أبو تمام

أَبو تَمّام (188 - 231 هـ / 803-845م) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان ومن أعلام الشعراء في العصر العباسي. وقيل إنّ والده اسمه تدرس، وكان نصرانيًا فأسلم وتسمى بأوس وانتمى لقبيلة طيء. والصواب أنه من أصول عربية. اختُلف في ولادته فقيل 172هـ أو نحو 190هـ. كما اختُلف في تاريخ وفاته بين 228هـ و 231هـ.

ولد بجاسم إحدى قرى حوران بسورية في بلاد الشام، وهي تبعد عن دمشق إلى الجنوب40كم. نشأ بالشام نشأة فقيرة، فاشتغل عند حائك ثياب في دمشق، ثم انتقل إلى حمص، ورحل بعدها إلى مصر، وكان يسقي الناس الماء في جامع عمرو بن العاص، وتردّد على مجالس الأدب والعلم، واطّلع على علوم عصره الدينية والعربية والعلوم المترجمة من منطق وفلسفة وحكمة، وساعده على ذلك ذكاؤه وقوة ذاكرته وحصافة تفكيره.

نظم أبو تمام الشعر في فترة مبكرة من حياته ولم يزل يجوّده حتى نَـبُه ذكره، فعاد إلى الشام من مصر، ومدح القادة والعظماء فيها، ثم توجه إلى حمص والتقى هناك بالشاعر البحتري. ثم توجه إلى العراق ومدح الوزراء فأوصلوه إلى أبواب الخلفاء، فمدح المأمون ولكنه لم يتصل به اتصاله بالمعتصم الذي أُعجب بشعره واستقدمه إلى بغداد فأجازه وقدَّمه على غيره من الشعراء، فأقام في العراق ومدحه بالكثير من قصائده.

ولما اتصل بالحسن بن وهب ومدحه عيّنه على بريد الموصل، وبقي هناك نحو سنتين. وقد وافته المنية ودُفن هناك. وبكاه الحسن بن وهب ورثاه في جملة من رثاه من الشعراء، وهو الذي يقول فيه:

فجع القريض بخاتم الشعراء  وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معاً فتجاورا في حفرة  وكذاك كانا قبل في الأحياء

كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع. وفي أخبار أبي تمام للصولي: «أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء».

كان أبو تمام ولوعًا بالأسفار، حاضر البديهة، ذكيًا قوي الذاكرة، واسع الثقافة، رُوي عنه أنه كان يحفظ 14 ألف أرجوزة.

في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.

نشأته

ولد في جاسم من قرى حوران (في سوريا حالياً) أيام الرشيد، وكان أولا حدثا يسقي الماء بمصر، ثم جالس الأدباء، وأخذ عنهم وكان يتوقد ذكاء. وسحت قريحته بالنظم البديع. فسمع به المعتصم، فطلبه، وقدمه على الشعراء، وله فيه قصائد. وكان يوصف بطيب الأخلاق والظرف والسماحة. وقيل: قدم في زي الأعراب، فجلس إلى حلقة من الشعراء، وطلب منهم أن يسمعوا من نظمه، فشاع وذاع وخضعوا له. وصار من أمره ما صار.

عندما ترعرع أبو تمام سافر إلى مصر فكان يسقي الماء ارتحل في سبيل المعرفة من الشام إلى مصر وتردد على مسجد الفسطاط حيث حلقات العلم مكتظة بالدارسين يستمعون إلى الشيوخ الذين يلقون الدروس في اللغة والنحو والفقه والأدب وعلوم الدين بجامع عمرو ويستقي من أدب العلماء والشعراء. حفظ الشعر منذ طفولته وصار يقلد الشعراء حتى أبدع في هذا المجال وتفرد فيه بعبقرية نادرة فأصبح شاعراً مطبوعا لطيف الفطنة دقيق المعنى له استخراجات عجائبية ومعان غريبة.

مؤلفاته

لأبي تمام ديوان شعر طُبع عدة مرات، جمع فيه كل فنون الشعر من مدح ورثاء واعتذار ووصف وحِكم وعتاب وغزل وفخر ووعظ وزهد وهجاء، وشرح عدة شروح، أشهرها الذي بين أيدي الناس للخطيب التبريزي. وأكثر شعره في المدح والرثاء، حيث يستغرق هذان الفنّان ثلثي ديوانه، ولذا قيل عنه: "أبو تمام مدّاحة نوّاحة".

ومن مؤلفاته الأخرى: فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل.

