نيقولا أبانيانو
نيقولا أبانيانو (بالإنجليزية: Nicola Abbagnano) فیلسوف وجودي إيطالي (1901۔ 1990). درس تاریخ الفلسفة في جامعة تورينو وأدخل الوجودية إلى الثقافة الإيطالية بعد أن أعطاها تأويلا خاصاً أسماه «الوجودية الإيجابية». وصاحب «معجم في الفلسفة» جيد.
حياته
ولد في ١٥ يوليو سنة ١٩٠١ في سلرنو Salerno. وتلقى العلم في نابلي وصار أستاذاً لتاريخ الفلسفة في جامعة تورينو منذ سنة ١٩٣٩، وتبدو بواكير نزعته الوجودية في أول انتاجه، وهو كتاب «الينابيع اللاعقلية للتفكير» (نابلي سنة ١٩٢٣) وفيه يؤكد، ضد المثالية ، «إن الفكر ليس كل شيء، بل يوجد خارجه ما يكون جوهره الحقيقي وهو النشاط الحر الخلاق، الذي هو عماد الفكر وواقعه الحقيقي» (الكتاب نفسه، ص ٠ ٩).
وتأكدت هذه النزعة فيما بعد، باطلاعم على مؤلفات هسرل وكيركجور ويسيرز، وخصوصاً هيدجر. وكانت ثمرة هذا الاطلاع كتابه بعنوان «تركيب الوجود» (تورينو سنة ١٩٣٩) وهو يقول عن نفسه في مقال يترجم فيه حياته أنه بعد أن أصدر كتابه بعنوان «مبدأ الميتافيزيقا» (سنة ١٩٣٥) قدمت له فلسفة الوجود عند كيركجور وهيدجر العناصر الكفيلة بتحقيق المطلب الذي راوده «بأن عدم اخضاع مبدأ الميتافيزيقا لأي تفسير ذي نزعة موضوعية وذاتية وأي تفسير راسخ ثابت يربطه بتركيب الانسان بما هو كذلك» («الميتافيزيقيا والتجربة» مقال في كتاب «الفلاسفة الايطاليون المعاصرون»، ص ١٤ كومر سنة ١٩٤٠ ).
مؤلفاته
وكانت مؤلفاته قد توالت منذ كتابه الأول، هكذا:
- «مشكلة الفن»، سنة 1925.
- «المثالية الجديدة: الانكليزية والاميركية» سنة 1927.
- «فلسفة اميل مايرسون»، سنة 1927.
- ٤ وليم الأوكامي، سنة 1931.
- «فكرة الزمان عند أرسطو» سنة 1933.
- «الفيزياء الجديدة: أسس نظرية في العلم»، سنة 1934.
- «مبدأ الميتافيزيقا» سنة 1935.
- بنية الوجود (1939).
- الفلسفة، الدين، العلم (1947).
أما كتبه في الوجودية فهي:
- «المدخل الى الوجودية» ط ١ في ٢١٦ ص، ميلانو سنة 1942.
- ٢- «الوجودية الايجابية» في ٤٨ ص، تورينو سنة 1948.
- ٣- «الامكان والحرية» في ٢٥٠ ص، تورينو سنة 1956.
والى جانب ذلك ينبغي أن نذكر له عملين كبيرين:
الاول هو: «تاريخ الفلسفة» في ثلاثة أجزاء:
ج١: «الفلسفة القديمة والوسطى» في ٥٧٢ ص، تورينو سنة ١٩٤١.
ج٢ : «الفلسفة الحديثة حتى كنت، في ٤٨٨ ص، تورينو، سنة ١٩٤٨.
ج٣ : فلسفة القرنين التاسع عشر والعشرين، في ٧٤٠ص، تورينو، سنة ١٩٥٠.
والثاني : هو: «معجم الفلسفة» في ٩٠٦ ص، تورينو سنة ١٩٦١.
