جان كالفن
جان كالفن (بالإنجليزية: John Calvin – بالفرنسية: Jean Calvin) (وُلد باسم جيان كوفان، 10 يوليو 1509 – 27 مايو 1564)، كان عالم لاهوت وقس ومصلح فرنسي في جنيف خلال حركة الإصلاح البروتستانتي. وكان من المساهمين الرئيسيين في تطوير المنظومة اللاهوتية المسيحية التي دُعيت فيما بعد بـ «الكالفينية»، والتي تتناول تعاليمها القدر والملكوت المطلق لله في تخليص روح الإنسان من الموت واللعنة الأبدية، وتأثر كالفن في تعاليمه هذه بالتقاليد الأوغسطينية والمسيحية الأخرى وبنى عليها. وقد انتشرت العديد من الكنائس الأبرشانية والإصلاحية والمشيخية، التي تنظر إلى كالفن على أنه المفسر الرئيسي لمعتقداتها، في أنحاء العالم.
كان كالفن كاتباً سجالياً ودفاعياً لا يكلّ، وقد أثار الكثير من الجدل، وتبادل الرسائل الودية والتشجيعية مع كثير من الإصلاحيين، من بينهم فيليب ملانكتون وهاينريش بولينغر. وبالإضافة إلى عمله المؤثّر الذي يحمل عنوان «تأسيس الديانة المسيحية»، كتب كالفن تفسيرات لمعظم الأناجيل والوثائق المعترف بموثوقيتها والعديد من أبحاث اللاهوت الأخرى.
تلقى كالفن في الأصل تعليمًا يعدّه كي يصبح محاميًا إنسانيًا. وانفصل عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية نحو عام 1530. وبعد ظهور التوترات الدينية وانتشارها بعنف فتاك ضد المسيحيين البروتستانت في فرنسا، فر كالفن إلى مدينة بازل السويسرية، حيث نشر في عام 1536 الطبعة الأولى من كتابه «تأسيس الديانة المسيحية». وفي العام نفسه، طوّع الفرنسيُ «ويليام فاريل» كالفن للانضمام إلى الحركة الإصلاحية في جنيف، حيث بات يلقي العظات بانتظام خلال أيام الأسبوع، لكن المجلس الحاكم للمدينة عارض تطبيق أفكارهما، وتعرض الرجلان كلاهما للنفي. وبدعوة من مارتن بوسر، انتقل كالفن إلى ستراسبورغ، حيث أصبح كاهن كنيسة للاجئين الفرنسيين. واستمر بتأييده للحركة الإصلاحية في جنيف، وفي عام 1541 دُعي من جديد ليترأس كنيسة المدينة.
عقب عودته، أدخل كالفن أشكالًا جديدة لإدارة الكنيسة والطقوس، رغم معارضة عدة عائلات قوية في المدينة حاولت أن تكبح نفوذه. وخلال هذه الفترة، وصل ميغيل سيرفيت إلى جنيف، وهو إسباني تبنى آراءً حول الثالوث المقدس كانت هرطوقية في نظر كل من الكاثوليك الرومان والبروتستانت، فتمت إدانته من قبل كالفن وأعدِم حرقًا بتهمة الهرطقة على يد مجلس المدينة. وبعد تدفق المزيد من اللاجئين الداعمين له وحدوث انتخابات جديدة في مجلس المدينة، أرغِم خصوم كالفن على التنحي. وأمضى كالفن سنواته الأخيرة يروّج للحركة الإصلاحية في جنيف وكل أنحاء أوروبا.
بدايات العمل الإصلاحي (1536-1538)
في مارس 1536، نشر كالفن الطبعة الأولى من كتابه «تأسيس الديانة المسيحية»، وكان العمل عبارة عن أبولوجيا أو دفاع عن عقيدته وبيان حول الوضع المذهبي للإصلاحيين، وقصد منه كذلك أن يكون بمثابة كتاب إرشادات مبدئي لأي شخص مهتم بالعقيدة المسيحية. كان الكتاب أول تعبير عن نظريته اللاهوتية، ولقد طور كالفن العمل ونشر طبعات جديدة خلال حياته. بعد نشر الكتاب بوقت قصير، غادر كالفن بازل إلى فيرارا في إيطاليا، حيث شغل لفترة قصيرة وظيفة أمين سر لدى الأميرة رينيه الفرنسية. وبحلول يونيو كان قد عاد إلى باريس برفقة أخيه أنطوان، الذي كان يعمل على حل شؤون أبيهما. وعقب مرسوم كوسي، الذي منح فترةً محددةً بستة أشهر للمهرطقين كي يثوبوا إلى جادة العقيدة الكاثوليكية، قرر كالفن أنه لا يملك مستقبلًا في فرنسا. وانطلق في أغسطس إلى ستراسبورغ، التي كانت مدينة إمبراطورية حرة تابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة شكلت ملجأ للإصلاحيين. وبسبب المناورات العسكرية للقوات الإمبراطورية والفرنسية، أرغِم على التوجه إلى الجنوب، مما انتهى به إلى جنيف.
لم ينوِ كالفن أن يقيم أكثر من ليلة واحدة، لكن ويليام فاريل، وكان فرنسيًا إصلاحيًا يقيم في المدينة، ناشده بالبقاء ومساعدته في عمله لإصلاح الكنيسة هناك، مصرًا على أن هذا واجبه الديني. ولقد كتب كالفن، الذي وافق أن يبقى على مضض، فيما بعد قائلًا: «وقد سخّر فاريل، الذي كان يعمل بحماسة مذهلة لنشر الإنجيل، كل جهوده آنذاك لإبقائي في المدينة. وحين عرف أنني كنت عاقد العزم على أن أدرس سرًا في مكان منعزل ما، ورأى أنه لم يكسب شيئًا من التوسل، انحدر إلى اللعن، وقال إن الله سيلعن طمأنينتي لا محالة إن تقاعست عن تقديم العون في وقت حاجة ماسة مثل هذا. وإذ روعني كلامه، وفطنت إلى جبني، تخليت عن رحلتي وسعيت إلى استغلال كل ما حُبيت به من مواهب في الدفاع عن عقيدتي».
