علاقة التهادي
علاقة التهادي (بالإنجليزية: Gift Relationship) هي علاقة اجتماعية تنطوي على منح وتلقي وإرجاع الهدايا. وهي تستند إلى أفكار الثقة والتبادل والتضامن. ووفقًا لمارسيل موس، فإن الهدية ليست مجرد كائن مادي، بل هي أيضًا تعبير عن العلاقة بين المانح والمتلقي. وزعم أن إعطاء الهدايا يخلق روابط والتزامات بين الأشخاص والمجتمعات.
مارسيل موس
ذهب مارسيل موس فى كتابه الهدية، الذى صدر فى ترجمته الإنجليزية عام 1954، إلى ىأن الهدايا تعد نظاما تبادليا وملزما فى كثير من المجتمعات. ولا يمكن تفسير هذا السلوك فى ضوء نموذج "الإنسان الاقتصادى الرشيد" الذى يظهر فى الجانب الأكبر من أعمال الفكر الاقتصادى الرسمى فى الغرب. ولقد أكد موس أن الجانب الاقتصادى لا ينفصل عن المجالات الاجتماعية الأخرى. ففى كل مجتمع تتشابك العلاقات الاقتصادية بالقيم والعلاقات الأخلاقيه، و أنه من الخطأ فصل ما هو رشيد عن ماهو غير رشيد، أو فصل العاطفة عن المصلحة الذاتية. ولقد خلص موس إلى النتيجة التى مؤداها أن القيمة الاقتصادية لها مصدر دينى، وهو اتجاه شاركه فيه أستاذه إميل دوركايم. فالقيم النفعية للأشياء يتم التخلى عنها من أجل الحصول على مكانة اجتماعية. ومن ثم فإن القيم الطقوسية تسبق القيم الاقتصادية وتعلو عليها.
برونيسلاو مالينوفسكى
وإذا أخذنا مثالا من العمل الميدانى لبرونيسلاو مالينوفسكى، فإن سكان جزر التروبرياند يقمعون رغبتهم فى أكل اليام (نوع من البطاطس بعضه يتميز بحلاوة الطعم) ويميلون إلى تخزينها من أجل أن يقوموا بتوزيعها، ومن ثم اكتساب مكانة محترمة. أما فى قبائل الكوياكوتل Kwiakutl فى شمال غرب المحيط الهادى الأمريكى، فنجد أن الطقوس المتصلة بمنح الهدايا تصل ذروتها فى النظام المعروف باسم البوتلاتش الذى يتم فيه تحطيم كميات كبيرة من الممتلكات (انظر دراسة كودير بعنوان: القتال بالممتلكات، الصادرة عام 1950). ففى كلا المجتمعين ينظر الأنثروبولوجيون إلى علاقات التهادى على أنها النظام السياسى الرئيسى.
مارشال ساهلينز
ولقد قدم مارشال ساهلينز (فى دراسته المعنونة: اقتصاديات العصر الحجرى، الصادرةعام 1972) تنميطا لعلاقات التهادى فى مجتمعات مختلفة، يتراوح من الهدية التى تعبر عن العرفان بالجميل من ناحية إلى العلاقات الاستغلاليه من ناحية أخرى. ويشير مفهوم التبادل العام إلى النموذج الأوروبى لمنح الهدية، الذى لا يقدم فيه المرء الهدية لكى يحصل على مقابل، وأن رد الهدية لا يرتبط بالزمن، أو الكم، أو الكيف. ويتم التبادل العام عادة داخل شبكة علاقات قرابية. ونجد من ناحية أخرى، أن التبادل المتوازن يعبر عن استمرار علاقات اجتماعية بطريقة تختلف عن تلك السائدة داخل الأسرة، بحيث تجسد العلافات غير التعاقدية المطويلة المدى. وبهذه الصورة، فإن تبادل الأشياء المتساوية فى القيمة يتم عبر فترة قصيرة من الموقت مثل شراء مشروب لشخص فى مقهى، وقد تظهر هنا بعض صور اللاتوازن المؤقتة. و لكنها صور لا يمكن تحملها الى ما لانهاية. أما النمط الثالث والأخير من العلافات التبادلية عند ساهلينز فهو التبادل السلبى، حيث ينظر كل طرف إلى تعظيم الممزايا المتى يحصل عليها على حساب الطرف الآخر.