آرائه
ومن هذا الانتاج الضخم الشامل لكل ميادين الفلسفة تاريخاً ومذاهب، نجتزى ها هنا بعض آرائه في الوجودية، وخاصة ما دعاه هو بوجوديته اايجابية في مقابل الوجوديات الاخرى التي يراها سلبية.
يبدا أبنيانو بنقد ما يصفه بالوجودية السلبية فيقول:
«من أجل تحديد خصائص فلسفة ما، لا يكفي عرض معانيها الأثيرة لديها فلا يكفي مثلاً ان يقال ان الوجودية هي فلسفة القلق، أو الاخفاق أو الغثيان. ذلك ن هناك وجوديات أخرى موضوعها المفضل هو «الوجود» أو «القيمة» أو «السر» misterio (بالمعنى اللاهوتي) دون أن يكون أي من هذه الموضوعات كافياً لتحديد الحركة كلها . ن الحكم على أية فلسفة ينبغي أن ينحي جانبا، بقدر معتدل، الموضوعات التى جعلتها شعبية شائعة أو التى جعلت منها بدعاً (موضة) ، وهي موضوعات وان كانت قد أثارت الخيال أوأصطدمت بمعتقدات عميقة الجذور، فإنها لا يمكن أن تعد دائما الأساس لحكم متزن عليها والطريقة الاكثر مباشرة والأقل تحكما من اجل تحديد طابع فلسفة ما وخصائصها - هي أن نضع نصب أعيننا البحث في الكيفية التي بها قصدت ومارست بالفعل : التفلسف. وعلى سبيل المثال يمكن أن نقول ان «الروحية» تقصد وتمارس الفلسفة بوصفها ستبطانا اي بوصفها بحثاً وتحليلاً ال لمعطبات الشعورى- ، وان الوضعية المنطقية تقصد وتمارس الفلسفة بوصفها «تحليلاً للغة» (المشتركة أوالعلمية) ، الخ. وبالمثل يمكن ن نقول ان الوجودية تقصد وتمارس التفلسف بوصفه تحليلا«للوجود». ولتحديدمعنى «الوجود» يكفي في البداية أن نقول انه مجموع المواقف التي يوجد فيها الانسان، أو تلك التي يوجد فيها عادة أو في غالب الأحوال، ومثل هذا التحليل يجري كما يجري في أي مجال آخر يجري فيه التحليل: أي باستخدام اللغة العادية أو العلمية - بقدر واسع مع تصحيحها أو إكمالها، عند الاقتضاء، بعناصر لغوية متمدة من التقاليد الفلفية أو عناصر جديدة ثمرة التفكير تبتدع لهذا الغرض. لكن تحليل اي موقف وجودي يقتضي أن يؤخذ في الاعتبار كل العناصر التي تدخل في تركيبه، اعفي: ليس فقط الانسان المفرد في احوالم المميزة لوجوده وفعله، بل وأيضاً سانر الناس والاشياء، وبالجملة: «العالم» بوجه عام، لأنه فقط فيما يتعلق بهذا المجموع من العوامل يمكن فهم أحوال اوجود الخاصة بالانسان المفرد. وبعبارة أخرى : ان الموقف يمثل الانسان دائما في علاقة مع الأناس الآخرين ومع لأشياء ومع (بالقدر الذي به هذا التعبير صحيح) نفسه، ولهذا فإن التحليل الوجودي هو تحليل للعلاقات التي تتركز حول الانسان، ولكنها مع ذلك تذهب الى مابعد لأنها تربطه (على انحاء ينبغي تحديدها) بموجودات اخرى وأشياء اخرى. لكن الكلام عن العلاقات يعني الكلام عن أحوال Condizioni أي أن موضوع علاقات إنما يملك خصائص أو صفات في نطاق هذه العلاقات التي تحدد أحواله بمعنى أنها تجعل من الممكن وجوده بما هو وفي هذه النقطة بالذات تبدو الأداة الرئيسية للتحليل الوجودي: وأعني بها: فكرة الممكن Possible. انمن يدخل في علاقة وجودية، من حيث انه مثروط بهذه العلاقة، هو ممكن، ومكن فقط ٠ وبعبارة أخرى : الوجود، من حيث عو حال كينونته في موقف، هو وجود ممكن. والخاصية المميزة له هي أنه امكان وجود، أو ، بهذه المثابة، هوتوقع anticipzione ومشروع progettezione. وبعده الزماني الاساسي هو اذن (الزمان) المستقبل، ولا يقصد بذلك المستقبل غير المعين، إلذي فيه أو به كل شيء ممكن، بل المستقبل المحدد بواسطة الماضي الذي يسمح وحده بتعيين الامكانيات التي تقترح مشروعات . ان الماضي يحبد المستقبل، أي يحدد الامكانيات التي تقترح للانسان، في المواقف الخاصة، على شكل سابق التوقع لتنبؤات أو مشروعات».
