ديموغرافيا تاريخية
الديموغرافيا التاريخية (بالإنجليزية: Historical Demography) هي الدراسة الكمية للسكان البشر في الماضي. يتعلق الأمر بحجم السكان، والمكونات الأساسية الثلاثة لتغيير السكان - الخصوبة والوفيات والهجرة، وبخصائص السكان المتعلقة بهذه المكونات، مثل الزواج والحالة الاجتماعية والاقتصادية وتكوين الأسر.
التعريف
الديموغرافيا التاريخية هي دراسة حجم وبناء السكان فى الماضى والعلاقة التاريخية بين التغيرات الديموجرافية والاقتصادية والاجتماعية. وثمثل عملية قياس الخصائص الديموجرافية للسكان قبل معرفة التعدادات السكانية والتسجيل الحيوى على مستوى قومى، تمثل تحديا رئيسيا لبحوث الديموجرافيا التاريخية، إذ أن البيانات المتاحة غالباً ما تكون جزئية ومبعثرة. ويكون من الضرورى فى هذه الحالة الاعتماد على عدد من المصادر مثل التسجيلات الكنسية، وإعلانات الوفيات، والوصايا، وشواهد القبور، والسجلات العسكرية، وقوائم الملكية، وما شابه ذلك، فى محاولة مضنية لإعادة بناء الصورة الديموجرافية لفترة من الفترات.
التاريخ
ترجع محاولات قياس الخصائص الديموجرافية للسكان فى الماضى إلى النصف الثانى من القرن العشرين. ومع ذلك فإن الديموجرافيا التاريخية ظهرت كفرع مستقل من الديموجرافيا فى فترة ما بعد الحرب، وارتبطت بتطوير أساليب بحثية جديدة لدراسة السكان من الناحية التاريخية، خاصة منهج إعادة تركيب الأسرة الذى قدمه فى الخمسينيات لويس هنرى الذى ينتمى إلى معهد الدراسات الديموجرافية الفرنسى. واستخدم هنرى السجلات الكنسية، أولا بالنسبة للطبقة البورجوازية فى جنيف، وثانيا بالنسبة للفلاحين فى كرولاى فى نورماندى، وذلك لإعادة بنساء الخبرات الديموجرافية للأسر فى هذه المجتمعات. ويتضمن المنحى الذى قدمه لإعادة تركيب الأسرة البدء من زوجين وتتبع الممعلومات حول إنجابهما، وحول والديهمسا، وزواجهما، وعدد مرات الحمل، وعدد مرات الوفيات، وهو إجراء يتكرر بالنسبة لكل أسرة.
و لقد استخدم ريجلى هذا الأسلوب فى المملكة المتحدة لدراسة الأسرة فى منطقة كولاتين فى ديفون مستخدما السجلات الكنسية التى تغطى الفترة من عام 1538 حتى 1837. ولقد ذهب فى مقاله الذى ترك تاثيرا كبيرا بعنوان: "الحدود المفروضة على الأسرة فى انجلترا فى عصر ما قبل الصناعة" والمنشورة فى مجلة التاريخ الانجليزى عام 1966، إلى أن ضبط النسل كان منتشراً فى تلك الفترة، وأن الأسرة كانت قادرة على أن تستجيب للضغوط الاجتماعية والاقتصادية عن طريق تاجيل الإنجاب وتقليل حجم الأسرة. ولقد كون بالاشتراك مع بيتر لاسلت جماعة كمبردج لدراسة تاريخ السكان والبناء الاجتماعى، والنى عملت منذ عام 1964 كنقطة إرتكاز للديموجرافيا التاريخية فى يريطانيا. ولقد أدى الانتاج العلمى الذى خرج من جماعات كتلك الى تحدى الآراء المستقرة حول الأسرة وحياة العائلة فى القرنين السابع عشر والثامن عشر. ولقد وضعت بحوث لاسلت على وجه الخصوص معايير جديدة وعلى درجة عالية من الاتقان لاستخدام المادة التاريخية الكمية فى تحليل الأسرة الغربية (انظر بحوثه التالية: العالم الذى فقدناه، والذى نشر عام 1965، والعائلة والأسرة فى الزمن الماضى، ونشر عام 1972، وحياة الأسرة والحب المحرم فى العصور الغابرة، الذى نشر عام 1977. ومع ذلك فيجب أن نلاحظ أن إعادة اكتشافه للأسرة النووية بوصفها الشكل المعيارى للأسرة فى انجلترا قبل الصناعية قد عارضه نقاد عديدون (من علماء الاجتماع والمؤرخين على حد سواء) الذين ذهبوا إلى أن وجود العالات الصغيرة كوحدة لتنظيم الإقامة، والأسر الصغيرة (أى النووبة) كإطار لمعنى الحياة اليومية قد لاتحمل بالضرورة نفس المعنى.
