كوندورسيه

المركيز دو كوندورسيه هو ماري جان أنطوان نيكولا دي كاريتا ماركيز دي كوندرسيه (بالفرنسية: Marie Jean Antoine Nicolas de Caritat) (17 سبتمبر 1743- 29 مارس 1794) هو رياضيّ ومصلح ثوري وفيلسوف فرنسي يدعو إلى التقدم، ومن أبرز المساهمين في الموسوعة الفرنسية إنسيكلوبيدي. من أوائل المناصرين للثورة الفرنسية، ثم واحداً من ضحاياها فيما بعد. يُعتبر أحد أشهر دعاة الإصلاح التربوي في عصره. لعب دوراً كبيرا في الثورة الفرنسية. لاحَقَهُ اليعاقبة عام 1793 م فاختفى عن الأنظار لمدة تسعة أشهر، حتى إذا اعتقلوه تجرَّع السُّمَّ ومات.

وترجع شهرته فى الغالب إلى نظريته عن التقدم الإنسانى، وكان قد نشرها فى دراسته المعنونة رسم تقريبي للصورة التاريخية لتقدم العقل البشري 1793 - 1794م) الذى كتبه أثناء اختفائه، وفيه ميز كوندرسيه بين سلسلة من عشر دورات أو مراحل تطورية فى تاريخ البشرية. وكان يرى أن الطبيعة البشرية يمكن أن تصل إلى الكمال، وأن التاريخ قد أظهر توجُّه البشرية نحو حضارة مستنيرة، كما أكد - مثل كثير من معاصريه - على إمكانية التقدم والنمو اللامحدود للعلوم والرياضيات. وكان يشعر بأن الشرور تنتج عن المؤسسات المتخلفة والقوانين التي ينشِئها الحكام والقساوسة. وقد اعتقد كوندرسيه أن التاريخ ـ حتى العصر الذي يعيش فيه ـ يتكون من تسعة عصور (مراحل). وفي العصر العاشر، الذي تنبأ أن يكون عصر المستقبل سوف تزداد المساواة بين الأمم والطبقات وسوف يتحسن حال الناس جسديًا وفكريًّا وأخلاقيًّا. وقد قيل إن أفكاره -بما في ذلك دعم الليبرالية الاقتصادية والتعليم العام المجاني والمتساوي، والحكومة الدستورية، والمساواة الاجتماعية للمرأة والناس من جميع الأعراق- تجسد مثاليات عصر التنوير والعقلانية التنويرية. وفى مقاله عن أسس علم السكان، انتقد مالتوس أفكار كوندرسيه الاجتماعية والسياسية الراديكالية، إذ كان مالتوس يرى أن هذه الأفكار سوف تخفق بسبب التفاوت بين نمو السكان والنمو المحدود للموارد الطبيعية التى تتتج الطعام.

ولد كوندرسيه في بيكاردي وكان اسمه واسم عائلته ماري جين أنطوان نيكولاس دي كاريتان. وكان رياضيًّا بارعًا. انتخب للعمل بالأكاديمية الفرنسية. أيَّد الثورة الفرنسية، وعمل بالمجلس التشريعي الثوري والميثاق. ولكنه في آخر الأمر، اعتقل كعدو للثورة، وتوفي في السجن بعد فتره من هروبه من السلطات الثورية الفرنسية.

حياته

ولد كوندورسيه في ريبمون Ribemont (في مقاطعة بيكارديا بشمالي شرقي فرنسا) في 17 سبتمبر سنة 1743. وتوفي في سجنه في ضاحية بور لارين Bourg - la - Reine (احدى الضواحي الجنوبية الشرقية لباريس) في 29 مارس سنة 1794. وينحدر من أسرة نبيلة عريقة هي أسرة كاريتا Caritat التي اتخذت لقب النبالة: كوندورسيه، نسبة إلى إقطاعية في أقليم الدوفينيه Dauphiné في جنوب شرقي فرنسا. وتعلم في مدارس اليسوعيين: أولاً في كلية اليسوعيين في رانس Reims ثم في كليتهم في باريس المسماة كلية نافار College de Navare الشهيرة. فكشف في سن مبكرة عن موهبة رفيعة في الرياضيات، مما جعل «أكاديمية العلوم» (إحدى أكاديميات فرنسا) تعينه عضواً فيها في سنة 1769 وهو في السادسة والعشرين. وفي أثناء عضويته فيها أبدى أصالة بارزة فيما قدم إليها من أبحاث.

