روح القوانين

كتاب روح القوانين (بالفرنسية:De l'esprit des lois) هو بحث في النظرية السياسية، نشره للمرة الأولى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو عام 1748 بمساعدة الكاتبة كلودين دي تينسين.

نشر الكتاب في الأصل بشكل جزئي دون الإشارة لمؤلفه، وذلك أن أعمال مونتسكيو كانت تخضع للرقابة، وقد انتشر تأثيرها إلى خارج فرنسا بفضل الترجمة السريعة إلى اللغات الأخرى.

عام 1750، نشر توماس نوغينت الترجمة الإنجليزية الأولى للكتاب. وفي عام 1751، أضافت الكنيسة الكاثوليكية روح القوانين إلى قائمة الكتب الممنوعة. لكن أطروحة مونتسكيو السياسية كان لها تأثير هائل على أعمال عدد من الكُتاب الآخرين من أشهرهم كاثرين العظيمة التي وضعت كتاب ناكاز كاترين الثانية، والآباء المؤسسون للولايات المتحدة، وألكسيس دو توكفيل الذي طبّق أساليب مونتسكيو في دراسة عن المجتمع الأمريكي بعنوان في الديمقراطية في أمريكا.

أمضى مونتسكيو حوالي عشرين عاماً في البحث والكتابة، وقد شمل في كتابه العديد من الأمور كالقانون والحياة الاجتماعية ودراسة علم الإنسان وضمّنه حوالي 3000 توصية. في هذا الكتاب السياسي، دافع مونتسكيو عن الدستور ومبدأ فصل السلطات وإلغاء الرق، والمحافظة على الحريات المدنية والقانون، وفكرة أن المؤسسات السياسية يجب أن تعكس المظاهر الاجتماعية والجغرافية للمجتمع.

لمحة عامة

كتاب مونتسكيو الرئيسي هو «روح القوانين» (1748م) والذي على الرغم من أنه في الظاهر بحث في القانون، فإنه مع ذلك يتناول نظرات في كل ميدان متصل بالسلوك الانساني، ويتخلله البحث في مسائل تتعلق بمزايا مختلف أنواع الشرائع.

لكن الكتاب يعوزه التنظيم، ولهذا حاول بعض الباحثين ترتيب مختلف فصول الكتاب ابتغاء احكام تأليفه، وإيضاح مفاصله. وربما كان مرجع ذلك الخلل في تاليف الكتاب، وهو مؤلف من 31 كتاباً، إلى كون مونتسكيو قد استغرق في تأليفه عشرين عاماً.

لكن قيمة الكتاب تقوم في أمرين: الأول هو تصنيفه للنظم السياسية، والثاني بحثه المقارن والتاريخي في الاجتماع السياسي.

أنواع الحكومات: صنف مونتسكيو أنواع الحكم وفقاً لثلاثة أنماط، كل واحد منها يتميز بطبيعة وبمبدأ. ويقصد بـ «الطبيعة» الشخص أو الجماعة التي تملك السيادة في الدولة. ويقصد بـ «المبدأ» الوجدان الذي يسري في القائمين بالحكم إذا كان لهذا الحكم أن يعمل على أفضل وجه. وإذا حكمت الحكومة حكماً صحيحاً، فإن المشرع الذي ينتهك مبدأ الحكم سيثير الثورة عليه. أما إذا ضعفت الحكومة من جراء ضعف مبدئها الرئيسي، فلا يمكن إنقاذها إلا بمشرع قادر عل تقوية هذا المبدأ.

وشخص المشرع عند مونتسكيو يقصد به شخص استثناثي يلجأ إليه المجتمع من أجل وضع قوانينه الأساسية. لكن مونتسكيو خلط في مهمة هذا المشرع: فهو أحياناً يقرر أن على المشرع أن يكيف القوانين التي يسنها مع الروح العامة للمجتمع الذي يشرع له، ومرة أخرى نراه يدعو المشرع إلى سن القوانين، بل وإلى الاستعانة بالدين، من أجل محاربة هذه الروح العامة للمجتمع. والأمر يتوقف عنده على كونه يحب أو يكره هذا النظام في الحكم أو ذاك.

