كلبية

من أجل استخدامات أخرى، انظر كلبية (توضيح).

الكلبية أو الفلسفة التشاؤمية أو السينيكلية (بالإنجليزية: Cynicism)؛ هي مذهب فلسفي أسسه الفيلسوف أنتيستنيس في القرن الرابع ق.م.، وهو أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط. والتشاؤميون أشبه بالكلبيين بعدم الثقة من وجود الخير في الطبيعة البشرية. ومن الذين كان لهم أثر بارز في فلسفة التشاؤم الفيلسوف الألماني شوبنهاور. وكان ديوجين واحدًا من أتباع أنتيستنيس المتحمسين، إذ اتبع الفلسفة الكلبية إلى درجة التطرف. ويقال أنه كان يعيش على أردأ أنواع الخبز، وينام في أحد الأحواض. وقد أنشأ زينون الفلسفة الرواقية، وهو مذهب كلبي ساد في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق.م. وقد الكلبية مجموع فلسفات اعتقد بها الكلبيون، رفض الكلبيون كافة التقاليد، سواء كانت باسم الدين، الأخلاق، أو كانت تتعلق باللباس، أو اللباقة أو غيرها من القيود الاجتماعية، وأيدوا عوضا عن ذلك السعي وراء أسلوب حياة لامادي وبسيط يهدف إلى الفضيلة. بتعبير آخر، الكلبية هي مذهب يقوم على مجاراة الطبيعة وعدم المبالاة بالعرف.

في القرن التاسع عشر، تغير مفهوم الكلبية ليعني سلبية شديدة، وارتياب عام في نزاهة دوافع الآخرين، خصوصا في القيام بالأعمال الأخلاقية. يمكن أن تتجلى الكلبية في الإحباط، وخيبة الأمل وغياب الثقة تجاه المنظمات، السلطات، ونواحي أخرى من المجتمع.

منشأ الاسم

وتشير بعض المراجع إلى أن الاسم كلبي نسبة إلى سينوسارغس، وهو اسم لمبنى في أثينا، التقى فيه الكلبيون لأول مرة. وتشير المراجع الأخرى إلى أن الاسم مستمدٌ من الكلمة اليونانية التي تعني كلب. وأنها إشارة إلى السلوك الفظ الذي يتصف به الكلبيون ونباحهم في وجه المجتمع الفاسد ليتخلى عن حماقاته. وفي الحديث العادي لدى الغربيين، يوصف الشخص الذي يسخر من الفكرة القائلة بوجود الخير في الطبيعة البشرية بأنه كلبي.

تاريخ الكلبية

الكلبيون الكلاسيكيون الإغريق والرومان اعتبروا الفضيلة هي الضرورة الوحيدة لبلوغ السعادة. الكلبيون الكلاسيكيون تبعوا تلك الفلسفة إلى المدى الذي يجعلهم يهملون كل شيء لا يساعدهم في الوصول إلى الكمال في الفضيلة وبلوغ السعادة، لذلك، سموا بالكلبيين، لاشتراكهم مع الكلاب في صفات مثل إهمالهم للمجتمع، والعائلة، والمال، إلخ. لقد ارتؤوا أن يحررو أنفسهم من التقاليد، وأصبحوا مكتفين ذاتيا، ويتصرفون على طبيعتهم بشكل محض. كما رفضوا المعتقدات التقليدية التي تزعم أن السعادة لا بد أن يصاحبها مال، أو نفوذ، أو شهرة، وآمنوا بدلا من ذلك بأن الفضيلة هي ما يجلب السعادة.