ويعد أبو تمام من أوائل الشعراء الذين ساروا في ركاب التجديد في العصر العباسي، ذلك أنه، أخذ بمعطيات الحضارة القديمة، مع المحافظة على الأطر الجديدة للشعر، فقام مذهبه بالتالي على الجمع بين عناصر عدة هي العقل والوجدان والزخرفة، مع الآخذ بعين الاعتبار خصائص العربية ومحتوياتها. وبناء على هذه المنطلقات التي قام عليها شعره، انطلق في اختياراته، فجمع ما رآه الأفضل بما يتلاءم مع معاييره العالمية.

يُعدُّ أبو تمام أول شاعر عربي عُني بالتأليف، فقد جمع مختارات من أجمل قصائد التراث الشعري في كتاب سماه الحماسة باسم الباب الأول والأطول منه. وفيه عشرة أبواب: الحماسة، والمراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف، والمديح، والصفات، والسِّير، والنعاس، والملح، ومذمَّة النساء. ولكتاب الحماسة معارضات كثيرة وشروح أكثر، والكتاب يدل على حسن ذوق أبي تمام وعلمه الحصيف بالشعر، حتى قال عنه بعض النقاد: "إن أبا تمام في مختاراته أشعر منه في منظوماته".

ولأبي تمام حماسة أخرى تُسمى الحماسة الصغرى أو الوحشيات. وقد وصل إلينا الكتابان السابقان، غير أنه لم تصل إلينا كتبه مثل: الاختيار القبائلي الأكبر والأصغر، وأشعار القبائل، وفحول الشعراء. ويُنسب إليه كتاب نقائض جرير والأخطل، وقد خصَّه الآمدي وصنوه البحتري بكتاب نقدي سمّاه الموازنة بين الطائيين، جعل أبا تمام فيه ممثل مذهب الصنعة والبحتري ممثل مذهب الطبع.

ويمتاز أبو تمام عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جديد في الشعر، يقوم على الغوص في المعاني البعيدة التي لاتُدْرَك إلا بإعمال الذهن، والاعتماد على الفلسفة والمنطق في عرض الأفكار وإلباسها صورًا من التشبيهات والاستعارات والكنايات. ويقوم فن أبي تمام على الصنعة البديعية. فلهذا تراه يكثر منها كما يكثر من الألفاظ الغريبة، إلا أن شعره يمتاز بقوة العاطفة وحرارتها، مماجعل شعره محببًا إلى النفوس. غير أن شعره يتفاوت سموًا ودنوًا مما حدا بتلميذه البحتري أن يقول: "جيد أبي تمام خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه". وقد نشأت دراسات كثيرة تناولت فن أبي تمام في أغراض شعره أو مذهبه الأدبي أو في مؤلفاته أو في الحركة النقدية التي تبلورت حوله.

ديوان الحماسة

طالع أيضاً: ديوان الحماسة

قد حمل العصر العباسي بذور التغيير والتجديد على المستويات كافة، ما أدى إلى تطور الأذواق، فاتجه الناس ينهلون من معطيات الحضارة الجديدة، ويتفاعلون معها، وكان من أثر ذلك التغيير ابتعاد القارئ العربي عن مطالعة المطولات الشعرية، واستعاض عنها بالمقطوعات القصيرة التي تتلاءم مع ذوقه من حيث الشكل والمضمون. وهكذا صار الشعراء يهتمون بالمقطوعات القصيرة، وأكثر من ذلك أخذ بعض كبار الأدباء والنقاد يجمعون من هذه القصائد ما يحلو لهم تلبية لرغبات الجمهور، ورتبوها حسب المعاني الشعرية لتشمل الأغراض المختلفة. وأقدم ما عرفناه من هذه الاختيارات ما جمعه أبو تمام واشتهر عن المتأخرين وعرف باسم الحماسة تسمية له بأول أبوابه، ويليه أبواب أخرى هي: المراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف والمديح، والصفات، والملح، ومذمة النساء. ويبدو أن الباب الأول أي باب الحماسة هو أغزر الأبواب وأهمها. ويجدر بنا أن نذكر بأن أبا تمام قد قصر اختياراته على شعراء الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي، وقد لحظت بعض المقطوعات لشعراء عباسيين مثل بشار بن برد ودعبل الخزاعي، وحماد عجرد.

