آشور
آشور (الاكادية: 𒀸𒋩، السريانية: ܐܬܘܪ أو ܐܫܘܪ) هي حضارة قامت في مدينة آشور في أعالي نهر دجلة في شمال بلاد ما بين النهرين، وتوسعت في الألفية الثانية ق.م. وامتدت شمالاً لمدن نينوى ونمرود وخورسباد، وتشمل الجزء الشمالي تقريبًا من العراق الحديث. وتعاقب على عرش الإمبراطورية الأشورية 116 ملكًا على حين لم يزد عدد ملوك الأسرة المالكة في أور السومرية على خمسة ثم ولت، وتعاقب على أسرة أكد أحد عشر ملكًا.
كانت أشور إقليمًا من أقاليم سومر Sumer الأكدي خلال الألف الثالث والنصف الأول من الألف الثاني ق.م. ولقد كافح الأشوريون في إصرار كي يحولوا دون ذوبان كيانهم في الشخصية الكنعانية التي بسطت نفوذها بالتدريج على بلاد ما بين النهرين كلها. فحاولت آشور تحرير حضارتها من زعامة الجنوب فاستقلوا بآلهتهم واستخدمو التقويم الأشوري دون غيره وأطلقوا على الأعوام أسماء كبار رجالات الدولة على وفق التقليد الأشوري.
وكانت حضارة أشور في أوجه عديدة مماثلة لحضارة جارتها بابل القديمة التي تقع إلى الجنوب منها. أُطلق على الآشوريين اسم رومان آسيا إذكانوا فاتحين عظماء، كما كانوا يحققون انتصاراتهم بالتنظيم والسلاح والمُعَدَّات الممتازة.
حكم الملك شمشي أدد الأول مدينة آشور عام 1813 ق.م. وامتد حكمه 33 عامًا، وقد أسس إمبراطورية أشور التي تضم دجلة والفرات وتفيض عن مجريهما، غير أن سياسة التوسع هذه لم تحقق غايتها دفعة واحدة، فقد تصدى لها حمورابي ملك بابل الذي أستولى على آشور عام 1760 ق.م. فاستنام الآشوريين إلى حين مغمضين عينًا ومبصرين بالأخرى المشاكل الدولية الدائرة من حولهم حتى أفادوا منها بمهارة وتحرروا في القرن 13 ق.م. ونمت دولتهم الفتية التي صقلتها التجارب فوق رقعة كالمثلث تنحصر بين نهر دجلة وبين رافده الزاب الأكبر. ونجح القادة الأشوريون في تأسيس جيش لجب محكم التنظيم متفوق المعدات بلغ الخليج العربي وعيلام في الشرق وجبال أرمينيا في الشمال والبحر المتوسط وجزيرة قبرص في الغرب وطيبة في مصر وصحراء العرب في الجنوب. ولم يتحقق هذا التطور على نسق واحد بل في مرحلتين. بدأت أولاهما منذ القرن 13 ق.م حتى حوالى عام 1000 ق.م.، وبدأت ثانيتهما من عام ألف حتى تدمير العاصمة نينوى Nineveh في عام 612 ق.م. وقد استغرق التحرر المحلي والإقليمي مستهل المرحلة الأولى قبل فترة شن الحملات العسكرية خارج ما بين النهرين. ومن كبار ملوكها توكولتي نينورتا الأول (1207 - 1243 ق.م) الذي أوقع الهزيمة ببابل، والملك الآشوري شلمنصر الأول الذي استولى على بابل وهزم الميتانيين عام 1273 ق.م. ثم استولت آشور ثانية على بابل عام 1240 ق.م. وتغلث فلاسر الأول [ومعناه إتكالي أن الإله بل ينصر] (1112 - 1074 ق.م.) الذي سير جيوشه في كل صوب حتى أخضع 40 أمة فكان الذعر يسبق جحافله.
وشهدت المرحلة الثانية استمرار السيطرة والتوسع بمزيد من الضراوة، وتخصصت في شن الغزوات مجموعة من الملوك بدأت بآشور ناصربال الثاني [أي أشور اللهم انصر ابني الأكبر] وتبعه شلمنصر الثالث [أي الإله شلمانو ينصر] (859 ق.م.) ففتح دمشق بعد أن قتل ستة عشر ألف سوري في موقعة واحدة، وشامورامات Sammuramat [أي محبوبة الاسم] وكات قائدة شجاعة ومدبرة حكيمة ومهندسة قديرة، واستحالت بعد موتها فيما يقال أسطورة عرفت باسم سميراميس.
وفي عام 1000 ق.م. استولى الآراميون على آشور، لكن الآشوريين استولوا على فينيقيا عام 774 ق.م. وصور عام 734 ق.م. والسامرة عام 721 ق.م. وأسر سرجون الثاني اليهود في أورشليم عام 701 ق.م.
ولقد تفرغت أشور تمامًا للحروب في المرحلة التانية ونجحت في الاستيلاء على العالم الشرقي ومزقته وقضت على جوهره، وحين ثار أهل بابل على الأشوريين برمين بتلك التبعية جهز لهم سنحاريب [سن هو إله القمر، ومعنى الاسم إله القمر يكثر أخواتي] جيشًا دمر به بابل تدميرًا، وانتهى سنحاريب نفسه نهاية بشعة فقد قتله أبناؤه وهو مستغرق في صالته، ثم اختلفوا فيما بينهم فانتزع آسرحدون [أي أشور أعطي أخًا] الحكم لنفسه، وكان يجمع بين الشدة والرحمة فرد إلى بابل بعضًا مما فقدته. وتتابعت موجات الغزو فوصل جيش أسرحدون إلى منف بمصر وفتحها وعاد محملاً بالغنائم، ثم توغل خليفته آشوربانيبال [أي أشور اللهم أكثر من نسل ابني الأكبر] في الصعيد ودخل طيبة (663 ق.م)، ويعد عصره هو عصر أشور الذهبي.
وفي عام 686 ق.م. دمر الآشوريون مدينة بابل وثار البابليون على حكم الآشوريين وهزموهم بمساعدة ميديا عام 612 ق.م. شن الآشوريون حملاتهم على باقي مناطق سوريا وتركيا وإيران.
وكانت مملكة آشور دولة عسكرية تقوم على العبيد، وكان لها إنجازات معمارية وصنع التماثيل ولاسيما تماثيل الثيران المجنحة التي كانت تقام أمام القصر الملكي، وزينت الجدران بنقوش المعارك ورحلات الصيد. وما بين سنتي 883 ق.م. و612 ق.م. أقامت إمبراطورية من النيل للقوقاز، ومن ملوكها العظام: آشوربانيبال، تغلات فلاسرالثالث، سرجون الثاني، سنحاريب، آشور ناصربال الأول، وآسرحدون (والد آشور بانيبال) الذي كان مهووساً بحب إذلال الملوك حيث كان يجبر الملوك التابعين له المجيء إلى عاصمته والعمل في ظروف قاسية لبناء قصوره في نينوى، وآخر ملوك آشور المدعو آشور أوباليط الثاني الذي أقام مقر قيادة مؤقت في حران (الجزيرة الفراتية) بعد سقوط نينوى بيد البابليين بقيادة نبوبولاسر محاولاً تأخير المذبحة الشاملة للشعب الآشوري. وكانت كتابة الآشوريين الكتابة المسمارية التي كانت تكتب على ألواح الطين، وأشهر مخطوطاتها ملحمة جلجماش التي ورد بها الطوفان لأول مرة. وكانت علومهم مرتبطة بالزراعة ونظام العد الحسابي السومري الذي عرف بنظام الستينات وكانوا يعرفون أن الدائرة 60 درجة، كما عرفوا الكسوروالمربع والمكعب والجذرالتربيعي، وتقدموا في الفلك وحسبوا محيط خمسة كواكب، وكان لهم تقويمهم القمري وقسموا السنة لشهور والشهور الأيام، وكان اليوم عندهم 12 ساعة والساعة 30 دقيقة. وكانت مكتبة الملك آشوربانيبال من أشهرالمكتبات في العالم القديم حيث جمع كل الألواح بها من شتى مكتبات بلاده.
الآشوريون هم من الأكديين الذين قطنوا المنطقة الشمالية من حوض نهر دجلة، بعد الهجرة من منطقة بابل خلال العهد الأكدي. اختلط الأشوريون مع الشعوب الجبلية الحيثيين والحوريين واستعبدوا الآراميين (قبيلة الأخلامو والنبط) وقبائل العريبي أو الأعربي (قبائل قيدار وقيدم وجندبو وسبأ وثمودي) والكلدان.
السطح والمناخ
بلاد آشور أرض هضاب مُمْتدّة. حافظ نهر دجلة، والروافد الصغيرة التي تغذيه، على خصوبة ودْيانها. وإلى الشمال منها، ترتفع جبال أرمينيا، بينما تقع إلى الشرق منها جبال زاغروس، وتلال إيران المرتفعة. ولم تكن هذه الأراضي الجبلية لتجذب الآشوريين إليها، إلا أن الأراضي الواقعة في الجنوب والغرب كانت أفضل من أراضيهم. وهكذا كانت أراضي بابل الغنيّة والسهول الخصبة في بلاد ما بين النهرين وسوريا عرضةً للفاتحين الآشوريين. أما المُناخ الطبيعي في آشور فكان أفضل للزراعة منه في بابل، حيث الجوّ أكثر برودة بينما المطر أكثر غزارة. إلا أن الريّ كان ميسورًا في سهل بابل، بينما كان صعبًا جدًا في الهضاب الآشورية. ومنذ أن بدأ الآشوريون السير في طريق الفتوح، فقد استوْلَوْا على ما هو أكثر من الأراضي الزراعية الخصبة المجاورة لهم، حيث ضمت الأمبراطورية الآشورية أراضي صالحةً للتعدين، ومناطق غابات، وأنواعًا عديدة أخرى من الأراضي. أما آشور نفسها فظلت بلادًا زراعية، كما توفرت فيها كميات من حجارة البناء الجيدة، وبعضُ الأخشاب، وقليلٌ من المعادن.