قبل كالفن دوره الجديد دون أي شروط مسبقة بشأن مهامه أو واجباته، والمنصب الذي تم تعيينه فيه أول الأمر غير معروف، لكنه مُنح في نهاية المطاف لقب «قارئ»، الذي يعني على الأغلب أنه كان بمقدوره تقديم محاضرات تفسيرية حول الإنجيل. وفي وقت ما من عام 1537، اختير ليصبح «قسًا» رغم أنه لم يتلقَ أي ترسيم كهنوتي. وللمرة الأولى، بدأ المحامي وعالم اللاهوت بمزاولة واجبات كهنوتية مثل المعمودية والزفاف والقداديس الكنسية.[١]
خلال أواخر عام 1536، وضع فاريل مسودة لقانون إيمان، وكتب كالفن مقالات منفصلة عن إعادة تنظيم الكنيسة في جنيف. وفي 16 يناير 1537، قدم فاريل وكالفن عملهما المعنون بـ«مقالات حول تنظيم الكنيسة وطقوسها في جنيف» لمجلس المدينة. وصفت هذه الوثيقة أسلوب وتواتر احتفالاتهم بسر القربان المقدس، وسبب الحرمان الكنسي ومنهجه، وإلزامية الإقرار بقانون الإيمان، واستخدام الترتيل الجماعي في الطقوس الدينية، وتنقيح قوانين الزواج. وقبل المجلس بالوثيقة في اليوم نفسه.
ومع مرور أيام العام، بدأت سمعة كالفن وفاريل لدى المجلس تتراجع. فقد كان المجلس معارضًا لفرض الإقرار، إذ لم يكن قد أقر بقانون الإيمان هذا إلا بضعة مواطنين. وفي 26 نوفمبر، ناقش الكاهنان المجلس بحرارة حول هذه القضية. وعلاوة على ذلك، كانت فرنسا قد بدأت تبدي اهتمامًا بتشكيل حلف مع جنيف، وبما أن الكاهنين كانا فرنسيين فقد بدأ أعضاء المجلس يشككون بولائهما. وفي آخر المطاف، نشب خلاف كنسي سياسي كبير حين اقترحت مدينة برن، حليفة جنيف في مشروع إصلاح الكنائس السويسرية، تطبيق شكل واحد على الشعائر الكنسية، وقد تضمن أحد البنود استخدام خبز خال من الخميرة في تناول القربان المقدس. لم يكن في نية الكاهنين اتباع إمرة برن وماطلا استخدام الخبز المذكور ريثما تتسنى إقامة ملتقى سينودوس في زيورخ لاتخاذ القرار النهائي. وأمر المجلس كالفن وفاريل باستخدام خبز خال من الخميرة من أجل مناولة عيد الفصح، فرفضا إدارة العشاء الرباني خلال قداس الفصح احتجاجًا. وتسبب هذا بشغب خلال القداس وفي اليوم التالي، مما جعل المجلس يطلب من فاريل وكالفن مغادرة جنيف.
بعد ذلك ذهب فاريل وكالفن إلى برن وزيورخ للترافع عن قضيتهما. وألقى ملتقى سينودوس المبرَم معظم اللوم على كالفن لأنه لم يُظهر تفهمًا كافيًا نحو سكان جنيف، وطلب الملتقى من برن التوسط بهدف إرجاع الكاهنين إلى عملهما، غير أن مجلس جنيف رفض قبول الرجلين من جديد، فلجأا إلى بازل. في وقت لاحق، تلقى فاريل دعوة لترؤس الكنيسة في مدينة نوشاتيل، ودُعي كالفن لترؤس كنيسة للاجئين الفرنسيين في ستراسبورغ من قبل رائدَي الإصلاحيين في تلك المدينة، مارتن بوسر وفولفغانغ كابيتو. رفض كالفن الدعوة أول الأمر لأنها لم تتضمن فاريل، لكنه لان حين استعطفه بوسر. وبحلول شهر سبتمبر من عام 1538، كان كالفن قد بدأ بمزاولة أعمال منصبه الجديد في ستراسبورغ، متوقعًا يقينًا أن الأمر سيدوم هذه المرة. وبعد بضعة أشهر، تقدم بطلب مواطنية المدينة ومُنح إياها.
النداء
كانوا أتباعه يؤمنون إيماناً شديداً بأن كل إنسان له عمل في الدنيا يقوده إلى مكانه في الأخرة.
وأطلقوا على هذا المبدأ اسم مبدأ "النداء"، أي أن لكل إنسان نداء في هذه الدنيا إذا لبّاه فهو سيقوده إلى تحقيق هدفه في بلوغ مكانة ترضي الله في الأخرة. وعلى الرغم من تغير الأحداث وانفصال الاقتصاد عن الدين في العالم الغربي اليوم إلا أن هذه هي جذوره.
كلفان
مصلح ديني فرنسي.
ولد في نوايون 00ل0ل (بمقاطعة بيكاردي ا jjPicardie شمال فرنسا الشرقى) في ١٠ يوليو سنة ١٥٠٩، وتوفي في جنيف (سويسرة) في ٢٧ مايو سنة ٠١٥٦٤ وكان أبوه مندوبا Procureur كنسياً مكلفاً بالاشراف على ممتلكات الكنيسة في ذلك البلد. وفي سن الحادية عشرة دخل كلية الكابت -Capet 5ع) في بلده نوايون، حيث تعرف الى أبناء اسرة نبيلة في الاقليم هي اسرة 4400100* de Hangestومع بعض ابناء هده الأسرة انتقل إلى الدراسة في باريس وهو في سن الرابعة عشرة فدخلوا أولاً في كلية المارش 3 Marcheا Collège de حيث كان يوجد واحد من اشهر رجال التربية وهو ماتران كوردييه Mathurin Cordier فتعلم كلفان على يذيه اللغة اللاتينية، تلك اللغة التي سيكتب جها بعض مؤلفاته: ثم دخل بعد ذلك كلية مونتاجو اءذة!409وكانت آنذاك من قلاع الدراسات الاسكلائية المتشددة، ما جعل اصحاب النزعة الانسانية يرشقونها بسهام التهكم والسخرية، فقال عنها رابليه Rabelais^ «كلية القمل» ومديرها نوئل بدييه Bedier ات0 هو الذي عمل على إدانة ارزمس ولوتروغيرهما من «الهراطقة»، وربما كان عنفه في إدانة مؤلفات هؤلاء المصلحين هو الدافع إلى تلاميذه لكي يقرأوا كتبهم! عل كل حال، اكب كلفان الفتى اليافع الطلعة على قراءة كتاب «الأقوال» لبطرس اللومباردي، وبعض مؤلفات اباء الكنيسة، وخصوصاً أوغسطين ويوحنا الذهبي الفم. وبعد أن درس كلقان في كلية مونتاجو أربع سنوات، تركها، وذلك في سنة ١٥٤٨ وفي نفس الوقت دخلها مناضل ديني سينال شهرة واسعة بتأسيسه «لجمعية يسوع» (اليسوعيين) وهو اجناس دى لويولا الذي عاد جريحاً من معركة حصار بنبلونة Panpelune وكرس حياته للعذراء. ولكننا لا نعلم هل التقى ارجلان، أوتزاملا في الدراسة.