رفض الكلبيون القدامى القيم الاجتماعية التقليدية، وانتقدوا سلوكيات مثل، الجشع، الذي قالوا أنه يتسبب في آلام الآخرين. فلسفة الكلبية عند اليونان، أكدت على «الفضيلة والحرية الأخلاقية الضروريتان للتحرر من عبودية الرغبة». في حين أن فلسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، غيرت التعريف إلى «السلوك السلبي والازدرائي، وعدم الثقة بنزاهة الدوافع التي يجهر بها الآخرون، خصوصا في ما يتعلق بالأخلاق»

الفلسفة

الكلبية، هو مذهب فلسفي أسسه في القرن الرابع قبل الميلاد الفيلسوف أنتيسثينيز، أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط. وكانت نقطة البداية لهذا الفيلسوف هي مذهب معلمه، الذي يرى الفضيلة وليس المتعة ـ الهدف الأساسي للحياة، وأنها تمثل السعادة الحقيقة. ويرى أنتيسثينيز أن الشخص الحكيم هو الذي ينظر باحتقار لكل الرغبات المألوفة في الحياة، ويعيش غير عابئ بالثروة والجاه. وأكّد أن السعادة الدائمة أمر غير ممكن، مادامت للشخص حاجات ورغبات لا يستطيع إشباعها، وهو غير مقيد بأية التزامات، نحو المجتمع أو الدولة أو الأسرة، لأن هذه الأشياء تولِّد رغبات لا يمكن إشباعها.

في القرن التاسع عشر، تغير مفهوم الكلبية ليعني سلبية شديدة، وارتياب عام في نزاهة دوافع الآخرين، خصوصا في القيام يالأعمال الأخلاقية. يمكن أن تتجلى الكلبية في الإحباط، وخيبة الأمل وغياب الثقة تجاه المنظمات، السلطات، ونواحي أخرى من المجتمع.

انظر أيضًا

الكلبيون

سميت هذه المدرسة بهذا الإسم نسبة إلى ,الكلب, «رسنا»، عما يدل على ان الاسم لا بد أن يكون من وضع احد خصومها سخرية منهم. ويذكر ذيوجانس اللائرسي (١٣:٦) ان مؤسس المدرسة، أنطسثانس لقب بلقب ÖcnXoKVCiJV

(= كلب حقيقي). وأيد هذه التسمية ذيوجانس واتباع المدرسة المتأخرون بإزدرائهم للعادات المتبعة واحتقارهم للجاه والوجاهة، وبما اظهره من زهد في الحياة واستمتاع باجتلاب اللوم. وإن كان هناك رأي يقول إن الكلمة نسبة الى اً6كم،00ة«لا^(ام ميدان في آثينية)وهو امر محتملخصوصاً بالنسبة إلى أنطسثانس.

ومؤسس المدرسة أنطسثانس بدأ بان تتلمذ على جورجياس، ثم تتلمذ على سقراط، وبعد وفاة سقراط اخذ يعلم في مدرسة كينوسارج. وخلاصة رأيه ان الفضيلة هي الخير الأوحد؛ وتحتاج السعادة إلى شيء غير الفضيلة. اما المتعة فشر إذا قصد إليهاغاية. لكن ما الفضيلة؟ الفضيلة هي القناعة. وليس ثم غير فضيلة واحدة، ويمكن تعليمها ونعلمها؛ فإذا اقتناها المرء لميعدمن الممكن القضاء عليها. ولا تحتاج الفضيلة إلى الكلام الكثير، بل إلى القوة السقراطية. ومن يملك الفضيلة حكيم. ومن عدا مالكي اسيلة فميرا حكاء.

وفي نظرية المعرفة يعارض أنطسثانس نظرية الصور الأفلاطونية؛ ولا يعترف إلا باحكام الهوية.

وأشهر تلاميذه هو ذيوجانس السينوي، الذي صار نموذج الكلبي، وبطلا لأسطورة واسعة الانتشار عن خصائص مسلك الكلبي. وتتلمذ عليه مونيموس، وأونيسكريتوس، وفيليسكوس، وكراتس الثيمي الذي بفضله انضم إلى هذا المذهب كل من هبرخيا واخيها .تروكلس. وكان لهذا الأخير تلاميذ عديدون، مباشرون وغير مباشرين، ذكر لنا ذيوجانس (٩٥) اسماءهم، ويهذا نستطيع ان نتابع انصار المدرسة الكلبية حتى نهاية القرن الثالث،حيث اختفت المدرسة تماماً.

