نظرية النوافذ المحطمة

نظرية النوافذ المحطمة (بالإنجليزية: Broken Windows Thesis) هي نظرية في علم الجريمة لإرساء القواعد والإشارة إلى تأثير الفوضى و التخريب على المناطق الحضرية المتمثلة بالجرائم والسلوكيات المعادية للمجتمع. وهي تربط بين السلوك غير المنظم أو الفوضوى وبين الخوف من الجريمة، واحتمالات وقوع جرائم خطيرة، وحالات التدهور الحضرى فى المدن الأمريكية. وهى غالبًا ما يرد ذكرها كمثال على أفكار النزعة الجماعية الاشتراكية التى توجه السياسة العامة. نظرية النوافذ المحطمة هي نتاج فكر المُنظرين (واضعي النظريات) في علم الجريمة: جيمس ويلسون و جورج كيلنج. يرى المنظّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية.

لمحة عامة

النظرية بسيطة للغاية، ويمكن تعريبها إلى أن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار من مستصغَر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها. ففى العدد الذى صدر فى مارس 1982 من دورية "الأطلنطي الشهرية" نشر كل من عالم السياسية جيمس ويلسون والمتخصص فى علم الإجرام جورج كيلنج، مقالة تحت عنوان" النوافذ المحطمة" ذهبا فيها إلى أن الضبط الأمنى فى الأحياء يجب أن يعتمد على الفهم الواضح للارتباط بين تحقيق النظام العام من ناحية ومنع الجريمة من ناحية أخرى. وحسب وجهة نظرهما فإن أفضل طريقة لمحاربة الجريمة هى محاربة الفوضى التى تسبقها. وقد استخدما صورة النوافذ المحطمة كمثال يوضحان من خلاله كيف أن الأحياء قد تدخل إلى مرحلة من التدهور والفوضى ثم الجريمة - بعد ذلك - إذا لم يلتفت أحد إلى ضبطها والمحافظة عليها. وضربا مثالاً بان إحدى النوافذ المحطمة فى مبنى مصنع معين، قد توحى للمارة بأنه لا يوجد بهذا المكان ثمة مسئول أو أحد يهتم بما يحدث فيه. وبمرور الوقت يتم تحطيم عدد قليل آخر من هذه النوافذ بسبب ما قد يلقيه الشباب من أحجار عليها، ثم يبداً المارة بالتفكير فى أنه لا يوجد من يهتم بالشارع بأكمله. وسرعان ما يندفع الصغار والمنحرفون وحدهم إلى استخدام الشارع أولاً. عندها يجذب ذلك فئات البغايا ومتعاطى المخدرات ومن على شاكلتهم إلى أن تقع - فى وقت ما - جريمة قتل. وبهذه الطريقة تكون صور الفوضى البسيطة قد أدت إلى صور فوضى أكبر، و إلى أن تؤدى فى نهاية المطاف إلى جرائم خطيرة.

لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من شئ بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فيجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها وأخذها منحنيات أخرى.

"مبدأ النظرية بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله أُنموذجاً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع، فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها، أو إتلافها، كذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات البسيطة يشجّع على رمي المزيد من المخلفات والزبائل حتى ينعدم الذوق العام ولايصبح للنظافة معنى !!..

جوهر النظرية مبني على علم النفس البشري الذي يقول بان الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك، وسرعان ماينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات من حوله !!..

ويعنى هذا التحليل أنه إذا ما تمت السيطرة على السلوكيات الفوضوية أو المخالفات للنظام العام فى الأماكن العامة (بما فيها كل أشكال تخريب الممتلكات العامة والخاصة، والتسول، والتشرد وغيرها) فإنه سيترتب على ذلك انخفاض ملحوظ فى الجرائم الخطيرة. ولهذا يدعو ويلسون وكيلنج إلى سياسة أمنية محلية على مستوى الأحياء والجيران. وهذا يعنى زيادة أعداد دوريات الشرطة المترجلة (أو تطبيق ما يعرف فى بريطانيا بفلسفة عساكر الدورية Bobbies on the beat) علاوة على عدد أقل من رجال الشرطة الذين يقومون بالدورية فى سيارات الشرطة، ويتحركون حسب المكالمات التى تطلبهم فقط على تليفون شرطة النجدة رقم 911 (999 فى بريطانيا ورقم 122 في مصر).( وبهذه الطريقة يمكن النظر إلى تطبيق القانون باعتباره إجراء لمنع الجريمة، وليس مجرد سيارة تتحرك مسرعة إلى مكان وقوع الجريمة.

