كارل بولاني
كارل بول بولاني (بالإنجليزية: Karl Polanyi) (25 أكتوبر 1886 – 23 أبريل 1964) كان مؤرخًا اقتصاديًا نمساويًا مجريًا، وعالم أنثروبولوجيا اقتصادية، وعالم اجتماع اقتصادي، وعالم اقتصاد سياسي، وعالم اجتماع تاريخي، وفيلسوفًا اجتماعيًا. حظى بمكانة مرموقة وشهرة عالمية، درس فى كثير من الجامعات الأوربية والأمريكية، وأثر تأثيراً واضحا ومستمراً على علم الاجتماع، وذلك بسبب الطريقة التى فندت بها دراساته الإمبيريقية كثيراً من الفروض الأساسية لنظرية الاقتصاد الكلاسيكى الجديد.
نشأته
وُلد بولاني لعائلة يهودية. كان شقيقه الأصغر الفيلسوف مايكل بولاني، وكانت ابنة أخته، إيفا زيزل، صانعة فخار شهيرة على مستوى العالم. وُلد في فيينا، التي كانت عاصمة الإمبراطورية النمساوية المجرية في ذلك الوقت. كان والده، ميهالي بولاكسيك، مقاولًا لأعمال السكك الحديدية. لم يغير ميهالي اسم نسبته بولاكسيك قط، ودُفن في المقبرة اليهودية في بودابست. توفي ميهالي في يناير عام 1905، وكان ذلك صدمة عاطفية لكارل، وأحيا الذكرى السنوية لوفاة ميهالي طوال حياته. والدة كارل ومايكل بولاني هي سيسيليا فول. غيّر كارل وإخوته الاسم إلى بولاني (لا إلى فون بولاني). تلقى بولاني تعليمًا جيدًا على الرغم من التقلبات في ثروة والده، وانغمس في النشاط الفكري والساحة الفنية في بودابست.
أسس بولاني دائرة غاليليو الراديكالية المؤثرة في أثناء وجوده في جامعة بودابست، نادٍ سيكون له آثار بعيدة المدى على الفكر التأملي الهنغاري. خلال هذا الوقت، شارك بنشاط مع مفكرين بارزين آخرين، مثل جورج لوكاش، وأوزكار ياسي، وكارل مانهايم. تخرج بولاني في جامعة بودابست في عام 1912 ليحصل بذلك على درجة الدكتوراه في القانون. في عام 1914، ساعد في تأسيس الحزب الهنغاري الراديكالي، وعمل هناك أمينًا.
كان بولاني ضابطًا في سلاح الفرسان في الجيش النمساوي المجري في الحرب العالمية الأولى، في الخدمة الفعلية في الجبهة الشرقية، وأُدخل إلى المستشفى في بودابست. دعم بولاني حكومة ميهالي كارولي الجمهورية، ونظام الحكم الديمقراطي الاجتماعي. على أي حال، كانت الجمهورية قصيرة العمر، وعندما أطاح بيلا كون بحكومة كارولي لإنشاء الجمهورية المجرية السوفييتية، غادر بولاني بعدها إلى فيينا.
في فيينا
منذ عام 1924 وحتى عام 1933، عمل بولاني رئيس تحرير لمجلة الاقتصادي النمساوي. في هذا الوقت، بدأ أولًا بانتقاد كلية الاقتصاد النمساوية، التي شعر أنها ابتكرت نماذج مجردة فقدت البصر عن الواقع الطبيعي المترابط للعمليات الاقتصادية. كان بولاني نفسه منجذبًا إلى الجمعية الفابية وأعمال جورج كول. خلال هذه الفترة، أصبح بولاني مهتمًا بالاشتراكية المسيحية.
تزوج بالشيوعية الثورية إيلونا دوكيزيسكا، ذات الخلفية البولندية الهنغارية.
أسهاماته
عُرف بولانى بمعارضته الفكر الاقتصادي التقليدي، حيث جادل في أشهر مؤلفاته التحول العظيم (الصادر عام 1944، والذى كتب مقدمته عالم الاجتماع الأمريكى روبرت ماكيفر) بأن ظهور مجتمعات ذات أساس سوقي في أوروبا الحديثة لم يكن حتميًا، بل كان إمكانية تاريخية. يُذكر بولاني اليوم بصفته مُنشئ الجوهرية، وهي نهج ثقافي للاقتصاد يشدد على طريقة دمج النظم الاقتصادية في المجتمع والثقافة. يتعارض هذا الرأي مع التيار الاقتصادي الرئيسي، ولكنه يحظى بشعبية في الأنثروبولوجيا، والتاريخ الاقتصادي، وعلم الاجتماع الاقتصادي، والعلوم السياسية.
