المدرسة الأيونية

المدرسة الأيونية مدرسة فلسفية كان مقرها مدينة ساموس والإسكندرية. تميزت من خلال شعراءها على المدرسة الدورية، حيث اهتم الشعراء بالكتابة في كل أنواع الإبيجراما (رثاء- حب- إهداء- إبيجرامات أدبية)، ولكن أصبح اهتمامهم في النهاية منصبًا على إبيجرامات الحب والخمر. تضم المدرسة الأيونية كل من طاليس وأنكسيمندرس وإنكسيمانس وهرقليطس وإمبيدوقليس وإنكساغوراس وأركليوس وهيبو وديوجانس الأبولوني.

جاءت التسمية من لفظ إيونية، المدينة الإغريقية القديمة تقع على الساحل الغربي لآسيا الصغرى على البحر الأبيض المتوسط. وعُرفت هذه المستعمرة بهذا الاسم وقت قيام دولة اليونان القديمة. وهي منطقة تاريخية تقع بالقرب من مدينة إزمير (سميرنا) بتركيا. شهدت إيونية ولادة الفلسفة، واستوطن الإيونيون هذا الساحل منذ القرن العاشر ق.م، وانتشروا فيما بعد في جزر بحر إيجة المجاورة. وهناك ذاعت شهرة هوميروس، الشاعر الذي تنسب إليه ملحمتا الإلياذة والأوديسة منذ القرن التاسع قبل الميلاد.

أرست المدرسة الإيونية دعائم البحث الميتافيزيقي، فكان لمشكلة أصل الوجود الاهتمام الأكبر والوحيد. فاعتمدت المدرسة على مبدأ واحد للوجود يمكن تفسير الكون بالرجوع إليه دون سواه. فقد اعتبر طاليس الماء بمثابة مبدأ لوجود المادة والكون، يرتد إليه كل شيء وتنطلق منه الحياة بأشكالها كافة. كذلك عد أنكسيمندرس تلميذه، اللامحدود مبدأً كليًا يضفي عبره على العالم معقولية جديدة، في حين ركز أنكسيمانس على مبدأ الهواء، وانتهى الأمر إلى هيراقليطس الذي رفع النار إلى مصاف العنصر الأعظم.

نشأت في أحضان المدرسة الإيونية مفهومات فلسفية جديدة غزت الفلسفات اللاحقة ولم تفارقها مثل مفهوم اللوجوس أو العقل، وقد استخدمه هيراقليطس ليشير به إلى القانون الكلي الذي يدبر حوادث العالم. وانتقد هيراقليطس معاصريه لأنهم قصروا في إدراك عمل اللوغوس ومعناه. كما تعزى إلى المدرسة الإيونية، وخاصة إلى أنكسيمانس منها، فكرة التناظر بين العالم الأكبر أو الكون من جهة وبين العالم الأصغر أو الإنسان من جهة أخرى. وهي فكرة أساسية أعتنقها فيما بعد كل من إخوان الصفا في رسائلهم، ومن بعدهم ابن عربي في مذهبه. كما أن الفكرة نفسها قد نفذت إلى الفلسفة الغربية الوسيطة.

كان لهذه المدرسة مكانة رائدة وإبداعية في تاريخ الفلسفة اليونانية القديمة وذلك بمحاولتها التخلص من الفكر الأسطوري، كما أسهمت مبكرًا في تطوير العلوم في المستعمرات اليونانية. إلا أن أهم ما قدمته المدرسة الإيونية للفلسفة، هو طرحها لفكرة المبدأ الواحد للوجود، الذي يكون مرجعية شمولية تقوم عليها نظرة واحدية للكون.

امتداد الفلسفة الأيونية

وقفت المدرسة الأيونية عند انكسمانس . إلآ ان مبادىء هذه الفلسفة قد أثرت كل التأثير فيمن أتوا من الفلاسفة بعد هذه المدرسة ، خصوصا الفلاسفة الذين ولدوا في أيونية مثل هرقليطس وأنكساغورس وديموقريطس. إلا أنه يلاحظ أن مذاهب هؤلاء لها طابع خاص واضح ظاهر ، يجعلنا نفرق تفرقة كبيرة بين فلسفتهم وفلسفة المدرسة لأيونية ٠ ولهذا لا يمكن أن نعدهم امتدادا للفلسفة الأيونية . أما الذين كانوا حقا امتد ادا للفلسفة الأيونية، فهم فلاسفة آخرون من عيار أقل من هؤلاء الفلاسفة وأشهر هؤلاء أولاً هبون وقد قال بما قال به طاليس من قبل أن الماء هو المبدأ الأول لجميع الأشياء ، والذي دعاه إلى هذا القول هوأنه رأى أن الحيوانات امنوية مائية أو على الأقل - على حد تعبير أرسطو- رطبة ، ولهذ يجب أن يعد المبدأ الذي نشأت عنه الأشياء رطباً أي نماء أيضاً ، إلا أن المعلومات التي لدينا عن هبون ضئيلة تافهة وأرسطو من ناحية أخرى يتحدث عنه حديثاً ملؤه السخرية والازدراء ، فلم يكن يعده فيلسوفا ذا قيمة.

أما الفيلسوف الذي كان ذا قيمة كبيرة من كانو امتداداً للفلسفة الأيونية - فهوذيوجانس الأبولوفي. قال ذيوجانس إن امبدأ الأول يجب أن يكون أولاً أزلياً أبدياً قادراً على النفوذ في جميع أجزاء الكون متحركاً باستمرار ، ومن ناحية أخرى يجب أن يكون هذا المبدأ مبدأ الحياة في الوجود ومبدأ الحركة ، ولذا قال بما قال به انكسمانس من أن هذا المبدأ هوالهواء ، لأنه وجد أن الهواء ينفذ في جميع الأشياء ، وأنه لا نهائي وأنه أزلي ابدي ؛ ثم من ناحية أخرى الهواء أقرب الأشياء إلى الأشياء اللاحسية ، أي إلى الروح - وذيوجانس ينسب إلى هذا المبدأ اولاً لأزلية والابدية، وثان ياً لحياة، وثالثا العلم، ورابعا القدرة، وخامسا العظم . وهذه الصفات كلها لا بد منها لكي يمكن تفسير فعل المبدأ الأول من حيث إنه مبدأ الحركة وإنه المبدأ الأول الذي تنشا عنهجميع لأشياء . فهو إذا اكبر الأشباء ، ومن حيث إن الاسحالات المختلفة يجب أن تكون صادرة عنه . وهنا يلاحظأنذيوجانس لأبولوفي يقول : إنهذا المبدأ واحد ، وينكر على أمبادوقليس قوله بمبادى أربعة . لأنه رأى أن مثل هذا القول يجعل من الصعبعلينا ان نفسر التغير ، لأن التغير معناه قابلية تحول الشيء إلى شيء آخر ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت الأشياء من جنس واحد.

تلك أهم الأقوال التي قال بها ذيوجانس، زيادة على اقوال المدرسة الأيونية . ويلاحظ أيضاً أن ذيوجانس كان في هذا متأثراً بالتطور الفلسفي العظيم الذي حدث منذ انكسيمانس حتى عهده . ففيه نرى أولاً آثاراً واضحة من تفكير أمبادوقليس، على الأقل في رده عليه . وثانياً تأثيرانكاغورس من حيث انه اضطر إلى القول بأن المبدأ الأولمبداروحي.