كيبوتس
الكيبوتس أو الكيبوتز (بالعبرية קיבוץ وتعني: تجمّـُع وجمعها بالعبرية קיבוצים «كيبوتسيم»، أو بالعربية «كيبوتسات») هي مستوطنـات زراعيـة أسسها المستوطنون اليهود فى فلسطين استلهاما لبعض المثل العليا الاشتراكية واللاسلطوية، حيث يشترك أعضاء الكيبوتس فى أنشطة العمل والترتيبات المنزلية، بما فى ذلك مهام رعاية الأطفال. ثم اتجهت الكيبوتسات فيما بعد إلى تشغيلي عمال بأجر، ثم أصبحت تمثل جزءاً صغيراً من النظام الاقتصادى الإسرائيلى.
وهي عبارة تجمع سكني تعاوني تضم جماعة من المزارعين أو العمال اليهود الذين يعيشـون ويعملون سـوياً، وهي تمثل شكـلاً من أشكال التجمعات اليهودية في إسرائيل، حيث لا يمتلك أي فرد ملكية خاصة به، وكل الممتلكات تعود إلى الكيبوتس، وتوفر الكيبوتس احتياجات جميع الأعضاء وعائلاتهم. ويعمل الجميع لصالح الكيبوتز، ويأخذون في المقابل بضائع وخدمات بدلاً من الأجور، وذلك يشمل المأكل والمسكن والتعليم، ورعاية الأطفال والرعاية الطبية، وتسمى مجموعات الكيبوتز أحيانًا المجتمعات الزراعية التعاونية.
ويُعدُّ الكيبوتس من أهم المؤسسات التي تستند إليها الحركة الصهيونية في فلسطين (قبل 1948) أو إسرائيل (بعد تأسيسها) والتي أثرت على الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل حتى بداية الثمانيات وقتما بدأ انحطاطها. وهو مؤسسة فريدة مقصورة على المجتمع الصهيوني، إذ لا توجد أية مؤسسة تضاهيها في الشرق الأوسط أو خارجه.
والكيبوتس هو كيان مستقل إداريا على السلطات المحلية ويوفر خدمات تعلمية وصحية وحرفية معتمدا على جهود ذاتية للمقمين فيه ويلقى دعماً من الدولة العبرية وقد أخترع هذا الأسلوب في الإدارة لكي يعالج إشكالية تواجد الأقلية اليهودية في فلسطين بحيت يحتكم اليهود فيما بينهم لقواعد وقوانين وتشريعات تخصهم وحدهم ولا يلجأون لأجهزة الدولة إذ انهم لا يؤمنون بمعتقدات تلك الدولة أو شرائعها.
وفي أغلب مجموعات الكيبوتس يعيش البالغون وأطفالهم منفصلين بعضهم عن بعض، حيث يأكل الأطفال وينامون ويدرسون معًا في مجموعات منفصلة، وسكان الكيبوتس خليط من يهود أوروبا ومن أبناء المهاجرين الذين ولدوا في فلسطين. وهؤلاء السكان يعيشون في بيوت صغيرة متقاربة ويستخدمون مرافق عامة ويعيشون عيشة تقشف. والعمل في الكيبوتس إجباري ولا مهرب منه. وصالة الطعام في الكيبوتس هي مكان اللقاء وإجراء المناقشات، وتزور الأمهات أطفالهنّ الرُّضَّع بين الحين والآخر أثناء النهار، كما يصطحب الأهل أطفالهم لفترة محدودة بعد العمل.
ويبلغ مجموع الكيبوتسات أكثر من 250 وحدة. كما يتراوح حجم الأعضاء ما بين 40 ـ 1500 عضو بكل وحدة. والكيبوتس المثالي يوجد به 275 عضوًا. وتستأجر كل كيبوتز الأرض مقابل مبلغ من المال.
وتعتمد مجموعات الكيبوتس بصفة رئيسية على الزراعة في توفير متطلبات الحياة. إلا أنها حاليًا تمتلك مصانع بجانب المزارع. وتتخذ إسرائيل من هذه الكيبوتسات وسيلة لجلب المهاجرين من شتى بقاع الأرض.
مناط أهمية الكيبوتس بالنسبة لعلماء الاجتماع يرجع بالأساس إلى كونها تمثل تجارب فى الحياة الجماعية القائمة على المساواة. (انظر كتاب بيتلهايم، أطفال الحلم، الصادر عام 1969)
تاريخ
أسس المهاجرون اليهود الذين جاءوا من أوروبا أول كيبوتس سنة 1909 على ساحل بحيرة طبريا، على بعد 10 كم جنوبي مدينة طبريا، وسمي «كفوتسات دغانيا» (קבוצת דגניה) أي «مجموعة دغانيا». وفي عام 1910م، تحول هذا الكيبوتز إلى مستعمرة سمّيت دغانيا. منذ ذلك الحين تأسست 300 كيبوتس تقريبا، آخرها سنة 1998. في سنة 2004 كانت في إسرائيل 278 كيبوتسا سكن فيها 126800 نسمة، أي 2% من مواطني إسرائيل، أكثريتهم الساحقة من اليهود، أغلبهم من اليهود الغربيين أي المهاجرين من أوروبا إلى فلسطين.
