سليمان المدني


سليمان بن محمد علي بن حسن بن محمد علي المدني. (1939 البحرين - 24 مارس 2003 بريمن) رجل دين شيعي بحريني.

مولده ونشأته

ولد سماحته في شهر ربيع الثاني من عام 1359هـ الموافق لعام 1939م ، في بيت الحاج أحمد اللنجاوي ـ حيث إن أم الشيخ تربطها بهم علاقة نسب ـ في قرية السنابس من قرى البحرين الواقعة على طرف مدينة جدحفص الشمالي الشرقي. نشأ وترعرع في عين الدار ـ قرية من قرى جدحفص ـ في أيام صباه وشبابه حيث كان أبوه يعيش فيها في بيت موقوف على مأتم عين الدار يسمى "بيت الحسين (ع) وهو البيت الذي مات فيه (قدس سره). وقد كانت هذه المنطقة ـ أعني جدحفص ـ ولا زالت مقرا لكثير من العلماء الأعلام منذ قديم الزمان وحتى الآن، وهم الذين ساهموا في نشر تعاليم الإسلام مساهمة فعالة، والترويج لمذهب أهل البيت (ع). نشأ العلامة الفقيد في بيت عرف أهله بالعلم والورع والتقوى، واشتهروا بذلك، وكانت لهم الزعامة الدينية على مستوى البحرين عامة، فوالده هو سماحة العلامة المقدس الشيخ محمد علي المدني المتوفى في عام 1364هـ الذي كان عالم البحرين في زمانه، ومن إليه يرجع الناس في أمور دينهم الحنيف. وجده لأمه سماحة العلامة الشيخ سليمان بن الشيخ أحمد آل حرز البحراني المتوفى في عام 1340هـ. وجده لأمه آية الله العظمى الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز البحراني المتوفى في عام 1337هـ. وزوج أمه سماحة العلامة الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك، الذي تزوج أمه بعد وفاة أبيه وأنجب منها أخاه الحاج حميد المبارك، وهو الذي رافق سماحة الشيخ في رحلته الأخيرة إلى ألمانيا. وغيرهم من العلماء المنتسبين إلى هذه الأسرة العريقة . هذه الأسرة، وهذا المجتمع الذَيْن كان يعيش فقيدنا الراحل في كنفهما كان له أبلغ الأثر في صياغة شخصيته الفريدة من نوعها، والتي قلما يوجد لها مثيل، أو ما يقوم مقامها، ويسد الفراغ الناتج عن فقدانها.

دراسته الحوزوية

بدأ أستاذنا المقدس في تلقي الدروس الحوزوية قبل أن ينهي دراسته النظامية، حيث أكمل دروس المقدمات في البحرين على يد جملة من الأفاضل من علماء البلد، منهم العلامة عبد الحسن آل طفل ، والعلامة الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك. ولم يقتصر سماحته على دراسته في بلده البحرين ، ، بل سافر إلى حوزة أهل البيت (عليهم السلام) العريقة، بلد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف وذلك في عام 1378هـ الموافق لعام 1958م حيث تتلمذ على يد الفطاحل من علمائها، والفقهاء من ساداتها، ، بقي فيها مدة تقرب من الخمسة عشر عاما قضاها في تلقي الدروس العليا والبحث الخارج، وإلقاء الدروس العليا على تلامذته، حتى صار ممن يشار إليه بالبنان بالرغم من صعوبة الظروف التي كان يعيشها، من يتم وفقر ومسؤولية ومرض وغير ذلك، نعم بالرغم من ذلك كله فقد أصبح فقيدنا في فترة وجيزة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف. لم يكتف الفقيه الراحل بكل ذلك، بل أضاف إلى ذلك الدراسة في كلية الفقه الدينية في النجف الأشرف التي أسسها العلامة الفقيه الشيخ محمد رضا المظفر، فالتحق بالدراسة فيها حتى حصل على شهادة البكالوريوس ، ثم فضل التوجه إلى تفريغ نفسه لحضور البحث الخارج، وإلقاء الدروس العليا.

أساتذته وشيوخه في النجف الأشرف

حضر سماحة الأستاذ على جملة من فقهاء الطائفة، وزعمائها، والكبار من علمائها في النجف الأشرف، منهم على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم ، حيث حضر بحثه في علم الفقه.

2ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ، حيث حضر بحثه في علم الأصول.

