أنكسيمانس

أنكسيمانس الملطي (نحو 588 - 525 ق. م) هو فيلسوف يوناني، ويعتبر من آواخر من يمثل المدرسة الملطية أو الإيونية.

قيل بأنه تلميذ أنكسيمندريس. عاد إلى فكرة طاليس التي ترجع الكون إلى مادة أصلية ولكنه قال ان هذه المادة الأولية ليست هي الماء (كما قال طاليس) بل الهواء.

ويرى أنكسيمانس أن الهواء يصبح عن طريق التكثيف مرئيا، وذلك على شكل ضباب أو سحاب أولا، ثم على شكل ماء، وأخيرا على شكل مادة جامدة كالتراب، ويصبح من طريق الخلخلة (أي تخفيف الكثافة) نارا. كما اعتقد أن الأرض قرص مسطح يطفو في الهواء.

سيرته

هو تلميذ أنكسيمندريس وقد كان أقل منه توفيقاً في العلوم وأضيق خيالاً، عاد إلى رأي طاليس في الأرض فاعتقد انها قرص مسطح قائم على قاعدة وأنكر حركة الشمس ليلاً من تحتها واستبدل بها حركة جانبية حولها وعلل اختفاء الشمس في المساء حتى إلى الصباح بأن جبالاً شاهقة تحجبها عن الأنظار من جهة الشمال أو بأنها أبعد عن الأرض في الليل منها في النهار وقد كان مثل هذا القول معروفاً عند المصريين، واشتغل بالظواهر الجوية ولا يلوح أنه أفاد العلم من هذه الناحية، وهو معدود من أعلام المدرسة اليونانية الثلاثة: طاليس وانكسيمندريس وانكسمنييس، وقد رأى طاليس أن الماء أصل الوجود وقال أنكسيمندريس بل هو مادة لا تحدها حدود وأعلن انكسيماس أنه الهواء.

أقواله

قال: إن الباري تعالى أزلي لا أول له ولا آخر، هو مبدأ الأشياء ولا بدء له، هو المدرك من خلقه أنه هو فقط، وإنه لا هوية تشبهه، وكل هوية فمبدعة منه، هو الواحد ليس واحد الأعداد لأن واحد الأعداد يتكثر، وهو لا يتكثر، وكل مبدع ظهرت صورته عند في حد الإبداع، فقد كانت صورته في علمه الأول، والصور عند بلا نهاية، قال: ولا يجوز في الرأي إلاأحد قولين إما أن نقول إنما أبدع مافي علمه، وإما أن نقول إنما أبدع في أشياء لا يعلمها وهذا من القول المستبشع، وإن قلنا أبدع ما في علمه، فالصورة أزلية بأزليته وليس تتكثر ذاته بتكثر المعلومات ولا تتغير بتغيرها، قال أبدع بوحدانيته صورة العنصر، ثم صورة العقل انبعثت عنها ببدعة الباري تعالى فرتب العنصر في العقل ألوان الصور على قدر ما فيها من طبقات الأنوار، وأصناف الآثار، وصارت تلك الطبقات صوراً كثيرة دفعة واحدة، كما تحدث الصور في المرآة الصقيلة، بلا زمان ولا ترتيب بعض على بعض، غير أن الهيولى لا تحتمل القبول دفعة واحدة إلا بترتيب وزمان، فحدثت تلك الصور فيها على الترتيب ولم يزل العقل في العالم بعد العالم على قدر طبقات العوالم، حتى قلت أنوار الصور في الهيولى، وقلت الهيولى، وصارت منها هذه الصورة الرذلة التي لم تقبل نفساً روحانية، ولا نفساً حيوانية، ولا نباتية، وكل ما هو على قبول حياة وحس، فهو بعد في آثار تلك الأنوار، وكان يقول: إن هذا العالم يدثر، ويدخله الفساد والعدم، من أجل أنه سفل تلك العوالم وثقلها، ونسبتها إليه نسبة اللب إلى القشر، والقشر يرمى، قال: وإنما ثبات هذا العالم بقدر ما فيه من قليل نور ذلك العالم، وإلا لما ثبت طرفة عين، ويبقى ثباته إلى أن يصفى العقل جزءه الممتزج به، وإلى أن تصفى جزءها المختلط فيه، فإذا صفي الجزءان عنه دثرت أجزاء هذا العالم، وفسدت وبقيت مظلمة بلا نور ولا سرور ولا روح، ولا راحة، ولا سكون ولا سلوة.