عين تورغوت في عام 1774 كوندورسيه مفتشًا عامًا لمؤسسة عملة باريس. انطلاقًا من هذا المنصب، حوّل كوندورسيه تركيزه من المسائل الرياضية البحتة إلى الفلسفة والمسائل السياسية. في السنوات التالية، تولى الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة وعرق السود على وجه الخصوص (أصبح ناشطًا في جمعية أصدقاء السود في الثمانينات لكونه مُحررًا من العبودية). بالإضافة إلى تأييده للمثل العليا التي تجسدها الولايات المتحدة الأمريكية المُشكلة حديثًا، والمشاريع المقترحة للإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية التي تهدف إلى تغيير فرنسا.

طُرد تورغوت من منصب المراقب العام في عام 1776. ونتيجة لذلك قدم كوندورسيه استقالته من منصب المفتش العام لمؤسسة عملة باريس، ولكن رُفض طلبه، واستمر في الخدمة في هذا المنصب حتى عام 1791. استمر كوندورسيه في الحصول على المناصب المرموقة، حيث دعاه دالمبير، أحد مؤسسي «الانسكلوييديا»، إلى المشاركة في تحريرها ثم انتخبته الأكاديمية الفرنسية للعلوم أمينا دانماً لها في سنة 1777. وتولى هذا المنصب حتى إلغاء الأكاديمية في عام 1793؛ وأصبح سكرتير أكاديمية اللغة الفرنسية في عام 1782، كما صار عضواً في أكاديميات أوروبية أخرى.

وفي سنة 1785 نشر كتاباً بعنوان: «بحث في تطبيق التحليل على احتمالات القرارات الصادرة بأغلبية الأصوات»، وهو بحث ممتاز له مكانة بارزة في تاريخ نظرية الاحتمالات وحساب الاحتمالات. وقد ظهرت لهذا الكتاب طبعة ثانية (بعد وفاته) موسعة جداً ومكتوبة بتحرير جديد في سنة 1805، تحت عنوان: «عناصر حساب الاحتمالات وتطبيقه على ألعاب الصدفة، وعلى اليانصيب وعلى أحكام الناس».

وفي سنة 1786 تزوج من أخت امانويل دي جروشي الذي سيصبح مارشالاً في أواخر أيام نابليون، وكات من أجمل فتيات فرنسا في ذلك الوقت، وتدعى صوفي دي جروشى Sophie de Grouchy (سة 1764 - 1822) وقد أنشأت لها «صالوناً أدبياً»، في «قصر النقود» Hotel de Monnaies حيث كان يسكن زوجها كوندورسيه بوصفه مفتشاً عاماً لسك النقود. وكان هذا المنتدى الأدبي من أشهر الأندية الأدبية في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر الحافل بالصالونات الأدبية الممتازة.

وفي سنة 1786 أصدر كوندورسيه كتاباً عن: «حياة تورغوت Turgot» تحت عنوان حياة السيد م. تورغوت (1786)، وهي سيرة تحدثت بإعجاب عن تورغوت ودعت إلى نظرياته الاقتصادية. وفي سنة 1789 أصدر ترجمة لحياة فولتير. وقد انتشر كلا الكتابين انتشاراً واسعاً، ويكشفان عن قريحة أدبية فائقة.

ولما قامت الثورة الفرنسية في يوليو سنة 1789 خاض غمارها بكل حماسة، على الرغم من أنه كان نبيلاً بدرجة «مركيز»، (وهي ثاني أعلى رتبة في الطبقة الارستقراطية الفرنسية)، خصوصاً وقد كان من دعاة الاصلاح السياسي الجذري منذ وقت طويل، وبشر بآراء الثورة الفرنسية بين رجال الفكر في فرنسا، وكان من أعضاء جماعة «الانسكلوبيديا». فانجرف بكل اندفاع وحمية وحماسة مع زعماء الثورة الفرنسية في الأمور السياسية العملية، وانتخب نائباً عن باريس في «الجمعية التأسيسية»، المكلفة بوضع الدستور، وصار أميناً عاماً لها. وأبدى نشاطاً ملحوظاً في إصلاح نظام التعليم في فرنسا. وكان المحرر الرئيسي للنداء الموجه من رجال الثورة الفرنسية إلى الحكومات الأوروبية في 29 ديسمبر سنة 1791. وفي 21 ثم 22 أبريل سنة 1792 قدم إلى «الجمعية التشريعية» مشروعاً لنظام التعليم، كان هو الأساس في النظام الذي أقر فيما بعد.