وعلى أساس فكرة «الممكن» هذه تصور أبنيانو كل المذاهب الوجودية . فقال ان تيارات الوجودية يمكن ان تفسر على ا-اس فكرة الممكن. والممكن عنده يفسر بمعنيين: الأول هو أن الممكن هو «المنظور لسلبي الذي يصحب كل ما يمكن أن يكونه أو يقترحه الانسان والذي يعل وهماً خطراً ، وفي النهاية عدماً : كل مبادرة في العالم. وكيركجور، والذي كان أول فيلسوف في العصر الحديث
اكد فكرة الممكن، هو ايضاً اشد من الح في تركيب الجانب الاعدامي للممكن ، مبيناًكيف انه يقرض ويدمر كل منظور أو قدرة انسانية وكيف يفسر كل تقدير ومهارة بواسطة لعبة الحظ والصدفة والامكانيات غيرالمتوقعة. ولهذا يرى كيركجورد انكل من يركبه القلق (وهو الشعور بالممكن) يميل الى اعتقاد أن كل امكانية في العالم عدم ويريغ الى التوجه الى الله اوهو الذي كل شيء يالبة اليم ممكن». وباستثناء الاختيار الديني الذي اقترحم كيركجور ، قإن نفس التفسير للممكن نجده عند هيدجر ويسبرن وسارتر، فإنم يرون ان كل ما يقترح للانسان كإمكان، فإنه ما دام محددا بالموقف الذي فيه يقترح، نقول ان هذا المقترح للانسان ابا يسفط في هذا الموقف ويرتد فيه وفي النهاية يبدو مستحيلا حقا.
«أما التفسير الثافي فهو الذي يفضي بفكرة الممكن الى معنى «ما هو بالقوة» بالمعى الارمطرطالي لهذا التعبير. وبهذا المعى يفقد الممكن جانبه السلبي الباعث على الهم، لأن كل ما هو بالقوة يقدر له أن يكون بالفعل. وهذا التحويل للممكن من مقولة لعدم الثبات وعدم اليقين، الى مقولة للثبات واليقين يتم بتعليق الامكانيات الوجودية على حقيقة واقعية مطلقة (الوجود «القيمة» الخ) منها تستمد ثباتها ويقينها وضمان تحقيقها الذي لن يتخلف. وعن هذا الطريق تتحول الامكانيات الوجودية الى منظورات وردية للنجاح فيها لا يضيع سدى أي شيء مما يجعل الانسان هو هو، أو تضيع أية قيمة من قيمه الاساسية، ما دام قد رتبط بها ضمان مطلق وعال» .
ولا يأخذ ابنيانو بأي واحد من هذين التفسيرين، لأن الأول يؤدي الى العدم والضياع، بينما الثافي يؤدي الى تبرير متأخر للتجربة الانسانية وهو اشادة بالآنية (الوجود الانساني) أكث منهم فهماً لها لأن القول بان كل الامكانيات الانسانية مقدر لها أن تتحقق - هذا القول ما هو إلا نغطية لشقاء الانسان واخفاقه بثعار لفظي مثل «الوجود» أو القيمة» . إن كلا الموقفين : موقف من يقول ان الامكانيات الانسانية مصيرها الاخفاق، وموقف أولئك الذين يقولون ان مصيرها النجاح - يترك الانسان بدون دفاع وبدون وسائل لمواجهة المواقف: فالأول يتركه للقلق، واليأس، والغثيان، والثاني يتركه للمعرفة الوهمية والخرافات والأساطير.
