فيثاغورية

الفيثاغورية هي مدرسة فلسفية وأخوية دينية تعتمد تعاليم وفلسفة فيثاغورس واتباعه والتي قد تكون نشأت في جنوب إيطاليا في القرن السادس ما قبل الميلاد. وصفها البدوي بأنها أكثر من فلسفة «بل كانت إلى جانب هذا، اي الفلسفة، مدرسة دينية اخلاقية على نظام الطرق الفلسفية» وتم أحياء الفيثاغورية في زمنٍ لاحق فعرفت بالفيثاقورية المحدثة. وكان لهذه الافكار تأثير كبير على الفكر الارسطي والافلاطوني ومن خلالها على الفلسفة الغربية.

وذكر في المعجم الفلسفي ان مذهب فيثاغورس يرد الأشياء إلى العدد، فجوهرها جميعا أعداد وأرقام، والظواهر كلها تعبر عن قيم ونسب رياضية. ودراسة الفيثاغورية تظهر ان له طروحات فلسفية حول العقل والدين والروحانيات بالإضافة للرياضيات.

ويقول جون بورنت (1982) ان مدرسة فيثاغورس تعتبر ان المعرفة العلمية الممنهجة يمكنها وحدها ان تشرح الحقيقة كلها. وتطوير هذا المذهب على ايدي طاليس وأناكسيماندر وأنكسيمانس يدل استمرارية هذه الفكرة كمدرسة فلسفية.

تسلسل تاريخي

بحسب المؤرخين، ترأس أرخيتاس المدرسة الفيثاقورية بعد عام من مقتل فيثوغاروس مع ان مؤرخين اخرين ذكروا ان من خلف فيثاغورس كان فيلولاوس هو من خلفه. كما ذكر ان فيلولاوس واوريتوس كان جيل من معلمي الفيثاقورية.

المذهب

تدل الدراسات ان فيثاغورس انشاء مذهبين أو مدرستين فكريتين. تسمى الاولى بـ«ماثيماتيكو» وهي كلمة يونانية (μαθηματικοί) تعني «معلمون». والثانية تسمى «اكوسماتيكو» (ἀκουσματικοί) وتعني «مستمعون». الكل يعترف ان الماثيماتيكو هي افكار فيثاقورية، لكن هتاك من يشكك بدوره في النظرة الاكوسماتيكية ويردها للفيلسوف هيباسيوس.

المعلمون

اعتبر المعلمون الفيثاغوريون (ماثيماتكوي) انهم هم أتباعُ الفيثاغوريةِ الحقِّ فركزوا اهتمامهم على تطوير مباديء الرياضيات والعلوم التي بدآها فيثاغوراس.

الارقام

مر فيثاقوروس بمراحل فكرية عديدة، من دراسة الفيزياء والماورائيات، لفهم اصل الكون والقوانين التي تتحكم به. انتهى به المطاف إلى الاعتقاد إلى ان الاعداد هي علة الكون وهي الطريق الصحيح لفهمه. وان الارقام وعلاقاتها تفسر اساسيات المعرفة. طوّر فيلولاوس هذا المعتقد ليصل ان الرقم واحد هو اساس كل الاعداد لأنه مفرد ومزدوج بنفس الوقت وعليه، فإنه علة كل الاشياء. وسموا هذا الواحد بالله. ولتفسير «الكل»، رجع الفيثوغاريون إلى فكرة العدد المحدود والاعداد اللانهائية وان دمج المحدود باللانهائي يولد كل الكون من زمن وفضاء وحركة. ومن دون هذه الخاصية يصبح الكون غير مفهوم. كما ربطوا المحدود بالمفرد واللامحدود بالمزدوج.

المستمعون

لا يوجد العديد من المعلومات حول «المستمعون» (اكوسماتيكو) الا ما ذكره يامبليخوس بآنهم ركزوا اعمالهم على الافكار الدينية والشعائر.