أنطسثانس

وليست لدينا معلومات وثيقة عن حياة أنطسثانس، مؤسس المدرسة. ولا بد انه كان يعيش شيخاً في سنة ٣٦٦ق. (ديودورس الصقلي ٧٦:١٥). ابوه من آثينا، اما امه فيذكر ذيوجانس اللاثرسي (١:٦)أنهامن تراقيا. وهذا هو السبب فيا يقال في انه اقتصر علي ميدان كينوسارج لأنه المكان الوحيد الذي كان مسموحا به لغيركاملي صفة المواطن الاثيني. وفي هذا الميدانن أو الحي- كانت عبادة هرقل، الذي مجده الكلبيون اعظم تمجيد.

٣٢٢

الكلبيون

بداً أنطسثانس تعليمه بان حضر دروس جورجياس السوفسطائي وكان لهذا تأثيره في الطريقة الخطابية التي صاغ بها أنطسثانس محاوراته. وقد بقي لنا من كتاباته الخطابية رسالتان هما: ,أياس, و«أودوسيوس»، ولا محل للشك في صحة نسبتهما إليه، بينما فقدت له رسالة أخرى خطابية أورد اسمها ذيوجانس اللائرسي على رأس ثبت مؤلفاته بعنوان : «فيالقول لخلق».

واشتغل أنطسثانس معلما للخطابة زمنا، ثم تعرف الى سقراط وأعجب به أيما إعجاب، إلى حد أنه نصح تلاميذه بان يكونوا زملاءه في التلمذة على سقراط (ذيوجانس اللائرسي، ٢:٦) وهكذا انتقل من الخطابة إلى الفلسفة، ولكنفيسنع.

ويقول لنا اللائرسي إن كتبه حفظت في عثرة مجلدات:

الأو ليشمل:

(١ ) «رسالة في التعبير أو أساليب القول»

(٢) «أياس ،اًوقولأياسا

(٣) «أودوسيوس أو في أودوسيوس»

(٤) «دفاععن أورسطس، أوفي الكتاب الشرعيين» (٥) « الكتابة المتشايهة» أو « لوسياس وايسقراطيس» (٦) «رد على خطبة ايسقراطيس بعنوان: بغيرشهود»

والمجلد الثاني يشمل:

(٧) افي طبيعة الحيوان»

(٨) «في انجاب الأولاد أو في الزواج؛ بحث في الحب» (٩) «في السوفسطائية»

(١٠)«في العدالة والثجاعة» : مواعظ في ثلاث مقالات»

(١) «في وجيس»

والمجلد الثالث يشمل :

(١٢)في الخير»

(١٣) «في الشجاعة»

(١٤) «في القانون، أو الجمهورية,

(١٥ ) «في القانون، او الخير والعدل»

(١٦) «في الحرية والاستعباد،

(١٧) «في العقيدة»

(١٨) «في الحارس، أوفي الطاعة»

(١٩) «في النصر: بحث في تدبير المنزل»

والمجلد الرابع يشمل :

(٢٠) اقورس،

(٢١) «هرش الاكبر، أو في لقوة»

والمجلد الخامس يشمل :

(٢٢) «قورس، أو في السيادة»

(٢٣) «أسبا سياء

والمجلد السادس يشمل :

(٢)الحقي »

(٢٥) افي الجدل: متن في المجادلات»

(٢٦) «ساون، أو في المناقضة» ثلاث مقالات

(٢٧) «في المحادثة»

والمجلد السابع يشمل :

(٢٨) «في التربية، أو في الأسماء» خ مقالات

(٢٩) «في استعمال الأسياء: كتاب مساجلة»

(٣٠) «في السؤل والجواب»

(٣١) ,في الرأي والمعرفة م أربع مقالات

(٣٢) «في الموت»

(٣٣) «في الحياة والموت»

(٣٤) «في الساكنين العالم السفلي»

(٣٥) «في الطبيعة»- مقالتان

(٣٦) «مشكلة تتعلق بالطبيعة»- مقالتان

(٣٧) «الار، أو المجادل»

(٣٨) «مشاكل تتعلق بالتعليم»

والمجلد الثامن يشمل:

(٣٩) ,في الموسيقى»

(٤٠) «في المفسرين»

(٤١) يه وميرو»

(٤٢) «في الشر والفجور»

(٤٣) «في كلخاس»

(٤٤)في الرائد»

(٤٥) «في اللذة»

والمجلد التاسع يشمل :

