عصر جليدي
العصر الجليدي فترة في تاريخ الأرض غطت فيها طبقات الثلج أقاليم كبيرة من الأرض. ويعتقد بوجود العديد من العصور الجليدية الرئيسة التي دام كل منها عدة ملايين من السنين. انقرضت في العصر الجليدى الأخير الثدييات العظمية (الفقارية) عندما غطي الجليد معظم المعمورة. وبهذا العصر ظهر الإنسان العاقل الصانع لأدواته وعاشت فيه فيلة الماستدون والماموث وحيوان الدينوثيريوم الذي كان يشبه الفيل لكن أنيابه لأسفل وحيوان الخرتيت، وكانوا صوفي الشعر الذي كان يصل للأرض. وهذه الفيلة كانت أذناها صغيرتين حتى لاتتأثرا بالصقيع. كما ظهر القط (سايبر توث) ذات الأنياب الكبيرة والنمور ذات الأسنان التي تشبه السيف وكانت تغمدها في أجربة بذقونها للحفاظ على حدتها. وفيه كثرت الأمطار بمصر رغم عدم وجود الجليد بها. وصخور هذا العصر عليها آثار الجليد.
وقد ترك الإنسان الأول آثاره بعد انحسار الجليد. وقد حدث به انقراض كبير للثدييات الضخمة وكثير من أنواع الطيور منذ 10 آلاف سنة بسبب الجليد حيث كانت الأرض مغطاة بالأشجار القصيرة كأشجار الصنوبر والبتولا.
إسهامات جيمس كرولوميلوتن ميلانكوفيتش في تحديد مناخ الأرض
في أثناء أحد العصور الجليدية (١٨٣٦)، أصبحت درجة حرارة كوكب الأرض ككل أكثر برودة، وامتدت طبقات الجليد لتغطي الكثير من امناطق. وتبدو نظرية حدوث العصور الجليدية بسبب تأثير قوى جذب الكواكب الأخرى على الأرض وكأنها إحدى نظريات علم التنجيم، الذي يعبر بالرغم من ذلك عن أحد أنماط العلوم المفيدة للبشر. وترتبط هذه النظرية في العادة بالعالم الفلكي الصربي ميلوتن ميلانكوفيتش، ولكنه لم يفكر في ذلك الأمر منذ البداية.
كان العالم الاسكتلندي جيمس كرول مثقفا بدرجة كبيرة وبصورة ذاتية؛ حيث إنه لم يرتق مطلقا لما هو أعلى من المنصب الذي تولاه كموظف في إدارة المسح الجيولوجي في اسكتلندا. وبالرغم من ذلك، فقد كان على اتصال مع العلماء البارزين في ذلك الوقت أمثال تشارلز داروين وتشارلز ليل فأصبح زميلاً للجمعية الملكية آنذاك. قبل العالم كرول، اكتشف عالم الفلك الفرنسي أوربان لوفيرييه الذي كان قد تنبأ بوجود كوكب نبتون (١٨٤٦) أن قوى الجذب الخاصة بالكواكب الأخرى، وخاصة كوكب المشترى، تتسبب في تغيير مدار كوكب الأرض من الشكل الدائري ليصبح أكثر بيضاويا كل ١٠٠٠٠٠ سنة.
في عام ١٨٧٥، أي قبل خمسين عاما تقريبا من مجيء ميلانكوفيتش، اقترح العالم جيمس كرول في أحد كتبه أن هذه التغييرات الدقيقة في شكل المدار لا بد أن تؤثر على المناخ العام لكوكب الأرض، فتمر الأرض بعصور جليدية وذلك في أزمنة يمكن توقعها. ولم يكن العلم في الوقت الذي عاش فيه كرول قد وصل إلى درجة كافية من الدقة لإثبات صواب أو خطأ رأيه. ولذلك، حدث نوع من التجاهل لنظريته.
