السلوك الجماعي

(بالتحويل من سلوك جمعي)

السلوك الجماعي أو السلوك الجمعي (بالإنجليزية: Collective Behavior) مصطلح في علم الاجتماع يشير إلى كيفية سلوك الأفراد عندما يكونون في حُشود جماهيرية كبيرة ومجموعات كبيرة أخرى غير منظمة نسبيًا. ومن أمثلة هذا السلوك الوَلَع الذي يستحوذ على الجماهير فترة مؤقتة من الزمن ثم يمضي، وكذلك الرعب أو الهلع، والشغب. وينشأ هذا السلوك الجماعي عادة في المواقف التي تثير عواطف الناس كالمنافسات الرياضية، ومظاهرات الاحتجاج، والكوارث.

يتصف معظم السلوك الجماعي بالتهوُّر، ولا يكون مخطَّطًا له، كما أنه لايستغرق وقتًا طويلاً. بناءً على ذلك، فإنه يختلف عن أنماط السلوك التي يمكن التنبؤ بها والتي تدوم فترات طويلة، مثل تلك التصرفات التي تقوم بها المجموعات الرياضية، والأندية الاجتماعية. لكننا نجد أن بعض أنواع السلوك الجماعي توافق نمط الهياكل الاجتماعية المنظمة؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن الأحزاب السياسية المنظمة أو الحركات الاجتماعية قد تستخدم التظاهرات الجماهيرية وسيلة لإحداث تغيير اجتماعي تكون قد خطَّطت له.

لم يكن العلماء قبل حلول القرن العشرين يعرفون إلا القدر اليسير عن القوى التي تؤثِّر في السلوك الجماعي. وخلال تسعينيات القرن التاسع عشر، أجرى جوستاف لوبون ـ الطبيب وعالم الاجتماع الفرنسي ـ واحدة من أولى الدراسات النفسية على الحشود. وقد أدخل كلٌ من عالمي الاجتماع الأمريكيين روبرت بارك وإرنست بيرجيس مصطلح السلوك الجماعي لأول مرة في كتابهما مقدمة لعلم الاجتماع (1921م).

ونظرًا لأن السلوك الجماعي يحدث في أشكال كثيرة متباينة، لم يستطع علماء الاجتماع الوقوف إلا على نتائج قليلة عن منشئه وتطوُّره وما يترتب عليه من تبعات.

الدراسات الاجتماعية للسلوك الجمعي

السلوك الجمعي هو ذلك الميدان البحثى الذى يمكن أن يشتمل على مجالات شديدة التنوع من الدراسة التى تتناول طرق ظهور أنواع السلوك الجمعى كاستجابة للظروف آو المواقف الإشكالية. فمن ناحية تمثل الحركات الاجتماعية المنظمة والمنسقة موضوعا للدراسة فى ميدان السلوك الجمعى. على الناحية الأخرى تعد دراسة حالات الانفجار الجماهيرى التلقائى فى أنماط سلوكية مشتركة موضوع الدراسة فى هذا الميدان. وذلك على نحو ما يتجلى فى حوادث الهستيريا الجماهيرية. وبين هذين النمطين من السلوك تأتى موضوعات الاستجابات تجاه الكوارث الطبيعية، وحوادث الشغب، وا لإعدام دون محاكمة عادلة، وحالات الجنون، والبدع، والموضات، و الإشاعات، والازدهار الحاد السريع، وحالات الهلع والذعر، وحتى حالات العصيان، أو الثورات. وقد تناولت هذه الموسوعة كثيراً من هذه الظواهر فى مواد مستقلة لكل منها. وفى ضوء ذلك يمكن القول أن مصطلح السلوك الجمعى بما يغطيه من مساحة كبيرة يكاد يغطى علم الاجتماع باكمله.

وربما ترجع الصياغات المبكرة للسلوك الجمعى إلى علم نفس الحشد. حيث يذهب جوستاف لوبون فى كتابه، الحشد: دراسة للعقل الشعبى، الصادر عام 1895، إلى ن الحشد يمثل واقعا من نوع خاص، "لأنه يشكل كائنا وحيدا فريدا، ويخضع لقانون الوحدة العقلية للحشود". ويذهب لوبون إلى أن كل الاستجابات الفردية تذوب داخل الحشود، وبالتالى فإن ظهور العقل الجمعى يجعل الناس تشعر وتفكر، ونتصرف بطريقة مختلفة تماما عن المطريقة المتى كان سيتصرف بها كل منهم لوكان بمفرده. فالحشود تظهر عندما تسود حالة مسن التخلص من الهوية الفردية (المجهولية)، والتى تنخفض معها المسئولية الشخصية، وتنتقل الأفكار بسرعة بين الجماعة عن طريق العدوى وتبرز - من خلال القابلية للاستهواء - الجوانب اللاواعية من الشخصية.

