مجتمع جماهيري
المجتمع الجماهيري (بالإنجليزية: Mass Society). يرجع التصور الحديث للمجتمع الجماهيرى - وليس التعبير - إلى الارستقراطي الفرنسي اليكسيس دى توكفيل الذى زار الولايات المتحدة فى ثلاتينيات القرن التاسع عشر بحثاً عن سر الديموقراطية ولقد لفت انتباهه التشابه فى الأفكار و القيم بين الناس، وتصور أن مثل هذا المجتمع قد يسقط ضحية لعقلية القطيع والتى أطلق عليها "طغيان الأغلبية". ولقد تردد صدى وصف دى توكفيل الكلاسيكي للمجتمع الجماهيرى على مدار مجمل التاريخ اللاحق للنظرية الاجتماعية: ". . . حيث يسعى عدد لا يمكن حصره من الناس - المتساويين والمتشابهين - للاستمتاع بلا هوادة بالمباهج الصغيرة والتافهة التى يملأون بها حياتهم. وحيث يعيش كل منهم بمعزل عن الآخرين، ويعتبر نفسه غير ذى علاقة بما يؤول إليه مصير أولئك الآخرين. ويمثل أطفاله وأصدقاؤه الشخصيون جماع البشرية بالنسبة له. أما المواطنون الآخرون، فهو قريب منهم و لكنه لا يراهم، وهو يلمسهم ولكنه لا يحس بوجودهم".
ولقد شارك علماء الاجتماع فى القرن التاسع عشر دى توكفيل فى العديد من الاهتمامات فيما يتعلق بالثقافة البازغة للمجتمعات الصناعية فاشار إميل دوركايم إلى اللامعيارية فى النظام الجديد، فى حين ركز ماكس فيبر على القبضة الخانقة للبيروقراطية. أما فرديناند تونيز فقد طرح تأملاته السلبية حول المجتمع الجماهيري الحضرى المكتظ بالسكان الذى كان فى طوره الأول آنذاك فى أوروبا فى مؤلفه المعنون: المجتمع والمجتمع المحلى، المنشور عام 1887.
ثم أهملت هذه الأفكار إلى حد كبير، أو أسقطها الباحثون من اعتبارهم، نظراً لما تنطوى عليه من حنين الصفوة إلى الماضي. واستمر ذلك حتى خمسينيات القرن العشرين، عندما شرع علماء الاجتماع والعلوم السياسية فى التنظير حول التاريخ القريب للنظم الشمولية فى أوروبا والاتحاد السوفيتى. ولقد ذهب وليم كرونهاوزر في كتابه عن: سياسات المجتمع الجماهيرى إلى أن السكان الذين ينفصلون عن المجتمعات المحلية المستقرة ذات النظم القيمية المتسقة والمرنة تكون معرضة بدرجة كبيرة إلى السقوط فى براثن الحركات الجماهيرية الشمولية.
وقد ركز ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو وآخرون من أعضاء مدرسة فرانكفورت (انظر: النظرية النقدية) اهتمامهم على الطابع الإيديولوجى الضيق لمفهوم "الثقافة الجماهيرية" حيث ظهرت مجموعة كبيرة من الأعمال النقدية المتكاملة التى تناولت هذا المنظور. ويجسد كتاب هربرت ماركيوز المعنون: الإنسان ذو البعد الواحد، المنشور عام 1964، هذا التوجه النظرى فى أكثر صوره اكتمالاً، حيث أكد على الهيمنة المطلقة للثقافة الجماهيرية وعلى استحالة التغير الاجتماعى. وقد عرض سلفادور جينر ملخصاً شاملاً للنظريات المحافظة والراديكالية فى كتابه مجتمع الجماهير، المنشور عام 1976.
ولقد تراجع استخدام مصطلح مجتمع الجماهير فى نطاق علم الاجتماع، نظراً لما ينطوى عليه من غموض فضلا عن طابعه القيمي. وإن كان هناك العديد من المنظرين الاجتماعيين، أمثال كريشان كومر، وكريستوفر لاش وييتر برجر وروبرت بلاهء الذين ما زالوا ييحثون فى العلاقات الاجتماعية والمعانى الثقافية التى تتخلق فى الإطار المجتمعى الكبير فى المجتمعات ذات الطبيعة المؤسسية التى تفتقر إلى الروابط التقليدية التى تتسم بها المجتمعات المحلية.