الشعائر

يذكر سميث (1870) ان التقاليد الفيثاغورية تأثرت بتقاليد عصره وخاصة الاوركية والمصرية. فعرف عنهم امتناعهم عن تناول اللحوم وارتداء اللباس الابيض من الكتان. كما كانوا يمتنعون عن الملذات الجسدية. كما اعتمدوا الموسيقى والشعر كاسلوب شعائري لترقية النفس.[١]

فلسفتهم

بحسب مايسون، كان للفيثوغوريين كتابين. تناول الكتاب الأول الوجود والكون وكيفية عملهم ونشؤهم. وتناول الكتاب الثاني طبيعة الارقام وعلاقاتهم بالكون. وهناك دلالات على علاقة فيثاغوروس بوضع اسس الارقام وعلاقتها بالكون. لكن لا يمكن الجزم بمصدر فلسفتهم حول المادة ومصدرها. وسبب الضباع بمصادر الفلسفة هو ان لم يدون فيثاغروس اي من افكاره لكنها كتبت بعد فترة طويلة من مماته ما يجعل رد الامور له صعب ومشكوك به. ويعد كتابات فيلولاس من ادق المعلومات اذ انه عاش بحياة فيثوغوريس الا انه لم يمكن التأكد من ان المكتوب هو كلام فيثوغورس الحرفي ام تأويل لفيلولاس. اعتقد الفيثوغاريين انه لا يمكن للامحدود ان يآخذ شكلا الا بواسطة المحدود. وان الفراغ موجود وهو يصل للسماء من التنفس اللامحدود وان الفراغ هو من يحدد ماهية الاشياء وهذا ما يدل عليه الاعداد. ومثل سلسلة الاعداد التي يفصل الفراغ بين عدد واخر، فالكون هو سلسلة من الاشياء يفصل بينها الفراغ. لذلك الرياضيات والكون هما تعبيرين لنفس الشيء يحكمهما التجانس.

(المدرسة) الفيثاغورية

لم تكن المدرسة الفيثاغورية مدرسة فلسفية فحسب، بل كانت إلى جانب هذا، أو قبل هذا، مدرسة دينية أخلاقية، على نظام الطرق الصوفية. فإلى جانب المبادىء الفلسفية التي قالت بها هذه المدرسة، توجد مبادى صوفية ومذاهب متصلة بالزهد والعبادة : ولذا يجب على مؤرخ الفلسفة ان يميزتمييزاً دقيقاً بين المذاهب الفلسفية الخالصة في هذه المدرسة، وبين فذاهبها الدينية والأخلاقية، خصوصاً وقد افضىعدم التفرقة بكثيرمن المؤرخين إلى الخلط والتناقض في فهم مذهب الفيثاغوريين. فكحاول الآن أن نعرض للأقوال الفلسفية الخالصة التي قالوا بها، صارفين النظر عن الأقوال الأخلاقية الدينية الخالصة.

فنقول أولاً: إن القول الرنيسي الذي قالت به هذه

المدرسة هوان كل شيء هو العدد بيد أن هذا القول الذي عرفت به الفيثاغورية قد صيغ صيغتين مختلفتين اتخذ المؤرخون منهما وسيلة لفهم هذا القول على نحوين مختلفين: فالصيغة الأولى هيأنكل الأشياء اعداد بمعى أن الأشياء نفسها في جوهرها اعداد، او بعبارة اخرى إن الأعداد هي التي تكون جوهر الأشياء، والصيغة الثانية هي التي تذكر ان الأشياء تحاكي الأعداد، ومعنى هذا ان الأشياء قد صيغت على نموذج اعلى هو العدد. وهذا القول في هاتين الصيغتين، قد ذكره أرسطو(١): فهويقول إن الأشياء جوهرها العدد عند الفيثاغوريين وذلك في كتابه «ما بعد الطبيعة،، ويقول تارة اخرى في كتاب «السماء» إن الفيثاغوريين يقولون إن الأشياء تحاكي العدد، وإن العدد نموذج الأشياء. وقبل ان نحدد المعفى الذي يجب ان نفهم به هاتين الصيغتين، يجدر بنا ان نقول إن أرسطويفرق بين العدد عند أفلاطون والعدد عند الفيثاغوريين، فيقول إن الفيثاغوريين لا يجعلون الأعداد مفارقة للأشياء التي هي نموذج لها-كما فعل افلاطون حينما جعل الصور او المثل مفارقة للأشياء التي تشاركها في الوجود-وإنما هم يجعلون الأعداد متصلة وغيرمنفصلة عن الأشياء. وهذا يبين لنا الطريق الصحيح الذي يجب علينا أن نسلكه من اجل بيان ماهية الأعداد من حيث صلتها بالأشياء.