وكان أبو كلفان قد اراد أن يتخصص ابنه في دراسة اللاهوت، لكنه غير بعد ذلك رأيه وأراد منه دراسة القانون، فادخل انه في كلية القانون في أورليان حيث كان يعلم أستاذ قانون عمتاز هو بييردلتوال.ع!:510ت1 de ع٣٣ع1٦وفي خريف سنة ١٥٢٩ انتقل إلى بورج Bourges لمواصلة دراساته في القانون على القانوني الايطالي اندريا التشياتي Andrea Alciati وأول ما نشر من كتابات كلفان كان مقدمته لكتاب ألفه Nicolas Duchenin دافع فيه عن لتوال ع5011^1ضد التشياتي وتجديداته. كذلك تعرف كلقان الى ملشيور فولمار Melchior Wolmar، أستاذ اللغة اليونانية وكان من المشايعين لمارتن لوثر، وقد بدأ كلفان معه دراسة اللغة اليونانية.
وتوفي أبوه في مايو سنة ١٥٣١ فقطع دراسته في بورج وذهب إلى باري حيث كان «التعليم الجديد» قد نتشرفي مواجهة التعليم الاسكلائي في الجامعة. وهنا واصل دراسة اليونانية، وبدأ تعلم اللغة العبرية.
وفي أبريل سنة ١٥٣٢ نشر شرحه على رسالة الحلم De Clementia تأليف الفيلسوف الرومافي سنيكا Seneca وقد كتبه كلفان باللغة اللاتينية. ولا يكثف في هذا الشرح عن أية نزعة نحو الاصلاح الديني، بل فقط عن اهتمامه بالأدب اللاتيني، وعن ميل إلى المذهب الرواقى. وكانت الدراسات الانسانية قد بدأت تلقى الرعاية من ملوك فرنسا خصوصاً بتأثي. مرجريتد١ذجرلم Marguerite d’Angoleme ، ملكة نأفار وأخت فرنسوا الأول ملك فرنسا الشهير. وحدث أن القى مدير جامعة باري 120012500لخطبة أشاد فيها بلوتر وحركته وكان كوب صديقاً لكلفان. فأمر الملك فرنسوا الأول بمطاردة البروتتنت، واضطركوب هووكلقان إلى الفرارمن باريس. ولجأ كلفان إلى مقاطعة انجولم Angouleme حيث كانت الحرية أوفر ونزل ضيفا على Louis du Tibet وكان كاهنا قانونياً في كاتدرائية ومن اسرة نبيلة، ويملك مكتبة عظيمة افاد منها كهان طوال الاشهر العديدة التي أقامها ضيفاً على صاحبها.
أما تحول كلهان من الكثلكة إلى البروتستنتية، وهو تحول مفاجى* كما صرح كلقان نفه في « شرحه على المزامير» فقد تم على أبكر تقدير في سنة ١٥٢٨ وعلى اكثر التقديرات تأخيراً في سنة ١٥٣٤ ، وكانت السوربون قد أدانت مؤلفات لوئر، واحرق أحد اتباع مذهب لوثر وهو 00 Valiereنعل بتهمة اعتناقه لمذهب لوتر.
لكن أول بادرة تدل على اتجاه نحو اعتناق الاصلاح الديني كانت تنازله عن جراياته benefices في مايو سنة ١٥٣٤ . ومنذ سنة ١٥٣٤ صار من زعماء دعاة الاصلاح الديني على مذهب لونر. وصارت حياته في باريس عرضة للخطر، فسافر إلى بازل (سويسرة) مع صديقه النبيل !عا1ن11لما10حيث عاش تحت اسم مستعار هو Marianus Lucanius فرحب به رجال الاصلاح الديني من أمثال .Oswald, Myconius, Pierre Viret, Heinrich, Bullinger وهنا الف كتابه الرئيسي «نظم الديانة المسيحية» .nstitutes؛ ونشره باللغة اللاتينية في سنة ١٥٣٦ ، وسرعان ما لقي نجاحاً كبيراً بوصفه المتن المعتمد لحركة الاصلاح الديي الفرنسي. وفيه عرض رأيه في «الوصايا العشر»، وعقيدة الحواريين، والعشاء الأخير، والطقوس الدينية (مثل التعميد) كما هاجم الطقوس الزائفة، وأضاف فصلاً سادساً عن الحرية المسيحية وسلطة الكنيسة واللطة المدنية.
وكان الدافع الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب، ان الملك فرانسوا الأول، ملك فرنسا، كان يسعى إلى محالفة امراء المانيا، وأكثرهم كانوا قد اعتنقوا الاصلاح الديفي، فأرسل سفيره 2٧ااع8 Guillaune du إليهم ليشرح لهم أن الذين اضطهدهم فرنسوا الأول - لأسباب دينية في الحقيقة-لم يضطهدوا لاعتناقهم للبروتستنتية، بل لأسباب سياسية. فأمام هذا الكذب المفضوح، عزم كلفان على الدفاع عن إخوانه في العقيدة هؤلاء الذين اضطهدهم وقتل منهم البعض الملك فرنسوا الأول. فألف هذا الكتاب للدفاع عن العقيدة البروتستنتية التي من اجلها اضطهدوا وعذبوا وأحرقوا.
وكان هذا الكتاب كتاب حياته، أعني انه ظل طوال حياته ينقح فيه ويزيد ويعدل خلال طبعاته المتولية. لقد صدرت الطبعة الأولى في سنة ١٥٣٦ على هيئة كتاب صغير الحجم مزلف من ستة فصول، يسهل تداولهخفية اما في طبعة سنة ١٥٦٠ فقد تضخم جدا وصار مؤلفا من ثمانين فصلا ومقسماً إلى أربعة أقسام. ويتبين نمو الكتاب من عدد فصول مختلف طبعاته: ففي طبعة سنة ٦١٥٣٦ فصول، وقد طبعت في بازل وباللغة اللاتينية، والطبعة الثانية، اللاتينية ايضا، طبعت في استراسبورج في سنة ١٥٣٩ ، وتقع في ١٧ فصلاً, وقد قام كلفان هوتفسه بترجة كتابه من اللاتينية إلى الفرنسية، وصدر في لغته الفرنسية هذه - استنادا إلى الطبعة
كلفان
اللاتينية الثانية - في سنة ١٥٤١، وصارت هذه الطبعة الفرنسية حدثاً ادبياً هاماً في تاريح الأدب واللغة الفرنسيين. فلاول مرة في تاريخ اللغة الفرنسية يصدر كتاب في اللاهوت باللغة الشعبية، اعفي باللغة الفرنسية (وكانت تعتبرآنذاك لغة الشعب بالنسبة إلى اللغة اللاتينية، لغة العلماء). وفي سنة ١٥٤٣ ظهرت طبعة لاتينية ثالثة في ٢١ فصلا، وقد ترجمها في سنة ١٥٤٥ إلى الفرنسية. وتوالت الطبعات اللاتينية، المتلوة بترجمات فرنسية، بعد ذلك حتى كانت الطبعة اللاتينية الأخيرة في سنة ١٥٥٩ (وترجمت إلى الفرنسية في سنة ١٥٦٠) وهي النهائية وكانت كما قلنا تحتوي على ثمانين فصلاً.