السكان
كان هناك أناس يعيشون في شمال وادي الرافدين قبل أن يَعْمُرها الآشوريون (الذين عُرِفُوا بعد ذلك) بفترة طويلة. فقد بنى مستوطنون من جنس مجهول قرى صغيرة حيث قامت آشور وعاشوا في مجتمعات لها بعض خصائص الحياة القبلية. وتُظْهِر قطعٌ من الفخار المكسور، والأدوات الحجَرية، وأساسات لبيوت بدائية، وجود سكان في آشور يعودون إلى العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) أي قبل 6,000 أو 7,000 سنة. ويستطيع علماء الآثار أن يتعقبوا التغيرات التي طرأت على صناعة الفخار، ليخبرونا عن قدوم شعب جديد إلى آشور كما أنهم قادرون على وصف التقدم البطيء في الحضارة، إلا أن هؤلاء الأقوام الأوائل لم يتركوا أثرًا مكتوبا وهو ما يجعلنا لا نعرف الكثير عن تاريخهم.
قبل سنة 3000 ق.م. تدفقت شعوب ساميّة إلى حيث قامت آشور، كما فعل ذلك أيضًا شعب آخر من سهل سومر المجاور. إلا أن الآشوريين في العصور التاريخية كانوا خليطًا من أجناس كثيرة جدًا. فعندما يُطلق الكُتَّاب صفةَ الشعب السامي على الآشوريين، فهم يقصدون لغتهم أكثر من قصدهم العنصر الذي ينتمون إليه.
كان الآشوريون يرتدون الأردية والخف والنعال (الصندل)، أما شعور رجالهم فكانت طويلة، بينما كان كثير منهم يطلقون لحَاهُم، إذ كان معظم الرجال يطلقون لحى قصيرة، بينما كانت لحى الموظفين من ذوي الرتب العالية طويلةً ومشذبة عند نهايتها على شكل مربع.
التاريخ
يعرف العلماء القليل عن تاريخ الآشوريين الأوائل. فأقدم الوثائق المكتشفة، التي تعود إلى قبل سنة 2000ق.م.، تُظهر أن حاكمًا من مدينة أور، جنوب شرق العراق الحالي، حكم آشور. كما تُظهر وثائق تعود إلى فترة لاحقة أن الآشوريين كانوا يتاجرون بكثافة في الأناضول (تركيا الآن).
كان ظهور الارتباط السياسي بالنسبة للآشوريين، قد وضح في الخضوع لسيطرة أسرة أور الثالثة، والتي ما إن بدأ سلطانها بالزوال، حتى تطلع الملك «بوزور آشور الأول» لإعلان الاستقلال والعمل على تأسيس الحكم الآشوري خلال العام 2012 ق.م، ليبدأ التحرك نحو مناطق الحوض الجنوبي من وادي الرافدين. والواقع أن الآموريين بدؤوا في إعلان ولائهم للآشوريين من أجل التمكن من الاستقرار من منطقة مركز الحكم الآشوري، وبالتالي التمكن من النفاذ إلى قمة هرم السلطة والسيطرة على مؤسسة الحكم، وكان لهذه الحركة أثرها في توسع النفوذ الآشوري إلى سواحل البحر المتوسط في سوريا، إلا أن ظهور الملك حمورابي كان قد أوقف مرحلة التوسع الآشوري، بعد أن أخضعها تحت نفوذه.
وفي عام 1813ق.م نصّب شمشي أدد، وهو زعيم صحراوي للأموريين، نفسه سيدًا لآشور، ووسع من مدى سلطة آشور وحدودها إلا أن آشور وقعت تحت سيطرة البابليين بعد موته.
لم تُكتشف أية مدوَّنات تعود لمئات السنين التالية. إلا أن المؤرخين يعتقدون أن آشور، خلال جزء من هذه الحقبة، كانت تحت حكم مملكة ميتاني التي تقع في شمال سوريا. وتُظْهر المدوّنات أن آشور عادت دولة مستقلة في أواسط عقود سنة 1300ق.م.
بعد سقوط الدولة البابلية الأولى على يد الحيثيين، تمكن الآشوريين من استثمار الفرصة، لإعلان استقلالهم على يد الملك «شمشي أدد الثاني» في العام 1380 ق.م، الذي تميزعهده بالعمل الجاد والدؤوب على إعادة بناء وتوسيع الدولة الآشورية، إلا أن خلفاؤه لم يكونوا بمستوى طموحاته، هذا بالإضافة إلى حالة الخطر والتهديد التي ظهرت على يد الميتانيين من القبائل الحورية والممالك السورية خلال منتصف الألف الثاني ق.م، حيث قيض لهم السيطرة على الدولة الآشورية حوالي مائة عام.
ساهمت العلاقات الدولية المحتدمة بين القوى الناهضة، في تغييرملامح الصورة السياسية العامة، إذ لم تستقر الأوضاع، بقدر ما كانت الطموحات هي الدافع الرئيس في صدام القوى، وتوجيه التحالفات، فالميتانيون كانوا قد دخلوا في صراع سياسي وعسكري ضد الحيثيين، هذا بالإضافة إلى الانقسام الذي ظهر داخل البيت الميتاني الحاكم، ليتبلورالاتجاه لدى ملك آشور المدعو «آشور أوباليط الأول» في إعلان تحالفه مع أحد أطراف النزاع الداخلي.
إن النتائج التي تمكن أن يحصل عليها الملك الآشوري، لاسيما في التخلص من النفوذ الميتاني والتمكن من اقتسام بلادهم، أن جعله يتوجه نحو توطيد أواصر علاقاته السياسية، مع القوى السياسية الفاعلة، حيث أقدم على الزواج من ابنة الملك الكاشي الذي كان يفرض نفوذه على بابل. وقد حظيت مملكة آشور بملوك خلفوا «آشور أوبلط» وكانوا على مستوى المسؤولية وانتهجوا ذات الأسلوب الذي سار عليه، ليثمر عن ذلك خلال القرن التاسع ق.م، بلوغ مستوى الإمبراطورية الآشورية بكل قوتها ونفوذها السياسي.
تمتعت آشور بفترات وجيزة من التوسع في القرنين 13، 12ق.م.، وذلك قبل أن تبني إمبراطوريتها في القرن التاسع قبل الميلاد.
من الملوك الآشوريين البارزين «شلمنصر الأول» الذي دام حكمه 1266 - 1243 ق.م، وتطلع إلى توجيه العديد من الحملات العسكرية وعمل على استبدال العاصمة «آشور» بمدينة «نمرود». أما العمل الأبرز فكان على يد الملك «توكولتي نينورتا الأول» 1243 - 1221 ق.م، الذي تمكن من السيطرة على بلاد بابل، وتوسيع سلطانه في الجهات الشرقية والغربية. لكن بعد وفاة هذا الملك دخلت آشور في مرحلة الضعف السياسي، نتيجة لوصول ملوك ضعاف الشخصية، غير قادرين على إدارة مقاليد الحكم، واستمرت هذه الفترة حوالي مائة عام، حتى بلوغ الملك «تغلث فلاسر الأول» 1116 - 1090 ق.م إلى سدة الحكم، لتكون هذه الفترة مليئة بالإنجازات العسكرية الكبيرة، حيث تمكن من تحقيق الانتصارات المتوالية في الأصقاع البعيدة، في البحرالأسود وسواحل آسيا الصغرى والمدن الفينيقية على الساحل السوري، هذا بالإضافة إلى استعادة السيطرة على مملكة بابل، وإعادة نقله العاصمة إلى المدينة القديمة «آشور» والعمل على إعادة بنائها من جديد، وذلك بعد أن توفرت الأموال اللازمة التي كانت تأتي إلى العاصمة من مختلف الأقاليم التي تمت السيطرة عليها.
على الرغم من الجهود التي بذلها «تجلات بلاسر» في تدعيم الملك الآشوري وبناء الدولة، إلا أن الخطر الآرامي مثل تهديداً حقيقياً للآشوريين، لاسيما خلال القرن الحادي عشر ق.م. لكن القرن التاسع عشر ق.م، شهد نهوضاً آشورياً جديداً على يد الملك «أداد نيراري الثاني» 913 - 890 ق.م، الذي عمل على مواجهة الخطر الآرامي من خلال إخضاعهم للسلطان الآشوري، وتطلع نحو محاربة بابل لتسفرعن توقيع معاهدة بين الطرفين، اعترفت فيها مملكة بابل بترسيم الحدود مع الجانب الآشوري.