وفي الواقع ان هاتين الصيغتين اللتين ذكرناهما من قبل يعبران عن قول واحد، هو أن جوهر الأشياء العدد، إذ ان أرسطوحينما يجعل الأعداد عند الفيثاغوريين غيرمفارقة للأشياء، إنما يجعل هذه الأشياء والأعداد شيثاً واحداً. ومعنى هذا أن الأشياء في مكوناتها وجوهرها أعداد، كما أن القول بأن نماذج الأشياء هي الأعداد يرجع ايضاً إلى القول بأن لأعداد جواهر الأشياء، لأن الأعداد نفسها توجد مع الأشياء ولا تفترق عنها افتراق الصور الأفلاطونية عن الأشياء المشاركة لها في الوجود. ومن هنا نستطيع ان نقول إن معفى الصيغتين واحد. ونحن نلاحظ من ناحية أخرى ان أرسطويورد الصيغتين في موضع واحد، ولوأنه راى ان هناك فرقاً بين معنى الصيغتين، إذن لذكرهذا الفرق أو لما ذكر الصيغتين في موضع واحد على أنهما يدلان على معفى واحد. والنتيجة التي نستخلصها من هذا هي ان قول الفيثاغوريين المشهور يجب ان يفهم على أساس أن الأشياء يكون جوهرها العدد.

ومع هذا فلا بد ان نتاءل : كيف تكون الأعداد جوهر الياء؟

(المدرسة)الفيثاغورية

٢٢٩

هنا يختلف المؤرخون القدماء الذين ذكروا مذاهب الفيثاغوريين اختلافاً شديداً . فبعضهم يقول إن الأعداد تكون جوهر الأشياء بوصفها الصورة، وبعضهم يقول إن الأعداد تكون جوهر الأشياء بوصفها صورة وهيولى معاً. وأتسلر من أصحاب الرأي القائل بان الأعداد صورة وهيولى معاً للأشياء. لكن المؤرخين ااحدث منه قالوا إن الأعداد كالصور بالنسبة إلى الأشياء معتمدين في هذا على التفرقة التي كانت موجودة من قبل بين الأييرون

والييرس . فالأبيرون هو الشيء القابل، بينما البيرس هو العلاقات الموجودة بين الأشياء، والمنظم لها وعلة الانسجام فيها ومصدر الرابطة التي ترتبط بها. وعلى هذا فقد كان الفيثاغوريون ينظرون من جهة إلى الاعداد بوصفها العلاقات أو النب الموجودة بين الأشياء، بينما كانوا يقولون ايضاً بشيء يقبل هذه النب هوالمادة أوالهيولى اوالإبيرون. ويظهر أن هذا القول الأخيرأقرب إلى الرجحان من قول اتسلر، لأن الذي دعا الفيثاغوريين إلى القول بأن العدد أصل الأشياء هوما رأوه من نظام وانسجام بين الأشياء. لذا كان تصورهم للعدد قائماً على أساس أنه الإضافات أو النسب الموجودة بين الأشياء بعضها وبعض والتي تنظم المادة المضطربة فيالأييرو.

اما عن الدافع الذي دفع الفيثاغوريين إلى ان يقولوا هذا القول، فنذكر ان السبب الأصلي الذي دفعهم هو-كما يحدثنا أرسطو وفيلولاوس - ما رأوه من انجام بين الأشياء ، وعلى الأخص بين حركات الكواكب، فنقلوا هذا الانسجام الموجود في الكواكب إلى الأشياء وحسبوا أن الأشياء أيضاً خاضعة لهذا الانسجام. وهم من ناحية اخرى قد لاحظوا من عنايتهم بالموسيقي ان النغمات او الانسجام يقوم على الأعداد: فالنغمات الموسيقية تختلف الواحدة منها عن الأخرى تبعاً للعدد. وقد يبدو لنا مثل هذا القول غريباً، لكن يلاحظ من اجل ان يبدو هذا القرل اقل غرابة، انهم كانوا يربطون الأعداد بمعتقداتهم الدينية فكان لبعض الأعداد سر خاص، وكانوا في هذا متأثرين من غيرشك بالمذاهب الشرقية، خصوصاً عند البابليين حينما كانوا يجعلون لبعض الأعداد فضائل واسراراً متصلة بالوجود. هذا من ناحية، ويلاحظ من ناحية اخرى أن اكتشاف الفيثاغورين للانسجام الموجود في جميع الكون قد ادهشهم، وجعل من الطبيعي لديهم أن يمتد هذا الانسجام إلى جميع الكون حتى يصبح هذا الانسجام

