كلود برنارد
كلود برنار (بالفرنسية: Claude Bernard) (1813-1878م) ألمع علماء علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) الفرنسيين في عصره، ويعتبر مؤسس المدرسة التجريبية العلمية وعلم وظائف الأعضاء التجريبي الحديث، وأسهم في وضع قواعد البحث العلمي والمنهج التجريبي.
قام بعدة بحوث هامة أدت إلى اكتشاف وفهم الوسط الداخلي والاستتباب. اكتشف أن الكبد يحول السكر إلى جليكوجين (نشا حيواني)، وهي مادة تستخدم للحفاظ على مستوى السكر في الدم. كما اكتشف أيضًا أن عصارات البنكرياس تساعد في هضم الدهون وامتصاصها، وتعرف على الكيفية التي يضبط بها الجهاز العصبي الدورة الدموية. وأعد بحوثاً في كيفية تأثير المخدرات والسموم على الجسم.
اعتبرت إنجازات كلود برنارد ثورية وساهمت أعماله واكتشافاته في نهضة وتطور علم الأحياء والطب كما حصل خلال حياته على عدة تكريمات. له أيضا عدة مؤلفات وكتب تعتبر حالياً من أمهات الكتب في المجال الطبي وعلوم الفيزيولوجيا الحديثة.
اقترح برنارد في أكثر كتبه شهرة؛ مدخل لدراسة الطب التجريبي (1865م)، صيغة جديدة للاستنتاج القائم على التجربة والملاحظة، فوضع الفرضية ثم اختبرها بالتجربة. وكتب كذلك علم وظائف الأعضاء التجريبي (1878م) وظواهر حياتية مشتركة بين الحيوانات والنباتات (1878م -1879م).
ولد سنة 1813 في مدينة «سان جوليان» الفرنسية، درس الصيدلة ثم انهى دراسته في الطب في مدينة ليون قبل أن يتخصص في علم الأحياء (فيزيولوجيا).
حياته
ولد في 12 يوليو سنة 1813 في مدينة «سان جوليان» الفرنسية بالقرب من فيلفرانس على نهر السين Villefranche-sur Sein من أسرة مزارعي كروم.
تلقى تعليمه الأول في مدارس فيلفرانش وتواسيه Thoissey ثم اشتغل لدى صيدلى في ضواحي ليون Lyon. ولكنه لم يكن حتى ذلك الحين مهتمًا بفن العلاج، وإنما بالآداب. وفي سنة 1834سافر إلى باريس والتحق بكلية الطب وقرب انتهاء دراساته الاكليانيكية اكتشف طريقه الحقيقي وهو يدرس عند العالم الشهير ماجندي Magendie في الكولج دي فرانس، ألا وهو التجريب الفسيولوجي. فعند ماجندي تعلم كيف أن التشريح للأحياء هو السبيل المؤدي إلى نتائج علمية خصبة في ميدان وظائف الأعضاء.
قام كلود برنار بعدة تجارب ما بين سنة 1843 وسنة 1860 ذاعت بها شهرته في عالم الطب والفيولوجيا بخاصة. ونتيجة لهذا أنشأت له الحكومة كرسيًا للفسيولوجيا في كلية العلوم بجامعة باريس. وبدأ درسه الافتتاحي في مايو سنة 1854، وفي يونيو من نفس السنة انتخب عضوًا في أكاديمية العلوم، وفي ديسمبر سنة 1955 أستاذًا في الكولج دي فرانس. وفي سنة 1861 اختير عضوًا في أكاديمية الطب (معهد فرنسا).
وتوفي في باريس في 10 فبراير سنة 1878.
وأبحاثه تناولت في ميدان الفسيولوجيا والطب: العصارة الهضمية، وتأثير الجهاز العصبي على لهضم والتنفس والدورة الدموية، وكذلك درس دور البنكرياس، وتكوين السكر في الكبد. والكتاب الذي عرض فيه كلود برنار اراءه في مناهج البحث العلمي هو كتاب «المدخل الى دراسة الطب التجريبي» الذي نشرس ة١٨٦٥.