(٤٦) «في أودوسيوس»

(٤٧) «فيعصاالساحر»

(٤٨) «أثينا أو في تليماخوس:

(٤٩) «في هيلانه ونيلوبه»

الكلببيون

٣٢٣

(٥٠) •فييروتيوس»

(١ ٥) «كوكلوبس أو في أودوسيوس»

(٥٢) «في استعمال الخمر، أو السكر، أو في

الكوكلوبس»

(٥٣)في يس»

(٥٤) «في أمفياراوس»

(٥٥) «في أودورسيوس، ونيلوبي والكلب»

والمجلد العاشر والأخيريشمل :

(٥٦) «هرقل، أوميداس»

(٥٧) اهرش، أوفي الحكمة أوالقوة»

(٥٨) «قورس أو المحبوب»

(٥٩) «قورس، أو الرداء»

(٦٠) «منكسانوس أو في الحكيم،

(٦١) ,ألقبيادس,

(٦٢) «أرخيلاوس، أوفي الملكية».

وقد أخذ عليه تيمون كثرة التأليف. وفي هذه العنوانات اثر السوفسطائية واثر سقراط معاً. واتخذ من التاريخ القومي ومن لأساطير اليونانية نماذج لبث أفكاره. فنراه في «هرقل» يقدم غموذج الكلبي الباحث عن المجهود والآلام، وفي اقورس٠ غموذج الحاكم وفقاً للمبادىء السقراطية الكلبية، بينما نراه في «أرخيلاوس« ينتزع من الوضع الراهن صورة واقعية للطاغية الذي يسلك مسلكا يتنافى مع المثل الأعلى السقراطي.

مذهبه:

وفي مذهبه تجتمع العناصر السوفسطائية مع العناصر القراطية واهتمامه يتجه في المقام الأول إلى الديالكتيك وإلى الأخلاق. ففي الديالكتيك يتأثر ببروديكوس واهتمامه باللغة، وفي نف الوقت يتأثر سقراط في اهتمامه بالتعريات, ويظهر تأثره بالرفطائية خصوصاً في ولعه الشديد بالجدل والمساجلات.

يقول أرسطوطاليس («الطوبيقا» م٣ ف١١ ص١٠٤ت = كتابنا: «منطق أرسطو» ج٢ ص٤٨٦س٢) إن أنطسثانس يقول: «!نه ليس لأحد ان يتناقض، ؛ ويقول في موضعآخر («ما بعد الطبيعة» مقالة الدلتا فصل ٢٩ ص١٠٢٤ ب س٣٤= ابن رشد: «تفسير ما بعد الطبيعة» ج٢ ص٦٨٩ س١- س٦) إن أنطسثانس «يرى أنه لا ينبغي أن يقال شيء

البتة ما خلا ما يقال بالقول الخاص الذي للواحد من الواحد» ويشرح ابن رشد هذه العبارة فيقول. ايريد (أي أرسطو) ولذلك كان يرى فلان (= أنطسثانس) أنه لا ينبغي أن يحد شىء البتة، ولا ان يدل عليه إلا بلفظ واحد يدل منه على معنى واحد، لانه يرى انه الصدق لواحد مع واحد. فإذاً ليس تصدق أصلا حدود المعاني العامة على الخاصة» .

وتفسير العبارة الأولى. ايى لأحد أن يتناقض» هو انه إذا كان الكلام عن شيء فإنه ذو قول خاص به، بحيث انه إذا كان القول عنه حقاً فلا محل للتناقض؛ وإما أن يكون الكلام عن شيء آخر ولا محل هنا أيضاً للتناقض. وبعبارة أخرى: لكل شيء اسم واحد خاص به، فإن استعمل نفس الاسم فلا تناقض؛ وإن استعمل اسم آخر فهو يدل على شيء آخر لا على نفس الشيء، فلا تناقض ايضاً.

وتفسير العبارة الثانية واضح من كلام ابن رشد: لا ينبغي أن يحد شيء ألبتة ولا أن يدل عليه إلا بلفظ واحد يدل على معفى واحد، وعلى هذا فلا اسم يدل إلا على مسمى واحد. وعلى هذا فلا كلي، لأن الكلي- المزعوم في نظرم هو المقول على كثيرين مختلفين في النوع؛ ولكن لا شيء يقال على كثيرين، إذن فلا كلي أبداً.