ونلاحظ أن العديد من الدراسات التى تمت بعد ذلك عن الحشود والشغب، وأمثالها من الاضطرابات الجماعية — بما فى ذلك إسهامات جبرائيل تارد، وسيجموند فرويد - لم تضف سوى القليل لما طوره لوبون فى مقولته عن العدوى. انطلق فرويد من وصف لوبون لعقلية الحشد، فى تحديد خصائص الحشد بانه مندفع، ومتهور، ومتقلب، وسريع الاستثارة، وغير قادر على التركيز، أو على مواجهة النقد، وعاجز عن المثابرة، وتحكمه مشاعر السلطة الكلية المطلقة، وتضخم المشاعر، والصيغ أو الوصفات السحرية، و الأوهام. ويفسر فرويد أسباب المشاركة فى الجماعة من خلال نظريات التحليل المنفسى لعلاقات الغريزة والموضوع داخل الفرد والجماعة الأولية. ويذكر فرويد أن "الطبيعة الجبرية الغريبة لتكون جماعة الحشد والمتمثلة فى قدرتها على التأثير على أفرادها يمكن تتبعها إلى حقيقة انتماء أفرادها لجماعة أولية معينة. فقائد الجماعة هو الأب المهاب، وترغب الجماعة فى أن تخضع لحكم قوة مطلقة، وتسودها ر غبة قوية للخضوع للسلطة و شوق شديد للطاعة. و ا لأب بمثابة أنموذج الجماعة (أو مثلها الأعلى) الذى يسيطر علي الأنا بدا من المثل الأعلى للأنا" (نقلا عن كتابه: الجماعة وتحليل الأنا). ويرى فرويد أن هذه السمات فضلا عن حالة فقدان الوعى، وسيطرة العواطف على العقل واندفاع الحشود "يتوافق مع حالة الارتداد للنشاط العقلى البدائى".

يطرح نيل سميلسر رؤية سوسيولوجية للسلوك الجمعى تتمثل فى مقولة القيمة المضافة، وذلك فى كتابه نظرية السلوك الجمعى، الصادر عام 1963. ويذكر سميلسر أن هناك محددات للسلوك الجمعى تتشكل من خلالها النتائج المترتبة على الأحداث، وتتمثل تلك المحددات فى : التحفيز البنائى (ظروف التسامح التى يصبح المسلوك فى ظلها أمرا مشروعا)، والضغط البتائى (مثل الحرمان الاقتصادى)، ونمو وانتشار رأى عام (مثل الهستريا الجماهيرية أو الوهم، أو خلق الشر الشعبى - انظر مادة : الشياطين الشعبية)، والعوامل المهيجة، والتهور والاندفاع (مثل حوادث الاقتتال فى موقف عنصرى متفجر، والتى تدعم معتقدات عامة منتشرة من قبل)، وتعبئة المشاركين للعمل (من خلال قيادة جماهيرية للاشتر اك فى حركة اجتماعية، أو حادث درامى بعينه، مثل سريان إشاعة عن بيع مذعور لأحد الملاك للأسهم فى إحدى الشركات)، وتأثير عملية الضبط الاجتماعى (التى تشير للقوة المضادة التى يستخدمها المجتمع الكبير لمنع وإعاقة المحددات السابقة). وفى رأى سميلسر أن آخر تلك القائمة هو أكثرها أهمية، لأنه "بمجرد أن يقع فعل السلوك الجمعى، فإن استمراريته وشدته تتحدد فى ضوء مؤسسات الصبط الاجتماعى".

وفى رأى سميلسر آن المحدد السادس يعزو نفس الأهمية التى يحظى بها الضبط الاجتماعى إلى نظريات الانحراف (وخاصة نظرية الوصم). ويهتم تراث الاتجاه التفاعلي عموما بالتنميط الاجتماعى اهتماما خاصا، وبالطريقة التى يمكن من خلالها خلق نماذج الدور، وانتشارها فى المجتمع الأكبر (انظر على سبيل المثال مؤلف تيرنر وكيليان، السلوك الجمعى، الصادر عام 1975. كما يتناول هذا الكتاب أيضا بعض الأعمال السوسيولوجية المبكرة حول البدع والموضات. وحديثا، تأثرت دراسة الظروف التى تظهر فى سياقها الأفعال الجمعية المنظمة (مثل الاضرابات) أكبر التأثر بنظرية الاختيار الرشيد، تأثر ا بالتحليل الكلاسيكى الذى طرحه مانكور أولسون فى كتابه: منطق السلوك الجمعى، الصادر عام 1965.

انظر أيضًا