3ـ العلامة الفقيه آية الله السيد محمد تقي الحكيم مؤلف أصول الفقه المقارن.

4ـ العلامة الفقيه آية الله محمد رضا المظفر ، حيث درس عنده علم الفلسفة.

5ـ العلامة آية الله السيد عبدالكريم الكشميري، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.

6ـ العلامة آية الله الشيخ إبراهيم الكرباسي، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.

7ـ العلامة آية الله الشيخ محمد كاظم شمشاد، حيث درس عنده الكفاية للخراساني في علم الأصول.

8ـ العلامة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.

9ـ العلامة آية الله الشيخ ملا صدرا، حيث حضر بحثه على المكاسب للأنصاري في علم الفقه.

وقد أخبرني شخصيا ـ بعد إلحاح شديد ـ في بداية التسعينيات أنه حصل على إجازة الاجتهاد من ثلاثة من فقهاء ومراجع الطائفة، هم:

1ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد شريعة مداري.

2ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني.

3ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر آل راضي.

هذا بالإضافة لما حصل عليه من إجازات الرواية عن أهل البيت (عليهم السلام) من عدة من العلماء.

تصديه للتدريس في الحوزة العلمية - تلامذته

وقد ألقى سماحة الشيخ كثيرا من الدروس الدينية في مختلف العلوم الحوزوية طيلة الفترة التي أقامها في النجف الأشرف من دون توقف ولا كلل. ومن ما كان يدرسه فقيد العلم والدين علم الفقه والعقائد والأصول وعلوم اللغة العربية والمنطق والفلسفة، وغيرها، كل ذلك على مستوى المقدمات والسطوح والسطوح العليا. تتلمذ على يدي أستاذنا الغالي في تلك الفترة وما بعدها إلى آخر حياته كثير من العلماء من العراق وإيران والبحرين والقطيف والإحساء ولبنان، ومنهم من تميز على أقرانه، واشتهر بالمستوى الراقي، ومنهم من وصل إلى مرتبة الاجتهاد بعد ذلك، نذكر هنا بعضا منهم ممن سمعنا منه (قدس سره) أو من بعض تلامذته أنهم كانوا قد حضروا دروسه أو بعضا منها:

1ـ سماحة العلامة آية الله الشيخ محمد نجل المرجع آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني.

2ـ سماحة العلامة الشيخ عيسى أحمد قاسم .

3ـ سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري .

4ـ سماحة العلامة الشيخ عبدالحسين الستري.

5ـ سماحة العلامة الشيخ محمد بن الشيخ منصور الستري .

6ـ سماحة الشيخ الدكتور محمد علي (ابن أخت الشيخ) نجل الشيخ منصور الستري.

7ـ سماحة العلامة الأستاذ الشيخ علي بن عبدالنبي المخلوق.

8ـ سماحة العلامة السيد شرف الخابوري العماني.

9ـ سماحة العلامة السيد علوي الشهركاني.

10ـ سماحة الشيخ الشهيد عبدالله المدني (أخو الشيخ الأصغر ورفيق دربه).

11ـ سماحة الشيخ محمد جعفر الجفيري.

12ـ سماحة الشيخ حسن الباقري الديهي.

13ـ سماحة الشيخ عباس الريس الدرازي.

14ـ سماحة الشيخ إبراهيم السنابسي.

15ـ سماحة الشيخ منصور علي حمادة.

16ـ سماحة الشيخ أحمد مال الله.

17ـ سماحة الشيخ عبدعلي الحواج.

18ـ سماحة السيد هاشم الطويل النعيمي.

19ـ سماحة الشيخ علي بن أحمد الجدحفصي.

20ـ سماحة الشيخ ناصر بن العلامة الشيخ أحمد بن العلامة آية الله الشيخ خلف العصفور.

21ـ سماحة الشيخ موسى العريبي.

22ـ سماحة السيد سلمان المقابي.

23ـ سماحة الشيخ محمد عيسى المكباس.

24ـ سماحة الشيخ سعيد العصفور الدرازي.

25ـ سماحة الدكتور علي العريبي.

26ـ سماحة الشيخ حسن القباط الهملي.

27ـ سماحة الشيخ صلاح عبدالعزيز الستري.

28ـ سماحة السيد فيصل السيد جواد المشعل.

29ـ سماحة السيد ضياء السيد أحمد الكويتي.

30ـ فضيلة الأستاذ ناصر حميد المبارك.

31ـ فضيلة الأستاذ محمد عبدالإمام.