وبهذا يرى أنطسثانس أنه ينبغي على الإنسان أن يطلق على الشيء الاسم الخاص به فقط؛ وتبعاً لهذا لا يجوز له ان يحمل صفة مختلفة على الشيء، فمثلا لا يجوز للانسان أن يقول: «الا نسا نخير» ، بل: ٠الإنسانهو الإنسان»، والخير هو الخير» . ولما كان التعريف معناه ايضاح تصور بتصورات أخرى غيره فإنه رفض كل تعريف على أساس أن التعريف كلام لا يتعلق بالشيء المعرف نفسه، إنه مجرد مقارنة وليس نعريفاً بالمعفى الدقيق؛ وحقى لو سلمنا بوجود اجزاء تنفسم إليها صفة الشيء، فإن ذلك ليس حدا وتعريفا، إنه مجرد تصورللشيء، وليس علما به.

وهذا يفضي إلى القول بأن كل شيء فردي، وأن الكليات لا تعبر عن ماهيات الأشياء، بل عن آراء الناس في الأشياء. ولهذا انتهى انطسثانس إلى اسمية متطرفة مؤداها أن التصورات العامة (ألكليات) هى مجردافكار إنه يرى أناساً وافراساً، ولا يرى الإنسانية ولا الفرسبة، ومن هنا قامت معركة عنيفة بينه وبين أفلاطون استعمل فيها كلاهما عبارات عبغة.

لقد تعلق أنطسثانس بالأساء وحدها. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أنه لم يهتم بالأشياء نفها وجعل البحث العلمي عن الأشياء غير ممكن؛ ونتج عن ذلك أن قال ما رواه أرسطو وهو أنه لا تناقض، ولا يمكن المرء أن يتناقض لاختلاف التسميات وبالتالي اختلاف المميات، وبالتالي يكون الكلام عن أشياء مختلفة، وحيث يكون الكلام كذلك فلا تناقض أبداً .

ويرتبط بهذه القضية القاثلة باستحالة التناقض قضية أخرى تقول باستحالة القول الكاذب، وقد ربط بين كلتيهما ارسطوطاليس في الموضع المشار إليه، وسخر من الثانية افلاطون في محاورة «اوتيديموس» (صفحة ٣٨٣ ه وما يتلوها؛ ٢٨٥ وما يتلوها).

ولكن ليس معفى هذا، مع ذلك، ان الكلبيين دعوا إلى التخلي عن العلم؛ فقد كتب أنطسثانس، كما رأينا، رسالة في المعرفة والرأي تقع في أربع مقالات (رقم ٣١ في فهرست مؤلفاته الذي ذكرناه)؛ وأصحاب هذه المدرسة كانوا يرون اهم وحدهم الذين عرفوا الحقيقة واهم تجاوزوا الظن الخادع. لكنهم رأوا ايضاً ان هذه المعرفة ينبغي ان تكون في خدمة غرض عملي فقط هو ان تجعل من الناس فضلاء وبالفضيلة سعداء . والغاية من الحياة في نظرهم هي السعادة (يوجانس١١:٦).

قال اللاثرسي عنه: ,آراؤ ه المحبوبة لديه هي: أنه أثبت أن الفضيلة يمكن تعلمها؛ وأن النبل لا يضاف لغير الفاضل. وقال إن الفضيلة تكفي بنفسها لتحقيق السعادة، لأها لا تحتاج إلى شيء غير فوة سقراط. وأكد ان الفضيلة من شان العمل ولا تحتاج إلى حصيلة من الكلمات أو التعلم؛ وأن الرجل الحكيم يكفي نفسه بنفسه، لأن كل أموال الغير له؛ وأن سوء السمعة شيء حسن، وشأنها شأن الألم؛ وأن الحكيم لا ينقاد في اعماله العامة بالقوانين الموضوعة، بل بقانون الفضيلة؛ وأنه يتزوج لانجاب أولاد من الاقتران بأجمل اكسوة؛ وانه لايزدري بالحب، لأن الرجل الحكيم يعرف وحده من هم الجديرون بالحب.