تطبيق النظرية

قلبت هذه النظرية الموازين في العقد الماضي، وغيرت في قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً، فعلى مستوى المدن الأمريكية مثلا فُرضت الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها، ونُظفت الجدران يوميا من كل مايكتب عليها، وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري، وعلى مستوى المرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث،

وقد حققت هذه الأفكار بعض النجاح فى التصدى لمشكلة الجريمة فى مدن أمريكا، وخاصة فى نيويورك (حيث كان كيلنج يعمل لدى سلطة الأمن فى الولاية كمستشار) وحيث تم تبنى سياسة عدم التسامح أو التهاون مع حالات ابتزاز المال فى القطارات، أوالتبول فى الطريق العام، أوترويع وتهديد المسافرين وغيرها من الجرائم. وقد أحدث ذلك انخغاضاً مذهلاًفى حوادث الجرائم الخطيرة داخل شبكات قطلرات الأنغاق فى مدينة نيويورك.

فتحوّلت نيويورك تلك المدينة المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى في حقبة الثمانينيات - بعد تطبيق هذه النظرية - إلى مدينة أكثر أمناً ونظافة وترتيباً .. ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج".

كما حققت إجراءات ومبادرات مشابهة أخرى نجاحات ملحوظة فى تخفيض معدلات الجريمة والتدهور الحضري فى العديد من المدن الأمريكية الأخرى. ومن هذه الإجراءات والمبادرات كان هناك تشكيلة من برامج الرقابة المحلية، سياسة عدم التهاون أو التسامح مع المخالفات البسيطة للنظام العام، وتطبيق سياسة أمنية ذات توجه نحو وقاية المجتمع من وقوع الجريمة، بدلاً من سياسة التوجه نحو التصرف كاستجابة لأحداث الجريمة، وكذلك اندماج رجال الشرطة فى المشروعات الشبابية المحلية، وزيادة السلطة اللامركزية المسموح بها لأفراد الأمن، ومشاركة المجتمع المحلى فى وضع أولويات عمل وفى التعاون مع المدعى العام، و الشرطة، وضباط مراقبة المذنبين الذين أطلق سراحهم، وغيرهم من المسئولين عن تطبيق العدالة المجنائية (انظر كتاب جورج كيلنج وكاثرين كولز المعنون: إصلاح النوافذ المحطمة: استعادة النظام العام وتقليص الجريمة فى مجتمعاتنا المحلية، الصادر عام 1996).

ويرى أنصار هذه الاستراتجيات أنها تقدم حلاً ابتكارياً للتوفيق بين المطالب المتناقضة ما بين حرية الأفراد، ومصلحة المجتمع المحلى فى المجتمعات المتقدمة، وهو يعد تصحيحا ضروريا للانزلاق الذى وقعت فيه السياسة العامة، حيث عظمت من حقوق الأفراد على حساب الالتزام بالواجبات والالتزامات العامة، وأنها بذلك تقدم وسيلة فعالة لإصلاح المجال العام دون تضحية بالحريات الأساسية. ولكن نقاد نظرية النوافذ المحطمة يؤرقهم التهديد المحتمل والذى تفرضه هذه الإجراءات ضد سماحة الثقافة المتعددية، كما يخشون من الشرعية التى تضفيها هذه الإجراءات على جماعات الرقابة الأهلية المحلية التى يعتبرها المواطنون وسيلة لاستعادة النظام العام فى مجتمعاتهم المحلية.

انظر أيضاً

علم الإجرام