لديه عدة اكتشافات علمية هامة من أبرزها:
- فهم دور عصارة البنكرياس في هضم الدهون.
- فهم دور الكبد في افراز الغلوكوز
- توضيح إمكانية حث مرض السكري عبر ازالة مناطق من الدماغ
- فهم النظام الحراري للجسم
- اكتشاف الغليكوجين
- دور أحادي أكسيد الكربون في اختناق الخلايا
- دور النهايات العصبية في انقباض الخلايا
- اكتشاف الاستتباب
آرائه
العلاقة بين الفلسفة والعلم
على الرغم من أن كلود برنار كان من أتباع المذهب الوضعي، فانه أقر للفلسفة بمكاتها لمستقلة تجاه العلم. وأكد ضرورة الفلسفة للعلم . يقول : «إن الفلسفة تمثل، من الناحية العلمية، الطموح الأبدي للعفل الانسافي نحو معرفة المجهول ٠ ومن هنا فإن الفلاسفة يتثبثون دائماً بالمسائل المثيرة للجدال وبالمناطق القليلة التي هي الحدود العليا للعلوم . وهم بهذا يشيعون في الفكر العلمي حركة تحييه وتهبه النبالة. إنهم يقوون العقل بتنميته بواسطة رياضة عقلية عامة، وفي نفس الوقت يوجهونه دائما إلى حل المشاكل الكبرى الذي لا ينفد وبهذا يجددون نوعا من التعطش إلى المجهول ويضيئون نار البحث المقدسة . وكلاهما ينبغي ألا ينطفى ء أبدا في نف العالم («المدخل إلى دراسة الطب التجريبي» ص ٣٨٧ وما يليها).
ومن رأيه أنه لا يحق للفلسفة أن تضع على العلم قيودا، كما لا يحق للعلم أن يضع على الفلسفة قيودا. ذلك أن العلم
يبحث دائما، ولا يقضي على شيء. ولهذا لا يحق للعنم أن ,سيطرعى اسة، لاق للعفة أن-سيطرءى الطم. وعليهما أن يتعاونا، فبهذا التعاون يتسع مجال العلم، وتطامن الفلسفة من دعاواها المبالغ فيها.
النزعة التجريبية
يدعو كلود برنار إلى التجريب الحقيقي، لأن العالم الحق «هومن يستخدم طرائق البحث، البسيطة أو الممكنة، ليغيرأو يعدل، بقصد ما، الظواهر الطبيعية ويظهرها في. أحوال او ظروفلاتقدمها الطبيعة» (الكتاب نفهص ٢٩) فلا ينبغي للعالم أن يقتصر على المشاهدة، بل عليه كلما استطاع أن يتثير التجارب، «لأن الواقعة الغليظة ليت علمية» (ص ٣١٣). وبدلا من ان يقبل سلبيا ما يعطى له من خارج، عليه ان يخلق الوقائع العلمية، بل والوقانع الغليظة. إن الطب كان يقوم خصوصا على الملاحظة، وكان هذا مصدر عقم للأبحاث الطة.
ويلح كلود برنار في توكيد الدور المهم الذي يقوم به الفرض في البحث العلمي. يقول : «ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب، مع وجود فكرة متكونة منقبل. ان عقل صاحب التجريب ينبغي أن يكون فعالا، أعني أنه ينبغي عليه ان يستجوب الطبيعة ويوجه إليها الأسئلة في كل اتجاه، وفقا لمختلف الفروض التي تمر بذهنه» .ولاغفى عن الفروض، إذ هي التي تقودنا إلى خارج الواقعة، وتدفع بالعلم إلى الأمام. وليت غايتها ان تدعونا إلى إجراء تجارب جديدة فحسب، بل هي ايضا تجعلنا نكتشف مرارا كثيرة وقائع جديدة ما كنا لننتبه إليها بدوغها.