ونقل عنه أيضاً إن الأوائل من المبدعات هو الهواء، ومنه يكون جميع ما في العالم من الأجرام العلوية والسفلية، قال: ما كون من صفو الهواء المحض لطيف روحاني لا يدثر، ولا يدخل عليه الفساد، ولا يقبل الدنس الخبيث، وما كون من كدر الهواء كثيف جسماني يدثر، ويدخله الفساد، وقبل الدنس والخبث، فما فوق الهواء من العوالم فهو من صفوه، وذلك عالم الروحانيات، وما دون الهواء من العوالم فهو من كدره، وذلك علم الجسمانيات، كثير الأوساخ والأوضار يتشبث به من سكن إليه، فصعد إلى عالم كثير اللطافة، دائم السرود، ولعله جعل الهواء أول الأوائل لموجودات العالم الجسماني، كما جعل العنصر أول الأوائل لموجودات العالم الروحاني، وهو على مثال مذهب ناليس، إذ أثبت العنصر والماء في مقابلته وهو قد أثبت العنصر والهواء في مقابلته، ونزل العنصر منزلة القلم الأول، والعقل منزلة اللوح القابل لنقش الصور، ورتب الموجودات على ذلك الترتيب، وهو أيضا من مشكاة النبوة اقتبس، وبعبارات القوم التبس

مولده ووفاته

ولد سنة 588 ق. م. وتوفي سنة 524 ق. م.

فلسفته

انتهى أنكسمندريس إلى أن المبدأ الأول لا بد أن يكون لا نهائياً او لا محدوداً ، فكان لا بد لخلفه أن يقول أيضاً بمبدا لا نهائى أو لا محدود. ولكن كان يؤخذ على أنكسمندربس ان المبدأ الذي قال بم ل يكن مبداً معبناً بالكيف ، ولهذا كان لا بد للمبدأ الجديد الذي يقول به خلفه ان يكون معيناً بالكيف . لذا قال أنكسمانس ، الذي كان تلميذاً لأنكسمندريس ومعاصراً له ، بمبدأ جديد اعتقد فيه هاتين الصفتين ، وهذا المبدأ الجديد هو الهواء

وهنا يختلف المؤرخون والنقاد في ماهية هذا الهواء ، أهو يختلف عن الهواء المعروف الذي هوأحد العناصر الأربعة ، أم هو كهذا الهواء سواء بسواء . والرأي الأرجح الذي كاد المؤرخون أن يتفقوا عليه هو أن هذا العنصر هو الهواء بعينه كما نتصوره ، خصوصاً إذا لاحظنا أن أنكسمانس كان يعد الهواء الشيء الذي يحيط بالكون ، ومعنى هذا أن الهواء شيء لا غهائي ، وهذا الهواء يتحرك حركة دائمة ، فكما قال أنكسمندريس من قبل عن اللامتناهي أو اللامحدود إنه يتحرك حركة دائمة ، كذلك الحال في هذا الهواء : يتحرك حركة داثمة .

اما طبيعة هذه الحركة فهي أيضاً موضع خلاف . فبعضهم ، مثل تيشملر ، يقول إن الحركة التي يتحرك بها لهواء هي الحركة الدائرية ، والبعض الآخر-ومن أتباع هذا الرأي تسلر - يرجح أن تكون الحركة هي حركة الدوامة ٠ وعلى كل حال فلسنا نستطيع أن نقطع برأي في هذه المألة .