وغداة طبع الطبعة الأولى في بازل سنة ١٥٣٦ سافر كلفان هووصديقه اعالمن11 س0 إلى ايطاليا عند دوقة فرارا Renée de Ferrare، وهي ابنة ملك فرنسا لويس الثافي عشر.
ثم ترك ايطاليا عائداً إلى بلده الأصلي نوايون من اجل تصفية املاكه هائياً، ابتغاء ان يستقر بعد ذلك في بلد آمن مثل بازل او استراسبورج. لكن القدر دبر امراً آخر.
استمع إليه يقول عن نفسه آنذاك : «لما كان اقصر طريق يؤدي إلى استراسبورج، حيث كنت أود ان أقيم، مسدوداً بالحروب (الدائرة رحاها آنذاك)، فقد قررت ان امر بجنيف مروراً عابراً لا البث فيه اكثر من ليلة واحدة. هنالك فطن احدهم لوجودي في مدينة جنيف وأخبر الباقين. وكان مارك يفيض حماسة رائعة لنثر دعوة الانجيل، فبذل كل جهوده للاحتفاظ بي في جنيف، فلما اخبرته بأن لدي دراسات اريد ان اتفرغ لها، وادرك انه لا سبيل إلى اقناعي بالحى والرجاء، سأل الله ان يلعن راحتي والهدوء الذي انشده لدرا ساقي إذا لم أقبل، في هذه الحاجة الملحة والضرورةالملحفة ان اهب للنجدة والمساعدة. فأخافتفي كلماته وهزت كيافي إلى درجة أنني تخليت عن عزمي على الرحيل، لكني شعرت بخجل جعلفي لا اريد القيام باية مهمة. »
وهكذا اضطركلقان إلى الاقامة في جنيف وترك الدراسات الهادئة، وإلى خوض المعركة المريرة التي كان يخوضها دعاة الإصلاح الديي على مذهب لوتر في مدينة جنيف وما حولها. وصارت هذه هي مهمته حتى الموت. ولما سجل اسمه في السجل المدفي في مدينة جنيف، نسي الكاتب أن يسجل اسمه، وكتب فقطصفته: «الفرنسي» lile
5لا2211، وقد بقي كلقان في جنيف يعرف ب اطا الفرنسي» ولم يحصل على جنسية مدينة جنيف إلا قبل وفاته بأربع سنوات فقط
وفي البداية اراد ان يظل مغموراً، ومجرد مستشار مغمور لفارل Farel وفيريه ،Vire. وكان فارل (١٤٨٩ -١٥٦٥) مصلحاً دينياً سويسرياً درس في باريس، وتحول الى البروتستنتية، وفي سنة ١٥٢٤ دافع في بازل عن ثلاثين قاعدة (أو قضية) بروتستتتية. وبعد أن طرد مرتين من جنيف، عاد إليها مرة ثالثة فيسنة ١٥٣٤ .وفي سنة ١٥٣٥ أعلن مجلس مدينة جنيف اعتناقه لمذهب الاصلاح الديني. ولكن سرعان ما برز كلفان بسعة علمه في اللاهوت، وبمعرفته بالقانون. وتعاون ثلاثتهم على تنظيم كنيسة اصلاحية في جنيف، ووضع اعقيدة،تتبناها هذه الكنيسة، واصدار «أوامر، لتنظيم مجتمع جنيف دينياً. وأدخل كلفان قواعد متشددة في الدين، عما اثار ثائرة اهل المدينة على فارل وكلقان، فقررواطردهما من مدينتهم. وصدر هذا القرار في ٢٢ ابريل سنة ١٥٣٨ .
سافر كلفان إلى استراسبورج. وهنا ارغمه داعية الاصلاح الديني في استراسبورج، وهوMartin Bucer عى البقاء وطلب منه ان يرعى طائفة البروتستنت الفرنسيين الذين لجأواإلى تلك المدينة فراراً من الاضطهادالشديدالذي لقوه في فرنسا. كذلك قام كلفان بالتدريس في المدرسة العليا التي اسسسها يعقوب اشتورم Sturm في سنة ١٥٣٨ . واصدر الطبعة الثانية المزيدة من كتابه الرئيسي: نظم الديانة المسيحية» Institutes، كما أصدر كتابه «تفسير الرسالة إلى اهل روما».
وفي استراسبورج ايضاً كتب «الرسالة إلى جاك سادوليه Jacques Sadolet وكان هذا الأخير كردينالا، وسكرتيرا للبابا، وأسقفاً لمدينة كربترا Carpentrasوكان قد كتب إلى اهالي جنيف يدعوهم إلى العودة إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية فاستشار اهالي جنيف اهالي برن Berne (عاصمة الاتحاد السويسري حالياً) في كيفية الرد على دعوة سادوليه، فنصحهم اهل برن بأن يكلفوا كلفان بمهمة الرد. فكتب كلفان الرسالة التي اشرنا إليها.
وفي وسط هذه المشاغل تزوج كلفان، وانجب من هذا الزواج ولدا واحدا في سنة ١٥٤٢، لكن هذا الولد لم يعش سوى بضعة ايام.
كلقان
٢٦٣
وفي سنة ١٥٤١ اشترك في المناقشات التي جرت في قرنكفورت وفورس Worms ، والتي دعا إليها الامبراطور شارلكان ليجتمع تمثلون عن الكاثوليك وممثلرن عن البروتستتت لمناعشة أمور الدين ابتغاء اعادة توحيد الكنيسة المسيحية، وهي منامشات لم تسفر عن أية نتيجة ايجابية شانها شأن كل المؤتمرات «المكوب, التي عقدت منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
وفي جنيف كانت الأمور قد تحولت لصالح فارل وكلفان،إذ صارلأنصارهما السيادة في المدينة، وطلبوا من فارل أن يدعو صديقه كلفان إلى العودة وتولي وظيفة راع لكنيسة جنيف الاصلاحية. لكن كهان رفض في البداية، بيد انه تحت الحاح متواصل من فارل قبل أن يعود وأن يتولى هذا المنصب. فعاد إلى جنيف وأصدر بعض «الأوامر»، ونشر كتابه العقيدة على طريقة السؤال والجواب لسنة ١٥٤٢»ع1 .1542 ع0 Catéchisme^ المسمى عادة باسم «كاتشيسم كلهان».