أما المرحلة اللاحقة فقد تميزت في تحركات القبائل الجبلية في المناطق الشمالية من سوريا، وتطلعات الآراميين في المنطقة الغربية حتى جاء الملك "آشور ناصربال الثاني" 883 - 859 ق.م، الذي وضع لمساته الخاصة في مجال التنظيمات العسكرية، حيث توسع في مجال استخدام العربات العسكرية والخيالة، مع العناية بالجانب الإداري، حيث كان للتوسع الكبير في الفتوحات، أثره في أهمية الاعتماد على ولاة ينوبون عن الملك في إدارة الأقاليم، لاسيما البعيدة منها. وكان الملك "شلمنصر الثالث 858 - 824 ق.م، قد عمل على توسيع رقعة الحكم الآشوري، ليفرض الجزية على الممالك الواقعة في رأس الخليج العربي. هذا بالإضافة إلى الحملات التي وجهها نحو جنوب سوريا، كما سيطر على طرق التجارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ولعل الحادث الأكثر جسامة في تاريخ الملك شلمنصر، كان قد تمثل في الانتصار الذي حققه في "معركة قرقارة" عام 853 ق.م، عندما واجه التحالف الذي تم بين الآراميين، خصوصاً بعد تعرض مدينة "دمشق" لهجوم شلمنصر، وعلى الرغم من تمكن الملك من مواجهة جيوش إثنتا عشرمملكة آرامية، إلا أنه لم يتمكن من دخول "دمشق". ومما فاقم في الأوضاع، ظهورحالة من التمرد الداخلي في الأسرة الحاكمة، حيث أعلن أحد أبناء الملك راية العصيان، مما كان له الأثر البالغ في فقدان مملكة آشورلبعض الأقاليم الآشورية-البابلية، من خلال إقدام الملك "شمش آداد الخامس 824 - 810 ق.م، للزواج من الأميرة البابلية "سميراميس" التي صارت الوصية على عرش ولدها الصغير بعد وفاة والده الملك. والواقع أن مملكة آشور كانت قد وقعت تحت حكم بعض الملوك الضعاف الذين لم يتمكنوا من تقديم، أي إنجازسياسي، حتى ظهور الملك "تغلث فلاسر الثالث" 745 - 727 ق.م. الذي افتتح مناطق واسعة من سوريا وفلسطين وأصبح ملك بابل.
ما يميز عصر هذا الملك، الاتجاه الشديد والقاسي، نحو فرض العقوبات الصارمة بأعدائه، فقد تمكن من دخول مدينة دمشق عام 732 ق.م، وعمد إلى نقل سكانها إلى خارج المدينة، من أجل القضاء على نفوذ الدولة الآرامية بدمشق، وكان هذا الأسلوب قد ابتدعه ليسير خلفاؤه من بعده عليه، من جانب آخر كان تركز تغلث فلاسر الثالث على محاربة الميديين في بلاد فارس، فيما تمكن من احتلال مدينة بابل عام 729 ق.م، وإعلان نفسه ملكاً عليها. وكان من نتائج التوجه نحو الفتوح والحركات العسكرية المستمرة، أن توسعت رقعة الإمبراطورية الآشورية، لتشمل مناطق بعيدة أتاحت لخلفه الملك شلمنصر الخامس 727 - 722 ق.م، أن يحظى بمملكة واسعة الأرجاء، محكمة البنيان، تدخل خزانتها الأموال الواسعة الكبيرة، إلا أنه تعرض للانتفاضة الداخلية، لينتقل الحكم إلى أخيه الملك سرجون الثاني 722 - 705 ق.م، الذي واجه الأطماع المصرية في المنطقة بعد أن فقدت نفوذها في إسرائيل، ودولة بابل التي حاولت التخلص من السيطرة الآشورية المباشرة. فيما تميزت خطوات «سرجون الثاني» بالتؤدة والحكمة، حتى أنه صفح عن ألد أعدائه، وعينهم في مناصب مهمة، مثل حكام إمارات، كل هذا من أجل حفظ الموازنات، ليتمكن بالتالي من الحصول على لقب ملك بابل.
من جانب آخر قيض لهذا الملك أن يتم له القضاء على مملكة السامرة عام 722 ق.م، ويعمد إلى طرد أهلها واستبدالهم بسكان جدد، وبعدد أكبر مما كان، وعين عليها حاكماً آشورياً مع فرض الجزية. وفي الوقت ذاته برزت التدخلات المصرية في المنطقة الغربية، حيث عمدت إلى تقديم الدعم من أجل ظهورالتمرد والثورات ضد النفوذ الآشوري. لكن سرجون الثاني لم تخمد همته، بل حرص بالإضافة إلى نشاطاته العكسرية، إلى تأمين الطرق التجارية في سوريا عند الشمال الغربي وفي جزيرة العرب واليمن وحضرموت. أما في الأقاليم الشمالية من سورية فإن جهوده أثمرت عن مد سلطانه إلى طوروس وآرارات وعمد إلى احتلال قبرص، بل وحرص على فرض نفوذه في مناطق التخوم مع الجنوب مع بلاد مصر ولاسيما إسرائيل. أما في المجال العمراني، فقد حرص على تطويرمدينة «آشور» العاصمة القديمة، لينتقل بعدها إلى مدينة «نمرود»، فانتقالة مرة أخرى إلى مدينة «نينوى»، لكنه حرص في العام 713 ق.م، على إنشاء مدينة جديدة «خرسباد» بعد أن أحاطها بسور حصين، تم بناء مائة وخمسون برجاً عليه، مع ثمان بوابات مرسوم عليها الثيران المجنحة لحراسة المدينة، وقد تم افتتاح المدينة عام 706 ق.م، بعد أن خططت بشكل دقيق وحاذق يثير الإعجاب، ليكون دلالة عميقة على التطور الفني والعمراني الذي بلغه الآشوريون، لاسيما وأن حالة الاتصال مع الثقافات الأخرى كان له الأثر البارز في هذا المجال. لكن المدينة سرعان ما أهملت، خصوصاً وأن خلفه الملك «سنحاريب» 705 - 681 ق.م، وقد نقل العاصمة إلى «نينوى» كما جعل منها مدينة عظيمة. وقد تعامل سنحاريب بقسوة مع عدد من الانتفاضات التي قامت في الإمبراطورية، فأخمد ثورة بابل ودمّر المدينة نفسها في أثناء ذلك، كما أخمد ثورات أخرى في سوريا وفلسطين، إلا أنه خسر حكم القدس في يهوذا.
ما يميز عهد «سنحاريب» حالة التقارب والتحالف مع الفينيقيين واليونان، الذين قدموا له الدعم في إنشاء السفن التي استخدمها في محاربة الممالك البابلية الموجودة في أقصى الجنوب عند رأس الخليج العربي، لاسيما بابل وبعض الممالك السورية التي كانت قد وقفت بالضد من بلاد آشور) في شرق سوريا والهلال الخصيب. أما الملك «أسرحدون 680 - 669» ق.م الذي قيض له أن يقمع الفتنة التي ظهرت في أعقاب والده سنحاريب، فقد توجه بكل ثقله نحو محاربة مصر في شرق الدلتا عام 675 ق.م، وجعل مصر تابعة لإمبراطوريته.
بوفاة الملك «أسرحدون» المفاجئة، تعرضت الأسرة الحاكمة إلى مشكلة وراثة الحكم، حيث تمكن الابن الثالث «آشور بانيبال» 669 - 626 ق.م، من السيطرة على الحكم في بلاد آشور، أما الابن الأكبر «شمش شوم أوكين» فقد عين وريثاً شرعياً للمملكة في بابل، وكان التعاون بين الأخوين قد استمر لمدة عشرين عاماً، لكن الأطراف المناوئة للنفوذ الآشوري، حاولت التقرب إلى الملك «شمش شوم»، محرضينه على أهمية التمرد على أخيه الملك «آشور بانيبال». وقد عملت عدة أطراف في هذا المجال منها الكلدانيون والعيلاميون والممالك السورية وامراء القبائل العربية، ليسفر ذلك عن حصار لمدينة بابل عام 652 ق.م، دام حوالي السنتين انتهى بوفاة الملك «شمش شوم» وتدمير مدينة بابل، ليتوجه «آشور بانيبال» بعدها إلى تأديب الحلفاء حيث هاجم العيلاميين، وعمد إلى تدمير مدينة «سوسة».
بدأت آشور تضعف بعد منتصف القرن السابع قبل الميلاد. وكعادة الآشوريين، فإن مشكلة ولاية العهد كانت الأكثر حضوراً في الواقع السياسي، حتى أن وفاة أي ملك منهم، تمثل مرحلة قلاقل وصدامات بين الأمراء، إذ عادت الحروب بين الإخوان حول ولاية العهد والفوز بالمنصب الملكي، وقد استثمرها ملوك الأقاليم للانفصال عن الحكم الآشوري، حيث انفصلت إسرائيل وسوريا وأرمينيا، وظهرت الأسرة الكلدانية في بابل، وبدأ الميديون بتهديد العاصمة الآشورية. وقد بلغ الأمر قمته عندما تم التحالف بين الميديين والبابليين لاقتسام مملكة آشور وتدمير العاصمة «نينوى» ونهب كنوزها. وقد وضعت الهجمات التي تعرضت لها من جانب الماديين والبابليين في سنتي 614 و612 ق.م. نهاية لهذه الإمبراطورية.