,وقد روى له ديوكلس الأقوال التالية: لا غريب على الحكيم ولا امر بمستعص عليه. الصالح خليق بأن يحب. الفضلاء أصدقاء . حالف الشجعان العدول. الفضيلة سلاح لا يمكن انتزاعه. خير لك أن تكون معحفنة من الأبرار

المناضلين ضد كل الأشرار من ان تكون مع حشود من الأشرارضدحفنة من لأبرار. احذر أعداءك، لأغهم أول من يكشف عوراتك. قدر الرجل الأمين فوق القريب. الفضيلة واحدة بالنسبة إلى النساء والرجال على السواء. الأعمال الصالحة جميلة والأعمال السيئة قبيحة. كل الشرور غرية. الحكمة حصن لا يتداعى ولا يتحطم. أسوار الدفاع ينبغي أن تشيد من حججنا البالغة» .

ولم يميز الكلبيون بين الفضيلة والعادة، بل قالوا إن كلتيهما شيء واحد فلاخير إلا الفضيلة، ولاشر إلا الرذيلة، وما ليس فضيلة ولا رذيلة فيستوي عند الناس. ذلك لأنه لا خير إلا ما يكون ملكا للانسان، ولا ملك حقيقيا للانان غير قنيته الروحية. والمرء لا يكون مستقلا بنفسه إلا في الأمور الروحية والأخلاقية؛ وما عدا ذلك فمن شأن الحظ والعلم والفضيلة سلاحان عليهما تتكسر كل هجمات الحظ. لهذا لا يحتاج المرء- كيما يكون سعيدل لغيرالفضيلة؛ وما عدا ذلك فعليه أن يحتقره حى لا يكتفي ٠يقنع بغير الفضيلة. فمثلا، ما الغى يغير الفضيلة؟ نهب المتملقين والفاجرات، واغراء على الثح الذي هو اس كل بلاء، رينبوع لعديد من المفاسد والقبائح، وشيء لا يحقق السمعة ولا المتعة. ما الموت؟ إنه ليس شراً. لأن الشر هو السوء ونحن لا نشعر به أنه سوء، لإننا لا نشعر بشيء لما نموت.

وأخس الأمور وأذمها هو الذة. والكلبيون يرون في اللذة أكبر شر، ويروي عن أنطسثانس أنه قال انه يفضل أن يكون مجنوناً عل ان يكون ملتذا , ذلك لانه اذا لم يكبح جماح اللذة شيء كما في الحب، وحيث يصبح المرء عبداً لشهوته، فلا علاج ابداً. وعل العكس يرون أن ما يتاذى منه الناس، وهو الألم والجهد والعمل، هو الفضيلة، إذ بهما يصبح المرء حراً، ولهذا مجد الكلبيون هرقل وجعلوا منه المثل الأعلى للكلبي، لأنه لم يوجد من كافح وتعب واجتهد مثله في سبيل خر الا نية.

والفضيلة عندهم عمل وسلوك، ولا تحتاج إلى كثيرمن التأملات والأفكار. والنبل نبل الفضيلة لا نبل المولد، والعداة أسمى من صلة الدم.

ومن نظرية اكتفاء الفضيلة بنفسها وعدم قيمة ما اعتاد الناس ان يعدوه خيرات ونعما، استخلص الكلبيون مبدا «عدم الحاجة،، أي القناعة التامة.

الكلبيون

وكان طبيعياً ان تكون افكارهم في السياسة والدين مشبعة بهذه الروح. ولهذا نراهم يسخرون من الدستور الآثيفي ومن قادة أثينا؛ فكان أنطسثانس يوصي أهل أثينا بأن يقرروا -بالتصويتد أن الحمير أفراس! ويشبه هذابانتخاب اناس -لا يفقهون شيئاً- قواداً.

