ثقافة فرعية

الثقافة الفرعية أو الثانوية أو الخاصة أو الجماعة الفرعيّة (بالإنجليزية: Subculture)، في علم الاجتماع وعلم الإنسان، تشير إلى مجموعة من الناس أو شريحة اجتماعية معينة تختلف في وجهة معينة عن ثقافة أكبر هي جزء منها، وقد يكون الاختلاف متعلق بنمط الحياة والمعتقدات أو التخصص في أحد مجالات المعرفة أو طريقة رؤية العالم.

الثقافة الفرعية يمكن أن تجمع بين مجموعات من الناس ذات خصائص مماثلة، مثل العمر والعرق والطبقة الاجتماعية أو الدين أو المعتقدات السياسية. كل ثقافة فرعية معينة تعكس المعارف والممارسات أو التفضيلات —الجمالية أو الدينية، أو السياسية أو الجنسية أو غير ذلك — وتعرف في بعض الأحيان بطبقة اجتماعية أو أقلية— لغوية و/أو عرقية و/أو سياسية و/أو دينية — أو منظمة اجتماعية. إن التعريف الوارد للفرعية في كثير من الأحيان هو معارضة لقيم الثقافة الأكبر التي وكأنهم فيها منغمسون، ولكن على هذا لم يكن هناك اتفاق بين علماء الاجتماع.

من النادر أن يطلق على أعضاء وظيفة معينة تسمية «ثقافة فرعية» أو «فئة فرعية». وقد ينطبق تعبير الفئة الفرعية على بعض المهن التي تتطلب الانتقال من مكان إلى مكان مثل البحارة أو الدبلماسييين أو المبشرين، بحكم انتمائهم إلى شعوبهم من جهة، ويختلفون عن الأغلبية في بعض التفضيلات التي اكتسبوها في الغربة.

وفي عصر الحاسوب ظهرت فئة من المبرمجين المتمكنين تسمى هكر تنتمي إلى الفئة الكبيرة للمبرمجين، وتعودت وسائل الإعلام على إنساب هذه التسمية إلى المفسدين الذين يقومون بأعمال تخريب في الإنترنت والذين يسميهم البعض قراصنة الحاسوب.

كما أنه يمكن القول بأن الفئة الارستقراطية في مجتمع تنتمي إلى «ثقافة فرعية» حيث أن لهم عادات وتفضيلات تختلف بعض الشيء عن الطابع العام.

يشير الاستخدام العام الأشمل لهذا المصطلح إلى أن الفكرة الجوهرية لنظرية الثقافة الفرعية هى النظر إلى تكون الثقافة الفرعية كحل جمعى، أو حل متجدد، للمشكلات الناجمة عن طموحات الأفراد المحبطة، أو لوضعهم الملتبس فى المجتمع الكبير. وهكذا تكون الثقافات الفرعية كيانات متميزة عن الثقافة الأكبر (الأم)، ولكنها تستعير منها رموزها وقيمها ومعتقداتها (وكثيرا ما تعرضها للشويه، أو المبالغة، أو تقلبها رأسا على عقب). ويستخدم مفهوم الثقافة الفرعية على نطاق واسع فى ميدان دراسة علم الاجتماع للانحراف، كما يشيع بشكل خاص فى دراسات ثقافة الشباب.

ومن المهم أن نلاحظ التأثير البارز لروبرت ميرتون على التراث الأمريكى للموضوع فى صياغته الجديدة لمفهوم إميل دوركايم عن اللامعيارية (الأنومى)، وكذلك تأثير مدرسة شيكاغو التى أثرت تأثيراً قويا على هذا المفهوم. وقد ذهب ألبرت كوهن (فى كتابه: الأولاد المنحرفون، 1955) إلى أن الثقافات الفرعية الانحرافية تتكون حول مشكلات المكانة عند المراهقين. وقد تناولت بالوصف الإحباط بسبب المكانة الذى يستشعره شباب أسر الطبقة العاملة، الذين تعلمهم المدرسة -فى أمريكا- أن يتطلعوا إلى قيم الطبقة الوسطى، ولكنهم يجدون أنفسهم، مع ذلك، مربوطين إلى أبنية الفرص المتاحة لهم كأبناء طبقة عمالية. لهذا يرى أن الفرد عندما يفتقر إلى الفرص الشرعية، فإنه لايستطيع إحراز المكانة إلا وسط ثقافة فرعية تتسم بأنها معارضة، ومعبرة عن نفسها، ومغرقة فى التعلق بالمتع واللذات، والقيم غير النفعية.

وذهب والتر ميللر (فى مقاله: "نقافة الطبقة الدنيا كبيئة منشئة لانحراف العصابات"، مجلة القضايا الاجتماعية، 1958) إلى أن جذور الثقافات الفرعية الانحرافية تكمن فى مختلف عناصر ثقافة الطبقة العمالية، وأنها ليست مجرد رد فعل مجتمع الطبقة الوسطى، فهى فى الحقيقة تأكيد صريح عن "الهموم الأساسية" لثقافة آبائهم.