جوهر الأشياء؛ ولما كان الانسجام يقوم على العدد، كان من الطبيعي إذن ان يقال إن جوهر الأشياء هو العدد.

العدد: قسم الفيثاغوريون العدد إلى قسمين: العدد الفردي والعدد الزوجي، وقالوا إن العدد الفردي هولمحدود والعدد الزوجي هو اللامحدود، لأن الفردي لا يمكن أن ينقسم إلى اثنين بل يقف عند حده هو؛ بينما العدد الزوجي ينقسم، فهو غير محدود، ثم ربطوا بين المحدود واللامحدود وبين المذاهب الأخلاقية فقالوا إن المحدود هوالخيربينما اللاعحدود هو الشر. وأدى بهم هذا في النهاية إلى القول بأن طبيعة الوجود طبيعة ثنائية، ففيالوجود: المحدودواللامحدود وكل ما ينشأ عن هذين المتعارضين من صفات. فقالوا بان في الوجود تعارضاً، ورفعوا انواع هذا التعارض إلى عدد ممتاز في نظرهم هو العدد ١٠، فقالوا إن أنواع التعارض في الوجود عشرة هي: أولاً، محدود ولا محدود. ثانياً: فردي وزوجي. ثالثاً الوحدة والتعدد. رابعاً: المستقيم والمنحني. خامساً: المذكر والمؤنث. سادساً: النور والظلمة. سابعاً : المربع والمستطيل. ثامنا: الخير والشر. تاسعاً: الساكن والمتحرك. عاشراً: اليمين واليا ر.

بيد أن هذه اللوحة ليت لوحة قديمة، بل يظهر أنها لوحة قال بها الفيثاغوريون الذين كانوا في العهد الثافي من عهود المدرسة الفيثاغورية، ونقصد به عهد فيلولاوس؛ فعنده نجد هذه اللوحة كاملة؛ أما عند المدرسة القديمة فلا نجد إلا إشارات عارة لبعض أنواع التاقض.

ثم ننتقل الأن إلى الكلام عن هذا التقسيم للعددإلى فردي وزوجي اومحدود ولا محدود، فنقول إن الفيثاغوريين أنفسهم قد اختلفوا اختلافاًكبيراً في بيان ماهية العددمن هذه الناحية: فبعضهم قال إن الأصل في الأعداد هو الوحدة، وعن هذه الوحدة تنشأ الثنائية؛ والوحدة عند أصحاب هذا الرأي تناظر الصورة، بينما الثنائية تناظر الهيولى أو المادة. ومن هنا فإن الأشياء كلها لم تنشأ إلا عن طريق هذه الثنائية، والأولى أي الوحدة مصدر الخير، بينما الثانية مصدر الشر. ولهذا نجد أن الخيروالشرمرتبطان في كل الأشياء تمام الارتباط. ثم حاولوا من بعد أن يرجعوا هذه الوحدة إلى الته فقالوا إن الوحدة هي الإله، وفي مقابل الإله توجد الهيولى، والأشياء تشارك فيما بين الله وبين الهيولى، وهنا مصدر الخير والثر في الرجود.

أما اصحاب الرأي الآخر فيقولون إن الأصل هو هذه الثناثية بين الوحدة وبين الثناثية أو الكثرة، وينشاً الكون بانفصال الواحد عن الآخر، وعلى هذا يتكون الكون عن طريق الصدور. فعن الوحدة الأولى، التي هي مزيج من الوحدة والكثرة، ينشاً الكون والأشياء، وسيرجع إلى الوحدة مرة ثانية. وهذا يشبه نظرية الصدورعند الأفلاطونية المحدثة. ولذا يلاحظ ان أصحاب هذا الرأي هم المتأخرون من الفيثاغوريين. ولسنا نستطيع ان نعد هذا القول مذهب الفيثاغورين الأولين.كما أنه من ناحية أخرى يتنافى مع القول بفكرة الانسجام والنظام الأول، وهي فكرة واضحة عند المدرسة الفيثاغورية الأولى.

