعد الجبال بعضها عن بعض « (« ما الميتا فيزيقا»، ضميمة، سنة١٩٤٣ ).

وبحثه الأول عن هيلدرلن ( ه هيلدرلن وماهية الشعر») يتجلى كشرح لخمس عبارات من شعر هيلدرلن ، لكنه يخلص من هذا الشرح إلى بيان ماهية الشعر بعامة ٠ لماذا اختار هيلدرلن بالذات ؟ (1 لأنه ، بالنسبة إلينا ، وبمعنى ممتاز، شاعر الشاعر (0هيلدرلن وماهية الثعر» ص٤٣).

إن في الشعر يتجلى وجود اللغة . واللغة ليست في المقام الأول وسيلة الاتصال ، وإنما هي أساساً « ما يضمن إمكان الوجود في وسط انفتاح الموجود » ( « هيلدرلن ... ٠ ص ٤٨).

إن ما يقوله الشاعر هو « المقدس » ، وما يسمعه في كلامه هو المقدس . ٠ والسجو die Heitere يمسك بكل الأشياء في كل ما هو بريء من الاضطراب وسليم . إن السجر يخلص في الأصل ؛ إنه ما يخلص ؛ إنه المقدس .

و« الأعلى» و ٠ المقدس» هما في نظر الشاعر أمر واحد : إنهما السجو die Heitere . والسجر يبقى بوصفه ينبوعاً لكل ما هو سار، 1( أشد الأمور سروراً ؛ وفي هذ يحدث الانضاح لأصفى » ( « العودة ٠ في « اقترابات من هيلدرلن» ص ٢٣ ) . ويقدم هيدجر نموذجا فريداً لمعنى المقدس في الشعر، قصيدة هيلدرلن بعنوان : « كما في يوم العيد» فيقول إنها ليست انشودة شيء ، ولا انشودة للشعراء ، بل هي» أنشودة المقدس« والكلام هومجيء للمقدس . وشعرهيلدرلن هو من إملاء المقدس .

ومهمة الشاعر هي (I تأسيس الوجود بواسطة القول » ( ا هيلدرلن. . . » ص٥٢ )• « وهيلدرلن يبدأ بتعيين زمان جديد . إنه زمان الآلهة الذاهبين وزمان الإله القادم» . إنه زمان البؤس ، لأن هذا الزمان « يتسم بنقص مزدوج وبسلب مزدوج :« ما م يعذ بعد » للآلهة الذاهبين و« ما ليس » للإله القادم .

وإذا كان الشاعر يؤسس الوجود بواسطة القول ، فإنه يعبر عن عصره تاريخياً . وتبعاً لهذا يعبر ، بطريقة بسيطة، مباشرة ، عن روح الشعب بوصفه كلا بسيطاً ، وشمولاً لا تفاضل فيه ولا تفرقة بين طبقاته . إن الثاعر هو-على نحو ما ٠ لسان حال الشعب ، إن م نقل إنه مرشده •

والقول الشعري لغة أولية ، صيلة Ursprache، هي لغة الأصول . ولغة الأصول هذه هي التي تؤسس قرارات الشعب التاريخي ( ذي التاريخ ) . يقول هيدجر : « إن القول الشعري ليس إلآ تفسيراً لصوت الشعب Stimme des» Volkes ( « هيلدرلن . . .»ص٥٨).

«وإذا كان العيد هو الأصل الجوهري لتاريخ الانسانية ، وإذا كان الثاعر قدنشاهو نفسه عن هذا العيد ، فإن الشاعر يصير مؤسس تاريخ للإنسانية . ٠ إنه يهعىءماهوشعري، أي الأساس الذي تقيم عليه الإنسانية لمقامها، بالقدر الذي «يكون لها به تاريخ وعيد الخظبة هو الميلاد المحض للتاريخ ، اعني هاهنا تاريخ الألمان » ( « ذكرى»، في « اقترابات من هيلدرلن»ص ١٣٦ )

ويؤول هيدجر قصيدة هيدرلن المشهورة : » خبز وخمر» ( راجع ترجمتنل لهذه القصيده في كتابنا : « في الشعر الأوروبي المعاصر«، القاهرة سنة ١٩٦٥) تأويلا انطولوجيا لاهوتياً . يقول هيلذرلن في هذه القصيدة :

هيدجر

(1 لما أشاح الآب بوجهه عن الناس وبدأ حداد صادق يغزو الأرض »

وتأويل هذا أن إشاحة اله الآب بوجهه عن الناس قد أوجد المأساة على الأرض : فمنذئذ عان الانسان - وقد حرم من الصور المطمننة للمطلق - في الوحدة الخلو من الله Gottes Fehl. وتحت أقدام الانسان انفتح الطريق الخالي ، طريق الزمان , ويفسر هيدجر هذ المعنى وجودياً بأن الوجود هو الذي أشاح بوجهه عن الناس الفانين فصار من العسيرعلى العقل أن يسأل الوجود ، وأن يكون صورة عنه . فلم يبق للانسان إلا أن ينصرف عن لأشكال التقليدية للمطلق . وصار بين الوجود الذي انسحب إلى سره وبين الآنية المسلمة لوحدتها ، منطقة لا عحدودة من العدم . وفي قلب هذا الاختلاف المعبم يجري التاريخ الانساني ، وزمان القلق والهم .

والإشاحة «التي يتحدث عنها هيلدرلن تؤدي إلى مشاهدة موت صورة الإله الآب» الذي يعطف وجه الحنان على الانسانية . إن الله ترك الأرض ، والأرض في حداد على ال . لكن، ألا يكون هذا الغياب - غياب الله عن الأرض -هو النحو الصحيح لحضور الله الحق ؟ .