المملكة القديمة
- طالع أيضاً: الإمبراطورية الآشورية القديمة
يمكن تتبع وجود الآشوريين في منطقة دجلة الوسطى منذ الألف الثاني قبل الميلاد، فقد وسع (شمشي آدد 1745-1712 ق.م) الذي ينتمي لأسرة أمورية، سيطرة مدينة آشور على منطقة شمال بابل إثر تراجع السيطرة السومرية- الأكادية، وكان (شمشي آدد) قد بدأ حكمه في مدينة (شباط إنليل) -تل ليلان في سوريا حالياً - ولقب نفسه (ملك الكل) وبذلك بدأت فترة النفوذ الآشوري القديمة في منطقة الهلال الخصيب والتي استمرت من 1800 حتى 1375 قبل الميلاد، إلا أن الجزء الأكبر من بلاد ما بين النهريين بقي في هذه الفترة تحت سيطرة مدينة بابل، ووسع الآشوريين في هذه الفترة نشاطهم التجاري وأنشؤوا شبكة تجارية واسعة والعديد من المناطق التجارية (المستعمرات) في الأناضول، للتجارة بالمعادن، تلى ذلك فترة تنازع على النفوذ في سوريا مع الحوريين الذين أسسوا مملكة ميتاني والحيثيين، وقد تمكن الملك شلمنصر الأول من حولي 1400 ق.م من إخضاع ميتاني التي خضعت من الضغط الحيثي من الشمال ثم عادت المملكة لتخضع لميتاني بعد الضعف الذي أصابها نتيجة الهجوم الحيثي 1450 ق.م
المملكة المتوسطة
- طالع أيضاً: الإمبراطورية الآشورية الوسطى
تمكن (إيريبا أدد الأول 1392- 1366 ق.م) من تخليص آشور من السيطرة الميتانية، إلا أنه كان على أشور خوض المزيد من المعارك مع الـ (هانيغالبات) الموقع الذي أسسه الحثيين، وذلك للسيطرة على المنطقة.
تمهيد الطريق
بقيادة آشور أوباليط الأول 1363- 1328 ق.م بسطت أشورنفوذها على جنوب بلاد الرافدين، ولتدعيم علاقته مع بابل، زوج ابنته لملكها، إلا أن قتل حفيده في إحدى العصيانات في بابل دفعه لدخولها وتعيين حاكم جديد فيها.
ذروة النفوذ الأولى
بعد النصر الذي حققه توكولتي نينورتا 1244- 1207 ق.م) على الحثيين والبابليين، نال لقب (ملك الكل) وتجدر الإشارة أن في عهده تظهر أول إشارة لعملية التوطين والنفي، والتي طبقت في الدولة الآشورية الحديثة بشكل واسع، إلا أنه نتيجة للخلافات الداخلية في الأسرة الحاكمة خسرت الدولة الآشورية بابل لعيلام، ليعاود بعد ذلك الملك آشور ريش إيشي 1132- 1115 ق.م سياسة التوسعات ممهداً الطريق أمام ابنه.
التوسع إلى البحر الأبيض المتوسط
تابع الملك (تغلث بلاصر الأول 1114- 1076 ق.م) سياسة أبيه التوسعية وقد استخدم الجيش في عهده الأسلحة الحديدية لأول مرة، وقد مكنه ضعف الكاشيون المسيطرون على بابل حينها من إعادتها لسيطرة الآشورية، وتقدم في الشمال والغرب بسهولة- كون الدولة الحيثية لم يعد لها وجود – ليصل سواحل المتوسط ويصف في إحدى النصب رحلة بحرية له يصطاد فيها حيوان بحري (ربما دلفين)، إلا أن من لحقه من الحكام لم يستطيعوا المحافظة على المملكة الواسعة النفوذ، كما كان لتزايد وجود ونفوذ الآراميين في شمال الهلال الخصيب دوراً في انحسار النفوذ الآشوري في المنطقة
المملكة الحديثة
- طالع أيضاً: الإمبراطورية الآشورية الحديثة
ساهم الملوك الذين حكموا مباشرة قبل آشور ناصربال الثاني 883- 859 ق.م في إحكام النفوذ الآشوري على شرق الهلال الخصيب، إلا أن آشور ناصربال الثاني كان قد وضع نصب عينيه الطرق الموصلة إلى البحر الأبيض المتوسط والتي كانت ضمن الدولة الآشورية زمن تغلات بلاصر الأول، وهذا ما دفعه لتقنية إنشاء الحصون في المناطق المسيطر عليها خلال مسيرته نحو إخماد العصيانات التي كانت تحدث في المنطقة البعيدة عن مركز المملكة، أما ابنه شلمنصر الثالث 858- 824 ق.م فقد وسع حدود الدولة وخاض معارك عدة في الجناح الغربي للهلال الخصيب أشهرها معركة قرقره شمال مدينة حماة عام 854 ق.م، والتي واجه بها تحالف من المالك الآرامية-الكنعانية التي أخرت السيطرة الآشورية على غرب الهلال الخصيب إلى حين، وفي إحدى النصوص التذكارية لمعاركه يقول:
«لقد هزمت هدد عدر ملك إميريشو مع اثني عشر أمير من حلفائه، وجندلت 29000 من محاربيه الأقوياء، ودفعت بمن تبقى من قواته إلى نهر العاصي، فتفرقوا في كل اتجاه يطلبون أرواحهم، هدد عدر انتهى واغتصب العرش مكانه حزئيل ابن لا أحد، فدعا الجيوش الكثيرة في وجهي، فقاتلته وهزمته وغنمت كل مراكبه، أما هو فقد هرب طالباً حياته، فتعقبته إلى دمشق مقره الملكي، حيث قطعت أشجار بساتينه»
أيضاً واجه شلمنصر الثلث تحد جديد من قبل مملكة أورارتو في جبال الأنضول الشرقية
الأزمات الداخلية
لم يكن من الممكن للحكام اللاحقين بعد شلمنصر الثالث الحفاظ على مناطق نفوذ الدولة وذلك للأزمات الداخلية التي حاقت بالمملكة بدءاً من عهد شلمنصر الثالث نفسه ولمدة 80 عاماً تليه، وزاد في الصعوبات، المواجهات المستمرة مع مملكة أوراراتو التي استعصت على الجيش الآشوري لطبيعة الجبلية القاسية فيها والمعارك التي خاضها ابنه (أداد نيراري الثالث) في إعادة النفوذ كانت التمهيد للمرحلة القادمة.
إصلاح الأقاليم
عندما اعتلى تغلات بلاصر الثالث (745- 727 ق.م)العرش كانت تفتك بالدولة الآشورية أخطار العصيانات والتمردات وكذلك الخطر القادم من الشمال عبر (أورارتو)
لم يتضح حتى اليوم كيف وصل تغلات بيلاصر الثالث إلى الحكم، وكون استلامه الحكم كان عن طريق تمرد عسكري قام به، يرجحه عدم انتمائه للأسرة الحاكمة ويخمّن بعض الباحثين أن يكون أحد ولاة المقاطعات الآشورية الكبيرة، الذين نما سلطانهم وأصبحت مناصبهم وراثية، وما أن استلم الحكم حتى ضاعف عدد الولايات كخطوة للحد من قوة حكام الولايات بتصغير ولاياتهم وبالتالي منعهم من المنافسة على عرش الإمبراطورية
الطريق نحو الإمبراطورية
كان الهم الأول لـتغلات بيلاصرالثالث الحفاظ على الجزء الغربي من الهلال الخصيب المنفذ البحري الأهم للدولة الآشورية وكذلك الحفاظ على المراكز التجارية في هذا الجزء، وقد تمكن من ذلك عبر سلسلة من المعارك أهمها المعركة التي أنها بها القوة الأكبر في المنطقة، مملكة دمشق، عام 733 ق.م وتوجه بعدها لترسيخ الحكم في الدولة الممتدة من الخليج العربي حتى سيناء، كما كانت عليه سابقاً في زمن آشور ناصربال وشلمنصر الثالث قبل ذلك بحدود المائة عام والتي لم يحافظ عليها، وهذا ما أراد تغلات بلاصر الثالث عدم تكراره قام بتقسيم الدولة إلى مقاطعات – إدارات تحكم من قبل ولاة يعينهم بنفسه، وعمل على تطبيق سياسة الترحيل الإجباري (النفي والتوطين) لمجموعات كبيرة طالت المئات من المدن والقرى في المنطقة بما في ذلك الآشوريين أنفسهم الذين وطنوا بالآلاف أحياناً في المناطق الحدودية والأقاليم الزراعية البعيدة، عكس بعض المدن التي تم ترحيل سكانها إلى العاصمة الآشورية والمدن المحيطة بها، وحسب النصوص يمكن الحديث عن نقل 100000 إنسان فقط في زمن تغلات بيلاصر الثالث، مما سهل عملية السيطرة على أرجاء الدولة، بقطع الروابط الدموية – العشائرية بين المهجرين وجماعاتهم السابقة وجعلهم معتمدين بأماكنهم الجديدة على الدولة في تدبير أمورهم مما ساهم في عملية مزج للبشر في المنطقة وساهم أيضاً في إضعاف اللهجات- اللغات المحلية لتحل محلها لغة جامعة. بالإضافة لذلك كله كانت عقوبات تغلات بلاصر الثالث للجماعات المتمردة على الدولة تصل درجة الوحشية وهي مسجلة في حولياته بتفاصيل لتكون عبرة لمن يراها.