وهنا نصل إلى تقطة سوداء شاثنةجداًفي تاريخ حياة كلفان فقد اشتد في الأوامر والنواهى الدينية وتطبيقها حى صار طاغية مستبداً باسم الدين في مدينة جنيف. وكان لا بد، تبعاً لذلك، من ان يرتكب جرائم شنيعة في حق حرية الضمير عند الأفراد. خصوصاً وقد غالى في القول بالقضاء والقدر السابق.
وابشع جرية ارتكبها كلفان في هذا المجال هي أمره باحراق الطبيب العظيم واللاهوتي المتحرر ميشيل سرفت
.Michel Servet
ولد ميشيل سرفت، وهو أسبافي، في مدينة تطيلة j)Tudela) اقليم أرغون بشمال وسط اسبانيا) في سنة ١٥١١، وعاش فترة طويلة في فرنسا وسويسرة طبيبا ولاهوتيا ملحوظ المكانة. وقد درس الطب في باريس، واكتشف الدورة الدموية في الرتتين. أما في اللاهوت فقد ألف كتابين مهمين هما ١)في أغلاط التثليث» Detrinitatiserroribus (سنة ١٥٣١)؛ و٢) واستعادة المسيحية Christianismi Restitutio (سنة ١٥٥٣) وفي هذين الكتابين ينكر عقيدة التثليث كما ينكر الوهية يسوع المسيح. ودخل في مناقشات مع زعماء الاصلاح الديني في موضوع التثليث: فجرى جدل بينه وبين ملانختون Melanchton وبوسر Bucer . وجرت بينه
وبين كلفان مراسلات، وتحول الجدل بينهما إلى مناقشات تدور حول معظم العقائد المسيحية، خصوصاً الوهية يسوع، وتعميد الاطفال. وقد نشر ثلاثين رسالة من رسائله إلى كلفان كملحق بكتابه الثاني «استعادة المسيحية».
ومنذ سنة ١٥٥٠، وذلك في كتابه «مبحثالفضائح»، ادان كهان آراء سرقت وقال عنها إنها تدمر المسيحية. ويقول فولتير وآخرون إن كلفان هو الذي لفت نظر محاكم التفتيش إلى خطورة «إلحاد» سرفت، بدعوى أنه هو الذي حرض شخصاً يدعى ٦٠8ءلع0«12ا3س6على رفع شكوى إلى ديوان التفتيش في ليون «190ضد سرفت الذي كان يعمل آنذاك طبيباً في مدينة فيين Viène (باقليم الايزير Isère في جنوب شرقي فرنسا) . فقبض على سرثت وهو في فيين Viène وقدم إلى ديوان التفتيش واستجوب في أول يوم، لكنه هرب من سجنه في اليوم التالي: فحوكم غيابياً وأصدر قاضي لتفتيش، واسمه Matthieu Ory حكاً غيابياً بإحراق سرفت على هيثة تمثال en effigie هو وكل نسخ مؤلفاته التي استولى عليها. اما سرثت نفسه، بلحمه ودمه وعظامه، فقد ظل يهيم على وجهه في أنحاء جنوي وشرقي فرنسا طوال اربعة أشهر. وبسبب لا يعلمه احد ذهب إلى جنيف، ودعاه حب الاستطلاع إلى الذهاب، في يوم الأحد ١٣ اغطس سنة ١٥٥٣ إلى الكنية لسماع موعظة كلفان في كنيسة المادلين بجنيف، فتعرف عليه وبناء على اتهام سكرتير كلفان ويدعى ه1 عل Nicolas Fontaine قبض عليه بدعوى انه ملحد وأجريت له محاكمة تولاها قضاة مدنيون، لكن تدخل فيها كلقان خبيراً في الجانب اللاهوتي منها. لكن القضاة كانوا مترددين، فقرروا استشارة الكنائس الأخرى في سويسرة، فجد جوابها في ١٨ اكتوبر سنة ١٥٥٣ بالاجماع على إدانة سرثت. وفي ٢٦ اكتوبر اصدر مجلس مدينة جنيف قرارا بإحراق ميشيل سرقت. ومن الغريب ان المدافعين عن موقف كلفان الشائن المخزي هذا يزعمون انه سعى لتعديل الحكم باحراق مرثت إلى الحكم بقتله بحد السيف! وكأن في هذا الفارق ما يبيض صفحة كلهان الملطخة بالجريمة والعار إلى الأبد! علكلحال احرق ميشيل سرثت علناً في جنيف، وكان لكلفان الضلع الأكبرفي جرية إحراق هذا المفكر الحر العظيم والطبيب العبقري.
وقد وصف فولتير في كتابه «بحث في الأخلاق» (الفصل رقم ١٣٤) الدور الشائن الفظيع الذي لعبه كلفان في مصرع ميشيل سرثت - فقال:
٢٦٤
كلقان
«حينما كان عدوه (عدو كلفان، وهو سرقت) موثقا بالأغلال، ظل كلفان يكيل له الشتائم ويأمر بالاساة إليه بكل وسيلة يلجأ اليها الجبناءحينما يصبحون هم السادة. واخيراً، بالضغط المستمر على القضاة وباستخدام ما له من ثقةعند من يرشوهم، وبالصياح - وجعل الآخرين يصيحون - بأن الله يطلب إعدام ميشيل سرت، عمل كلفان على إحراق سرفت حيا. واستمتع بعذابه، وهو (أي كلقان) الذي لو كان قد وضع قدميه في فرنسا لكان قد اخرق هو نفسه، وهوالذي طالما رفع صوته عالياً ضد كل الوان الاضطهادا.
ونقلب الآن هذه الصفحة الرهيبة الشائنة في حياة كلفان، ونذكر أنه في سنة ١٥٥٩ أسس أكاديمية جنيف، وعين تيودور دي بز ع3٥2 Théodore de مديراً لها. وعن طريق هذه الأكاديمية صارت جنيف هي المركز العقلي للبروتستنتية الناطقة باللغة الفرنسية. وتولى فيها كلفان تدريس اللاهوت.
وتوفي كلفان في ٢٧ مايو سنة ١٥٦٤ في مدينة جنيف التي صارت منذ ذلك الحين تقترن روحياً به حتى اليوم، ودفن في مقبرة ال Plainpalais.