مصادر
تختلف مصادر الديموغرافيا التاريخية حسب فترة الدراسة ومواضيعها.
خلال الفترة الأخيرة - التي بدأت في أوائل القرن التاسع عشر في معظم البلدان الأوروبية، ثم في بقية العالم - يستفيد علماء الديموغرافيا التاريخية من البيانات التي جمعتها الحكومات، بما في ذلك إحصاءات السكان والإحصاءات الحيوية.
في الفترة الحديثة المبكرة، اعتمد علماء الديموغرافيا التاريخية اعتمادًا كبيرًا على السجلات الكنسية للمعمودية والزواج والدفن، وذلك باستخدام الأساليب التي طورها المؤرخ الفرنسي لويس هنري، وكذلك سجلات ضريبة الموقد والاستطلاع.
بالنسبة لحجم السكان، يمكن أن تشمل المصادر أيضًا حجم المدن والبلدات، وحجم وكثافة المستوطنات الأصغر، والاعتماد على تقنيات المسح الميداني، ووجود الزراعة أو عدم وجودها على الأراضي الهامشية، والاستنتاجات من السجلات التاريخية. بالنسبة لصحة السكان ومتوسط العمر المتوقع، تعد دراسة علم الحفريات القديمة، المستندة إلى دراسة البقايا الهيكلية، طريقة أخرى مهمة للسكان الذين يسبقون العصر الحديث، وكذلك دراسة أعمار الوفاة المسجلة في المعالم الجنائزية.
تتيح مجموعة بيانات PUMS (عينات بيانات المستخدم العمومي) للباحثين تحليل مجموعات البيانات التاريخية والتاريخية.
تطوير التقنيات
لعب التحليل التاريخي دورًا رئيسيًا في دراسة السكان، بدءًا من توماس مالتوس في القرن الثامن عشر وحتى كبار علماء السكان في القرن العشرين مثل أنسلي كولي وصموئيل بريستون. كان المؤرخ الفرنسي لويس هنري (1911-1991) مسؤولًا بشكل رئيسي عن تطوير الديموغرافيا التاريخية كحقل فرعي للديموجرافيا. في السنوات الأخيرة، انتشر البحث الجديد في الديموغرافيا التاريخية بسبب تطوير مجموعات البيانات السكانية الضخمة الجديدة، بما في ذلك قاعدة البيانات الديموغرافية في أوميو، السويد، العينة التاريخية لهولندا.
ووفقا لويليغان ولينش، المصادر الرئيسية المستخدمة من قبل المؤرخين الديموغرافيين وتشمل الأساليب الأثرية، وسجلات الرعايا بدءا حوالي 1500 في أوروبا، وسجلات الأحوال المدنية، التعدادات، إحصاءات السكان الوطنية بداية من عام 1800 تقريبا، وسلاسل النسب وإعادة إعمار الأسر ودراسات أنساب السكان، والسجلات التنظيمية والمؤسسية. شملت الأساليب الإحصائية جداول الحياة النموذجية، وتحليل السلاسل الزمنية، وتحليل تاريخ الأحداث، وبناء النموذج السببي واختبار الفرضيات، وكذلك نظريات الانتقال الديمغرافي والانتقال الوبائي.
انظر أيضًا
- التحول الديموغرافي
- علم السكان
- الديموغرافيا في العصور الوسطى
- علم الديموغرافيا القديمة
- التاريخ الكمي
- سكان العالم
- الديموجرافيا الاجتماعية