ولكي يحددكلودبرذاردورالعقلودورالحو١سفيالتجرب العلمي، يذكرمثالاًهومسلك فرانسوا هوبير يقولعنه : «إن هذا العالم الطبيعي العظيم، على الرغم من أنه كان اعمى، فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها، ثم يطلب من خادمه ان يجريها. ولم تكن عند خادمه هذا اية فكرة علمية. فكان هوبير إذن العقل الموجه الذي يقيم التجربة، لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره، وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطيع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة سبق تكوينها» (ص ٤٣,٤٢)
ويمضي كلود برنار إلى حد القول بأنه»ينبغي ان نطلق العنان للخيال، فالفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع وإليها ترجع كل مبادرة» (ص ٤٣).
والفكرة التجريبية تنشأ عن نوع من الثعور السابق للعقل الذي يحكم على الأمور، وينبغي ان يحدث على نحو معين. ويمكن القول في هذا الصدد أن لدينا في العقل عيانا أو شعورا بقوانين الطبيعة، ولكننا لا نعرف شكلها . والتجربة وحدها هي التي تعلمنا ذلك». (ص ٦١)
ويطامن كلود برنار من دعاوى رجال العلم، فيقول: إذا تصور العالم ان براهينه لها نفس القيمة التي لبراهين الرياضي فإنه سيكون على خطأ فاحش جدا» (ص ٦٥).
ويشيد بدور الاستدلال (الاستنباط) والقياس في تشييد العلم، إلى جانب الاستقراء في جيع العلوم.
ويرفض كلود برناركل محاولة لارجاعالظواهر لبيولوجية إلى ظواهرفيزيائية كيميائية . يقول في هذا الصدد: اينبغي على علم الحياة أن يستعير من العلوم الفيزيائية الكيميائية امنهج التجريبي وأن يحتفظ مع ذلك بالظواهر الخاصة به وبقوانينه» (ص١١٨)
ولكنه في مقابل ذلك يقر أن ظواهر الأجسام الحية، مثلها مثل الاجسام الجامدة، تسودها حتمية ضرورية تربطها بظروف من النوع الفيزيائي الكيميائي، حيث ينبغي على الفيزيائي والكيميائي ان يرفض كل فكرة عن الغاية في الوقائع التي يلاحظانها. وبالرغم من ذلك فإنه اضطر إلى الاقرار بغائية نسجامية مقررة من قبل في الجسم العضوي الذي فيه كل الأفعال الجزئية متضامنة يولد بعضها بعضا. ويقول بوجود فكرة موجهة للتطور الحيوي. ولهذا فان برجسون وصف كلود برنار بأنه رائد النزعة الحيوية. قال برجسون : إن كلود برنار هاجم مرارا الفرض القائل ب «مبدأ حيوي» . لكنه أينما فعل ذلك فإنه يقصد النزعة الحيوية لدى الأطباء والعلماء الفسيولوجيين الذين يؤ كدون وجود قوة، في الكان الحي، قادرة على الصراع ضد القوى الفيزيائية وتعويق فعلها. . . لكن حينما يتعلق الأمر بالفكرة المنظمة والخالقة فإن كلود برنار يهاجم أولئك الذين يرفضون أن يروا في ا لفسيولوجيا علما خاصا متميزا من الفيزياء والكيمياء . . إنه ليس عالما بالفسيولوجيا من ليس لديه إحساس بالتنظيم، اعني بذلك التناسق الخاص بين الأجزاء وبين الكل الذي يميز الظاهرة الحيوية. إن الأمور تجري في الكائن الحي كما لو تدخلت فكرة معينة تفسر النظام الذي تترتب عليه العناصر» (من خطبة القاها برجسون بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد كلود برنار في احتفال أقيم في ٣٠ ديسمبر سنة ١٩١٣ في الكولج دي فرانس، واعيد نشرها في ,كلمات وكتابات,).