اراؤه الفلسفية
اشار الباحثون في فكر كعان إلى أنه تأثر بالرواقية، كما يثهد على ذلك شرحه على رسالة «الحلم» لسنكا ء كما تأثر بأفلاطون إذ هو يذكره في ١٨ موضعاً من كتابه «نظم العقيدة المسيحية». لكن ربما كان تأثره بالافلاطونية راجعاً إلى التأثير الكبير الذي كان للقديس أوغطين في تكوين فكر كلفان.
والبعض يحدد «فلسفته» (إن جاز استعمال هذا اللفظ بالنسبة إلى أفكار كلهان) بأنها تقوم اساساً على إنكار ثلاثة مذاهب:
١ - انكار مذهب المؤلهة Déisme، لأنه يؤكد ان الكون يعتمد على الله اعتماداً تاماً.
٢ - انكار مذهب وحدة الوجود Panthéisme (أو الحلول، بتعبير ادق)، لأن كلفان يؤكد علو الله على الكون وشخصيته المتميزة عنه .
٣ - انكار حرية الارادة الانسانية والقول بالقضاء والقدر الشاملين كل أفعال الانسان.
ويقرركلفان ان جماع حكمتنا يقوم في امرين: الأول هو أننا بمعرفتنا بالله نحن نعرف أنفسنا. معرفتنا بالله لا تنحصر في توكيد ان الله موجود، بل تقوم خصوصاً في الاقرار بأن كل حكمة وعدالة وحقيقة فان الله هومصدرها، ومنه وحده ينبغي علينا ان نتلقاها. ولهذا يجب علينا ان نقر لله بكل فضل ونعمة، وان نقر بأنه يعنى بنا، وأننا على علاقة متمرة به. فماذا يفيد إله، مثل إله الأبيقوريين، لا يعنى بالبشر، ولا يهتم بهم ادنى اهتمام، بل يظل في تعطل وفراغ دائم؟! ولهذا فان معرفتنا بالله يجب ان تدعونا إلى حمده، والخوف منه، وإجلاله، وبالجملة الى تقواه.
وتقوى الله ليس معناها مجرد الخوف منه، بل معناها ايضاً عبادته واطاعته. إن معرفة الله معناها - هكذا يقول كلفان - الاقرار بأنه «أب» لنا، ونحن ابناؤه.
ثم يتساءل كلقان : هل معرفتنا بالله فطرية فينا؟
أثيركثيرمن الجدل في سنة ١٩٣٤ حول هذه النقطة، أي اللاهوت الطبيعي القائل بأننا نعرف الله بالفطرة، بين لاهوتيين سويسريين كبيرين هما اميلبرونر!ع81000ع1نت في كتابه : «الطبيعة واللطف الإلهي» وفيه يقرر ان ثمة نوعاً من المعرفة الطبيعية بالله - وبين كارل بارت Karl Barth الذي رد على كتاب برونر بكتاب صغير آخر بعنوان: وكلا!» Nein. وفيه ينكر كارل بارت كل معرفة بالله لا تأقي عن طريق الوحي الإلهي، أي عن طريق الله نفسه. وقد تناول هذه المشكلة عند كلقان عالمان آخران هما بيتر بارت Peter Barth (أخوكارل بارت) في كتابه «مشكلة اللاهوت الطبيعي عند كلفان» وبيير موري Pierre Maury في كتاب بنفس العنوان. ويتضح من هذين الكتابين ان كلفان يؤكد بدون أدف شك أن معرفة الانسان بالله معرفة فطرية في طبيعة الانسان. يقول كشان: «نحن لا نشك مطلقاً في أن لدى بني الانسان شعوراً بالألوهية في باطن نفوسهم، وبحركة طبيعته طبع الله في جميع الناس معرفة به. ولا توجد أمة، مهما بلغت من التوحش، ولا شعب مهما يكن غليظاً متوحشاً إلا وهومقتنع اقتناعاً مغروزاً في طبعه ان ثم إلهاً، (الشذرة رقم ٦).
لكن كوننا نملك معرفة بوجود إله، ونستطيع ان نمز بين الخير والشر تمييزاً يتم بالفطرة قد افده ارتكاب آدم للخطيئة الأولى، فقد أفسدت على الانسان تصوره الفطري الحق للألوهية، وغطت على ضميره بغشاوة جعلته يسيء التمييز
كلفان
بين الخير والشر. وهكذا لم يعد الانسان، بعد الخطيئة الأولى، قادرا على معرفة الله معرفة صحيحة. ولهذا كان لا بد له أن يسترشد بالكتاب المقدس، وأن تتنزل روح الله فينا لتضيء لنا ما يشهد به الكتاب المقدس.
والله الحق-في نظركلثان - هو الخالق، بارىء الكون وهو الحافظ له دائياً والحاكم لهذا العالم الذي خلقه . . وهو يعفى بكل ما فيه، وعنايته تشمل كل جزئيات العالم. وقدرته ساهرة داثما لا تأخذها سنة ولا نوم. وهو يحكم السموات والأرض بعنايته، ويوجه كل شيء بحيث لا يحدث شيء إلاً بحسب ما قدره وحدده ,
والنتيجة لهذا التصور هى ان الناس سيجدون العزاء في كونهم لا يعانون شيئاً الآ ما اراده الله لهم
وقد هاجمه خصومه على أساس أن هذا التصور للقدرة الإلهية الشاملة لكل ما يحدث في الوجود يؤدي إلى القول بأن الله هوفاعللشر في العالم؛ ما دام كل شيء يحدث في العالم هومنفعل لله وحده. وهو اعتراض وجه الى كل الذين اكدوا أن الله فاعل كل شيء . وقد تخلص القديس أوغسطين من المشكلة بأن زعم أن الشر ليس بشيء ، إنه عدم وجود، إنه عدم. وما هو عدم أو عدم وجود فلا فاعل له. إذن الله ليس هوفاعل الشر. لكن هذا التخلص لا يفيد، لأن الكتاب المقدس يؤكد ان الشر أمر ايجابي تترتب عليه نتائج ايجابية عديدة. إن الكتاب المقدس يقرر أن الشر عصيان لله، والعصيان أثر ايجابي. وقد صنع القديس توما الأكويفي صنيع القديس أوغسطين فقال إن الشر عدم. لهذا لم يشأ كلفان ان يسايرهما في هذا الزعم، بل أقر بالحقيقة الواقعية الأليمة لوجود الشروالخطيئة. بيدأع لايقدم حلآللمشكلة التي اثارها خصومه وأشرنا إليها في اول هذه الفقرة. وكل ما فعله هوأن تبرا من التهمة قائلا بعباراته الحادة دائماً: «إنها لفرية دنيئة نتنة ان أتهم بأني اجعل الله فاعل الخطيئة . صحيح انني اقرر دائماً أنه لا يحدث شي، إلا بارادة الله؛ لكنني مع ذلك أوكد بأن ما يفعله الناس من شر هو مقود ومحكوم بالحكم السري لله على نحو يجعله لا يشترك في شيء مع رذيلة الناس. وخلاصة مذهبي هي ان الله يدبر كل الأشياء بوسائل جميلة رائعة ولكنها مجهولة لنا وفقاً للأغراض التي يريدها، بحيث تكون إرادته السرمدية هى العلة الأولى لكل الأشياء. واعترف بأن هذا سر غيرقابلللفهم : ان يريد الله امراً لا ببدو لنا معقولاً ومع ذلك ازكد انم ينبغي علينا لا نحرص كثيراً
على البحث في هذا الأمر، لأن احكام الله هاوية سحيقة»
.(Calvin: Opuscules, P. 1767)
والأمر الثافي الذي يقوم عليه جماع الحكمة هومعرفة الانسان لنفسه بنفسه. ومعرفة الانسان لنفسه بنفسه مزدوجة : فهى اولاً معرفة ماذا كان عليه الانسان في قصد الله في الأصل؛ وثانياً هي معرفة ما آل إليه امر لانسان بعد الخطيثة .