ورغم تنوُّع انتماءات الكيبوتسات السياسية، تأسست عام 1999 «الحركة الكيبوتسية» تشترك فيه 85% المزارع الجماعية. وقد تكونت «الحركة الكيبوتسية» من منظمتي «الحركة الكيبوتسية الموحدة» («تاكام») و«حركة الكيبوتس القطرية» (أو «هاشومير هاتساعير»). ومن غير هذه الحركة توجد أيضا «حركة الكيبوتس المتدين» التي تجمع التجمعات المتدينة القريبة من الحزب المتدينين القوميين ("المفدال"). قبل 1979 كان الانفصال السياسي بين الكيبوتسات أكثر، ولكن في ظل الصعوبات الاقتصادية اضطرت إلى تكثيف التعاون بينها، وقررت توحيد أجنحتها السياسية.
أهمية الكيبوتس
نشطت الحركة الصهيونية بعد عام 1904م لاستعمار فلسطين عن طريق العمال الزراعيين والصناعيين، فبدأت بإنشاء الكيبوتسات. وقد شدد هيرتزل على أهمية طرد الفلاحين العرب الفلسطينيين من أراضيهم وإحلال المهاجرين اليهود محلهم بعد إنشاء الكيبوتسات. وقد أسس ديفيد بن جوريون منظمة لحراسة هذه الكيبوتسات سمّيت هاشومير التي تحولت فيما بعد إلى المنظمة الإرهابية السرية هاجانا. وقد ازداد وضوح الطابع العسكري للكيبوتسات بعد إنشاء نوايا وهي منظمة الشباب الإسرائيلي الطلائعي التي تعمل على تأسيس الكيبوتسات. ومن الجدير بالذكر أن أحزاب إسرائيل الرئيسية هي وليدة عصابات الكيبوتس المسلحة. ويتضح من أسماء الكيبوتسات أن معظم ما أسس منها بعد عام 1949م كانت مراكز محصّنة يغلب عليها الطابع العسكري وتتحكم به قيادة الجيش الإسرائيلي.
أهمية الكيبوتسات داخل إسرائيل في العقود الثلاثة الأولى لقيام الدولة تبدو من الإحصاءات التي قد تعطي فكرة عن مدى إسهام هذه المؤسسة في المجتمع الإسرائيلي في ذلك الحين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت نسبة أعضاء الكيبوتس في النخبة الحاكمة (أي بين قيادات المجتمع الإسرائيلي) سبعة أضعاف نسبتهم في المجتمع (ويكفي أن نذكر أن دافيد بن غوريون وموشيه ديان وشيمون بيريس ويغآل آلون وغيرهم من أبناء الكيبوتسات). وكان ثُلث الوزراء الإسرائيليين من 1949 حتى 1967 من أعضاء الكيبوتس، كما أن 40% من إنتاج إسرائيل الزراعي و7% من صادراتها في ذلك الحين كانت من إنتاج الكيبوتسات، و8% من إنتاجها الصناعي. هذا يعني أن نوعية سكان الكيبوتسات كانت من النخبة الصهيونية ومن الفئات القوية في المجتمع الصهيوني، ثم الإسرائيلي، أكبر بكثير من نسبتها في المجتمع.
في نهاية سبعينات القرن العشرين ظهرت موجة من الحفيظة ضد الكيبوتسات، خاصة بين اليهود الشرقيين المقيمين في المدن الصغيرة. معظم الأراضي التابعة للكيبوتسات هي بملكية الدولة، من بينها أراض صادرتها الدولة من عرب فلسطينيين هُجّروا خلال حرب 1948. كانت سياسة الدولة عبر السنوات منح الكيبوتسات حرية للاستثمار في أراضي الدولة ما دامت الكيبوتسات تستخدمها للزراعة والصناعة. في نهاية التسعينات أخذت بعض الكيبوتسات تستخدم هذه الأراضي لبناء مراكز تجارية وطالبت الدولة بالاعتراف بالكيبوتسات كمالكة الأراضي بالفعل. وقد نشأت حركة يهود شرقيين تطالب بإعادة تقسيم الأراضي من جديد بسبب إحساسهم بالإجحاف في هذا الأمر معتقدين أن من حقهم الاستفادة بشكل أكبر من الأراضي التابعة للدولة.
منذ فوز حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية العامة سنة 1977 والأزمة الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل في الثمانيات تقلص دعم الحكومة الإسرائيلية للكيبوتسات وتقللت أهميتها في المجتمع الإسرائيلي. الكثير من أبناء أعضاء الكيبوتسات انتقلوا إلى المدن أو إلى البلدات غير التعاونية. كذلك، في السنوات الأخيرة، أصبح بعض الكيبوتسات بلدات غير تعاونية لاستحالة أعضائها التمسك بالأفكار التعاونية في ظل التغييرات بمنهج الاقتصاد الإسرائيلي.