نظرية الصراع

نظرية الصراع (بالإنجليزية: conflict theory) في علم الاجتماع هو مصطلح يشير إلى أطروحات مفادها أن معظم الكيانات المجتمعية تشهد حالة من الصراع الدائم من قبل المنضوين فيها بهدف تعظيم منافعهم، هذه الحالة الصراعية تسهم بشكل أساسي في إحداث حالة حراك وتطور اجتماعي تصل إلى أقصى درجاتها مع قيام الثورات وما يصاحبها من تطورات سياسية.

أما نظرية الصراع في إطار العلاقات الدولية، فهي تشير إلى مجموعة من الأطروحات الفكرية التي قد تسهم في تفسير السلوك الخارجي للدول. ويعد الصراع العربي الإسرائيلي من أبرز أنواع الصراعات الدولية.

وفي حقيقة الأمر فإن المصطلح الأدق هو نظريات الصراع وليس نظرية الصراع، حيث تتسم كل منها بتفسير الصراع من أحد الأبعاد، بمعنى أن كل منها يعمد إلى تغليب بُعد أو محدد ما على الأبعاد الأخرى لظاهرة الصراع. وفضلاً عن التفسير يتضمن مصطلح نظرية أو نظريات الصراع أطروحات معينة (وسائل واستراتيجيات) للتعامل أو إدارة الصراع الدولي.

ويُعد مفهوم الصراع، هو أحد أبرز المفاهيم المتداولة التي طفت على سطح النقاش المحتدم بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك مفاصل الخصم التاريخي لليبرالية الديمقراطية، ومنذ تمادي حمى التبشير بنهاية،التاريخ وفقاً لأطروحة فرانسيس فوكوياما، إثر «استبعاث» أطروحة الصدام الاستراتيجي بين الحضارات، وحروب المستقبل على يد صمويل هنتنجتون. الذي يرى أن الصدام بين «الحضارات» نتيجة حتمية. وهناك مقولة مفادها أنه: (عندما يوجد فرد يسود السلام وعند وجود اثنين ينشأ الصراع وعند وجود أكثر تبدأ التحالفات). هذه الحكمة تشير إلى القانون التاريخي الذي يحكم حياتنا بشكل عام، وسواء تعلق الأمر بالمجتمعات الوطنية أو على المستوى الدولي فقانون الصراع هو الذي يحكم الكون. ومهما كان شكل الوحدة الإنسانية، أسرة، قبيلة، أمة فإنها محكومة بقانون الصراع تلك قاعدة تاريخية... لا تحتاج إلي إثباتات مجهدة.

يرى الكثير من مفكري الغرب أن الصراع ظاهرة طبيعية في حياة الإنسان وفي حياة المؤسسات جميعاً فبدءاً من الأسرة وإلى مستوى الإنسانية مروراً بالقبيلة والدولة والأمة فإن قانون الصراع هو ما يحكم المؤسسات جميعاً. غير أن أشكال الصراع ليست واحدة في هذه المؤسسات كما أن نتائجه مختلفة فهو يتدرج في شدته فيبدأ صراعاً ناعماً في مستوى الأسرة ويصل ذروته على مستوى الإنسانية فقد يصل إلى حد الحروب والصدام.

نظرية الصراع والبنائية الوظيفية

على الرغم من أن الصراع يمثل على الدوام موضوعا محوريا من موضوعات النظرية والتحليل فى علم الاجتماع، إلا أن نظرية الصراع كانت تطلق عموما على تلك الكتابات فى علم الاجتماع التى تناوئ سيطرة النظرية البنائية الوظيفية على امتداد عقدين من الزمان فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد اعتمد أصحابها على كتابات ماكس فيبر أساسا، وعلى كتابات كارل ماركس (بدرجة أقل) فى صياغة وجهة تظرهم، حيث أكدوا بشكل مختلف على الصراع الاقتصادى (عند ماركس)، وعلى الصراع حول القوة (عند فيبر). ويؤكد علماء نظرية الصراع على أهمية المصالح بالقياس إلى أهمية المعايير والقيم، وكيف يؤدى السعى نحو تحقيق المصالح إلى ظهور أنماط مختلفة من الصراع، التى تشكل جوانب سوية من ملامح الحياة الاجتماعية وليست حوادث شاذة أو مسببة للاختلال الوظيفى. فعلى سبيل المثال يذهب رالف دارندورف في كتابه: الطبقة والصراع الطبقى فى المجتمع الصناع؛ (لصادر عام 1959) - والذى يعد نمونجيا من أعمال نظرية الصراع — أنه على الرغم من تبنيه موقفا نقديا من الأفكارالماركسية عن المطبقة، فإن الطبقات فى "مجتمعات ما بعد الرأسمالية" المتقدمة فى بريطانيا والمانيا والولايات المتحدة قد انبثقت من الأوضاع الاجتماعية فى إطار تجمعات تحكمها السلطة، ولهذا اتسمت تلك المجتمعات بالخلافات المتعلقة بالمشاركة فى ممارسة السلطة أو الاستبعاد منها.