كما قام تجلات بيلاصر الثالث بتتويج نفسه في بابل بعد قلاقل حدثت هناك، وبذلك يتوحد التاج الملكي لبابل وآشور لأول مرة في التاريخ وبعد موته عام 727 ق.م ترك لابنه (شلمنصر الخامس) دولة قوية حسنة التنظيم
ذروة القوة
لم يقدر شلمنصر الخامس على الحكم طويلاً ففي العام 722 ق.م يعتلي سرجون الثاني 722- 705 ق.م العرش إثر تمرد قاده ، المعلومات عنه قليلة ويقول الكثير من الباحثين بأنه ليس أحد ورثة العرش من السلالة الملكية، وأحد الدلائل هو عدم ذكرسلفه أبداً في حولياته، وبعد أن استقر له الأمر توجه لضبط الأوضاع حيث جنحت بعض مدن المملكة لتمرد وذلك قبل توليه الحكم توجه أولاً نحو بابل حيث كان الأميرمردوخ أبلا إيدينا الثاني قد نصب نفسه على العرش ولم يتمكن من هزيمته فعقد معه اتفاقاً وتوجه غرباً ليضم قبرص وآسيا الصغرى ويعقد مع (الفريجين) هدنة.
ثم أن الوقت كان قد حان لتوجيه ضربة لأورارتو تنهي التهديد الذي مارسته على آشور، وتم له ذلك في العام 714 ق.م وكانت نهاية هذا التهديد فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي فتوجه سرجون الثاني مجدداً إلى بابل في العام 710 ق.م ، وما كان من ملكها إلا أن فرّ جنوباً
هذا وكان سرجون الثاني قد أمر في العام 717 ق.م ببناء مقرجديد للحكم باسم (دور شروكين= قلعة سرجون) بالقرب من خورساباد الحالية وانتهى العمل بالبناء عام 706 ق.م، وأسكن فيها مجموعات من المرحلين كما يشير نصه:
«أخذت غنائم بأمر الإله آشور سيدي أقوام من الجهات الأربعة، بألسنة غريبة ولغات مختلفة، كانت تسكن في الجبال والسهول جعلت غايتهم واحدة، وجعلتهم يسكنون هناك في (دور شروكين)، وأرسلت مواطنين من بلاد آشور، مهرة في كل شيء مراقبين ومشرفين لإرشادهم على العادات ولخدمة الآلهة والملك»
إلا أن هذا المقر لم يستخدم كمقر للحكم بسبب موت سرجون الثاني بعد سنة من هذا التاريخ في أحد المعارك، بعد وفاته تولى ابنه سنحاريب 704 – 681 ق.م العرش، ونقل العاصمة إلى نينوى، حيث أمر بتحسينها وببناء قصور ومعابد وأقنية فيها، وخاض معارك عديدة في سبيل المحافظة على الدولة فأخمد العصيان البابلي عام 701 ق.م وتوجه غرباً ليخضع من تمرد من مدن غرب الهلال الخصيب، وأخيراً اصطدم بقوات الملك المصري (طهارقة) ولم يستطيع هزيمتها، فقفل عائداً بعد نشوب تمرد جديد في بابل والذي أنهاه سنحاريب في العام 689 ق.م مسبباً دماراً كبيراً في المدينة وما حولها.
بعد موت سنحاريب تولى ابنه الأصغر آسرحدون 681- 669 ق.م وأولى أعماله كانت إعادة بناء بابل وإعادة المهجرين منها، كذلك وطد علاقاته مع الميديين في الشمال الشرقي، وقد أخمد تمرد صيدا التي ثارت في عهده، كما وطد علاقاته مع التجار العرب في أعالي شبه الجزيرة العربية حفاظاً على خطوط القوافل التجارية من جنوب العربة حتى مصر عبر سيناء وجه في العام 675 ق.م إلى مصر عابراً سيناء بمشقة وبعد معارك عديدة حتى 671 ق.م هزم الجيش المصري بقيادة ترقا ودخل منفس العاصمة، معلناَ نفسه ملك على مصر السفلى والعليا وعلى أثيوبيا، إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً كان أسرحدون قد وصى بأن يحكم ابنه شمش شوم أوكين بابل وابنه آشوربانيبال نينوى، وهذا ما حدث بالفعل بعد وفاته بالعام 669 ق.م
بقيادة آشور بانيبال 669- 627 ق.م بلغت الدولة الآشورية أقصى امتداد لها في تاريخها، فإضافة إلى الهلال الخصيب شملت مصر بإخضاعه عاصمتها طيبة وإيران بإخضاعه عاصمتها سوسا، كما ازدهرت المملكة ليس فقط سياسياً وإنما أيضاً اقتصادياً وثقافياً، والأرشيف الضخم الذي جمع في عصره يعتبر من أكبر مكتبات العالم القديم، عقب موته توالت سنوات ليست جيدة التوثيق.
الاضمحلال
في العام 616 ق.م زحف نابو بلاصر 625- 606 ق.م حاكم بابل ومؤسس الدولة البابلية الحديثة بمعونة الميديين، واخضع أشور عام 614 ق.م في عهد الابن الثاني لـ (آشور بانيبال) الملك سين شار إشكون وبعد معارك أخرى أخضع نينوى في العام 612 ق.م وبذلك كانت نهاية الوجود السياسي الآشوري.
لقد كان التوسع الذي حققته الدولة الآشورية سبباً من أهم الأسباب التي أدت إلى نهايتها. فقد ساعد على سقوط الإمبراطورية اتساع مساحتها مما أدى إلى صعوبة الاتصال، كما تعقدت مشكلة النقل وتحريك الجيوش وتموينها في بلاد وعرة نائية، كما أنهكت الإمبراطورية ثورات المستعمرات المتجددة، وتضاؤل عدد أفراد الجيش الأشوري بالنسبة لتزايد مهامه وظهور الحاجة إلى جنود مرتزقة من غير الأشوريين يقلون حماسة وولاء عن الأشوربين، ثم الانقلابات العسكرية التى زعزعت أركان الإمبراطورية، وظهور مشكلة الأحقية بولاية العهد واحتدامها حتى أدت إلى معارك طويلة طاحنة بين الإخوة. ومما أوغر صدر الشعوب المقهورة وأدى إلى ثوراتهم المتعددة قسوة القادة الأشورين في معاملة أسراهم ورعايا مستعمراتهم، فلقد عزي إليهم أنهم كانو يأتون على أسراهم قتلاً ويقطعون رؤوس الرجال منهم ويعلقونها على أسوار المدن أو ينزلون بهم ألوانًا من التعذيب ويبيعونهم عبيدًا. على أن بعض المؤرخين ذهب إلى أن أكثر ما ذكر في الحوليات الأشورية عن ألوان التعذيب لم يكن إلا مبالغة يقصد بها التخويف والترهيب. فلقد كان إلى جوار جبروتهم وانغماسهم في الملذات جانب آخر يتسم بالرفق والأناة، إذ كانوا أول من ابتدع ترحيل الأعداء من موطنهم بدلاً من الإتيان عليهم. ومن المعروف أنهم هجروا قرى بأكملها ووطنوها في أماكن أخرى لها لغات وعبادات غريبة عنهم، كما حدث من نقل سكان بعض المدن السورية أو الجماعات اليهودية في شمال العراق، ولعل ما عزي إلى الأشوريين من قسوة كان مرجعه في الأغلب الأعم إلى ما ذكر عنهم في التوارة نتيجة لما مني به العبرانيون على أيديهم من تهجير، وما في العلم أن قسوتهم تلك التي اشتهروا بها لم تتجاوز ما كان على أيدي أباطرة الرومان وجحافل المغول وغيرهم ما يزخر به تاريخ الغزاة في كل زمان ومكان.
ولعل اهم أسباب سقوط الإمبراطورية الأشورية المترامية هو المشكلة البابلية التي عاشت صداعًا دائمًا في رؤوس حكام أشور المتتابعين لم يسلم أحد منهم من معاناة آثارها أو يحجم عن محاولة حلها، غير أن أحدًا منهم لم يستطع وضع حد لقلاقلها.
أنماط المعيشة
كان معظم الآشوريين سكان مدن ومزارعين وأعضاء في جماعات شبه بدوية، تتجول من مكان إلى آخر قريبا من المناطق الآهلة بالسكّان. أما بلاد آشور فكانت مُقسَّمة إلى إقطاعيات كبيرة يديرها إقطاعيون.
عاش المزارعون في قرى صغيرة في هذه الإقطاعيات. واشتغلوا في الأرض، وحفروا قنوات الري التي كانت تنقل المياه إلى المزارع، وتساعد في ضبط الفيضانات. وكانوا يعيشون في أكواخ سقوفها من القش، وجدرانها مبْنيّة من الأغصان المجدولة والطين. أما أهم محاصيلهم الزراعية فكان الشعير، كما كان المزارعون في الوقت نفسه يُربُّون المواشي، وينُتجون الحليب، ومنتجات الألبان الأخرى.
كان في آشور عدد قليل من المدن الكبيرة من أهمها آشور وكالو ونينوى. وقد عمل معظم سكان المدن حرفيّين أو تجارًا. وكان الحرفيون يصنعون الفخاريات، ومشغولات من الذهب والفضة والبرونز والعاج والخشب. أما مدنهم فكانت محاطةً بأسوار يحرسها رماة السهام لحمايتها من أي هجوم يقع عليها. وكان السكان يزرعون الفواكه والخضْراوات والكروم في البساتين الواقعة في الأراضي المَرْوِيَّة خارج أسوار المدينة.
