الفوضوية النقابية

اللاسلطوية النقابية (بالإنجليزية: ِAnarcho-Syndicalism) هي مذهب يمنح النقابات العمالية الدور الأول في النضال المطلبي، و هذا المذهب، الذي استوحى آراء برودون و باكونين و كروبوتكين ، مارس تأثيرا أكيدا على الحركة النقابية الفرنسية في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، و اضطلع بدور رئيسي في تاريخ اسبانيا الجمهورية ، قبل الحرب الأهلية و أثناءها. و اللاسلطوية النقابية هي حصيلة لقاء بين نقابية بلا أيديولوجية (نقابية ولدت مباشرة من ممارسة الصراع الطبقي) والفكرة اللاسلطوية الاشتراكية القائمة على رفض الدولة والهرمية و قد حصل هذا اللقاء في مطلع التسعينات من القرن التاسع عشر. تقوم اللاسلطوية النقابية، على غرار اللاسلطوية ، على رفض مطلق و قاطع للدولة، و هذا الرفض يؤدي، في ما يؤدي إليه، إلى نفي حاجة الطبقة العاملة إلى تنظيم نفسها و إلى خوض النضال من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية ، حتى و إن كان الهدف الأخير من الاستيلاء على السلطة تسخير هذه الأخيرة لتحويل المجتمع و للتوصل، على المدى البعيد، إلى فناء الدولة. و إذ تعتبر اللاسلطوية النقابية النقابات "قوى التحويل و البناء الوحيدة" القادرة على تحقيق الثورة الاجتماعية ، فهي تتجاهل دور الأحزاب العمالية، إن لم نقل إنها تعارضه. و ما الإضراب الجزئي من منظورها سوى "رياضة" تمهيدية للإضراب العام، الوسيلة الوحيدة القادرة على قصم ظهر الرأسمالية و القضاء عليها.

و بعد إطاحة السلطة الاقتصادية للبرجوازية، تتولى النقابات عملية تنظيم الإنتاج على أساس قاعدة التسيير الذاتي. واللاسلطويين النقابيون، إذ يؤكدون على ازدرائهم للعمل المدروس، المتعقل، ينادون ب العفوية إلى حد الارتقاء بها إلى مستوى مذهبي. و هم يقفون على طرفي نقيض من الماركسيين من حيث عبادتهم للفرد و للأقليات الفاعلة المدعوة إلى تحريك الجماهير السلبية باعتمادها "العمل المباشر" و التخريب و فيم يتعلق بقوات البورجوازية المسلحة، فإن موقفهم يتلخص في معاداة مبدئية للنزعة العسكرية تجد ترجمتها، عمليا، في دعوة دائمة إلى الفرار من الخدمة العسكرية .

تطبيق اللاسلطوية النقابية عمليا

نجحت اللاسلطوية النقابية، طيلة حقبة من الزمن، في استقطاب بروليتاريا عدد من أقطار أمريكا اللاتينية ، بروليتاريا بوليفيا ، و شيلي و بيرو على وجه الخصوص. و قد عزيت هذه الظاهرة إلى الإيقاع البطيء نسبيا للثورة الصناعية، الذي سمح باستمرار طويل الأمد للإنتاج الصغير الحرفي الطابع، و بالتالي لاستمرار تأثير شريحة عمالية عريضة، فردية النزعة، عبرت عن ثورة بورجوازية صغيرة على الرأسمالية الممركزة. و في فرنسا ، اتسم التاريخ العمالي في نهاية القرن التاسع عشر بالصراعي الدائب بين أنصار غيد ، المنتسبين إلى ماركس من جهة، و بين اللاسلطويين النقابيين الذين نجحوا في بسط سيطرتهم على الاتحاد العام للعمل من جهة أخرى. و في روسيا ، و في إبان انعقاد المؤتمر الخامس للحزب العمالي الاشتراكي الديموقراطي الروسي، طرح لارين واكسلرود فكرة عقد "مؤتمر عمالي بلا حزب" ، و قد اعتبر لينين هذه الفكرة دليلا على تعاظم تأثير اللاسلطوية النقابية من جراء الوضع الناجم عن انحسار ثورة 1905 . و قد ألح لينين على المؤتمر كما تبنى موقفا أكثر صرامة في مناهضة التيار اللاسلطوي النقابي داخل صفوف البروليتاريا. و في مارس 1921، عندما طالبت المعارض العمالية، التي كان يشرف عليها شليابنيكوف و كولونتاي، بأن تتولى النقابات و سوفييتات المصانع تسيير الإنتاج برمته، وصف لينين هذا الاقتراح، في التقرير الذ رفعه إلى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الروسي، بأنه "انحراف لاسلطوي للنقابيين واضح و جلي". بيد أن اللاسلطوية النقابية، في مفهومها الأولي، لم تصمد أمام محنة الممارسة، و لقد ساهمت هذه الأخير في تعديل المفاهيم اللاسلطوية التي كانت تضع عوائق جمة أمام العمل النقابي. و في العشرينات من القرن العشرين انتهى العديد من المناضلين، المنادين بالمبادئ اللاسلطوية النقابية، إلى الانخراط في صفوف الحركة الشيوعية.. و في أبريل 1920، أعلن غرامشي عن إمكانية التوصل إلى تسوية في الجدل القائم بين الشيوعيين و اللاسلطويين "فيما يتعلق بالجماعات اللاسلطوية المؤلفة من عمال يتمتعون بوعي طبقي" و ليس مع "الجماعات اللاسلطوية المؤلفة من مثقفين ممتهنين للايديولوجية".

مصادر

  • موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الطبعة الثالثة، 1990 الجزء الرابع ص 636.

أنظر أيضا