فإذا قسمت نظم الحكم من حيث الطييعة، هكذا يرى مونتسكيو، فإنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الجمهورية، الملكية، الدكتاتورية. أما الجمهورية فهي نظام الحكم الذي فيه الشعب كمجموع، أو بعض الأسر، تملك السيادة. والملكية هي نظام الحكم الذي فيه يحكم أمير وفقاً لقوانين مقررة تنشىء قنوات من خلالها تسري السلطة الملكية. وكنماذج لهذه القنوات يذكر: الارستقراطية تتولى أمور العدالة محلياً، وبرلمانات ذوات مهمات سياسية، وهيئة دينية ذات حقوق معترف بها، ومدن لها امتيازات تاريخية. أما الدكتاتورية (أو الحكومة الاستبدادية) فهي حكم الفرد الواحد الذي لا يسترشد ولا يتوجه إلا بإرادته الخاصة وأهوائه الشخصية.

ومبادئ هذه الحكومات مختلفة: فالفضيلة هي مبدأ الجمهورية، والشرف (الكرامة) مبدأ الملكية، والخوف مبدأ الدكتاتورية.

وقسم مونتسكيو الجمهوريات إلى: ديمقراطيات، وأرستقراطيات ونموذج الجمهورية الديمقراطية عنده هو اليونان وروما. وحين جعل الفضيلة مبدأ الجمهورية قصد بالفضيلة مجموع الصفات الضرورية للمحافظة عليها: ففي حالة الديمقراطيات: حب الوطن، الايمان بالمساواة، الزهد والتعفف اللذان يقودان إلى أن يضحي الأشخاص بلذاتهم الشخصية في سبيل المصلحة العامة. ووجد نموذج الديمقراطية الأرستقراطية في الجمهوريات المعاصرة له، مثل جمهورية البندقية والفضيلة فيها هي الاعتدال في السلوك والمطامح لدى أعضاء الطبقة الحاكمة.

أما عن الملكية، كما وجدها في فرنسا وسائر الدول الأوروبية في عصره، فقد رأى فيها النظام العصري لحكم بلاد متوسطة الحجم. ومبدأ الملكية هو الشرف (الكرامة)، وهو معنى لا يوجد إلا في مجتمع يقوم على أساس وجود امتيازات وتفضيلات لقلة من الناس. يقول مونتسكيو: «بدون الملكية لا توجد نبالة؛ وبدون نبالة لا توجد ملكية، لأنه لن يكون ثمتئذ إلا حاكم مستبد (طاغية) (الكتاب الثاني، فصل ٤).

أما الدكتاتورية فليست لها في نظر مونتسكيو أية فضيلة. إنها تقوم على الخوف، ولا تحتمل أية سلطات وسطى؛ ولو حدث فيها تخفيف فلن يكون ذلك إلا بواسطة الدين. والدكتاتورية تلقي بالناس في هوة الذل والمهانة - وهي لا تحافظ على كيانها إلا بسفك الكثير من الدماء. والطاعة التي تتطلبها من رعاياها هي الطاعة العمياء. والتربية والتعليم في النظام الدكتاتوري لا يهدفان إلا إلى تكوين أفراد يدينون بالطاعة العمياء، ويعوزهم التفكير المستقل، والطاعة العمياء تفرض الجهل فيمن يطيع، بل وفي من يأمر لأنه ليس من حقه أن يفكر أو أن يشك بل عليه أن يريد فقط. وتقتصر التربية على بث الخوف في قلوب الرعية، وتلقين بعض مبادئ الدين البسيطة جداً. «ذلك أن المعرفة ستكون خطرة، والتنافس نحساً . . . فالتربية (في الدكتاتورية) كأنها عدم. ولا بد من انتزاع كل شيء، من أجل إعطاء شي ما؛ وجعل الفرد عضواً فاسداً، ابتغاء جعله عبداً مطيعاً» (الكتاب الرابع، فصل 3). ورعايا الحكومة الدكتاتورية مجردون من كل فضيلة خاصة بهم «وليس في الدول الاستبدادية عظمة نفس، لأن الأمير فيها لن يعطي عظمة لا يملكها هو نفسه؛ إذ لا يوجد عنده جد. وإنما في الملكيات يشاهد حول الأمير رعايا يتلقون شعاعاته». (الكتاب الخامس، الفصل 12). ويشبه صنيع الحكومة الاستبدادية بصنيع المتوحشين في لويزيانا الذين حين يريدون أن يقطفوا الثمار يقطعون الشجرة من جذورها ويجمعون الثمار» (الكتاب الخامس، فصل 13). وفي الحكومات الدكتاتورية تقل القوانين، بل تنعدم ولا بد أن يكون المحكومون جهالاً، جبناء، محطمي النفوس والناس، بدلاً من أن يربوا على أن يعيشوا على أساس الاحترام المتبادل، يكونون بحيث لا يستجيبون إلا للترهيب والتخويف.