وقد ربط كلوارد ولويد أوهلين (فى كتابهما: الانحراف والفرصة، 1960) بين عناصر نظرية اللامعيارية ونظرية إدوين سذرلاند عن المخالطة الفارقة انتهى منه إلى تعريف التوتر بأنه محصلة الإحباط المتصور للوسائل المشروعة لتحقيق الأهداف التى ألفوا التطلع إليها وتشبعوا بها (وهى أهداف الطبقة الوسطى). وقد توصل بعض الشباب إلى حل هذا التوتر من خلال التحول إلى تبنى الفرص غير المشروعة لمجتمع الطبقة العمالية المحلى الذى ينتمون إليه. و إلى جانب ما يتيحه ذلك المجتمع العمالى المحلى من فرص مشروعة، فإنه يقدم وسائل "إجرامية" أو "صراعية" لتحقيق النجاح. أما السلوك "الانسحابى" (مثل تعاطى المخدرات أو الخمور) فيشير إلى إخفاق مضاعف فى إحراز النجاح فى المجالات المشروعة وغير المشروعة فى الآن معا.

وقد اعتمدت الدراسات البريطانية للقافات الفرعية اعتماداً كبيراً على التراث الأمريكى فى الموضوع، وان كانت قد استطاعت فى حالات كثيرة أن ثقدم رؤى جديدة، منها على سبيل المثال أساليب رؤية الشباب لثقافة الطبقة العمالية البريطانية (انظر: داونز، الحل الانحرافى، 1966) ومنها كذلك الطابع البوهيمى المغرق فى التعلق بالمتع واللذات للثقافات الفرعية لبعض شباب الطبقة الوسطى (انظر: بونج، متعاطو المخدرات، 1971) وفكرة الثقافات الفرعية كمسارح "للمقاومة الثقافية بواسطة الطقوس" (انظر: هال وجيفرسون، -محرران- المقاومة بالطقوس، 1976) ومنها أيضا محاولة "قراءة" (بمعنى فهم) معنى الأسلوب فى الثقافات الفرعية (انظر: هبدج، الثقافة الفرعية: معنى الأسلوب، 1979)

ويذهب بعض الكتاب إلى أن الثقافات الفرعية يمكن أن تنشا كأشكال للمقاومة الرمزية داخل المؤسسات الاجتماعية التى تعكس بعص جوانب التنظيم الاجتماعى للمجتمع الكبير، كالمدارس (انظر، هارجريفز، العلاقات الاجتماعية فى مدرسة ثانوية، 1967)، أو السجون (انظر: سايكس، مجتمع المحبوسين، 1958) شبكات أوسع من العلاقات لأولئك الذين يبحثون عن تأكيد الإحساس بالاخنلاف الذى يشعرون به، مثل ذوى الجنسية المثلية (انظر: بلومر، الوصمة الجنسية، 1975)

وقد أشار الكتاب من أصحاب الاتجاه النسوى إلى خلو ثقافة شباب الشوارع من البنات، وفسروا ذلك فى ضوء "الثقافة الفرعية للأنوثة" (انظر مقال ماكروبى وجاربر : البنات والثقافات الفرعية"، فى كتاب هال وجيفرسون (محرران) : المقاومة بالطقوس، 1977).

ويمكن توجيه النقدإلى نظرية الثقافة الفرعية من عدة نواح. فهى قد تذهب إلى حد المبالغة فى تقديرالاختلافات والفروق (وبالتالى قد تبالغ فى تقدير المتجانس الداخلى) بين الجماعات التى تتأسس تبعا للعمر او الطبقة الاجتماعية. ومن نقاط الضعف الشائعة فى دراساث الثقافة الفرعية إهمالها الواضح لجماعات النساء وغير البيض. مع أن فكرة الثقافة الفرعية تنهض على إدراك الاختلاف عن الثقافة الأم الأساسية المسيطرة، إلا أن تعددية أوتفتت الثقافة الحديثة أو ثقافة مابعد الحداثة من شأنها أن تضعف أهمية ذلك المفهوم (على أساس أن التنوع والاختلاف هو القانون الأسمى لثقافات ما بعد الحداثة - المحرر). ولما كانت نظرية الثقافة الفرعية تستوعب بين جنباتها طائفة عريضة من المواقف والرؤى النظرية (التى لميست متسقة أو متناغمة مع بعضها البعض تمام الاتساق)، فإنه يصبح من الصعب عليها صياغة أحكام وقضايا قاطعة أو محددة.

أما ستانلى كوهن فقد وجه إلى تراث النظرية البريطانية فى الثقافة الفرعية - التى تشتهر باسم "المقاومة بالطقوس"- نقدا قاسيا عندما ذهب إلى أن عملية فك رموز أو شفرة الأساليب التى تتبناها الثقافات الفرعية المدروسة (كالثقافات الفرعية لجماعة البانك Punk، وأصحاب الرؤوس الحليقة Skinhead وغيرهما) إنما تصدر عن آراء منحازة ذات مواقف سياسية مسبقة، كما أنها لميست مقنعة فى النهاية، وذلك لأن تلك الدراسات لم تستهدف مخاطبة النوايا المعلنة للأشخاص موضوع تلك البحوث (انظر: ستانلى كوهن، الشياطين الشعبية وأشكال الفزع الأخلاقى، الطبعة الثانية، 1980.

انظر أيضاً