منذ عام ١٩٢٠، أضاف العالم ميلانكوفيتش الكثير من التفاصيل إلى تلك النظرية، كما استخدم ثلاث دورات. استغرقت الدورة الأولى حوالي ١٠٠٠٠٠ سنة شهدت الأرض فيها تغييراً في شكل مدارها، وشهدت الدورة الثانية تغييراً في شكل ميل محور الأرض كل 41000 سنة، أما بالنسبة للدورة الثالثة فشهدت تحولاً على مدار ٢٢٠٠٠ سنة حينما اقتربت الأرض من الشمس. وتؤثر هذه التغييرات إما على كمية الطاقة التي تصل إلى الأرض من الشمس حينما تصل معظم الطاقة إلى الأرض أو أنها تؤثر على المناطق التي تستحوذ على القدر الأكبر من هذه الطاقة.
يمكن لجميع هذه العوامل أن تؤثر على المناخ. فإذا أدت مجموعة ما من الأسباب معا إلى جعل فصل الصيف في المناطق الشمالية الباردة أقل حرارة عن ذي قبل، فسينتج عن ذلك بقاء المزيد من طبقات الجليد دون ذوبان إلى أن يأتي فصل الشتاء القادم. وعلى مدار الكثير من فصول الشتاء، ستزداد المساحات الممتدة أسفل طبقات الجليد والثلوج لتعكس المزيد من الطاقة الشمسية المرتدة إلا الفضاء الخارجي، مما يؤدي إلى برودة كوكب الأرض وتعجيل حدوث عصر جليدي جديد. توقع العالم ميلانكوفيتش حدوث عصور جليدية امتدت لفترة ١٠٠٠٠٠ سنة تخللتها فترات أكثر دفئا وامتدت حوالي ١٠٠٠٠ سنة فيما بين بعضها البعض. وازدادت تلك العصور الجليدية حدة، كلما زادت فترة استمرارها على كوكب الأرض، ولكنها شهدت ارتفاعا سريعا في درجة الحرارة قبل انتهائها.
في أثناء قيامه بتأليف بعض كتبه في هذا الشأن، كانت الأدلة على صحة نظرياته عن العصور الجليدية لا تزال بدائية. ولكن كان معروفاً أن طبقات الجليد قد ظهرت على سطح الأرض واختفت لمرات عديدة. إلا أن هذا لم يكن كافيا لإقناع المتشككين في صحة هذه النظرية، حيث إن هذه الفكرة بدت شديدة التطرف. ظلت افتراضات ميلانكوفيتش خارجة عن دائرة التصديق لمدة خمسين سنة أخرى. ومثلما حدث مع جميع الأفكار التي تم رفضها في بداية الأمر، مثل نظرية زحزحة القارات (فاجنر ١٩١٢)، تحظى فرضية ميلانكوفيتش بالكثير من التأييد القوي في الوقت الحالي. فالتفاصيل التي تعلقت بحدوث العصور الجليدية وانتهائها، والتي تم التعرف عليها من دراسة طبقات الجليد في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) والرواسب المأخوذة من قاع البحر، تتناسب مع قوى الجذب المتغيرة للكواكب الأخرى بشكل كبير.
جدير بالملاحظة أن الشكل الحالي للكواكب، يدل على أنه حتى دون التدخل البشري في الأمور، فإن كوكب الأرض مقدم على حدوث عصر جليدي جديد.
فترات
حدث أول العصور الجليدية المعروفة أثناء زمن ماقبل الكمبري منذ حوالي 2,3 مليار سنة. وكذلك وجد عصر جليدي مهم منذ 600 مليون سنة مضت عند نهاية زمن ما قبل الكمبري. وبدأ العصران الجليديان التاليان منذ حوالي 450 مليون سنة أثناء العصر الأوردوفيشي ومنذ حوالي 300 مليون سنة أثناء العصر الكربوني. واستمر كل عصر جليدي من 20 إلى 50 مليون سنة. وجمع العلماء الكثير من الدلائل ليثبتوا حدوث هذه العصور الجليدية. فقد درسوا الصخور التي تشكلت أثناء العصور الجليدية القديمة. وفي هذه الصخور، وجدوا ركامًا جليديًا (تربة وأحجارًا نحتت بالمثالج) وأسطحًا صخرية صقلها تحرك الطبقات الجليدية فوقها. وعلى سبيل المثال، تحتوي الصخور التي تكونت في العصرين الكربوني المتأخر والبرمي المبكر في أمريكا الجنوبية وأفريقيا والهند وأستراليا على دلائل مثلجية. ويعتقد معظم العلماء الآن أنه منذ 300 مليون سنة مضت كانت هذه الأراضي متجمعة مع أنتاركتيكا حول القطب الجنوبي، مشكِّلة قارة واحدة اسمها أرض الجندوانا التي تفككت في أو من بعد ذلك العصر، ثم تحركت أجزاء الأراضي المنفصلة ببطء إلى مواقعها الحالية.