كانت الجماعات شبه البدوية تتكون، في معظمها، من العبيد الهاربين والزراع الفاشلين والأشخاص الذين يُطْرَدون من المدن. وكانت جماعات من هؤلاء تقوم بين وقت وآخر بالإغارة على المدن ونهبها. وهكذا فإن العلاقات بين سكان المدن والجماعات شبه البدوية كانت متوترة باستمرار، بينما كان الملوك يسعون دائما إلى تعزيز سيطرتهم على الأرض وقتما يعتلون العرش.
لم يكن في بلاد آشور إلا أعداد قليلة من العبيد. فمعظمهم كانوا إما أسرى حرب، أو أشخاصًا لم يتمكنوا من تسديد ديونهم. كما كان بعض الآشوريين يُجْبَرون على بيع زوجاتهم وأبنائهم كي يتمكنوا من الوفاء بديونهم.
اللغة والأدب
تكلم الآشوريون الأوائل لغة سامية ذات صلة باللغتين العربية والعبرية الحاليتين، واستخدموا نظامًا في الكتابة عرف باسم الكتابة المسمارية، مستعارة بتطوير من السومرية، وكانت تتكون من رموز مسمارية الشكل منقوشة على ألواح من الطين.
جمع ملوك آشور ألواح الطين في مكتبات ضخمة. واحتوت مكتبة آشور بانيبال، التي اكتُشفت في نينوى في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، على ألواح ٍ تعالج الدين والأدب والطب والتاريخ وموضوعات أخرى. وقد فهرس أمناء المكتبة الآشوريون هذه الألواح بعناية، واحتفظوا بها على رفوف. ويحتفظ المُتْحَف البريطاني في لندن، حاليًا بمعظم ألواح مكتبة آشور بانيبال، وكثير منها موضوع للعرض.
كذلك كتب الآشوريون نصوصًا قانونية. وتعود القوانين الآشورية الوسيطة إلى حوالي عام 1400ق.م. مثلها مثل شريعة حمورابي، وتتكون هذه القوانين من نماذج لقضايا صدر في كل منها حكم ما. إلا أن العقوبات التي كان يفرضها الآشوريون على منتهكي القانون كانت أكثر قسوة من تلك التي يفرضها البابليون.
تكلم معظم الآشوريين المتأخرين اللغة الآرامية. وكان الكثير من كتاباتهم يُكتب بالخط الآرامي، وربما كانت الكتابة بالحبر على الرَّق. إلا أن الآرامية لم تحل، بشكل كامل، محلّ الكتابة المسمارية؛ تعايشت اللغتان المكتوبتان معًا حتى نهاية الإمبراطورية الآشورية، إلا أنهما كانتا تستخدمان لأغراض مختلفة. فبينما كانت النصوص التاريخية والدينية تُكتَب بالخط المسماري، استخدم الآشوريون اللغة الآرامية في أشغالهم اليومية. وقد تلف معظم قطع الرق الآرامية منذ زمن طويل، وبذلك لم يتمكن العلماء إلا من معرفة القليل عن نشاطات الآشوريين التجارية، خلال مئات السنوات القليلة الأخيرة من تاريخهم.
الدين
الديانة الآشورية وثيقة الصلة بالديانات السومرية والبابلية. وقد آمن الآشوريون بأن هناك آلهة عدة توجه مصير الإنسان وتسيطر على السماء والأرض والماء والعواصف والنار، كما كانوا يؤمنون بالأرواح الخيِّرة والشريرة وبالسحر.
اختلفت ديانة الآشوريين عن الديانات السابقة في بعض الوجوه؛ فإله آشور الأكبر هو آشور أو آسور، وهو الاسم نفسه الذي يُطْلقُه الآشوريون على بلادهم ومدينتهم الأكثر أهمية، بينما كان مردوك هو إله البابليين الأكبر. ولم يكن الملوك البابليون قادة متدينين، إذ كان بإمكانهم أن يدخلوا المعبد مرة واحدة في السنة وفي ظل ظروف خاصة. أما الملك الآشوري فكان حاكمًا، وفي الوقت نفسه كان كاهنًا أكبر، إذ كان الشعب الآشوري يعتبره حاكمًا من قبَلِ الإله آشور على الأرض.
عبد الآشوريون آلهة أخرى، منها نبو، إلهاً للعلم وراعيًا للكتاب، ونينورتا، إلهاً للحرب وعشتار، إلاهةً للحب. وقد اشتهرت عشتار في نينوى حتى أن تمثالها أرسل مرة من هناك إلى مصر اعتقاداً أنها ستساعد الملك المصري في شفائه من مرض ألمّ به. كذلك اعتاد الآشوريون تقديم الطعام والأشياء الثمينة إلى آلهتهم. وكان الكهنة يحاولون توقع المستقبل بفحص الأحشاء الداخلية للقرابين وملاحظة ما يحدث في الطبيعة مثل حالات الطقس وتحليق الطيور، وتأويلها.
كان للطبيعة الحربية التي نشأ عليها الآشوريون، قد انعكست في مجال الاعتقاد والعبادات الدينية، حيث يغلب على آلهتهم الصفة الحربية، وهذا ما يتجسد في كبير الآلهة لديهم وهو «آشور» إله الحرب، حيث يجسد في رسم محارب قاسي الملامح يحمل العدّة الحربية الكاملة والجاهزة. وفي المرتبة الثانية تأتي منزلة الآلهة «عشتار» زوجة «آشور»، حيث يتم رسمها وفق السمة الحربية، حيث تحمل السيف والقوس وتضع على كتفها السهام المعدة للقتال. والواقع أن عبادة الآشوريين لم تتوقف على هذين الإلهين، بل إن الاحتكاك مع الأقوام والثقافات المختلفة ومنهم الاراميين، جعلتهم يتوجهون نحو عبادة العديد من الآلهة مثل؛ «شمش، سين، آداد، نابو، بعل، مردوخ، إينورتا».
الفن والعمارة
- طالع أيضاً: الفن الآشوري
لا غنى عن الاحتفاظ بالخلفية التاريخية لآشور ماثلة في الذهن حتى يمكن تفهم الحضارة والفن الأشورين فكلاهما خاضع ومرتبط مباشرة بكل ما كان يدور في ساحة المعارك. ذلك أن الأشوريين كانوا أسبق شعوب المنطقة في الوصول إلى معدن الحديد فعاشوا عصر الحديد بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى، وكان هذا مما قسى قلوبهم وجعلهم جفاة غلاظ الأكباد فاتجهت كل إرادتهم إلى تحقيق الانتصارات بكل وسيلة. وفي الوقت نفسه كان ملوك أشور شديدي الولع بحضارة بابل مستميتين في الاحتفاظ بجنوب العراق مصرين على ربط بابل بعجلة أشور إذ كانوا يؤمنون بأن بابل وأشور بلد واحد يتكلم أغلبهم لغة واحدة، ويدينون بدين واحد مما يحتم خضوعهما لحكومة مركزية واحدة.
وقد فاق أشور بانييال المثقف جميع الملوك في الاهتمام بالحضارة البابلية فأعاد بناء معابد جنوب العراق وأنشا مكتبة في عاصمة ملكه «نينوى» لتجمع فيها نسخ من النصوص الموجودة في معابد الجنوب القديمة.
وساهمت آشور بنصيب وافر في حضارة ما بين النهرين ونشرتها خارج المنطقة بما لها وما عليها، حتى بات من المتعذر التمييز بين التماثيل التي يرجع عهدها إلى سرجون الأكدي وبين مثيلاتها المنحوتة في أشور، فلم يكن ثمة ما يبرر مقاومة سكان الشمال لسحر الحضارة المزدهرة في السهل.
شابه فن الآشوريين الأوائل فنون بابل والحضارات الأخرى المجاورة إلا أن أسلوبًا مغايرًا في الفن الآشوري أخذ في التطور في الفترة ما بين 1400 و1000ق.م. إذ قام الحرفيون الآشوريون بصناعة أجمل أختام أسطوانية أُنتجت في بلاد الرافدين، وكانت هذه الأختام تُدَحرج على الطين الطريّ لتختم بها الوثائق والأشياء الأخرى.
وقد زخرف الآشوريون الأوائل أبنيتهم برسوم جدارية، وبالطين الملوّن الوضّاء. وفي مرحلة لاحقة، بين سنتي 900 و600 ق.م، زخرف الآشوريون جدران القصور بألواح حجرية منحوتة، تُظهِر الاحتفالات الدينية أو الانتصارات العسكرية. وأصبحت هذه المنحوتات الحجرية هي الأكثر شيوعًا بين جميع الأعمال الفنية الآشورية كما كانت هناك بعض المنحوتات الأكثر جمالاً، والتي وُجِدت في قصر أشور بانيبال وهي مناظر من الصَيد. أما الشخوص الإنسانية في الفن الآشوري فلم يكن يظهر عليها أيّ انفعالات، إلا أن المنحوتات في قصر آشور بانيبال أظهرت بشكل حيوي ضراوة الأسود التي اصطيدت ومعاناتها.