فأصوب الآراء إذاً هو الرأي الأول القائل بأنه في الأصل كانت الوحدة، ثم كان من بعد ثناثية هي الهيولى. لكن يلاحظ ان هذا القول ليس صحيحاً كل الصحة، فقد قال به متاخرون أيضاً . ويلاحظ ايضاً ان ارسطو لا يذكره عن الفيثاغورين، ومعفى هذا انه قول لم يات إلا متاخراً، وكان نتيجة للتفرقة التي قال بها أرسطو بين الهيولى وبين الصورة.

وهناك قول ثالث بأن الأعداد يجب الا ينظر إليها من الناحيةالحسابية، إنما من الناحية الهندسية، بمعنى ان الأعداد هي اولاً النقطة، وعن النقطة يتفرع الخط والسطح والجسم. . . إلخ. فالأعداد اعداد هندسية، وليست أعدادا حسابية. ومن الذين ينسبون إلى الفيثاغوريين وفيثاغورس أهم قالوا إن الأشكال الهندسية هي أصل الأشياء، شراح أرسطو الذين مالوا في هذا إلى حد بعيد، حى أنكروا على الأعداد الفيثاغورية أن تكون أعداداً حسابية بوجه من الوجو. . إلا ان هذا القول ايضاً غير صحيح، لأن ما لدينا من وثائق، خصوصاً المبكرة منها، لا تدكنا على أن الفيثاغوريين قد قالوا بمثل هذا القول. وهوكالأقوال الابقة، إما أن يكون منحولاً الى الفيثاغوريين الاولين، وإما ان يكون من وضع المحدثين من الفيثاغوريين الذين وجدوا في عصر الجمع والتلفيق.

والرأي الأخير الذي يجب أن يقال في هذا الصدد هو ان الأعداد التى عناها الفيثاغوريون أعداد حسابية فحسب، وليست أعداد هندسة . وليست الوحدة الأولى منها إلهاً، كما ان هذ الوحدة ليست ايضاً ثنائية تجمع بين الوحدة والثنائية. وإذاً فالأعداد الفيثاغورية أعداد حسابية في ماهيتها وهذه الأعداد الرياضية هي اصل الموجودات. ولكنا قلنا إن أصل

الوجود هو التعارض من حيث إن العدد أصل الوجود، والعدد بدوره ينقسم قسمين، فهل الوجود في تعارض مستمر ؟

هنا يأقي الفيثاغوريون بنظريتهم في الانسجام فيقولون إن الأشياء المتعارضة تتحد ايضا: فالكثرة تصبح وحدة والمختلف يصبح مؤتلفاً، وهذا الانسجام نفسه يتم عن طريق الأعداد نفسها. فالعدد بطبيعته يحتوي مبدأ الانسجام، وليست الأعداد إذاً مبدا التعارض فحسب، بل هي في الآن نفسه مبدأ الانسجام.

تطور نظرية الأعداد عند الفيثاغوريين: لما كان ،لفيئاغوريون قد قالوا إن الأعداد جواهر، فقد حاولوا أن يطبقوا هذا القول على جميع الأشياء . ومن هنا ذهبوا إلى بيان الخصائص المختلفة التي للأعداد، بل اضطرهم هذا المذهب نفسه إلى أن يفترضوا وجود أشياء لا علة لوجودها إلا كون نظرية الأعداد نفسها تقتضيها. وذلك كما فعلوا في نظرية الأرض المقابلة، فإغهم-كما سنرى فيما بعد-لميقولوا بفرضهم هذا إلا لأن مذهب الأعداد، وبخاصة العدد عشرة، يقتضي ان يضعوا هذا الجرم الجديد، إلى جانب الأجرام التسعة الأخرى.