32ـ سماحة الشيخ جعفر الشارقي .

وغيرهم كثير ممن حضر دروسه أو استفاد منه.

عودته إلى وطنه البحرين

نتيجة لما مرت بها جمهورية العراق من ظروف وأحداث في بداية السبعينات، أضطر سماحة العلامة إلى مغادرة العراق والرجوع إلى أرض الوطن، وذلك في عام 1971م. وبمجرد استقراره بدأ في التعليم والتوجيه الديني على مستوى منطقته جدحفص ، وعلى مستوى بلده البحرين ، حيث قام بإلقاء الدروس على العلماء الأفاضل، وإلقاء الأبحاث والمحاضرات لعامة الناس في مختلف المجالات المتنوعة، الفقهية والعقائدية والأصولية والأخلاقية وسيرة النبي (ص) وأهل بيته المعصومين (ع). وقد كنت ممن نال هذا الشرف حيث كنت من مجالسيه، والمستفيدين من علومه وتوجيهاته لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاما، من عام 1985م إلى عام وفاته في 2003م، فجزاه الله تعالى عني وعن الإسلام والمسلمين خيرا، وجعل الله كل ذلك في ميزان حسناته. ومن أهم ما قام به أنه (قدس سره) بدأ بإلقاء البحث الخارج على المكاسب، وباب القضاء، حيث استمر ذلك عدة سنوات، استفاد منها جملة من علماء البحرين ممن كانوا يحضرون هذه الأبحاث، وقد ذكرتهم في ضمن تعداد تلامذته والمستفيدين منه.

تصديه للإرشاد الديني في موسم الحج

كغيره من المواسم، كان موسم الحج في الإسلام زاخرا بعطائه (قدس سره) حيث كان مرشدا من الطراز الممتاز، تلمس فيه الدقة والتحقيق وسرعة البديهة والإخلاص، يرجع كل الحجاج والمرشدين إليه في مسائهم وخصوصا في المسائل العويصة التي ربما يتحير فيها المرشدون الآخرون. قد رأيت ذلك بنفسي في مدة لا تقل عن ثمان سنوات كنت فيها مرافقا ومساعدا له في الإرشاد الديني في الحج، وكان المرجع لنا جميعا، صاحب القول الفصل عند النزاع مما ساعدني كثيرا في تفهم واستيعاب أحكام الحج ال عمرة ، فجزاه الله تعالى عني خير الجزاء.

مناصبه

1_ توليه لمنصب القضاء الشرعي فصار عضوا في المحكمة الكبرى الشرعية، ثم رئيسا لها، ثم عضوا في محكمة الإستئناف العليا، ثم رئيسا لها إلى أن وافاه الأجل المحتوم.

2_ عضوية المجلس الأعلى للقضاء، الذي هو أعلى سلطة قضائية في البحرين.

3ـ عضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

4ـ توليه لمسؤولية الحوزة العلمية في جدحفص.

5ـ الرئاسة الفخرية لجمعية الرابطة الإسلامية.

6ـ الرئاسة الفخرية لصندوق جدحفص الخيري.

مؤلفاته وأبحاثه

كان فقيدنا الراحل متفرغا لعدة أمور منها:

1ـ التوجيه الديني المباشر، وتوعية الناس، وتربيتهم على قيم الإسلام السامية.

2ـ القضاء الشرعي بين الناس.

3ـ إلقاء الدروس والمحاضرات والمشاركة في الندوات التربوية.

4ـ رعاية المسؤليات الاجتماعية والشخصية الملقاة على عاتقه.

5ـ التوجه لحل المشاكل الطائفية والاجتماعية الناجمة عن بعض الظروف والأزمات التي عاصرته في حياته.

كل ذلك وغيره من الأمور ـ ومنها الأمراض التي ابتلي بها كالسكر وغيره ـ منعه من الإكثار من تأليف الكتب الإسلامية، ومع ذلك فقد ألف عدة من الكتب القيمة، منها:

1ـ الاجتهاد والتقليد " أنه لم يتعدى ال20 من عمره " .

2ـ أبحاث الخارج على كتاب المكاسب وكتاب القضاء.

3ـ تأملات في الإسلام والقومية والحرب العراقية الإيرانية (مخطوط).

4ـ بحث في ولاية الفقيه (مخطوط).

5ـ رسالة في موانع الرجوع في الهبة (مخطوط).

