بيير بايل

بيير بايل (1647 - 1706) (بالإنجليزية: Pierre Bayle)‏ هو مفكر وناقد فرنسي وشخصية عامة وفيلسوف الشكية وممثل حركة التنوير الفرنسية، كان أستاذاً للفلسفة بكلية سيدان وجامعة روتردام، دخل في نزاع مع الكاثوليكية وبعد ذلك تخلى عن الدين ودعا إلى التسامح الديني، كان بايل أول من قام بدراسة نقدية للعقيدة المسيحية، وبسبب ذلك، بالرغم من أنه لم يكن ملحداً على الإطلاق، إلا أنه جعل من الآخرين ملاحدة كما وصفه فولتير، وقامت حججه على الشكية التي صدرت عن المبدأ الديكارتي في الشك، والذي قوض كل إيمان بالميتافيزيقا واللاهوت كما رأى ماركس.

وقد ذكر بايل أن المشكلات الأخلاقية يجب دراستها من وجهة نظر العقل الطبيعي، بدل تحديدها بواسطة الدين، قال أنه من الممكن لمجتمع ما أن يتألف بكامله من الملاحدة، وقد مهدت كتاباته وخاصةً «القاموس التاريخي والنقدي» الطريق للمادية الفرنسية في القرن الثامن عشر.

حياته

ولد بيير بايل في كارلا Carla بالقرب من فوا (Foix (Ariege في 18 نوفمبر سنة 1647، وتوفي في روتردام (هولندا) في 28 ديسمبر سنة 1706.

كان ابناً لراعٍ (فسيس) بروتستاني. لكنه تحول إلى الكاثوليكية بعد قليل من دخوله كلية اليسوعيين في تولوز (مارس سنة 1669) لكنه عاد إلى البروتستانتية في السنة التالية (سنة 1670).

غير إنه انفصل تدريجياً عن كل عقيدة دينية، ونزع إلى الشك وإلى تحكيم العقل. وصار مربياً في جنيف، وأقام في روان وباريس. وفي سنة 1675، عين أستاذاً للفلسفة في الأكاديمية البروتستانتية في سيدان Sedan فلما أغلق لويس الرابع عشر هذه الكلية في سنة 1681، دُعي إلى التدريس في L'Ecole Illustre بمدينة روتردام، لكنه فصل منها في سنة 1693، نتيجة للمناظرات العنيفة بينه وبين Pierre Jurien. لكنه استمر يعيش في روتردام حتى وفاته، منقطعاً للتأليف والمجادلات العلمية.

آرائه

كان بيل واسع الاطلاع، متعدد الاهتمامات، ويمكن تلخيص آرائه الرئيسية على النحو التالي:

  1. الدعوة إلى التسامح المطلق مع الجميع، اذ يستحيل على اللاهوتيين وعلى الفلاسفة أن يصلوا الى يقين مطلق.
  2. مهمة العقل هي أن يلقي الضوء على الحجج المختلفة التي ساقتها مختلف الفرق الدينية والفلسفية، وأن يقدم دلائل فيما يتعلق بوجود الله وأمور النفس.
  3. يجب على الفيزياء أن تقتصر على معطيات التجربة وعلى الفروض المحتملة. ويجب فصل الفيزياء عن الفلسفة وعن اللاهوت.
  4. ٤ - الأخلاق يجب أن تقوم على العقل وتقتصر على ما هو عملي.