ويتساءل مونتسكيو: إن الناس يحبون الحرية ويكرهون القهر والعنف، ومن المحتمل أن يثوروا ضد الطغاة، فلماذا إذن يعيش معظم الناس في العالم تحت الاستبداد والدكتاتورية؟ ويجيب قائلاً إن هذا يفسر بأمرين: الأول هو أن الامبراطوريات الواسعة يجب أن تحكم حكماً استبدادياً كيما يكون الحكم فيها قوي النفوذ، والثاني، وهو الأهم، لأن الشرط الوحيد لقيام الدكتاتورية هو الشهوات الانسانية، وهذه توجد في كل مكان.

ودعا مونتسكيو إلى الفصل الواضح بين السلطات الثلاث في الدولة: السلطة التنفيذية (وتشمل أيضاً الشؤون الخارجية)، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.وقد أكد أن الفصل القاطع بينها هو الشرط لوجود الحرية. يقول: «إذا اتحدت السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية فلن تكون هناك حرية، إذ يخشى أن نفس الحاكم أو نفس مجلس الشيوخ (الهيئة التشريعية) يسن قوانين استبدادية من أجل أن ينفذها استبدادياً، ولن تكون هناك حرية أيضاً إذا كانت سلطة القضاء غير منفصلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، لأنها إذا كانت مرتبطة بالسلطة التشريعية، فإن السلطة على حياة المواطنين وحريتهم ستكون اعتباطية: إذ سيكون القاضي مشرعاً أيضاً. وإذا ارتبطت بالسلطة التنفيذية، فيمكن أن تكون للقاضي سلطة البطش وسيضيع كل شيء لو أن نفس الشخص، أو نفس الهيئة من الرؤساء أو من النبلاء أو من الشعب مارست هذه السلطات الثلاث معاً: سلطة سن القوانين، وسلطة تنفيذ القرارات العامة، وسلطة الفصل في الجرائم او المنازعات بين الأفراد» (الكتاب الحادي عشر، الفصل السادس).

وهكذا يؤكد مونتسكيو ضرورة الفصل القاطع بين السلطات الثلاث، وعلى نحو تجاوز فيه ما دعا إليه جون لوك.

ومن بين النظريات والآراء التي عرضها مونتسكيو في كتابه «روح القوانين»، عني الأمريكيون في القرن الثامن عشر بأمرين: رأيه في النظام الفدرالي (الاتحادي) ونظرية الفصل بين السلطات الثلاث.

ذلك أن مونتسكيو في مستهل الكتاب التاسع من «روح القوانين» أشاد بنظام الجمهورية الفدرالية (الاتحادية) فقال (في الفصل الأول) إن هذه الدولة «تتمتع بصلاح الحكومة الداخلية لكل واحدة منها، وبالنسبة إلى الخارج فإن لها، بفضل قوة التجمع، كل مزايا الملكيات الكبيرة». وقد اقتبس هاملتون، أحد كبار مؤسسى الولايات المتحدة الأمريكية، هذه العبارات، قائلاً: «إها تحتوي بإيجاز عل الحجج الأساسية المؤيدة للاتحاد»

وفيما يتصل بنظرية الفصل بين السلطات الثلاث يلاحظ أن هذه النظرية كانت أهم ما لفت نظر الأمريكيين في التفكير الدستوري لمونتسكيو

طالع أيضاً