وكان كوندورسيه من أوائل الذين نادوا بإعلان النظام الجمهوري في فرنسا، ووقف الملك لويس السادس عشر، ودعوة «جمعية الميثاق الوطني» La Convention Nationale (وهي الجمعية التأسيسية التي أسست الجمهورية الفرنسية الأولى وحكمت فرنسا من 21 سبتمبر سنة 1791 حتى 26 أكتوبر سنة 1795، وفي هذه الجمعية (الكونفنسيون) مثل محافظة الاين Aisne وكان عضواً في اللجنة المكلفة بوضع الدستور. لكن المشروع الذي قدمه في فبراير سنة 1793 رفض، بينما أقر المشروع الذي قدمه اليعاقبة Jacobins .

وفي محاكمة لويس السادس عشر صوت ضد إعدام الملك. وكذلك اعترض على القبض على الجيرونديين Girondins في يونيو سنة 1793. كذلك أبدى روحاً مستقلة غير منساقة وراء إرهاب وغوغائية اليعاقبة، فأثار حفيظة هؤلاء عليه وكانت لهم اليد العليا في فترة ما يسمى «حكم الإرهاب» في سنة 1793، فأصدروا قراراً بادانته وإهدار دمه. فهرب واختبأ لدى بعض الأصدقاء الذين حثوه على استئناف العمل في كتابه الذي بفضله سينال شهرة عظيمة في عالم الفكر والفلسفة وهو: «مخطط لوحة تاريخية لألوان تقدم العقل الإنساني» وفي نفس الوقت كتب «وصية والد مهدر الدم إلى ابنته».

ولما ظن أنه مراقب من قبل خصومه فر هارباً من البيت الذي اختبا فيه، وهام على وجهه في الغابات والمحاجر طوال ثلاثة أيام، بعدها دخل ضاحية كلامار (إحدى الضواحي الجنوبية لباريس Clamar) في مساء يوم 27 مارس سنة 1794 لكن طلعته كشفت عن هويته، فقبض عليه واقتيد إلى ضاحية بور لارين Bourg - la - Reine حيث سجن. وفي صباح 29 مارس (سنة 1794) وجد ميتاً، إما من الإرهاق، أو بسبب سم دسوه له في السجن.

أما زوجته، صوفي، فقد غدرت به بأن طلبت الطلاق منه أثناء اختفائه، وحصلت على الطلاق، وفي نفس الوقت حصلت على حق إرث ممتلكاته التي كانت حكومة روبسييير قد صادرتها!

آراؤه الفلسفية

قلنا إن كوندورسيه كان رياضياً في المقام الاول. لكن اهتمامه بحساب الاحتمالات بخاصة، جعل البعض يذهب الى أن سر اهتمامه بهذا الفرع من الرياضيات إنما يرجع إلى اهتمامه بعلم الإنسان اجتماعياً وسياسياً، وحساب الاحتمالات هو أقرب الفروع الرياضية تطبيقاً على الشؤون الإنسانية حيث يسود الاحتمال والصدفة، لا الضرورة والاطراد اليقيني.

لكن الأهمية الفكرية الكوندورسية إنما تقوم على كتابه «مخطط لوحة تاريخية لألوان تقدم العقل الإنساني» الذي نشر بعد وفاته بعام واحد أعني في 1795.

والفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا الكتاب هي أن العقل الإنساني في تقدم مستمر نحو الكمال التام، وهي فكرة سيكون لها أثر بالغ في المفكرين الفرنسيين خصوصاً، في القرن التاسع عشر وعلى رأسهم ارنست رينان (1823 - 1892).

ولإثبات رأيه هذا لجأ إلى التاريخ لبيان تقدم العقل الإنساني باطراد نحو مزيد من الكمال، وقد قصد من هذا «المخطط . . .» أن يكون بمثابة مدخل سريع يمهد لتاريخ موسع مفصل للعلوم وتأثيرها في المجتمع. وقد بقيت شذرات مهمة من هذا العمل الضخم، من بينها شذرة تتناول اقتراحا بوضع لغة رمزية لاستعمالها في العلوم - على نحو مشابه لما دعا إليه ليبنتس- ومنها شذرة تعالج موضوع تصنيف العلوم.

ويبين كوندورسيه مراحل تقدم العقل الانساني على النحو التالي:

  1. في المرحلة الأولى تحرر العقل من السيطرة العشوائية للبيئة الطبيعية.
  2. وفي المرحلة الثانية يتحرر العقل الانساني من الارتباط التاريخي الذي صنعه لنفسه بنفسه.