العصر البليستوسيني
أكثر العصور الجليدية حداثة كان أثناء العصر البليستوسيني الذي بدأ منذ مليوني سنة وانتهى منذ حوالي 10000 سنة. يشير مصطلح العصر الجليدي عادة إلى العصر الجليدي البليستوسيني.
لم تتأثر الأحافير ودلائل أخرى من العصر الجليدي البليستوسيني بتغيرات في الأرض مثلما حدث لتلك التي وجدت في العصور الجليدية المبكرة.
التراجع الجليدي الأخير
بدأ التراجع الجليدي الأخير منذ أقل من 20,000 سنة. ويتوقع معظم العلماء أن فترات مثلجية سوف تحدث مرة أخرى، حيث يعتقدون بوجود تغيرات منتظمة في مدار الأرض حول الشمس وفي زاوية ميلها، وقد يتسبب هذا في برودة تزيد بدورها من تشكيل كتل جليدية.
أثناء المثلجية تتكون كتل جليدية قارية تنمو سميكة وتنساب للخارج من مركزها. وفي أمريكا الشمالية كان المركز الرئيسي حول خليج هدسون، حيث واصل تراكم الثلج بين 2,400 و 3,000م. وتسبب الضغط الناتج عن وزنه في أن ينساب الثلج للخارج في كل الاتجاهات. وقد غطى معظم أمريكا الشمالية حتى وديان نهري ميسوري وأوهايو حاليا.
حيوانات
يعتقد بعض العلماء أن الجمال والخيول والفيلة الموجودة الآن ظهرت أولاً في العصر الجليدي. نشأ الحصان والجمل في أمريكا الشمالية، ثم عبرا مضيق بيرنغ إلى آسيا. وتطور الفيل والثور الأمريكي والغزال والدب في أوروبا وآسيا، ثم أتت إلى أمريكا الشمالية. وذهبت الخيول واللاما وكسلان الأرض العملاق والمدرعات إلى أمريكا الجنوبية.
وحينما دفعت الغطاءات الجليدية من الشمال نقلت معها الحيوانات جنوبًا. لكن في أثناء الفترات بين المثلجية تتبعت الحيوانات الجليد المذاب عائدة في اتجاه الشمال.
ويظن بعض العلماء أن التغير في المناخ تسبب في موت ثدييات العصر البليستوسيني، بينما يعتقد آخرون أن الإنسان أبادها جميعها. وعلى سبيل المثال عاش كسلان الأرض العملاق والماموث وحيوان الماستودون وهو حيوان بائد شبيه بالفيل ودب الكهوف والمغاور وحيوان الكنغر والعملاق وثدييات أخرى كبيرة في أمريكا الشمالية حتى وصل الإنسان إلى القارة منذ 20,000 سنة مضت ولكن سرعان مابدأت هذه الحيوانات في الاختفاء. وعاشت هذه الحيوانات جنبًا إلى جنب مع البشر خلال معظم العصر البليستوسيني.
يعتقد العلماء بانقراض حوالي 55 نوعا من الحيوانات الكبيرة الحجم في أمريكا الشمالية، اهمما الماموث ونمر العصر الجليدي وقد تمكن العلماء بفضل الأبحاث التي أجروها على حيوانات الكسلان العملاقة في جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية من تحديد انقراض هذا النوع من الحيوانات منذ 11 ألف سنة قبل عصرنا الحالي الذي يتوافق مع تاريخ اندثار صيادي ما قبل التاريخ.