بدا الفيثاغوريون بأن نسبوا إلى الأعداد صفتات هندسية، فقالوا كما يذكر أفلاطون وأرسطو إن العدد ١ يناظر النقطة، والعدد ٢ يناظر الخط، والعدد ٣ يناظر السطح، والعدد؛ يناظر الجسم؛ فهناك إذاً تناظر واتصال بين الأعداد وبين الأشكال الهندسية. فإذا كنا قد أنكرنا من قبل أن تكون الأعداد الفيثاغورية أعداداً هندسية، أو أشكالا' هندسية، فليس معفى هذا أن الفيثاغورين لم يقولوا بأن هذه الأعداد تناظرها الأشكال الهندسية، فهذا على الأقل -إنلمتصح الرواية - ما يقتضيه مذهبهم من أن كل الأشياء اعداد. ثم هم من ناحية أخرى ينسبون إلى الأعداد صفات أخلاقية فيقولون مثلاً إن العدد خمسة مبداً الزواج، لأنه حاصل الجمع بين العدد الذي يدل على المذكر والعدد الذي يدل على المؤنث. وكذلك الحال في العدد ٧ تبعاً للمعتقدات القديمة: هو العدد الذي عن طريقه تنقسم الحياة الإنسانية. والعدد ٠ ١ هو أكمل الأعداد، وهو الوحدة الرثيسية التي تشمل كل الأشياء الأخرى، خصوصاً إذا لاحظنا أن العدد ٠ ١ هو حاصل جمع الأعداد الأربعة الأولى. ولهذا ارتفع به

(المدرسة)الغيئافورية

الفيثاغوريون، كما ارتفع به من بعد الأفلاطونيون الذين اتجهوا اتجاهاً فيثاغورياً مثل اسيوسيبوس، إلى مرتبة الآلهة لأن هذا العدد هواصل الوجود. كذلك الحال في العدد ٤ : فقد كان له مقام كبيرعند الفيثاغوريين، لأنه اول عدد هوحاصل ضرب عدد في نفسه. وبعد هذا ينتقلون من تلك الصفات الأخلاقية إلى الصفات الحسابية المتصلة بالأعداد نفسها، فيقولون مثلاً عن الواحد إنه الاصل في الأعداد ومنشاً الانقسام إلى الزوجي والفردي، والعدد ٢ هوالعدد الزوجي، والعدد٣ هوالعدد الفردي الأول، والعدد ٤ هو حاصل ضرب اول عدد في نفسه، والعدد ٥ رأينا صفته من قبل، ويضاف إلى هذه الصفة أنه العدد الذي إذا ضرب في اي عددآخر فإن حاصل الضرب (العدد الجديد) سيكون منتهياً إما بنفس العدد او بالعدد . ١ . والعدد ٦ هو العدد الذي إذا ضرب في نفسه انتج في خانة الآحاد نفس العدد ٦ . أما العدد ٧ فهو المتوسط النسبي بين الأعداد الأولى إلى عشرة (١٠)،وذلككمايلي:١+٣=٤،٤ + ٣ = ٧،٧+٣= ١٠، وذلك إلى جانب العدد ٣ . أما العدد ٨ فهوأول عدد تكعيبي، والعدد ٩ تأقي اهميته من حيث إنه اولاً مربع ٣ ، ثم من حيث إنه ثانياً آخر الأعداد قبل العشرة. أما العدد . ١ فهو كما رأينا أكمل الأعداد، وكل ما وراءه من اعداد هو تكرار لهذا العدد.

ننتقل من هذا إلى تطبيق نظرية الأعداد على العناصر. وهنا يقول الفيثاغوريون إن العناصر لا بد قطعاً ان تكون مناظرة للأشكال المنتظمة. واول الأشكال المنتظمة: المكعب وهو يقابل التراب، ثم الشكل الهرمي وهو يقابل النار، والمثمن المنتظم يقابل الهواء ، وذو العشرين وجهاً المنتظم يقابل الماء ، أما العنصر الخامس فيحوي جميع هذه العناصر الأربعة وهو أكمل الأشكال المنتظمة، وهو ذو الاثني عثر وجهاً المنتظم. ولنا نعرف على وجه التحديد لمن تنسب هذه النظرية: اهي لفيثاغورس نفسه ام لفيلولاوس، لكن يغلب على الظن أن هذه النظرية كانت نظرية فيلولاوس ولم تكن نظرية فيثاغورس أو المدرسة الفيثاغورية الأولى. وسنرى فيما بعد كيف أن أفلاطون في «طيماوس» يتخذ مثل هذه النظرية عينها، فيقول إن الذرات المكونة للعناصر لها أشكال ختلفة بحسب ما قلناه.