لكن لو لم يكن إلا هذان التفسيران للممكن، لصح الحكم على الوجودية حكما سلبياً. لكن ابنيانو يؤمن بأن للوجودية تأثيراً عظيما في تحرير الانسان . لهذا يقول «إني آمنت دائماً وأؤمن باستمرار بانه يوجد اختيار ثالث في تفسير مقولة الممكن التي تقوم عليها الوجودية. وهذا التفسير (الثالث) يقوم في اتخاذ مقولة الممكن نفسها بكل معناها واستخدامها استخداماً محكا متماسكاً وبالاستخدام المحكم المتماسك، أقصد الاستخدام الذي لا يحول - سرياً - هذه المقولة إلى عكها، أي الذي لا يحول الممكن الى ضروري أو الى محال (الذي هو الضروري السلبي). وأقصد «بكل معناها» ذلك لمعنى الذي يشكل كلا وجهي الممكن ويتجنب تضحية الواحد لحساب الآخر. والحق أن المنظور المقترح للامكانية ليس تحقيقاً حتميا ولا استحالة جذرية، بل هو بالأحرى بحث يتوجه نحو تقرير حدود الامكان وشروطه ودرجة الضمان النسبي أو الجزئي الذي يمكن أن يقدمه. وأصرح الآن بأنه على هذا الأساس يمكن إثارة السؤال حول قيمة (الفلسفة) الوجودية أو وظيفتها في الفلسفة المناضلة. وهذا السؤال لن يكون له معنى بازاء الموضوعات التي جعلت الوجودية شعبية شائعة والتي عدت في كثير من الاحيان هي حقيقة الوجودية. اذ لا يمكن ان نسأل أي موقف ايجابي يمكن أن يتخذه الانسان تجاه القلق، والاخفاق، والغثيان، الخ. أو تجاه التمجيد الأخلاقي أو النازع منزع التصوف مما هو من خصائص النوع الثاني من الوجودية. ذلك أن كل هذه المواقف هي مواقف نهائية تؤدي اليها تفسيرات معينة للوجود. لكن يمكن، بل يجب أن نسأل ما هي لطرق التي بقيت مفتوحة أمام الانسان اذا فهم وجوده، بأنه وجود عمكن، أي ذا استخدمت بطريقة محكمة الاداة التصورية concetturale التي وضعتها الوجودية تحت تصرف البحث الفلسفي» .
ماذا يحدث لوفهمنا الممكن بهذا المعنى الثالث؟.
يحدث اولاً أن تكون الوجودية دافعاً الى البحث في كل ميدان ووسيلة للتحقيق والضبط، فتتطور الوجودية الى وضعية جذرية، تتجنب رد معطيات التجربة الى معطيات حمية.
ويحدث ثانياً ن يتناول البحث الوجودي الامكانيات الوجودية في طابعها الفردي، العيني من حيث هي مفروضة في مواقف معينة محددة ، والاحوال الطبيعية والتاريخية والاجتماعية التي يمكن فيها تعرف هذه الامكانيات.
وثالثاً؛ ينبغي على الوجودية أن تقطع الجسور القائمة بينها وبين المذهب الروحى ، والمثالية وكل شكل من وهي مذاهب أو نزعات وقفت منها intimismo اشكال ال وعليها أن , compromesso الوجودية موقف المصالحة والتوفيق تلح في توكيد الطابع الدنيوي للبحث الفلسفي، أي في توكيد البحث في الأحوال الاجتماعية والتاريخية للانسان. لكن السؤال الذي ينبغي أن يوجه إلى أبنيانوهو: واذا يبقى إذن من الوجودية بالمعنى المفهوم حتى الآن؟