معجم تاريخي نقدي

كتابه الرئيسي الذي اشتهر به حتى اليوم هو «معجم تاريخي نقدي» (في مجلدين، سنة 1695-1697، روتردام، ط٢ في ٣ أجزاء، أمستردام سنة 1702 وفيها أضاف عدة «إيضاحات»، ط١ في باريس في ١٦ جزءاً سنة 1820). وقد كان لهذا المعجم تأثير هائل في الفكر الأوروبي في القرن الثامن عشر، ومنه امتتح اصحاب نزعة التنوير في ذلك القرن. خصوصاً فولتير الذي استند إلى هذا المعجم في نقده للكاثوليكية وفي دفاعه عن التسامح، وقصته «كانديد» يستشف منها الكثير من آراء بيل في هذا المعجم وفي غيره من مؤلفاته. ومن أجل الرد على بيل ألف ليبنتس كتابه المشهور Essais de Theodicee

مؤلفاته الأخرى

إلى جانب هذا «المعجم» نذكر له المؤلفات التالية:

  • Systema totius philosophise, 1775 - 78.
  • Objeciones 11 Libros quattuor P.Porret de Deao, anima اح malo. 1679.
  • Critique générale de !'histoire لمال Calvinisme ه]خ10 لال Mambourg: Amsterdam, 1682.
  • Recueil 00 quelques pièces curieuses concer-naib la philosophie de Descartes. Amsterdam,1684.
  • Commentaire, philosophique sur ces paroles de .1686 «d’entrer ىح1 -J. Christ «Constrains

آرائه

هذه المؤلفات تكشف في بيل عن نزعة انسانية واسعة، وعن اطلاع هائل على كتب التاريخ والمجادلات الدينية، وعن علم غزير بالمذاهب الفلسفية. وتسري فيها روح «الشك» التي تدعو الى التسامح مع كل الاشخاص وكل المذاهب، لأنهم ولأنها بمعزل عن الحق امطلق واليقين لتام الذي لن يبلغه اانسان أبداً. ففي كتابه: «شرح على قول يسوع المسيح» «أرغمهمعلى الدخول» (سنة ١٦٨٦) يدعو الى التسامح مع المؤمنين والملحدين، مع اليهود والمسلمين، مع الكاثوليكيين والبرتستانتيين. وفيه يعالج المشكلة التي أثارها لويس الرابع عشر بالغائه مرسوم نانت الذي كان يسمح للبروتستانت الفرنسين بحرية ممارسة مذهبهم، وما تلا ذلك من اضطهاد ديني فظيع أجراه هذا الملك المستبد ضد البروتستانت ، بل وضد الكاثوليك الذين يخالفون اليسوعيين، واليسوعيون هم كانوا زبانية في هذا الاضطهاد الغاشم المروع.

وفي «معجمه» كرس المواد المخصصة للفلسفة للبحث في موضوعات أثيرة لديه مثل مشكلة وجود الشر في العالم، واستقلال الأخلاق عن الدين.

وهو في شكه لم يعتمد فقط على حجج الشكاك اليونانيين، وكما جددها مونتاني، بل اتخذ ما سماه «بج أرياجا» (وأرياجا Ar iaga كان آخر الاسكلانيين الاسبان، وتوفي سنة ١٦٦٧) ويقوم هذ النهج على بيان ضعف كل محاولة عقلية لفهم التجربة الانسانية. فراح بيل يكشف عن عجز العقل الانساني فيما أقامه من نظريات علمية. وبين ما فيها من تناقض.

وفي «المعجم» وفي كتبه الأخرى ورسائله بين بيل أن من الممكن أن يكون مجتمع من املحدين أخلاقياً، وأن يكون مجتمع من المتدينين فاسد الأخلاق، ذلك لأنه كان يرى أن الاخلاق لا تتبع العقيدة الدينية، بل هي نتيجة عدة عوامل: التربية، العادات، الوجدانات، اللطف الإلهي، الخ. وأشاربيل الى ان الميثولوجيا اليونانية حافلة بالأخلاق الفاسدة، ومع ذلك فإن اليونانيين عاشوا بوجه عام، حياة اخلاقية. وفي «الايضاح» الذي كتبه على مادة: «الحاد» ذكر أنه لا يعرف ملحداً في العصر القديم، أو في العصر الحديث مثل اسبينوزا، كان يحيا حياة فاسدة من