وفيما يتصل بالنقطة الأولى يؤكد كلفان ما اكده الكتاب المقدس («سفر التكوين» ١ :٢٧) من ان الله خلق آدم على صورة الله نفسه. ومعنى هذا أن الانسان تلقى من الله الصفات التي تجعل منه شخصاً قادراً على ان يكون على علاقة مع شخص الله. إنه، اي الانسان، قادرعلى أن يكون في مواجهة اله، وأن يفكر أفكار الله، وان يحب الله كما يجبه الله. وللانسان إرادة تجعله يفعل بحرية ومهارة - ما يريده الله. إن الانسان، حينكان في هذه الحالة الكاملة (قبل ارتكاب الخطيثة الأولى) كان حر الإرادة، ولوكان قد شاء أن ينال الحياة ادائمة لنالها. لكن لأن إرادته كانت سهلة التأثر بالخيروبالشر، ولأنه كان قليل الصبروالمثابرة، فإنه سقط في الخطيئة عن نزق وطيش وخفة.
فعند كلفان إذن أن الانسان خلق لكيما يكون في أنس ومثاركة مع الله وفي علاقة حية وإياه. لكن فراقه لله بما ارتكب من معصية وخطيئة قد قذفبه بعيداً عن الله وأصابه بتشويه بالغ.
ومن ناحية أخرى علينا أن ننظر في حال الانان ما بعد الخطيثة. إن الانسان بمعصيته قد بعد عن الله، وهذا البعد قد ألقى بالموت في نفه (أو روحه)، وهذه الحال ستتوارثها ذرية آدم. . وينعت كلفان الخطيئة الأصلية - خطيئة آدم -بأغها «فاد وراثي في طبيعتنا». وهذا الفساد شامل لجميع البشر في جميع الأزمان , يقول كلقان : «كل اجزاء الانسان، من العقل حتى الإرادة، من النفس حتى الجسد - كلها دنسة ومملوءة بالثهوات» (الشذرة رقم ٠ ٢ ).
لكن كلقان يؤكد أن هذا الفاد لم ينشاً عن طبيعتنا الأصلية، وانما نشأ عماجرهعليهاارتكابها للمعصية الأولى.
لكن ماذا آلت إليه حرية ارادة الانسان التي كانت له قبل الخطيئة؟ وهل يستطيع بعد الخطئة ان ختار هذا اوذاك؟ ويجيب كلفان قائلا: إن الانسان فقد حرية إرادته بسبب
الكبات
الخطيئة، ولم تعد له حرية، بل «صارعداserf arbitre ويستشهد كلفان بقول المسيح: من يرتكب الخطيئة يصبح عبداً للخطا، لكن اذا حررك «الابن، ( ع يسوع المسيح) فانك ستكون حراً حقاً» (انجيل يوحنا ٨ : ٣٤). لقد كان الانسان حراً قبل الخطيئة، لكنه فقد حريته بالخطيئة. ولن يسترد حريته إلا بفضل من الله وموهبة من لطفه. وإذن فإرادة الانسان أسيرة للخطيئة. والخاطىء لم يسلب إرادته، وإغما دلب الإرادة السليمة. وهنا يستشهد ايضاً بكلمة للقدي برنار دي كليرقو. يقول فيها: «الإرادة من طبيعة الانسان، لكن إرادة الشر هي من الطبيعة الفاسدة، وإرادة الخير هي من اللطف الإلهي» (راجع شذرة رقم ٢٨ لكلفان).
آراؤه في الأمور العملية
ولكلفان فتاوى شهيرة في بعض الأمور العملية، ومن أشهرها فتواه في شان الربا. فنحن نعلم ان الربا محرم في اليهودية، كذلك يقول المسيح: «أقرضوادونأن تتوقعوا شيئاً في مقابلذلك» (انجيل لوقا: ٦ :٣٥). وهو نصغامض، لكن الكنيسة في العصور الوسطى جرت على تفسيره بمعفى أنه تحريم للقرض بالربا.
وقد أرسل مواطن فرنسي من برس Bresse اسمه Sachin عل Claude يستفتي كلفان في موضوع الاقراض بالربا. فقال كلفان في فتواه إن المسألة صعبة: لأن التحريم التام للإقراض بفائدة معناه فرض قيد أشد مما اراده الله؛ كما ان إباحة الاقراض بفائدة قد يؤدي إلى جشع بلا حدود. ثم إن قول المسيح السالف الذكر لا يعفي تحريم الاقراض. وفي مواضع اخرى من ,الكتأب المقدس» ليس الإقراض في ذاته هو الممنوع، بل إساءة استعماله. وحى لو صح ان الاقراض بربا كان محرماً على اليهود، فلا ينهض هذا حجة، لأن أحواكا - هكذا يقول كلفان في فتواه - السياسية والاقتصادية ليسست هي نفس احوال اليهود. ولهذا ينبغي الحكم على الاقراض بربا وفقاً لقاعدة العدالة والانصاف. وهنا يضع كلفان استثناءات لتحريم الاقراض الربوي، منها: الا يستغل القرض سوء حالة المقترض الفقير، والا يضع المقرض شروطاً لا يقبلها هو نفه لو كان في نفس الوضع الذي فيه الترض.
وفي بعض شروحه على مواضع من الكتاب المقدس
يبيح كلفان الاقراض بفائدة بشرط الا تكون الفائدة ربوية Usuraire والا يرهق الفقير وان يراعى فيه الاحسان والانصاف.