وقد ارتكزت آمال كوندورسية في التقدم الانساني في المستقبل على الشرطين التاليين:

  1. الأول هو أنه كان يعتقد أن العقبات التي هددت في الماضي، تقدم الإنسان وهي الارستقراطية والطغيان من ناحية، والجهل والغوغائية والخضوع السياسي من ناحية أخرى قد قضي عليها أخيراً بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي والسياسي الثوري.
  2. كما كان يعتقد أن اكتشافات علم النفس القائم على الحواس (كوندياك ومدرسته) قد مكنت من بيان المبادىء الأساسية للعلم الاجتماعي.

كذلك استمد من إعلان حقوق الانسان المبادئ التي ينبغي أن يقوم عليها النظام السياسي الديمقراطي الحر.

ويميز كوندورسيه العصور التالية في تطور الإنسان:

  • العصر الأول: فيه يتجمع الناس في قبائل، وهم يشتغلون إما بالقنص وإما بالصيد، ويحتكمون إلى سلطة عامة فيما بينهم، ويتعلقون بأواصر القرابة والدم.
  • العصر الثاني: ويسميه عصر الرعاة - فيه تنشأ الملكية ومنها ينشأ عدم التساوي بين الناس، بل وينشأ الرق، ولذلك يتوافر الفراغ لممارسة الشؤون العقلية واختراع الآلات البسيطة جداً.
  • العصر الثالث: وهو عصر الزراعة: فيه يزداد الفراغ والثراء ويتحسن توزيع العمل وتطبيقه، وتتحسن طرق المواصلات. وباختراع الحروف الأبجدية في هذا العصر تكون معرفتنا بالتاريخ أوسع وأدق، ويبدأ التاريخ بالمعنى الصحيح.
  • العصران الرابع والخامس: هما العصر اليوناني والروماني.
  • العصران الخامس والسادس: العصور الوسطى وتنقسم إلى مرحلتين: تنتهي الأولى بانتهاء الحروب الصليبية، وتنتهي الثانية باكتشاف الطباعة في سنة 1453.
  • والعصر الثامن يبدأ من اكتشاف الطباعة ويستمر حتى قيام ديكارت بوضع منهجه الفلسفي الجديد في سنة 1637.
  • والعصر التاسع بدأ من ثورة ديكارت الفلسفية وينتهي بقيام ثورة سنة 1789 - الثورة الفرنسية - وهي ثورة سياسية وعقلية. ويتميز هذا العصر التاسع باكتشاف طبيعة العالم الفزيائي بفضل اسحق نيوتن، وتحديد طبيعة المعرفة الانسانية بفضل جون لوك، وكوندياك؛ وطبيعة المجتمع بفضل ترجو Turgot وجان جاك روسو.
  • ويتنبأ كوندورسيه بأن العصر العاشر المقبل سيتميز بثلاث خصائص هي:
    1. القضاء على عدم المساواة بين الأمم؛
    2. القضاء على التفاوت بين الطبقات؛
    3. تحسن الأفراد. والكمال المتزايد للطبيعة الانسانية هي نفسها: عقلياً وأخلاقياً وجسمانياً.

مفارقة كوندورسيه ونهج كوندورسيه

نشر كوندورسيه مقالته حول تطبيق التحليل على احتمال قرارات الأغلبية في عام 1785، واعتُبرت أحد أهم أعماله. وصف هذا العمل العديد من النتائج الشهيرة في يومنا هذا، بما في ذلك نظرية هيئة محلفي كوندورسيه، والتي تنص على أنه إذا كان كل عضو في مجموعة تصويت من المرجح أن يتخذ قرارًا صحيحًا، فإن احتمال أن يكون أعلى تصويت في المجموعة هو القرار الصحيح يزداد مع زيادة عدد أعضاء المجموعة؛ وتناقض كوندورسيه، الذي يوضح أن تفضيلات الأغلبية يمكن أن تصبح غير متعدية مع وجود ثلاثة خيارات أو أكثر؛ من الممكن أن يعبر بعض الناخبين عن تفضيلهم أ على ب، وتفضيل ب على ج، وتفضيل ج على أ، كل ذلك ضمن نفس مجموعة التصويت.

تحدد الورقة البحثية أيضًا نهج كوندورسيه العام المصمم لمحاكاة انتخابات زوجية بين جميع المرشحين في انتخابات ما. لم يوافق بشدة على الطريقة البديلة لتجميع التفضيلات التي وضعها جان شارل دي بوردا (استنادًا إلى تصنيفات الإحصاء اللامعلمي). كان كوندورسيه من أوائل من استخدموا الرياضيات بانتظام في العلوم الاجتماعية.