فإذا ما انتقلنا الآن من العناصر إلى الأشياء التي يتركب منها الكون، وجدنا أولا أن الفيثاغوريين كانوا يقولون بأن

العالم حادث، وذلك واضح من كلام أرسطوحين يقول إن واحداً من الفلاسفة السابقين لم يقل بأن العالم قديم، بل كلهم قالوا إن العالم حادث، وهذا يدلنا دلالة قاطعة على انه حتى الفيثاغوريين انفسهم قالوا بأن العالم حادث. لكن كيف يقولون إن العالم حادث ؟ لقد قالوا إن العالم كان في البدء في وسطه او في مركزه النار (كما فعل هرقليطس)، وعن طريق الانجذاب إلى هذه النار تنفصل الأشياء عن اللامحدود-واللاعحدود عند فيثاغورس او الفيثاغوريين هوالهيولي أو الخلاء-نقول حينعذ ينجذب نحو الناربعض العناصرالقريبة إليها، وشيثاً فشيثاً يتكون العام. والعالم مكون اولاً من السماء الأولى وتليها ا لكواكب الخمسة، ويلي ا لكواكب ا لخمة على الترتيب: الشمس ثم القمرثم الأرض. ولكي يتم عدد هذه الأجرام فتصبح عثرة من اجل ان يكون الكون كاملا، اضافوا جزماً جديداً سموه باسم الارض المقلوبة وهذا الجرم الجديد مركزه بين الشمس وبين الأرض، وهو الذي يتمثل في إحداث الليل والنهار.

وعلى هذا الأساس قام النظام الكوفي عند الفيثاغوريين. وتأقي بعد هذا فكرة الانجام، فيقول الفيثاغوريون إن الكواكب متحركة، وإن كل حركة تؤدي إلى نغمة وإن النغمة تختلف الواحدة منها عن الأخرى تبعاً لسرعة الحركة؛ والأجرام أو الكواكب ختلفة في سرعة نغماتها تبعاً لبعدها أو قريها من المركز-ولهذا فإنها نغمات ختلفة، إلا أن هذه النغمات المختلفة تكون في تدرجها الطبقة (الأوكتاف). والطبقة أو الأوكتاف هي الانسجام عند الفيثاغوريين، ولهذا فإن الأجرام السماوية في حركاتها تبدوفي انجام أوتحدث انسجاماً.

وهنا تأقي مسألة أثيرحولها الكثيرمن الجدل، وكان مصدر هذا الجدل ان الروايات الي قالت بهذا القول كانت متأثرة بالنظرية الرواقية التي أتت فيما بعد، وتلك هي مسألة «نفس العالم». ولعل أرجح الأراء في هذا الصدد رأي تسلر الذي أنكران يكون الفيثاغوريون قد قالوا بروح للعالم. وكل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو انه تصدر عن النار الأولى حرارة او حياة تشيع في اجزاء الكون. إلا أن هذه الحياة أو الحرارة لا تكون شيئاً واعياً مريداً يمكن ان يمى باسم النفس الكليةكماهي الحال في البنيما خهعدر1€&ا الرواقية.

اما النفس الإنسانية فقد قال الفيثاغوريون عنها-حسب ما يورده افلاطون وأرسطو - إنها عدد، وإنها انسجام، لكن هذا

٢٣٢

(المدرسة)الفيتافورية

القول لا يجب أن يفهم بحسب ما فسره المتأخرون، أعفي على اساس ان الروح انسجام البدن. فكل ما يمكن ان يثبت للفيثاغورين في هذا الصدد هو أنهم قالوا إن النفس انسجام فحسب، لكن لا نستطيع مطلقاً ان نقول إنه^م قالوا عن النفس إنها انسجام للبدن. فهذا القول أشبه ما يكون بالنظرية الأرستطالية في ان النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة ولهذا لا يمكن أن يقال إلا أن النفس عند الفيثاغوريين هي انسجام أوعدد، وذلك تبعاً لنظريتهم الرئيسية، وهي أن كل الأشياء عدد. وهنا نصل الى قول مشهور، قال به الفيثاغوريون، وهوفكرة تناسخ الأرواح.