اشم والوجود

وهذا يقودنا إلى الحديث عن فكرة اس عند هيدجر ٠

إن علينا - هكذا يقول هيدجر- أن نفكر في الله ابتداء من الوجود . إن الوجود ليس هو الله ، لأنه إذا كان الله هو من يقدر وحده على أن يكشف عن نفسه ، أي العالي أو الغير- الكلي ، فإن الوجود هو ما به يكشف الموجود عن نفسه ٠ والعبارة : « الله هو وجوده»، لو أخذت بحروفها ، لما دلت على شيء إنها تعني القول باهوية بين التجربة الفلسفية لانكشاف الوجود وبين التجربة اللاهوتية لانكشاف اله (بالوحي) . والمؤمن يستجوبه كلام اللم ، أما فكر الفيلسوف فيطالب به الوجود . ولهذا فإن إله الإيمان ليست له حاجة إلى توسط الاختلاف الانطولوجي كيما يتجلى ويظهر .

كذلك لا يمكن الوجود أن يكون هو الله لأن الوجود لبس حقيقة لا زمانية ، بل هو معنى التاريخ وفكرة رمال مثبه بحالة انكثاف الوجود تضاد فكرة مطلق يوجد رجودا سرمديا

وسبب ثالث يدعونا إلى رفض المعادلة الميتافيزيقية : الله = الوجود . وهذا السبب مستمد من تركيب الوجود نفسه ، وهو أن الوجود ليس ذاتاً ، ولا موضوعاً ، ولا شخصاً ، ولا شيئاً . إن الوجود- عند هيدجر] انفتاح محض ، وعلاقة محضة : فخارج علاقته بالإنسان ، فإنه لا شيء ٠

ولا تستطيع اللغة التعبير بطريقة ثبوتية عن وجود للهوعمنهوالله . لكنها تستطيع مع ذلك أن تعبر عما ليس هو الله ، أي أن تعبر عنه بالسلب . إن اله ليس هو الموجود الأعلى ، أو الحلقة الأخيرة في سلسلة الموجودات , إن مثل هذا الإله المشبه بالعلة لأولى مجانس للموجودات التي يخلقها : ,, وإلى هذا الإله لا يستطيع الانسان أن يوجه الصلوات واادعية ، ولا أن يقدم الذبائح ; امام علة ذانه (= اله ) ا يستطيع الإنسان أن يركع خوفا ، ولا يستطيع أمام هذا الإله أن يعزف موسيقى ويرقص ه ( ٠ الهوية والاختلاف )) ، ص ٧٠ ) . واللاهوت بدفاعه عن الله العلة ١ قد أسهم في مجيء إله الفلاسفة . والمطلق الحاكم لخالق مسح آثار الوجود ، والوجود لا يتصور من حيث الفاعلية ، بل من حيث الحضور والمحايثة . والتحرر من صورة إله الفلسفة ابتغاء الاقتراب من الله الحقيقى بماءلة الوجود-تلك هي مهمة الفكر ، وربما أيضاً مهمة اللاهوت .

وأشد خطراً من تصور اللم على أنه الموجود المطلق -تصوره على أنه ا لقيمة . وهذا التصور قد ساد الفلسفة الغربية من عهد أفلاطون ، الذي جعل صورة الخير في نمة عالم الصور ، إلى نيتشه ، فكان هناك تحالف بين الخير الأفلاطوني وإله المسيحيين ٠ إن نيتشه حين هاجم اله إنما هاجم في ا لوا قع - بحسب رأي هيدجر - الله الأخلاقي الذي تصورته المسيحية، أي الله الذي تصور على أنه فبمة . وال لم التصور انه قيمة - مهما تكن أعظم القيم - ليس إلها . ا« إذن الله لم يمت ، إن ألوهيته تحيا . إنها أقرب إلى الفكر منها إلى الايمان ، إذا كانت الأ لوهية ، فيما يتعلق بماهيتها ، تتلقى أصلها من حقبقة الوجود » .

إن اللم إذ تصور على أنه ويمة ، يفقد سره ومعناه

وإله الوجود ليس شخصاً . إن الفكر حين ينعت الل بهذا النعت يطبق على الله مقولة موجودية واردة في الا نثروبولوجيا الفلسفية .

والخلاصة إذن هى أن الله ليس موجودا من الموجودات ، ولا علة ( اولى ) ، ولا شخصا , إن هيدجر يرفض وصف الله بانه موجود من الموجودات ، لأن هذا من شأنه اخفاء ماهية الإلهية حقاً . I رفض تبة الوجود إلى الآلهة ( وهيدجر يستعمل المفرد : اله ، كما يستعمل الجمع : الالهة ، دون تمييز) معنام اولاً وفقط أن الوجود لا يقوم ٠ فوق ٠ الآلهة ، وأن الآلهة ليسوا ا فوق ا الوجود . ومع ذلك فإن الآلهة في حاجة إلى الوجود ،كماهم في حاجة إلى خيرهم الذي فيه سيجدون ثباتهم , إن الآلهة في حاجة إلى الوجود من أجل أن ينتسبواإلى أنفسهم بفضل هذا الوجود، الذي لا ينتسب إليهم . إن الوجود هوما يحتاج إليه الآلهة ، وهو ما يكون ، وضرورة الوجود تسمي وجودها الماهية ، وهذا ضروري للالهة ، لأنه لا يمكن ابداً ان يكون معلولاً مشروطاً . وكون الآلهة في حاجة إلى الوجود يدفعها هي نفها نحو الهاوية ( الحرية ) ويعبر عن رفض كل تبرير وكل برهان.