صُنِعَتْ المنحوتات الآشورية البارزة بمهارة، إلا أن النحّاتين الآشوريين لم يدركوا كيف يظهرون الأبعاد والأعماق في منحوتاتهم. فباستثناء تماثيل لثيران برؤوس بشرية وأسود، صنعت لحماية القصور، فهم لم يصنعوا إلا القليل من التماثيل الجيدة المجسمة.
شاد الآشوريون أبنيتهم من الطوب الطيني غير المحروق عادة، بينما كانت الأسس والزخارف الجدارية تُصنَع من الحجارة وكانت جميع أبنيتهم ذوات سقوف مسطحة، حتى أن الكبيرة منها كانت مكونة من طابق واحد فقط. إلا أن بعضها كان يضم غرفًا ترتفع سقوفها إلى تسعة أمتار. وكانت القصور الفخمة وقاعات الاجتماعات والأروقة تمتد على مساحة فدادين وهكتارات عديدة، بينما ملأت المعابد العظيمة والقصور، إلى جانب الأبنية الأصغر حجمًا، مدن آشور ونينوى وكالّو.
امتاز الحرفيون الآشوريون بزخرفة الأشياء الصغيرة المشغولة من الحجارة والمعادن والخشب والعاج، كما استوردوا بعض القطع الفنية من فينيقيا ومصر.
الملابس
اختلف نوع الملبس من الملوك والآلهة ورجال الدين والحاشية إلى عامة الناس، فملابس الفئة الأولى عدا الحاشية تتكون من قميص يتراوح بين القصر والطول مزركش ومطرز بتكوينات زخرفية تقليدية، فوقه قباء أو معطف مزركش يطول إلى ما تحت الركبتين، مفتوح من أسفل ومن الأمام أو من الجانبين أو من جانب واحد، وينتهي نسيجه إلى أهداب. وارتبط تصميم لباس الرأس بالإله سن رب القمر إذ كانوا يرون الهلال وكأنه وجه ثور صغير ذي قرنين قويين، ومن هنا عدوا القرون رمزًا للألوهية، هذا إلى ما فيه من بريق، ومن ثم أصبح القرنان والبريق عنصرين أساسيين من عناصر الألوهية والملوكية، فاستعملوا الأحجار الكريمة والبراقة والذهب في تزيين أردية الرأس والثياب. ولقد بدا التاج وهو لباس الملوك، والعمامة وهي لباس الكهنة منخفضين ثم ازدادا ارتفاعًا واتخذا شكلاً مخروطيًا، ثم زينت العمامة بشرائط مدلاة ملونة لها مدلولات دينية. ويقال إن المظلة الملكية كانت استكماال لمظاهر ملبسه، فهي رمز للهيبة الملكية والإلهية ومن يتمتع بظلها إنما يتمتع بالحظوة عنده وبحمايته. وكانت ملابس الحاشية وقادة الجيش تحاكي ملابس ملوكهم غير أنها أقل أبهة. أما عن المرأة فتدل الآثار الباقية على أن المجتمع الأشوري لم يحفل بها كثيرًا لندرة ظهورها، وكان على السيدة المتزوجة والفتاة التي تنتمى إلى أب حر أن تضع عباءة تسفر عن وجهها فقط عند الخروج إلى الطريق، وعلى العاهر والخادم أن تظل سافرة وإلا عوقبت بالجلد وصب القار على رأسها. ولم تزد ثياب المحارب الأشوري على قميص لا يتدلى تحت الركبتين إلا لجنود الحرس ورماة السهام وليس فيه من ضروب الزينة سوى حزام عريض عليه زخارف بسيطة.
الاقتصاد
المرحلة القديمة
كانت العملات المستعملة في اشورهي العملات المصنوعة من الفضة، واما في الاناضول فكانت العملات من القصدير، وكان ممنوعاً بتاتاً تصديرالذهب من آشور، واستورد النحاس والفضة والذهب من الانضول حيث انتشرت شبكة «الكاروم» (المستوطنات التجارية)، والتي عُرف منها «كانيش» («كولتبه» في تركيا حالياً) على الأكثر، والقصديرالذي تم الاتجار به في آشور وصُدر للأنضول، مصدره من الشرق، من المحتمل من أوزبكستان. كنت صناعة النسيج هامة في آشور، إلا انه استوردت بعض المنسوجات مرهفة الصنع من بابل، وبينما كانت مراكز صناعة النسيج الاساسية المتواجدة في أور ولارسا وماري تخضع لرقابة المعبد أوالقصر، لم تخضع صناعة النسيج في آشور لرقابة مركزية، فأحياناً اشتغلت نساء التجار بصنعة الصوف ومشتقاته الخاصة المعدة للتصدير، كما تم استيراد الصوف من الانضول أحياناً عندما كانت ترتفع اسعاره في آشورأوتقل.
المرحلة الوسطى
لم تعد الفضة مادة دفع القيمة كما كان عليه الحال في الدولة القديمة، والسبب لذلك هو قلة الفضة على الأرجح، فقد حل معدن الـ «ان- ان» محل الفضة، وحول ترجمة هذا المصطلح وتحديد نوع هذه المعدن يسود خلاف في الآراء، فإما انه القصدير أو الرصاص أو الذهب على شكل سبائك حلزونية جُلب من بابل وإيمار
صدرت آشورالمنسوجات بشكل أساسي أيضاً في الدولة الوسطى، أما التجارة البعيدة التي يرد عليها شهادات مكتوبة، فقد انحصرت «بالطبقة العلية» واشتغلت بمواد الرفاهية ولم تلعب دوراً هاماً في الأقتصاد حسب «فايزت»، إلا أن تجارالتجارة البعيدة لم ينحصرعملهم بتأمين مواد الرفاه، إنما لعبوا دور الممثلين الدبلوماسيين أيضاً. كانت التجارة في اتجاه الغرب تتم من خلال كركميش وإيمار بشكل أساسي، وأيضاً هنك بعض الدلائل المتفرقة عن تجارة النبيذ مع أوغاريت على ما يبدو، بينما التجارة مع مصر القديمة فلعبت فيها صيدون الدور الهام.
تجارة
صدرت آشورالمنسوجات بشكل أساسي أيضاً في الدولة الوسطى، أما التجارة البعيدة التي يرد عليها شهادات مكتوبة، فقد انحصرت «بالطبقة العلية» واشتغلت بمواد الرفاهية ولم تلعب دوراً هاماً في الأقتصاد حسب «فايزت»، إلا أن تجارالتجارة البعيدة لم ينحصرعملهم بتأمين مواد الرفاه، إنما لعبوا دور الممثلين الدبلوماسيين أيضاً. كانت التجارة في اتجاه الغرب تتم من خلال كركميش وإيمار بشكل أساسي، وأيضاً هنك بعض الدلائل المتفرقة عن تجارة النبيذ مع أوغاريت على ما يبدو، بينما التجارة مع مصر القديمة فلعبت فيها صيدون الدور الهام.
الزراعة وتربية الحيوان
يصف «فايزت» آشورالوسطى بالمجتمع الزراعي، فالزراعة شكلت عامل الاكتفاء الذاتي أساساً، وفائض الإنتاج صب في تمويل المعبد وحاشية الملك والجيش، ويميز «جارِلي» بين ثلاث أنواع من المُلكية
- أراضي يملكها التاج
- أملاك خاصة
- أراضي التاج التي يستثمرها بعض الأشخاص
كان بالإمكان بيع الأرض كما تدلل على ذلك المجموعة الكبيرة من الوثائق القانونية، ولكن من غيرالمؤكد سريان ذلك على كل أنواع الأرض، كما وثق الشراء كتابياً («طوبا داناتا») كانت تربية الحيوانات هامة، وأهمها الضأن، كما ورّدت الماشية من البادية كما كان يفعل الـ«سوتي»، وسيتم استيراد الخيول من المناطق المرتفعة. كنباتات زيتية تمت زراعة السمسم، ويرى «فايزت» انه منذ زمن الدولة الوسطى كان يتم استيراد زيت الزيتون، وكانت البيرة من المشروبات الهامة ويفترض أن النبيذ استورد من سوريا (من كركميش وأوغاريت) وكان حكراً على «عليّة القوم» ومنذ القرن 13 ق.م صنع النبيذ في حوض الخابور أيضاً، والعسل استورد أيضاً، أما في آشور نفسها فقد صُنع نوع من العصير الحلو المكثف (يسمى«لال»).
مواد البناء
شكل الآجرمادة البناء الرئيسية، وجُلب الخشب لاستخدامه في سقوف الابنية الضخمة من قصورومعابد، وهناك ادلة على ذلك منذ زمن «توكولتي- ابيل- إشارا» الأول، حيث جلبت آخشاب الأرز من الأمانوس ولبنان، إما على شكل غنيمة حرب أو نوع من جزية على المناطق الخاضعة، وجلبت أخشاب الـ «جوشورو» من «مخري» وهي موقع يرجح وجوده بين دجلة والزاب الأعلى لاستخدامها في بناء قصر «توكولتي-نينورتا» الأول، أما الجص والأحجار الكلسية فقد وجدت في آشور نفسها، بينما استورد البازلت والألبستر.