وقد تقبل أهل الأدب حماسة أبي تمام تقبلا حسنا، فاهتموا بقراءتها وتدريسها، وشرحها وتفسيرها، ومن أهم شروحها: 1- شرح أبي محمد القاسم بن محمد الأصبهاني. 2- التبيه في شرح مشكل أبيات الحماسة لأبي الفتح عثمان بن حسني. 3- شرح المرزوقي أحمد بن محمد. 4- الباهر في شرح ديوان الحماسة لأبي علي الفضل الطبرسي. 5- شرح عبد الله بن الحسين العكبري. 6- شرح أبي زكريا يحيي بن علي الخطيب التبريزي. ومن جزيل شعره أيضاً قوله في رثاء محمد بن حميد الطوسي:

من شعره

لعل أبرز شعره قصيدته في فتح عَمُّورَّية ذات الشهرة الكبيرة:


(أبو تمام)

[من البحر البسيط]

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَة عَمُّوريَّة انْصَرَفَتْ منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة َ الحلبِ
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ
رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ
مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا واللهُ مفتاحُ باب المعقل الأشبِ
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ
يا رُبَّ حوباءَ لمَّا اجتثَّ دابرهمْ طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لم تَطِبِ
خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ
بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ ترها تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ
إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ موصولة ٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ
أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ

وقصائده المشهورة أكثر عددًا من أن تحصى أو يشار إليها. ومن أبياته السيارة:

من لي بانسان اذا أغضبته وجهلت كان الحلم ردّ جوابه
واذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ولعله أدرى به

وقال أيضا،

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب الا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنيـنه أبداً لأول منزل

وله أيضا،

أظن دموعها سنن الفريد وهي سكان من نحر وجيد

وأيضا،

أفنى وليلي ليس يفنى آخره هاتا موارده فأين مصادره؟
نامت عيون الشامتين تيقنا أن ليس يهجع والهموم تسامره

وأيضا،

طوتني المنايا يوم ألهو بلذة وقد غاب عني أحمد ومحمد
جزى الله أيام الفراق ملامة كما ليس يوم في التفرق يحمد
وكأني ببيار الحجّ فيها علامة لمن ضاق نفسه فيها فيرقد
أو بجوال الحجّ منها فريضةً تصيب منك التهابًا فتقعد

وأيضا،

أعوَامَ وَصْلٍ كانَ يُنْسِي طُولَها ذكْرُ النَّوَى ، فكأنَّهَا أيَّامُ
ثُمَّ انْبَرَتْ أَيَّامُ هَجْرٍ أَردَفَتْ بِجَوى ً أَسى ً، فكأنَّها أعْوَامُ
ثمَّ انقضتْ تلك السنونُ وأهلُها فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ

وأيضا،

ومن جيد غيداء التثني كأنما أتتكَ بليتيها من الرشإ الفرد
كأن عليها كل عقد ملاحة وحسنا، وإن أمست وأضحت بلا عقد
ومن نظرة بين السجوف عليلة ومحتضن شخت، ومبتسم برد
ومن فاحم جعد، ومن كفل نهد، ومن قمر سعد، ومن نائل ثمد

وأيضاً:

لاتنكري عطل الكريم من الغنى  فالسيل حرب للمكان العالي

كذلك قوله:

لاتنكروا ضربي له من دونه  مثلاً شرودًا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره  مثلاً من المشكاة والنبراس

وقوله:

اصبر على مضض الحسود  فإنّ صبرك قاتِلُه
فالنَّار تأكل بعضها  إن لم تجد ما تأكله

وقوله:

أحلى الرجال من النساء مواقعًا  من كان أشبههم بهنّ خدودا

وقوله يصوّر أيام عشقه الماضية:

أعوام وصل كاد ينسي طولها  ذكرُ النـَّـوَى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أردفت  بِجَوىً أسىً فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها  فكأنها وكأنهم أحلام

وكذلك قوله:

مسترسلين إلى الحتوف كأنما  بين الحتوف وبينهم أرحام
آسادُ موتٍ مُخْدَرات مالها  إلا الصوارمُ والقنا آجامُ

قصائد جديدة

كشفت مؤسسة جائزة البابطين عن العثور على قصائد يصل عددها إلى 348 قصيدة للشاعر لم تنشر حتى الآن في تبريز في إيران وذلك في احتفالية في المغرب عام 2014.

وفاته

توفي الشاعر أبو تَمَّام الطائي عام 231 هـ بمدينة الموصل في العراق، ودُفِنَ بها ومازال ضريحه شاخصا.

انظر أيضًا