إن الكلبي يتجاوز حدود الدولة. ولكنه لا يستطيع أن يحدد الدولة المثلى في نظره. فهو يحمل على الديمقراطية (أرسطوطاليس: «السياسة، م٣ ف١٣ ص١٢٨٤ س١٥)، ويحمل على الطغيان لأن الكلبي يحب الحرية؛ ويحمل على النظم الارستقراطية، لأنه لن يقبل الناس ان يكون حاكموهم حكماء. ولهذا كان ميل الكلبين إلى عدم الاهتمام بالدولة المحدودة، لأنم شعروا بأنهم مواطنون عالميون، لا مواطنين في وطن عدود. وكانوا يرون أن الثعوب يجب أن تؤلف شعباً واحداً، ولا ينبغي فصل شعب عن آخر بقواين خاصة وبحدود. وكانوا يطالبون بالحياة البسيطة المتجردة عن كل مال. ولكن الدافع إلى فكرة العالمية عندهم لم تكن الاتحاد بين الناس، بل التحرر من قيود الدولة وحدود القومية.

وهنا نصل إلىصفة مميزة كل التمييز للكلبيين هي: املامتية، أي عدم الاهتمام بلوم الناس. ولهذا كانوا لا يمفلون بما يقوله الناس، ما دام متفقاً مع مذهبهم فكانوا يسمحون لانفسهم بفعل كل ما يرونه طبيعياً وكل ما يستتر منه الناس؛ فمن لا يخجل من نفسه ينبغ الا يخجل من الناص، وراي الناس لا أهمية له عندهم.

وفي الذينهاجموا الدين الشائع، وتابعوا السوفسطاتية في حلتهم على المعتقدات الدينية السائدة، وأبدوا آراء صريحة في الألمة اليونانية وعباداتها ولهذا كان الكلبيون من أنصار نزعة التنوير في الدين. انم لا ينازعون في وجود الألوهية، ولكنهم ينإزعون في تعدد الآلهة وتشبيهها بالإنسان في افعاله؛ وقالوا بإله واحد لا يشبه شيئاً مرثياً ولا يمكن رسمه في أية صورة. ويرون في عبادة الآلهة أنه ليس ثم غير طريقة واحدة لعبادتهم، هي فعل الفضيلة، وما عدا ذلك فخرافة وأساطير والحكمة والعدالة تجعلاننا أحباء الالهة، والحكيم يعبد الله بالفضيلة، لا بالأضاحي، فلا حاجة بالآلهة إلى الأضاحي؛ والحكيم يرى ان المعبد ليس أكز قداسة من أي مكان آخر، ويدعر لله أن ينال العدل لا أن ينال الرزق.

ولكن يلاحظ مع ذلك ان انطسثانس لم ينبذ الأساطير

ليونانية كما فعل اكسينوفانس؛ ولكنه أولها تأويلا تشيع فيه النزعة العقلية.

ذيوجانس السينوبي

ولد في سينوب، وهو ابن هيكسيون الصيرفي. ويذكر ديوكلس أنه نفي لأن ابام استودع أموال الدولة فغش في النقود. ولكن يوبوليدس- في كتابه عن ذيوجانس - يقول إن ذيوجانس نفسه هو الذي فعل ذلك واضطر إلى الرحيل مع والده. ولقد اعترف ذيوجانس نفسه في كتابه «قوردالس» بأنه كان يزيف النقود.

رحل إذن من بلده سينوب ووصل ألى أثينا، فلقي أنطسثانس، ولكن هذا لم يرحب به، فثابر إلى أن ظفر برضا ه.

ويروى أنه قام بالتعليم، فعلم أولاد اكسنيادس، وكانت له فى اثينا تلامذة (ذيوجانس اللائرسى،٦ : ٣٠ وما بعدها،٧٥،٧٤ وما بعدها) . كما يذكر أنه كتب كتباً ، يذكر من بينها ذيوجانس اللائرسيعنوان كتابين.

ولقد صرر في صورة اسطورية زاثفة كانت هي النموذج المبالغ فيه للكلبي. وقليل من ملامح هذه الصورة ينتسب حقا الى ذيوجانس التاريخي. وكثرة تلاميذه تشهد عى أنه لم يكن مجرد صاحب آداب وأمثال وحكم عابرة. وقد انتقلت هذه لصورة إلى العالم العرب، فأوردها لنا المبشرين فاتك في كتابه «مختار الحكم ومحاسن الكلم، (نثرتنا ص٧٢- ٨٢. مدريد سنة ١٩٥٨)، وأبو الفرج بن هندو في «الكلم الروحانية» (صه١٠_١١٢).