والكتاب لأقدمون ينبون أيضاً إلى أنكمسانس أنه جعل من هذا الهواء إلهاً . لكن يلاحظ أن هذا الرأي ليس ثابت تمام الثبوت . ببد أنه من امرجح أن أنكمانر كان يعد المادة حية ، وكان يحسب - تبعاً لهذا - أن مادته هي أيضاً تتصف بالحياة، وأنها لا كانت تسود كل الكائنات فهي كالآلهة سواء بسواء . أما الدوافع التي دفعت أنكسمانس إلى القول بأن الهواء هو الأصل ، فلعل أرجح ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أنه قد رأى أن مصدر الحياة في الإنسان هو الهواء ، لأنه بمجرد انتهاء التنفس تنتهي الحياة فمصدر الحياة في الإنسان إذن هو التنفس أو بعبارة أخرى هو الهواء فنقل أنكسمانس هذا المصدر من الإنسان إلى الطبيعة الخارجية كلها . وفي هذا تظهر صحة رأي نيتشه من قبل ، وهو أن الفلاسفة اليونانيين قد انتقلوا من التشبيه الإنساني إلى الطبيعة الخارجية مباشرة . ويلاحظ أن انكسمانس كان يعد النفس روحاً هي الهواء ، أي أن النف كانت عنده هواء . وحينما يريد أن يوضح كيفية نشأة الكون ، يحاول أن يوضح الفكرة الغامضة التي قال بها أنكسمندريس وهي فكرة الانفصال ، فيقول إن ذلك يتم عن طريق التخلخل والتكاثف . فالطريقة التي تصدر بها الأشياء عن المبدأ الأول هى بأن تتخلخل أو تتكاثف ويستمر التخلخل والتكائف حتى تنشأ جميع لأشياء . ويلاحظ أواً أنه عن طربف التخلخل يستحيل الهواء نارا ، ثم تستحيل النار إلى بخار والبخار إلى ماء ، ويستحيل الماء أخيراً إلى تراب . ولكن أتسلر يلاحظ هنا أن نسبة هذه الأقوال إلى أنكسمانس نسبة غير محتملة . لأن هذه الأقوال تفترض أن أنكسمانس كان يقول بالعناصر الأربعة ، وقد رأينا من قبل كيف أن اتسلر يرى أن هذا القول لم يأت لأول مرة إلا عند أمبادوقليس.

وعلى كل حال ، فقد رأى أنكسمانس أن أول شيء ينشأ من الهواء هو الأرض . وقد تصور الأرض على شكل فرص المنضدة، وعلى هذا النحوهي معلقة في الهواء، وكذلك الحال في الشمس وقد استطاع لأول مرة أن يكتشف هذه الظاهرة ، وهي أن القمر يستمد نوره من الشمس وحاول أن يفسر خسوف القمر فقال إن هناك إلى جانب الكواكب السيارة النيرة ، كواكب أخرى معتمة . فإذا تصدت هذه الكواكب المعتمة بين الشمس وبين القمر ، حدث الخسوف .

فإذا انتقلنا من هذا إلى بيان مكانة أنكسمانسفي المدرسة الأيونية وفي الفلسفة اليونانية على وجه العموم ، وجدنا أولاً أنه كان متأثراً بسابقيه كل التأثر ، وأنه ل يكن طريفاً كل الطرافة كما يدعي رتر . وذلك لأن قوله بلا نهائية أو لا محدودية المبدأ الأول وهو الهواء ، وقوله بأن هذا المبدأ الأول في حركة مستمرة - نقول إن هذين القولين قد أخذهما قطعاً من انكسمندريس ، إن تحديده للكيفية التي تتم بها نشأة الأشياء عن المبدأ الأول تحديد يتفق من بعض الوجوه -أوفي الفكرة على الأقل - مع التحديد الذي وضعه نكسمندريس من قبل . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يلاحظ أن انكسمانس كان متفقاً مع طاليس في جعله المبداً الأول معيناً بالكيف ، مما يدعوإلى القول بأنه كان متأثراً في هذا به .

لكن هذا لا يمنعنا من أن نقول إن في انكسمانس كثيراً من الطرافة، فهويمثللنا-كمارأينا-كمال لفلسفة لأيونية. ويمثل لنا النزعة العلمية الخاصة التى بدأت تظهر عند الفلاسفة الأيونيين، لأن التجاءه إلىالأساطيركانقليلاكل القلة، فبينما نرى عند انكسمندريس أن نشأة الأكوان وفناءها ، أو كوغها وفسادها ، إنما كان ذلك لعلة أخلاقية هي العدالة وما تقتضيه من عقاب أو جزاء، نجد انكسمانس يحاول أن يفسر ذلك تفيراً آلياً ، أي علمياً ، بقولم بفكري التخلخل والتكاثف . ومعفى هذا أنا نجد في انكسمانس تقدماً للفكر اليوناني نحو التفسير العلمي الخالص للأشياء .