طُبق نهج بولاني في الاقتصاديات القديمة على مجموعة متنوعة من القضايا، مثل أمريكا ما قبل كولومبوس، وبلاد ما بين النهرين القديمة، على الرغم من التشكيك في فائدتها في دراسة المجتمعات القديمة بشكل عام. أصبح كتاب بولاني التحول الكبير نموذجًا لعلم الاجتماع التاريخي. أصبحت نظرياته في النهاية أساسًا لحركة ديمقراطية اقتصادية. كانت ابنته، الخبيرة الاقتصادية الكندية، كاري بولاني ليفيت (ولدت عام 1923 في فيينا، النمسا)، أستاذة فخرية في الاقتصاد في جامعة مكغيل، مونتريال.
حاول ان يسجل أسباب الحربين العالميتين الأولى و الثانية، والكساد العظيم الذى حدث فى الثلاثينيات، وأساس النظام الجديد الذى شهده منتصف القرن العشرين. ولقد جاء كتابه دراسة مقنعة للآتار التى ترتبت على ظهور "السوق العالمى والطريقة التى يستطيع بها المجتمع حماية نفسه من هذه الآتار". وحذر بولانى من تقوية الاقتصاد إلى الحد الذى تبلغ معه القوة حداً فائقاً من التركيز، ذلك لأن عملية اتخاذ القرار الاقتصادى تتجنب الضبط البشرى، ومن شأن ذلك أن يهدد الكرامة الإنسانية والحرية الإنسانية. ومن الممكن أن تؤدى تلك النزعة الاقتصادية المفرطة إلى تدمير المجتمع عن طربق إضعاف التماسك الاجتماعى. لذلك يتعين إبقاء الافتصاد فى إطار علاقات الضبط الاجتماعى على النحو الذى تعرفه المجتمعات التقليدية.
ومن مؤلفاته الأخرى الأساسية نذكر على وجه المخصوص الكتاب الذى ألفه بالاشتراك فى موضوع: "التجارة والأسواق فى الامبراطوريات القديمة"، الصادر عام 1957، وكذلك مؤلفه الذى نشر بعد وفاته بعنوان: "معيشة الإنسان"، ونشر عام 1977. ففى هذين العملين قدم بولانى نقداً أساسياً لمذهب الحرية، متحدياً فكرة أن الحرية والعدالة يرتبطان ارتباطاً لا فكاك منه بالسوق الحر، ويسجل الطرق المختلفة التى تعمل بها العمليات الاقتصادية فى أى مجتمع على تشكيل نظمه الثتقافية، والسياسية، والاجتماعية.
لقد كان كارل بولانى مفكراً يمتلك بالفعل ناصية عدد من التخصصات، فمن الممكن أن نجد ترجمة لحياته فى قواميس علوم: الاقتصاد، والتاريخ، والأنثروبولجيا، والسياسة. وحدث مؤخرا جداً أن أصبحت أعماله جزءاً من النقاش الدائر حول إمكانية العثور على "طريق ثالث" فى مرحلة الانتقال من الشيوعية إلى نظام السوق. فنظام اقتصاد السوق المنطلق من كل قيد، والذى يروج له أغلب المستشارين الغربيين، يرى بعض العلماء الاجتماعيين من شرق أوربا وكذلك بعض صناع السياسة فيها؛ أنه يمكن -على الأرجح- أن يخلق نفس المشكلات التى ترتبط بالسوق الذى ينظم نفسه ذاتياً والذى أثبت بولانى وجوده قى عديد من الحالات التاريحية. وقد شعرت مجتمعاث مابعد الشيوعية بالتعارض بين "منطق الاقتصاد" "ومنطق المجتمع" شعوراً حاداً، خاصة وهم يودعون دولهم التى كانت تقوم بدور الحماية ويواجهون مظاهر عدم اليقين الناجمة عن الاتتقال السريع نحو نظام السوق.
لعل ذلك يمكن أن يبرر النظر إلى بولانى كرائد لفكرة البحث عن طريق جديد، آخر، أو بلغة اليوم طريق ثالث يتجنب مساوئ الليبرالية والشيوعية. وقد وجدت هذه الفكرة بلورة معاصرة و أصيلة فى كتاب أنتونى جيدنز، الطريق الثالث، تجديد الديمقراطية الاجتماعية، ترجمة أحمد زايد ومحمد محيى ومراجعة وتقديم محمد الجوهرى، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومى للترجمة، القاهرة، 1999.
انظر أيضًا
- مايكل بولاني (أخ)