أعمال أخرى

كتب كوندورسيه كتيبًا بعنوان تأملات في العبودية الزنجية في عام 1781، ندد فيه بالعبودية. في عام 1786، عمل كوندورسيه على أفكاره الخاصة بحساب التفاضل والتكامل، ما أعطى حلًا جديدًا للقيم متناهية الصغر، وهو عمل لم يُنشر على ما يبدو. في عام 1789، نشر حياة فولتير (1789)، والذي اتفق فيه مع فولتير في معارضته للكنيسة الرومانية الكاثوليكية. في عام 1791، نشر كوندورسيه -إلى جانب صوفي دي غروتشي وتوماس بين وايتيان دومون وجاك بيير بريسو وأخيل دوشاستيليت- مجلة مختصرة بعنوان لو ريبوبليكان (الجمهورية)، التي هدفت بشكل الرئيسي إلى الترويج للجمهورية ورفض الملكية الدستورية. كان موضوع المجلة هو أن أي نوع من الملكية يمثل تهديدًا للحرية بغض النظر عمن يحكم، وأن الحرية هي التحرر من الهيمنة.

ألف كوندورسيه في عام 1795 كتابًا بعنوان رسم للصورة تاريخية لتقدم العقل البشري. لقد تناول الفكر النظري في إتقان العقل البشري وتحليل التاريخ الفكري القائم على الحساب الاجتماعي. كتب توماس مالتوس كتاب مقال عن مبدأ السكان (1798) الذي كان -بشكل جزئي- استجابة لآراء كوندورسيه حول «كمال المجتمع».

المساواة بين الجنسين

تركز عمل كوندورسيه بشكل أساسي على البحث عن مجتمع أكثر مساواة. دفعه هذا الطريق إلى التفكير والكتابة حول المساواة بين الجنسين في السياق الثوري. نشر كوندورسيه في عام 1790 «حول قبول المرأة في حقوق المواطنة» والتي دعا فيها بقوة إلى حقوق المرأة في الانتخابات في الجمهورية الجديدة وفي توسيع الحقوق السياسية والاجتماعية لتشمل النساء.

كان أحد أكثر مفكري عصر التنوير شهرة في ذلك الوقت، وكان من أوائل من قدم مثل هذا الاقتراح المتطرف في وقتها. كونه صاحب بصيرة، حدد كوندورسيه النوع الاجتماعي كهيكل اجتماعي قائم على الاختلافات الملحوظة في الجنس ورفض الحتمية الأحيائية باعتباره قادرًا على شرح العلاقات بين الجنسين في المجتمع.

استهجن قواعد القمع الأبوية -الموجودة في كل مستوى مؤسساتي- وإخضاع النساء وتهميشهن بشكل مستمر. مثله مثل زميله مفكر التنوير جان جاك روسو في كتابه في التربية: إميل نموذجًا (1762)، حدد كوندورسيه التعليم على أنه أمر أساسي لتحرير الأفراد. قال: «أعتقد أن جميع الاختلافات الأخرى بين الرجل والمرأة هي ببساطة نتيجة للتعليم». لقد رأى أنه الحل الوحيد -بالنسبة للمرأة- القادر على تفكيك أدوار الجنسين وتعزيز نوع آخر من الذكورة، لا على أساس العنف والقسوة وإخضاع النساء، بل على الصفات المشتركة مثل العقل والذكاء.

يستند التماس كوندورسيه الكامل للمساواة بين الجنسين إلى الاعتراف بأن إسناد الحقوق والسلطة يأتي من الافتراض الخاطئ أن الرجل يملك العقل والمرأة لا تفعل ذلك.

غالبًا ما يختلف الباحثون حول التأثير الحقيقي الذي أحدثه عمل كوندورسيه على التفكير النسوي قبل الحداثة. يشير منتقدوه إلى أنه، عندما كُلف في نهاية المطاف ببعض المسؤوليات في عملية صياغة الدستور، لم تُترجم قناعاته إلى عمل سياسي ملموس، وكانت جهوده المبذولة لوضع هذه القضايا على جدول الأعمال محدودة.

من ناحية أخرى، يعتقد بعض العلماء أن هذا الافتقار إلى العمل لا يرجع إلى ضعف التزامه، بل إلى الجو السياسي في ذلك الوقت وغياب الشهية السياسية للمساواة بين الجنسين من جانب صُناع القرار. قدم كوندورسيه، جنبًا إلى جنب مع مؤلفين من أمثال ماري وولستونكرافت أو لون دالمبير أو أوليمب دو غوج، إسهامًا دائمًا في النقاش ما قبل النسوي.