ويلاحظ أن الانتقادات التى وجهتها نظرية الصراع للنظرية الوظيفية كانت متواضعة بالمقارنة بالانتقادات التى وجهت إليها فيما بعد. فعلى سبيل المثال يذهب دارندورف إلى أن البنائية الوظيفية لم تكن مخطئة إلى حد اعتبارها متحيزة، وأن القوة أو السلطة داخل النسق الاجتماعى لم تكن مجرد أداة لتحقيق التكامل، وأى شئ ينبثق من داخل النسق ويعمل على تماسكه، يمكن أن يؤدى أيضا إلى الشقاق والخلاف، عندما يكون شيئا مفروضا على المصالح الممتصارعة. وفى معارضة أخرى لآراء ماركس، يذهب دارندورف الى أن الصراع الاجتماعى ظاهرة متعددة الأوجه، ولا يقتصر على قضية محورية واحدة.

ولا يدعى أصحاب نظرية الصراع أنهم يطرحون نظرية عامة عن المجتمع، ولكنهم يؤكدون أن القهر هو مصدر النظام الاجتماعى وليس الإجماع. ويقدم جون ركس فى كتابه المعنه ن: مشكلات أساسية فى النظرية الاجتماعية(الصادر عام 1961) عرضا لنظرية فى الصراع يدين فيها بالكثير لماركس. أما الإسهام الأساسى فى نظرية الصراع الذى كان أكثرها تأثيرا فى تلك الفترة فتمثله دراسة دافيد لوكوود عن : "التكامل الاجتماعى وتكامل النسق" (المنشورة فى الكتاب الذىحررهزولشان وهيرش بعنوان: دراسات فى المتغير الاجتماعى، .المنشور عام 1964). وفيه دهب لوكوود إلى أننا نستطيع أن نميز بين تكامل النسق، المذى يشير إلى العلاقات بين مختلف أجزاء النسق الاجتماعى، والاقتصادى، والنسق المسياسى من ناحية، وبين التكامل الاجتماعى، الذى يشير إلى المعايير والقيم من ناحية أخرى. وعلى الرغم من أن المنظرية البنائية الوظيفية تميل إلى الجمع بين تكامل المنسق والتكامل الاجتماعى، إلا أنها تعطى الأولوية للتكامل الاجتماعى، فإذا استمرت حالة التكامل الاجتماعى، فإن ذلك يقودنا إلى افتراض وجود تكامل النسق أيضا فى مثل هذه الحالة. وأشار لوكوود إلى إمكانية وجود التكامل الاجتماعى دون أن يصاحبه تكامل المنسق. فالأزمة الاقتصادية - على سبيل المثال -يمكن أن تشير إلى وجود صراع النسق، و لكنها لا تؤدى بصورة آلية إلى انهيار التكامل الاجتماعى. ثم حاول لويس كوزر (قى كتابه: وظائف الصراع الاجتماعي؛ الصادر عام ١٩٥٦)٠٤»ببماجتليل لصراع الاجتماعى فى النظرية البنائية الوظيفية، حيث نظر إلى الصراع الاجتماعى بوصفه عملية لإدارة التوتر، أو أنه يمثل جزءا من عملية إعادة المتكامل استجابة للتغير الاجتماعى. وطرح راندال كولينز نظرية عن الصراع تتميز بالقول بتجذر الصراع فى الاهتمامات المحدودة للفاعلين الأفراد. وذهب كولينز إلى أن جذور نظريته مستمدة من الفينومينولموجيا. ثم تحول بقوة خلال الثمانينيات نحو نظرية اجتماعية محدودة المنطاق تلقى الضوء على دور طقوس التفاعل بوصفه الوحدة الأساسية فى تتظيم المجتمعات (راجع كتابى كولينز بعنوان: علم اجتماع الصراع الصادر عام 1975)، وعلم الاجتماع النظرى، المصادر عام 1988).