وبهذه الصورة أصبح ذيوجانس أوسع الفلاسفة شعبية. فجواب ه عن الأسكندر، والصدفة التي كسرها ما رأى طفلا يشرب في راحة يده؛ والحب (الزير) الذي كان يسكن فيه؛ والمصباح الذي كان يسير به مضيئا في وضح النهار بحثا عن الإنان دون أن يجد إنسانا واحدا جديرا باسم الإنسانية وكل هذه سارت مسار الأمثال والنوادر، فجعلت منه رجلا غريب الأطوار بارع الجواب، حاضر البديهة، خفيف الظل.

«كان زاهداً متخلياً، لا مسكن له ولا مأوى إلا حيث أجنه الليل. وكان لا يمتنع من الطعام إذا جاع عند من وجده، غير محتشم، ليلا كان او ناراً . وكان يجبه الناس بالحق. ويصدق على نفسه، ويرفعها عما ينحط إليه الملوك

كيركججور

والسوقة. فقنع بثوبين من الصوف. فلم يزل ذلك حاله إلى ان فارق الدنيا»1 هذا الوصف لحياته الذي أورده المبشر بن فاتك يلخص الصورة التي انتشرت عنه، ويلوح ان معظم ملامحها صادقة.

وقد نعته افلاطون أنه «سقراط هاذياً» .

أما من حيث المذهب الكلبي فيلوح ان ذيوجانس اضاف إليه في اربع مائل اثنتان منهما تتعلق بالنظرية، والاثنتان الأخريان بالسلوك العملي. والمسألة الأولى هي انه قال باشتراكية النساء والأولاد، وإلغاء الزواج (ذيوجانس اللائرسي ٦ : ٧٢) وان يكون الاتصال الجنسي بالرضا الحر المتبادل. قال اللائرسي عنه (٦ : ٧٢) : «كان يدعو إلى الاشتراك في الزوجات، ولا يقر بزواج غير الاجتماع بين الرجل الذي يقنع والمرأة التي توافق. ولهذا السبب رأى ان يكون الأولاد أيضاً بالاشتراك بين الناس جميعاً» .

والمسألة الثانية تدخل في باب السياسة. فقد اعلن أنه مواطن عالمي (اللائرسي ٦٣:٦) لا يحد بوطن، ولا يعترف بدستور دولة محدودة، وكان لهذا أثر في الكلبيين من بعد، والرواقية.

والنقطة الثالثة هي التجرد والذهن (ديوان الذهبي الفم ٨: ١٢ وما بعدها) ويختلف عن النوازع الصوفية بأنه لم يكن يحتقر البدن وإنما كان يقصد فقط إلى الاستغناء، إلى غنى النفس ابتغاء الظفر بحريتها واستقلالها.

والنقطة الرابعة هي الملامتية لكلبية، التي اراد بها ان يجابه الأحكام المستبقة الشائعة بين الناس، والتقاليد السارية لديهم، وأن يحتقر الحضارة وقواعدها، لقد كان يرى ان القانون يناقض الطبيعة، وهومن أنصار الطبيعة فلا عليه إذن إن خالف القوانين السائدة.

وكان له كما قلنا تلاميذ عديدون اشهرهم : مونيموس، وأونيسكرتيوس، وفيلكوس وكراتس ومتروكلس وأخته هبارخيا. وكات لهم مؤلفات اسهمت في نشر المذهب الكلبي . فإن فيلكوس الف محاورات وطراغوديات احتوت على مفارقات كلبية مثيرة. وأونيسكرتيوس اشترك في حملة الاسكندر الأكبر على الهند، وألف تاريخاً للاسكندر ذا اتجاه قصصي فاضح. واستعارمن الفقراء الهنود العراة -Gymno sophistes بعض ملامحهم وأدخلها في الأخلاق الكلبية .

وأهم منهما متروكلس وكراتس ومونيموس. الف أولهما أقوالا ونسب اعمالا تمثل ملامح النزعة الكلبية. والثاني الف قصائد هزلية مدح فيها السيرة الكلبية وسخر من النزعات الفلسفية الأخرى.