الناحية الأخلاقية، بل وجد جميع هؤلاء الملحدين يتحلون بأخلاق سامية. بل على العكس من ذلك وجد احوالا كثيرة لأشخاص يعتبرون من ابطال الايمان المسيحي واليهودي كانت سيرهم في غاية السوء من الناحية الخلقية ٠ واستشهد على ذلك خصوصا بحياة النبي داود، وسيركثيرمن باباوات الكنيسة الكاثوليكية خصوصاً في عصرالنهضة. لقد قدم «العهد القديم» من «الكتاب المقدس» داود على أنه أكثر الشخصيات تقوى وطهارة، ولكن بيل في تعليقاته على مادة «داود» يورد ما ينسب الى داود من مخاز خلقية بالغة الفحش والفساد, وكل هذه الشواهد أوردها بيل ليبين أن الأخلاق مستقلة عن الدين، وأن السيرة الفاضلة ليست نتيجة للايمان القوي بأي دين.

ومن ناحية النظريات الفيزيائية والميتافيزيقية ستخدم بيل كل مهارته في بيان أن النظريات المتعلقة بالزمان والمكان والمادة والحركة والفعل - اذا ما حللت وجدت انها متناقضة، وغيرمعقولة. واستخدم في سبيل ذلك حجج زينون ضد الحركة وما ورد في كتبسكتسوس امبريكرس من حجج الشكاك ضد هذه الموضوعات. وفي الوقت نفسه هاجم المذهب الذري، وآراء أرسطو في الطبيعيات، كما هاجم آراء المحدثين: ديكارت، أسبينوزا، ومالبرانس ونيوتن وليبنتس ولوك: فهاجم رأي ليبنتس في الانسجام الازلي والاحادات (مونادات)، ورأي لوك في الكيفيات الأولى والثانية

وموقف الشك الذي انتهى اليه بيل يشمل العقل والمعرفة الانسانية بعامة، ولا يبقي على أية حقيقة. وهو يقررأن كل النظريات لتي فيلت في الفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية، تؤدي كلها الى الشك الذي نادى به فورون والشكاك اليونانيون. . . وفي مادة ة51نيه من «معجمه» يشبه بيل العقل ببارود مدمر يبداً فيدمر الأخطاء، وبعد ذلك يدمر الحقائق، ولو ترك العقل وشأنه لما دري الى أين يذهب!

وفيما يتصل بالعلاقة بين العقل والايمان يرى بيل انهما على طرفي نقيض، ذلك أن الايمان يقوم أساساً على ما يرى العقل بطلانه. ولنأخذ أول التوراة (سفرالتكوين): نه يقرر أن خلق الكون كان من العدم، بينما العقل يقرر أن كل شيء يتولد عن شيء آخر - وفي مقاله عن«اسبينوزا» يقول ان هناك نوعين من الناس: فنوع من الناس دينهم في عقولهم وليس في قلوبهم، ونوع اخر دينهم في فلوبهم وليس في عقولهم . فالنوع الأول مقتنع بصحة الدين «لكن ضمائرهم لا تتأثر بمحبة الله . والنوع الثاني لا يدرك حقيقة الدين حين يبحث عنه بالطرق العقلية، لكنهم حين يستمعونالى تربيتهم أو مشاعرهم، أو ضميرهم فقط فإنهم يقتنعونبالدين ويكيفون سيرتهم وفقاًله، في داخل حدود الضعف لانساني. ويدعو يل الى ترك كل انسان لضميره، فهو المرجع الوحيد الذي ينبغي الرجوع اليه. ولهذا ليس من حق أحد أن يرغم ضمير غيره على أية عقيدة. ومن هنا كانت ضرورة التسامح التام الشامل.

وما دام هذا هو موقف بيل من العقائد الدينية، فقد كان طبيعياً أن يكون هدفاً للهجوم من كل النواحي.