وفي هذه المسالة وأمثالها لا يتقيد كلقان بالمنقول، بل يراعي الظروف الاقتصادية والأحوال الواقعية.
نشرة مؤلفاته
نشرت طبعة كاملة لمؤلفات كلفان تحت عنوان: Joannis Calvini opera quae supersunt Omnia وأشرف على نشرها 55سع8 8200, Kunitz et وصدرت في براونثغيج Braunschweig (ألمانيا) في الفترة ما ين سنة ١٨٦٣ إلى ١٩٠٠ في ٥٩ مجلداً ضمن مجموعة Corpus Reformatoren.
ونشرمراسلاته التي باللغة الغرسة : :Jules Bonnet .1864 ,192115 .٧015 2 ,Lettres françaises de Calvin
كالفن، جون
كالفن، جون (1509-1564م). أحد الزعماء الرئيسيين للإصلاح البروتستانتي. كان تفكير كالفن ومواعظه والعديد من الكتب التي كتبها ومراسلاته وقدرته التنظيمية، قد جعلت منه شخصية مهيمنة في العملية الإصلاحية. وقد تركز نفوذه بشكل خاص في سويسرا وإنجلترا وأسكتلندا ومستعمرات أمريكا الشمالية.
حياته. ولد كالفن في نويون بفرنسا، قرب كومبين. وكان والده محاميًا لكنيسة الرومان الكاثوليك. وقد تعلم في باريس وأورليان وبورجيس. وبعد وفاة والده عام 1531م، درس كالفن اللغتين الإغريقية واللاتينية في جامعة باريس. وكان من آثار التعليم الذي تلقاه اتِّقاد جذوة التحرر الفكري فيه والنظر في النواحي الإنسانية للنهضة الأوروبية. وعلى نقيض العديد من الزعماء الإصلاحيين الآخرين لم يصدر كالفن أمرًا بتعيين أي من الكهنة.
في عام 1533م، أعلن كالفن نفسه بروتستانتيًا، وفي عام 1534م، استقرَّ في مدينة بال بسويسرا، وهناك نشر الطبعة الأولى من كتابهمجموعة مبادئ النصرانية (1536م). وقد حقق الكتاب نجاحًا كبيرًا في أوساط النصارى. وفيه يقدِّم كالفن آراءه الرئيسية في النصرانية، وقد اعتُبر إنجازًا مهمًا في أدب الحركة الإصلاحية.
وفي عام 1536م، تم إقناع كالفن ليترأس أول مجموعة من القسِّيسين البروتستانتيين في جنيف بسويسرا. وبعد سنتين، وقف زعماء مدينة جنيف ضد التعاليم الصارمة لهؤلاء القسيسين، حيث تم نفي كالفن مع عدد آخر من رجال الدين، وأعقب ذلك، في نفس السنة، تعيين كالفن كاهنًا لإحدى الكنائس البروتستانتية في ستراسبورج بألمانيا، حيث تأثر هناك بزعماء بروتستانتيين قدماء من الألمان. وقد تبنى كالفن أفكار مارتن لوثر حول الكنيسة والعبادة.
كانت مدينة جنيف تفتقر إلى زعماء دينيين وسياسيين من ذوي المقدرة، فقرر مجلس المدينة مناشدة كالفن لكي يعود إليها. وقد عاد كالفن إلى جنيف سنة 1541م. ومنذ ذلك التاريخ، ظل كالفن الشخصية المهيمنة على المدينة إلى حين وفاته.
الكالفنية. جوبهت هذه الفكرة منذ أن بدأت سنة 1517م بمعارضة الكنيسة والحكام المدنيين. وفي سنة 1546م كان كثير من البروتستانت في ألمانيا وسويسرا وفرنسا يصرون على ضرورة مشاركة الشعب، وليس الملوك والأساقفة فحسب، في رسم السياسة الدينية. وقد تأثر كالفن وأتباعه في فرنسا وإنجلترا وأسكتلندا وهولندا بهذه الفكرة. وقد سُمِّي أتباع كالفن الفرنسيون بالهجنوت، أما الإنجليز المتأثرون بالفكرة فكانوا يسمونهم بالبيوريتان (التطهيريون).
لقد أوجد الكالفنيون نظريات سياسية تدعم الحكومة الدستورية والحكومة النيابية وحق الشعب في تبديل حكوماته والتفريق بين الحكومة المدنيَّة والكنيسة. وخلال القرن السادس عشر الميلادي، حاول الكالفنيون تطبيق هذه الآراء على النظم الأرستقراطية فقط، غير أنه خلال القرن الذي تلاه ظهرت مفاهيم ديمقراطية أخرى، ولا سيما في إنجلترا وبعد ذلك في المستعمرات الأمريكية.
اتفق كالفنْ مع قادة حركة الإصلاح النصرانية، في مرحلتها الأولى، على نظريات دينية أساسية مثل: تفوق الإيمان على الأعمال الطيبة، واعتبار الإنجيل أساسًا لجميع التعاليم النصرانية والكهنوتية العالمية لجميع المؤمنين بالنصرانية. وطبقًا لمفهوم الكهنوتية العالمية، فإن جميع المؤمنين يعتبرون كهنة. بينما نجد لدى الكنيسة الكاثوليكية، من ناحية أخرى، مراتب مختلفة للكهنة منفصلة عن عامة النّاس.
أعلن كالفن أيضًا أن الناس يجدون الخلاص بمنة من الله، وأنْ ليس هناك سبيل آخر للخلاص، وأن الذين يجدون الخلاص، هم أولئك الذين يُطلق عليهم اسم النُّخبة. إلا أنه ليس هناك من يعرف هوية هذه النخبة ومن هم أفرادها. وقد وسَّع كالفن الفكرة القائلة بأنَّ النصرانية قُصد بها إصلاح المجتمع بكامله، وحاضر وكتب في السياسة، والمشكلات الاجتماعية، والقضايا العالمية، باعتبارها جزءًا من المسؤولية النصرانية.
كانت معظم أفكار كالفن جدلية، ولم يسبق لأي مصلح نصراني آخر أن فعل ما فعله لدفع الناس إلى التفكير في المسائل الأخلاقية الاجتماعية النصرانية. ومن هذا التوجه الأخلاقي ومن أفكار لوثر، طور كالفن نمط الحكم الكنسي الذي يعرف اليوم باسم الكنيسة المشيخية. وقد نظَّم الحكومة الكنسية بصورة منفصلة عن الحكومة المدنية، حتى يكون هناك جهاز منظم من قادة الكنيسة قادر على العمل في سبيل الإصلاح الاجتماعي. وكان أول قائد بروتستانتي في أوروبا يجعل الكنيسة تحظى باستقلال جزئي عن الدولة.