يقول الفيثاغوريون إن الإنسان عوقب ووضعت نفسه في سجن، هو البدن. والذي وضعها في السجن هو الله أو الآلهة، ولا يستطيع أن يتخلص بنفسه من هذا السجن، وإنما هويستطيع فقط أن يتحرر عن طريق الموت، بانفصال النفس عن البدن. وهنا إذا فصلت النفس عن البدن، فإغها إما أن تحيا حياة لا مادية صرفة وذلك إذا كانت محسنة، وإما أن تحيا حياة عذاب بأن تذهب إلى النار في هادس أو تحيا مرة أخرى حياة أرضية في جم إنسان آخر أو في جم حيوان، وهكذا تستمر حياة النفوس. ويذكر الفيثاغوريون تأييداً لهذا قولهم إن الذرات الترابية القي نجدها في أشعة الشمس ليست إلا نفوساً إنسانية انفصلت عن ابدانها وعاشت محلقة في الهوام. وهذه النظرية التي قال بها الفيثاغوريون في تناسخ الأرواح هي النظرية التي ميأخذ بها أفلاطون، ويتحدث عنها طويلا في فيدو.

وليس من شك في أن هذا الرأي الذي قال به الفيثاغوريون لم يكن رأياً علمياً قالوا بم بل كان معتقداً دينياً أغلب الظن أنهم اخذوه عن الشرقيين، ولهذا لا نستطيع أن نعده من بين فلسفتهم. ومن هذا النوع كذلك الآراء التي وردت عن الفيثاغورين فيما يختص بالآلمة، فإن الأقوال التي

نسبت إليهم في هذا الصدد ليست أقوالاً علمية، لكنها معتقدات دينية آمنوا بها واتخذوها من اجل مسلكهم في الحياة، فهم قد أخذوا إذن بالمعتقدات الشعبية، وهذا لا يمنع من أن يكون الفيثاغوريون قد أخذوا بها بعد أن هذبوها وارتفعوا بها إلى شيء من التنزيه والتجريد.

وأخيراً نصل إلى مسألة رئيسية هي الأخلاق عند الفيثاغوريين. وهنا يلاحظ أنهم لم يضعوا اخلاقاً بالمعفى الحقيقي. فلثن كانت جماعتهم جماعة أخلاقية تسيرعلى قواعد عمل معينة، وكن كانت نظراتهم العلمية ختلطة بطابع أخلاقي كما رأينا منقبلحينما جعلوا للأ عداد صفات أخلاقية معينة، فإن هذا كله ليس معناه أن الفيثاغوريين قد وضعوا علم الاخلاق، فإن السلوك سلوكاً اخلاقياً من الناحية العملية ليس معناه مطلقاً انهم فكروا تفكيراً نظرياً في الأسس النظرية القي يجب أن تقوم عليها قواعد السلوك الأخلاقي. ومن هنا نستطيع أن نقول إن الفيثاغورين لم يضعوا علم الأخلاق، بل هم سلكوا فحسب سلوكاً اخلاقياً عملياً ، لا يتجاوز حدود التفاصيل العملية التي يسير الإنسان على مقتضاها في حياته العملية. وبهذا يمكن أن نرد على أولئك الذين لا يريدون أن يجعلوا سقراط أول واضع لعلم الأخلاق وإنما يجعلون الفيثاغورين سابقين عليه في هذا الباب.

ونستطيع الآن أن ننظر نظرة إجمالية عامة إلى المدرسة الفيثاغورية، فنجد أغها أولاً كانت جماعة دينية أخلاقية صوفية، حاول أصحابها ان يبتعدوا عن الحياة المضطربة التي كانت تحياها بلاد اليونان إبان ذلك العصر. لكن هذا الطابع الأخلاقي العملي لميكنهو الطابع الذي ساد تفكيرهم العلمي، بل الأحرى أن يقال إن تفكيرهبم العلمي هو الذي طبع تفكيرهم الأخلاقي، وأهم بدأوا بالعلم كي ينتهوا إلى الأخلاق.

  1. ^ الدكتور عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة. الجزء الثاني.