ماكس دلبروك

ماكس لودفيغ هيننغ دلبروك (بالألمانية: Max Ludwig Henning Delbrück)‏ ـ (ولد في برلين في 4 سبتمبر 1906 وتوفي في باسادينا بكاليفورنيا في 9 مارس 1981) عالم فيزياء حيوية أمريكي من أصل ألماني، فاز بجائزة نوبل في الطب سنة 1969 بالاشتراك مع ألفرد هرشي وسالفادور لوريا «لاكتشافاتهم المتعلقة بآليات تكاثر الفيروسات وتركيبها الجيني».

حياته

ولد دلبروك في برلين بالإمبراطورية الألمانية، وكان والده هانس دلبروك أستاذًا للتاريخ بجامعة برلين، ووالدته حفيدة الكيميائي الألماني العظيم يوستوس فون ليبيغ (1803 - 1873).

درس دلبروك الفيزياء الفلكية، ثم تحول إلى دراسة الفيزياء النظرية بجامعة غوتنغن، وبعد أن حصل على دكتوراه الفلسفة سنة 1930 سافر إلى إنجلترا والدنمرك وسويسرا، والتقى كلًا من فولفغانغ باولي ونيلس بور، وكان لذلك اللقاء أثره في تحول دلبروك إلى الاهتمام بعلم الأحياء،

عاد دلبروك إلى برلين سنة 1932 ليعمل مساعدًا للفيزيائية ليزه مايتنر، التي كانت تتعاون مع أوتو هان آنذاك في أبحاث عن آثار قذف اليورانيوم بالنيوترونات، وقد كتب في تلك الفترة أوراقًا بحثية قليلة كان أحدها من الإسهامات الهامة في الأبحاث المتعلقة بتشتت أشعة غاما في مجال كولوم نتيجة لاستقطاب الفراغ الذي يحدثه ذلك المجال (1933).

إسهامات ماكس ديلبروك وسلفادورلوريا في مجال علم الأحياء

أدى اختراع الميكروسكوب الإليكتروني في مرحلة الثلاثينيات من القرن العشرين إلى حدوث نقلة كبرى للأمام في علم الأحياء، بالدرجة نفسها التي أدت بها الميكروسكوبات الأصلية عند اختراعها لأول مرة في القرن السابع عشر (١٦٧٣) إلى حدوث طفرة وتقدم. فبدلاً من استعمال الضوء، يتم تركيز أشعة من الإليكترونات بواسطة عدسات مصنوعة من المجالات المغناطيسية. وبالتالي، يمكن تكبير الأجسام آلاف المرات. وأدى ذلك إلى الاطلاع على سر جديد من أسرار الطبيعة. فالفيروسات التي أعتقد في وجودها منذ عام ١٨٩٨ ولم يتمكن أحد من رؤيتها أصبح من الممكن حينها تصورها واستكشافها، حيث بدا عدد كبير منها على هيئة بلورات.

كانت أكثر أنواع الفيروسات وضوحا عند رؤيتها بواسطة الميكروسكوب الإليكتروني هي الفيروسات ملتهمة البكتريا، والتي تم اكتشافها في حوالي عام 1915. ولقد أطلق عليها العالم الكندي ذو الأصول الفرنسية فليكس ديهريلا ذلك الاسم حتى قبل أن يتمكن من رؤية أحد هذه الفيروسات، نظرا لقيامها بالتهام البكتريا. فهذه الفيروسات تظهر تحت الميكروسكوبات الإليكترونية وكأنها مركبات فضائية غريبة الشكل أو كأنها مثل تلك الإبر التي يتم حنقها أسفل الجلد، كما يبدو أنها قادرة على أن تظل موجودة على السطح الخارجي للبكتريا حيث تقوم بحقن المادة الوراثية التي تجبر البكتريا على إنتاج نسخ عديدة من هذا الفيروس قبل أن يلتهمها الفيروس.

كان العالم ماكس ديلبروك دارسا في بداية الأمر لعلم الفيزياء، إلا أنه أصبح مهتما بعلم الأحياء والوراثة بعد هجرته من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جذبت انتباهه الفيروسات ملتهمة البكتريا، حيث بدت كأنها أبسط أنواع الفيروسات من حيث النظام الجيني لها؛ حيث إن علماء الفيزياء غالبا ما يفضلون إرجاع الأشياء إلى أصولها الجذرية للتعرف على كيفية عملها. فقد كو؟ العام ديلبروك شراكة مع العالم الأمريكي سلفادور لوريا في أعقاب أحد مؤتمرات الفيزياء المنعقدة في عام ١٩٤١، وقاما معا بتكوين مجموعة من هذه الفيروسات الملتهمة للبكتريا لكي يدرسا الطريقة التي تعيش بها تلك الأنواع من الفوسات.

لقد أوضحت إحدى النتائج الأولى موضوعا أساسيا في مجال العلوم الوراثية. كيف يمكن للبكتريا مقاومة الفيروسات التي تهاجمها أو مقاومة المضادات الحيوية القادرة على القضاء عليها؟ هل تستطيع بعض خلايا هذه البكتريا التكيف مع هذه المواد المضادة بطريقة ما أو بأخرى لكي تبقى حية؟ أو أن هذه المسألة برمتها تتعلق بالحظ، حيث تتمكن الخلايا القوية القادرة على حماية نفسها جيداً من صد هذه الهجمات الشرسة والتغلب عليها كأن شيئا لم يكن، بينما يبقى البعض الآخر غير قادر على النجاة من هذه الأخطار فيلقى نهايته في الحال.

يشبه هذا الكائن غريب الشكل بعض المخلوقات الغريبة أو إحدى مركبات الهبوط؛ إلا أنه يمثل بالفعل أحد أنواع الفيروسات الملتهمة للبكتريا. فالرأس تمتلئ بالحامض النووي DNA (أو RNA). كما أن الذيل يعمل كأداة لحقن المادة الوراثية من الفيروس إلى البكتريا. ويتولى الحامض النووي للفيروس مسئولية السيطرة على آلية تكوين البكتريا، والتي تكون مجبرة على تكوين نسخ عديدة من الفيروس، وذلك قبل التعرض للهلاك.

لقد قام كلا العالمين ديلبروك ولوريا بزرع بعض البكتريا فوق لوحة من المواد الكيميائية الغذائية، ثم قاما بعد ذلك بإصابة هذه البكتريا بالفيروسات الملتهمة للبكتريا. فوجدا أن تلك اللوحة التى امتلأت في البداية بالبكتريا المتكونة أصبحت خالية خلال ساعات قليلة حيث هلكت البكتريا. ولكن بعد ذلك بعدة ساعات، امتلأت اللوحة مرة أخرى.

لقد بدا من خلال كل ذلك أن القليل من البكتريا قد تمكن من النجاة، وذلك لاكتسابه مناعة ضد الفيروس وهجماته الشرسة. إذن فقد تحقق هنا مفهوم الانتخاب الطبيعي الذي أشار إليه مسبقا العالم تشارلز داروين (١٨٥٩)، حيث حدثت بعض الطفرات الجينية، مما أسفر عن تمتع تلك البكتريا بالقدرة على البقاء، وذلك بدلاً من مفهوم السلوك المكتسب الذي أشار إليه مسبقاً العالم جان لامارك (١٨٠٩),