6ـ رسالة في حجية الإقرار في الأمور المالية (مخطوط).

7ـ رسالة في علم البلاغة (مخطوط).

8ـ رسالة في علم المنطق (مخطوط).

9ـ هداية السالك إلى أحكام المناسك.

10ـ هداية السالكين إلى أحكام الدين. (الكتابان الأخيران يحتويان على فتاوى فقيه أهل البيت الشيخ يوسف البحراني ـ قدس سره ـ في باب الحج والطهارة).

11ـ بحث في علامات الظهور في كتب أهل الكتاب.

12ـ بحث في الرجعة.

13ـ بحث في علامات الظهور والغيبة.

14ـ بحث في الأحلام.

15ـ بحث في رواية الحديث.

16ـ بحث في علم الأخلاق.

17ـ كتيب في ترتيب أعمال ونيات حج التمتع.

18ـ خطب الجمعة.

19ـ بعض الكتب التي قام بتحقيقها وإخراجها ككتاب منهاج الحاج للعلامة فقيه أهل البيت (ع) الشيخ حسين البحراني وغيره.

20ـ محاضرات وأبحاث في مجالات متفرقة.

وله بعض المؤلفات والأبحاث كان قد كتبها في النجف الأشرف واضطر إلى تركها، والسفر عنها، أوصاني شخصيا في بداية التسعينيات بالبحث عنها هناك إلا أنني وبعد بحث مستمر لم أحصل عليها، لا في المدرسة التي كانت يعيش فيها أيام دراسته في النجف الأشرف (وهي المدرسة المهدية) ولا في غيرها. هذا ويحتمل أن تكون له بعض المؤلفات المخطوطة في البحرين لم نطلع عليها.

وفاته ومدفنه

وافاه الأجل المحتوم إثر نوبة قلبية في جمهورية ألمانيا حيث كان متواجدا فيها للعلاج وإجراء الفحوصات الطبية في عصر يوم الإثنين 21/محرم الحرام/1424هـ الموافق 24/مارس/2003م. وبمجرد وصول هذا النبأ الأليم تجمع المؤمنون المصدومون عند بيته في جدحفص إلى ما بعد منتصف الليل يبكون وينتحبون لهذا المصاب الجلل . ونظرا لصعوبة الطيران حيث كانت الحرب على العراق قد بدأت صدر الأمر السامي من ملك البحرين بأن يؤتى بالجثمان الطاهر على طائرة خاصة على نفقته الخاصة. وقد وصلت الطائرة التي تقل جثمانه الطاهر في ليلة الأربعاء في تمام الساعة الثالثة صباحا حيث كان برفقته أخوه لأمه الحاج حميد بن العلامة الشيخ إبراهيم المبارك، وبقي في المشرحة إلى الضحى من يوم الأربعاء، جيء به بعد ذلك إلى مغتسل اللوزة في جدحفص حيث نال شرف تغسيله كل من الشيخ سعيد العصفور، والشيخ أحمد حسن العطيش، والسيد حسين السيد جواد السماك، والحاج محمد جواد أحمد الفردان. حملت الجنازة بعدها على أعناق المؤمنين، وتوجهوا بها إلى مسجد المشرف حيث بقيت فيه لمدة ساعة ونصف تقريبا يقرأ عليه القرآن ، والناس في عويل وبكاء ونحيب لم نر له مثيلا في المنطقة كلها. ثم تقدم سماحة العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ خلف العصفور لأداء صلاة الأموات على الجثمان الطاهر، واصطف العلماء والوجهاء والأعيان وعامة الناس من خلفهم، ثم أقيمت الصلاة. حملت الجنازة بعدها على أعناق المؤمنين، وداروا بها على شوارع جدحفص الرئيسية، بحضور الآلاف من المشيعين المؤمنين في تهليل وتكبير ونعي وبكاء وعويل. وقد أنزل في قبره الذي حفر له في الغرفة التي تضم قبر جديه لأمه سماحة العلامة الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز، والعلامة الشيخ سليمان بن حرز، وأبيه العلامة الشيخ محمد علي المدني (قدس الله أسرارهم الطاهرة). وقد قام بتلقينه التلقين الأول تلميذه سماحة الشيخ منصور علي حمادة، ثم أهيل التراب على القبر الطاهر، ودخل المؤمنون لقراءة الفاتحة أفواجا أفواجا، ثم نال الشرف الشيخ جعفر الشارقي بتلقينه التلقين الثاني.