حِرف
بقي استعمال الأدوات الصوانية كما كان سابقاً في الاستعمالات المنزلية، وفي صناعة النسيج فكان لاشتغال الصوف الأولوية، ما يشيرله العدد الكبيرمن الكلمات الآشورية (مصطلحات) التي خُصصت لأنواع المنسوجات والملابس، كما استوردت ملابس من الكتان من كركميش. سُبك البرونز في آشورنفسها على شكل سبائك («شابارتو») للتصدير، فالنحاس جُلب من الاناضول أو قبرص، والقصديرربما من شمال سوريا أو حاتي، وقد وجدت بعض السبائك البرونزية الآشورية المعروفة بـ«سبائك جلد الثور» في «دور كوريغالزو» (عقرقوف). كما جُلب خشب الأبنوس من قالب:نص علوي واستخدم في صناعة الصناديق الثمينة، وكذلك العاج المجلوب من سوريا، وجُلب أيضاً الازورد من البابلية التي جلبته بدورها إما من بدخشان في أفغانستان، أو من طاجيكستان، ولقد استخدم أيضاً كهدايا ثمينة بين الملوك، كما في حالة الهدية لملك مصر (الرسالة EA15 من قائمة رسائل تل العمارنة). وعادة ما يُشغّل القصر مجموعة من الحرفين، الذين يتسلمون المواد الأولية من مخازن القصر.
الإمبراطورية الحديثة
قُسم الحرفيين إلى طبقات في الدولة الآشورية الحديثة، وكان معلموا المهن يسمون «ومَنو»، كما أشرف على العاملين في القصرأحد الموظفين الكبار.
نظام الحكم
ورثت أشور حضارة سومر وأكد وارتشف فنها من مناهل الفن البابلي القديم، وسرعان ما نهج فنانو الشمال النهج نفسه الذي انتهجه فنانو الجنوب أو نهجًا قريبًا منه. غير أن الحياتين السياسية والاجتماعية كانتا مختلفتين، فقد انفرد بالسلطان حكام عسكريون ولم يعد للكهنة سلطان؛ فحل محل الكاهن العالم على رأس الدولة قائد عسكري أشورتي استأثر بالحكم لنفسه ولجنسه أطلق عليه «الشار» وكان في الوقت نفسه زعيمًا دينيًا ودنيويًا يدين له الجميع بالطاعة خوفًا من بطشه، وأصبح الكاهن الأشوري منجمًا.
وهكذا جمع الشار كل ما في الحكم المطلق من مساوئ زخرت بها السنون الطويلة التي سبقت ارتقاءه العرش، وعاش هؤلاء الملوك في عزلة عن الشعب بين النساء والخصيان والعبيد وحاشية من الضباط والوزراء غارقين في اللهو والملذات، فإذ هم يزدادون مع الأيام عتوًا وجبروتًا تطرب آذانهم لصرخات المعذبين وتقر عيونهم برؤية الناس يقذف بهم في النار أو في مراجل الماء الحار، وتطيب نفوسهم لمنظر السياط وهي تمزق الأجسام. وكان وراء هذا الإمعان في تعذيب المسالمين إمعان آخر في تعذيب الأعداء. هكذا اعتاد الأشوريون رؤية الدم المراق وعاشوا يترقبون الموت في كل لحظة، فإذا هم يحسون شبح الموت مخيمًا على كل شئونهم. وإذا ما هدأت المذابح قليلاً وجد الشعب نفسه مسخرًا لمهمة واحدة هي بناء القصور الغليظة الجدران ليعيش فيها الشار وزوجاته وحرسه وعبيده في مأمن من حرارة الشمس والعزوات والثورات الداخلية.
عُرف الملك الآشوري بـ ¸الملك العظيم، الملك الشرعي، ملك العالم، ملك آشور، ملك أركان الأرض الأربعة، ملك الملوك، الأمير غير المنافس والذي يمتد حكمه من البحر الأعلى حتى البحر الأدنى·. وكان الملك رئيسًا أعلى للإمبراطورية الآشورية والكاهن الأكبر للإله آشور. وكان يقود الحملات العسكرية بشخصه إلى مختلف أجزاء الإمبراطورية لتعود بالضرائب وبالمدفوعات الأخرى. وكان من العادة أن يقوم الابن الأكبر للملك ووليّ عهده بتصريف الشؤون الإدارية في البلاد متخذًا من قصر الإدارة سكنًا له.
تمتع سكان بعض المدن القديمة، مثل آشور ونينوى، ببعض الامتيازات، بما فيها الضرائب المخفضة والإعفاء من الخدمة العسكرية، بينما كان على الإقطاعيين أن يدفعوا الضرائب وأن يمدوا الجيش بشبان من إقطاعياتهم للخدمة فيه. وكانت الإمبراطورية، خارج آشور نفسها، مقسمة إلى ولايات، يدير شؤون كل ولاية منها حاكم مسؤول عن الحكومة المركزية.
تشير السجلات المكتوبة والمنحوتات إلى أن الآشوريين عاملوا الشعوب المغلوبة بقسوة، إلا أن المؤرخين غيرُ واثقين من أن الآشوريين تصرفوا فعلاً بمثل هذه الوحشية. فربما كانوا يتظاهرون بالوحشية لإرهاب الشعوب الأخرى ولإرغامها على الخضوع. ذلك أنهم سمحوا، في بعض الأوقات، للشعوب المغلوبة بأن تُبْقِي على حكامها، إلا أنه في حالة قيام أيّ من هذه الشعوب بالتمرد أو بالامتناع عن دفع الضرائب، فكثيرًا ما كان الآشوريون يدمرون مدنهم ويُرحِّلون الناس إلى مناطق نائية من الإمبراطورية.
هيكلية الدولة
هيكلية الدولة القديمة
كان «بيت إليم / بيت ليمين» (bīt ālim/bīt līmin) المركز الإداري الأعلى مرتبة في مدينة آشور بعد الملك وحاشيته، والذي يشبه مجلس المدينة، كما كان«بيت إليم» مسؤولاً عن التجارة وترأسه «الليمو» (الموظف الكبير)، وأقر قوانين تجارية وقوانين ناظمة للعلاقة مع «الكاروم» (المستوطنة التجارية)، ويبدو أن كان له الحق في التدخل فيما يخص العلاقات مع الدول الأخرى، وجبا ضريبة على البضائع المصدرة من آشور والتي توجب ختمها بـ «خاتم المدينة»، كما حاز «الليمو» على منصب هام في القضاء، وكان أميناً على اقرارالضريبة، فـ«مبعوث المدينة» مسؤول على مراقبة تجارة «الكاروم» (المستوطنة التجارية).
المرحلة الوسطى
يعتبر بعض المؤرخين أن نظام الدولة الآشورية الوسطى كان نظاماً اقطاعياً، بينما يعتبره أخرون نظام استبدادي يسيطر فيه الملك على الفلاحين من خلال جهاز بيروقراطي قوي، ويستولي على إنتاجهم الزائد. وتتشكل «عليّة القوم» من أفراد الاسرة الحاكمة، وكبار الموظفين والمُلّاك من آشور، بينما لم يعتبر التجار (على عكس الدولة القديمة) من «عليّة القوم». من المرجح أن غالبية سكان الدولة عاشوا في قرى مكتفية بذاتها (إلو/ ālu على سبيل المثال)، وكانوا على الأقل جزئياَ ملزمين بدفع ضرائب لأحد كبار المُلّاك، ويرى «بوستجات» (Postgate) أن الكلمة الآشورية «إليو» (ālāiu) تنسحب على هؤلاء الفلاحين غير الأحرار، وحسب «بوستجات» فإن كل الأرض مُلك للتاج، وعلى الفلاحين مقابل استثمارها تنفذ أعمال خدمة (سخرة/ «يلكو» ilku)، وكبار المُلاك كان بإمكانهم اختيارمن يقوم بأعمال السخرة (يلكو) عنهم، وممكن أن تكون الـ «يلكو» مواد عينية تقدم للجيش (خورِدو)، فاللوح المسماري (TR 3005) يبيّن تقديم حبوب وصوف ودهن الخنزير، ويبين اللوح (KAJ 253) تقديم خدمة العناية بخيول العربات الحربية كـ «يلكو»، أما الشكل الأعم للـ «يلكو» فكان الخدمة في الجيش. لقد كان الرق موجوداً، ونادراً ما ذُكرت أصول الرقيق فقد ذكر البعض منها «اللولوبي» (Lulubi)، وبتكليف من الملك كانت تشترى حرية الآشوريين المسترزقين نتيجة أسرهم في الحروب، وإن وجد أحد الآشوريين في أسرالعدو لأكثر من سنتين، تعتبر زوجته أرملة ويحق لها الزواج مجدداً، وقبل أنتهاء فترة السنتين كان بالإمكان بيع بيته وأرضه للإنفاق على حياة زوجته في حال لم يكن لها اقارب يعيلوها، وإن عاد الأسير بعد هذه المدة كان له الحق باسترداد زوجته، لكن لا حق له بالأولاد من الزوج الآخر، كما له حق بشراء بيته مجدداً.
اللغة
تكلم وكتب الآشوريون كما البابليون باللغة الأكدية، وبدء من عهد "شارّوم- كين" الثاني ولاحقاً الدولة البابلية الحديثة أصبحت الآرامية تنافس الأكدية، لكن مع ذلك بقيت اللغة الأكدية في الدولة الآشورية الحديثة هي لغة توثيق الكتابات الرسمية وذلك بكتابتها على الرُقم الطينية بالخط المسماري.