ولقد تطور التحليل السابق لتقديم الهدايا من خلال دراسة المجتمعات التقليدية أساسا، ورغم هذا فإن 5% من الإنفاق الاستهلاكى فى المملكة المتحدة يتجه إلى الهدايا، كما أن نسبة السلع المصنعة فى صورة هدايا فى الغرب الحديث نسبة كبيرة تماثل نظيرتها فى المجتمعاث التقليدية.
الهدايا النقدية
ونلاحظ أن الهدايا النقدية يمكن أن تمثل مشكلة فى المجتمعات الغربية، ذلك أنها بطبيعتها تركز الانتباه على القيمة الاقتصادية للهدية، لا على معناها الرمزى. و لهذا السبب نجد أن استخدام النقود كهدية بمناسبة أعياد الميلاد - فى أغلب المجتمعات الغربية على الأقل يكون محدودا بحدود دقيقة وصارمة. ولا يكون الإهداء بالنقود مقبولا - على المعموم - إلا إذا كان موجها من صاحب مكانة أعلى إلى صاحب مكانة أدنى، كإهداء فرد من الجيل الأكبر إلى أفراد الجيل الآصغر داخل الأسرة. فإذا التزمت الهدية النقدية بهذا النمط ، فإنها تعكس فى هذه الحالة فرقا فى المكانة، دون أن يفقدمتلقى الهدية وجهه، وتعدفى مثل هذه الآحوال وسيلة للتعبير عن العاطفة بتوفير الاحتياجات الممادية للمهدى إليه. و على هذا الآساس،
وباستخدام نفس المثال، لا يكون من المقبول عموما أن يقدم الحفيد هدية نقدية إلى جده، حيث أن هذا المسلك قد يوقع الأمر فى مأزق تسليع العاطفة (أى النظر إليها كسلعة). (انظر حول هذا الموضوع دراسة تيودور كابلو: "هدايا عيد الميلاد وشبكة العلاقات القر ابية"، المنشورة فى المجلة يكية لعلم الاجتماع، عام 1982).
كما أن الهدايا النقدية يمكن أن تساعدنا فى أن نتبين كيف تعمل المحرمات (التابو) المرعية على الفصل فصلا واضحا بين المجال الاقتصادى للحياة وسائر مجالات المحياة الأخرى ويصف زليزر(فى دراسته؟ "القيم الإنسانية والسوق" الممنشورة فى المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع، عام 1978) كيف تم "إعادة تغليف" فكرة التأمين على الحياة لتصبح مقبولة لدى الأمريكيين فى العصر الحديث. ففى مبدأ ظهور نظام التأمين رفض الناس رفضا تاما هذا الشكل من أشكال التسليع على أمر معنوى، أى وضع سعر لحياة الإنسان. ولهذا كان من الحسعب عندئذ الترويج لنظام التأمين على الحياة. ولم يتم التغلب على تلك المشكلة الا عن طريق تغيير المعنى الظاهرى لأموال التأمين. فبدلا من النظر الى التأمين على الحياة كعلاقه بين بانع (هو شركة التأمين) ومشتر (هو المومن)، أعيد تعريفه كوسيلة لتعبير المؤمن عن حبه لأسرته، وذلك من خلال استمراره فى إعالة أفراد تلك الأسرة بعد موته. وفى ضوء هذا التعريف الجديد للموقف، لم يعد الآمر تحويلا للموت الى سلعة بربطه بالسوق، وإنما بات المال الذى يدفع للمؤمن على حياته هبة (شبه مقدسة)، وهى علاقة باتجاه واحد تسير من الأب إلى أسرته.
ويمكن القول - مع ذلك - أن الظاهرة الحديثة لتقديم الهدية (بما فى ذلك الهبات التى تقدم لمؤسسات الخير والإحسان) مازالت من الظواهر التى لم تتل ما هى جديرة به من اهتمام علماء الاجتماع. وذلك على خلاف موقف علماء النفس - مثلا - الذين اضطلعوا بدراسات علمية منظمة لمعنى الهدايا، ولمدى القبول الاجتماعى للسلع المختلفة فى شتى علاقات التهادى.