ثم توارى هذا الجدل مع ظهور الماركسية كقوة أساسية فى النظرية الاجتماعية خلال الستينيات، و اندمجت تظرية الصراع مع الاتجاهات العامة للماركسية والفيبرية فى النظرية الاجتماعية. وتطالعنا الآراء المختلفة فى دراسة الصراع فى إطار علم الاجتماع المعاصر (بطرق مختلفة أشد الاختلاف) فى صورة صياغات جديدة، مثل نظرية أنتونى جيدنز عن الصياغة البنائية ونظرية الاختيار الرشيد. ا

في علم الاجتماع الكلاسيكي

من بين المؤسسين الكلاسيكيين للعلوم الاجتماعية، ترتبط نظرية الصراع بشكل شائع بكارل ماركس (1818-1883). واستنادًا إلى سرد مادي جدلي للتاريخ، افترضت الماركسية أن الرأسمالية، مثل الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية السابقة، من شأنها حتمًا أن تنتج توترات داخلية تؤدي إلى تدميرها. بشّر ماركس بتغيير جذري، داعيًا إلى الثورة البروليتارية والتحرر من الطبقات الحاكمة. وفي الوقت نفسه، كان كارل ماركس يدرك أن معظم الناس الذين يعيشون في المجتمعات الرأسمالية لا يرون كيف شكّل النظام عمل المجتمع بأكمله. مثلما يرى الأفراد المعاصرون أن الملكية الخاصة (والحق في نقل هذه الملكية إلى أطفالهم) أمر طبيعي، فإن العديد من أعضاء المجتمعات الرأسمالية يرون أن الأغنياء كسبوا ثرواتهم من خلال العمل الشاق والتعليم، في حين يرون أن الفقراء يفتقرون إلى المهارات والمبادرات. رفض ماركس هذا النوع من التفكير، ونظر إليه باعتباره شيئًا أطلق عليه فريدريك إنجلز الوعي الزائف، واستخدام التضليل من قبل الطبقة الحاكمة للتعتيم على الاستغلال الحقيقي للعلاقة بين البروليتاريا والطبقة الحاكمة. أراد ماركس استبدال هذا الوعي الزائف بشيء أسماه فريدريك إنجلز الوعي الطبقي، واعتراف العمال بأنهم طبقة موحدة في مواجهة الرأسماليين وفي نهاية المطاف ضد النظام الرأسمالي نفسه. عمومًا أراد ماركس أن ينتفض البروليتاريون ضد الرأسماليين وأن يسقطوا النظام الرأسمالي.

إن تاريخ كل المجتمعات الموجودة حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقي. وقف الحر والعبد، والأرستقراطي والعامي، واللورد والتابع، وسيد النقابة والعامل المياوم، بكلمة واحدة، الظالم والمظلوم، في معارضة مستمرة لبعضهم البعض، خاضوا معركة مستمرة، وخفية، ومفتوحة حتى اليوم، انتهت في كل مرة، إما في إعادة تشكيل ثوري للمجتمع ككل، أو في الخراب المشترك للطبقات المتصارعة.

- كارل ماركس وفريدريك إنجلز بيان الحزب الشيوعي 1848.

في النتاجات الاجتماعية لوجودهم، يدخل الناس حتمًا في علاقات محددة، مستقلة عن إرادتهم، أي علاقات إنتاج مناسبة لمرحلة معينة من تطور قوى إنتاجهم المادية. تشكل مجمل علاقات الإنتاج هذه البنية الاقتصادية للمجتمع، والأساس الحقيقي، الذي ينشأ على أساسه بنية فوقية قانونية وسياسية تتوافق مع أشكال محددة من الوعي الاجتماعي. إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يضبط السيرورة العامة للحياة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية.  ليس وعي الرجال هو ما يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم. في مرحلة معينة من التطور، تتعارض قوى الإنتاج المادية في المجتمع مع علاقات الإنتاج القائمة أو -وهذا يعبر فقط عن الشيء نفسه من الناحية القانونية- مع علاقات الملكية التي عملت في إطارها حتى الآن. من أشكال تطور قوى الإنتاج، تتحول هذه العلاقات إلى أغلال عليها. ثم يبدأ عصر الثورة الاجتماعية. تؤدي التغيرات في الأساس الاقتصادي عاجلًا أم آجلًا إلى تحول البنية الفوقية الهائلة بالكامل.

ومن الضروري دائمًا عند دراسة هذه التحولات التمييز بين التحول المادي للظروف الاقتصادية للإنتاج، الذي يمكن تحديده بدقة العلوم الطبيعية، وبين الأشكال القانونية أو السياسية أو الدينية أو الفنية أو الفلسفية -باختصار، الأشكال الأيديولوجية التي يدرك فيها الرجل هذا الصراع ويحاربه. وكما أن المرء لا يحكم على الفرد من خلال ما يفكر فيه عن نفسه، كذلك لا يستطيع المرء أن يحكم على مثل هذه الفترة من التحول من خلال وعيه، بل على العكس من ذلك، يجب تفسير هذا الوعي من تناقضات الحياة المادية، من الصراع القائم بين قوى الإنتاج الاجتماعية وعلاقات الإنتاج. لا يُدمر أي نظام اجتماعي على الإطلاق قبل أن تتطور جميع القوى المنتجة الكافية له، ولا تحل علاقات الإنتاج المتفوقة الجديدة محل العلاقات القديمة قبل أن تنضج الظروف المادية لوجودها في إطار المجتمع القديم.

انظر أيضاً