دولة مستبدة
الاستبداد أو الدولة المستبدة (تحكم حكماً مطلقاً) (بالإنجيلزية: Absolutism or Absolute State) يمكن تعريف المصطلح نفسه بأنه يشير إلى شكل من أشكال الدولة يميز المجتمعات التى تمر بمرحلة التحول من الإقطاع إلى الرأسمالية، حيث تتركز القوة فى شخص الحاكم، الذى يحوز تحت إمرته جهازا إداريا مركزياً. وبهذا الفهم للمصطلح نجده قد طبق على نوعيات متباينة من الدول بدءا من ملكية تيودور فى انجلترا فى القرن السادس عشر، وصولا إلى اليابان فى ظل حكم أسرةميجى فى ل قرن التاسع عشر. على أن المصطلح ما يزال موضعاً للاختلاف، فقد طبق على روسيا القيصرية، حيث تم الانتقال هناك من الإقطاع إلى الشيوعية مباشرة، كما أن البعض قد يرفض قبول فكرة أن الميابان قد عرفت النظام الإقطاعى فى أى مرحلة من مراحل تاريخها، اللهم إلا إذا استخدمنا المفهوم بصورة فضفاضة للغاية.
كما أن هناك قدرا كبيرا من الاختلاف حول الدور الذى لعبته مثل هذه الدول فى عملية التحول من الإقطاع إلى الرأسمالية. وقد وصف العديد من المؤرخين هذا الدور مشيرين إلى أن دور ها كان أشبه ما يكون بدور القابلة للرأسمالية، وهو تفسير يتضح من تفضيل استخدام البعض لتعبير "الاستبداد المستنير"، بدلا من البديل المنفر: " الاستبداد". (غير أن آخرين استخدموا المصطلح بالإشارة إلى تأثير رشد عصر التنوير على الدولة الاستبدادية فى بروسيا والنمسا وغيرها من الدول، وليس للإشارة إلى العلافة بين الاستبداد والرأسمالية). فى مقابل هذا ظل الماركسيون (على الأقل حتى وقت قريب) يعدون هذا الدور أقرب إلى دور إجهاضى للثورة، وبالطبع اعتبروه دورا سلبيا وغير كفء. و المشكلة التى كان على كلا الفريقين أن يعالجها هى تنوع الأشكال التاريخية التى خرجت من رحم الدولة الاستبدادية. ففى داخل أوربا ذاتها نجد أن ظهور الدول الاستبدادية يبدو -للوهلة الأولى- أنه كان مرتبطاً بالتحول السريع نحو الرأسمالية فى الغرب، وبتكثيف السيطرة الإقطاعية فى الشرق.
ويفسر ماكس فيبر (فى كتابه: التاريخ الاقتصادى العام، المنشور عام 1923، وكذلك الباحثون غير الماركسيين بصفة عامة، الدور التقدمى الذى لعبته الدولة الاستبدادية أو "الدولة الرشيدة" بالإسهام الهائل لهذه النظم فى تعظيم إمكانية التنبؤ بالفعل فى داخل حدودها الجغرافية، حيث شهدت هذه الدول بقرطة جهازها الإدارى (أى تنظيمه على أسس بيروقراطية)، وتطبيق القواعد القانونية، و احتكار شرعية استخدام القوة، واستخدامها لغرض سيطرتها على المجتمع ككل. ويفسر فيبر التعددية التى تسم النتائج التى ترتبت على وجود الدولة الاستبدادية فى كل من شرق وغرب أوربا، بأن ما حدث فى الشرق ماهو إلا مجرد تأخر زمنى فى عملية التحول وليس نكوصا عن التحول. وهو يرجع ذلك إلى افتقاد الدولة فى المشرق إلى حلفاء فى المجتمع، وهو ماعكس بالتالى التخلف الاقتصادى والثقافى العام الذى عرفته تلك المجتمعات.
وقد كان رد فعل الماركسيين (من أمثال: موريس دوب، وإريك هو بسبوم، وبيرى وأندرسون) لهذا التفسير أن ذهبوا إلى القول بأن هذا يرجع فى الغالب إلى ميل غير الماركسيين إلى أن يفترضوا مسبقا أهمية العوامل السياسية، أكثر من اعتمادهم على البحوث التاريخية الراسخة. وحيث أن الحاكم المطلق وأقوى مؤيديه كانوا دائما بمثابة ممثلين للنبالة الإقطاعية، فقد ذهب الماركسيون الى القول بأن الأمر الذى يحتاج إلى التفسير هو قصر المدة الزمنية التى هيمنت فيها الدولة الاستبدادية على مقدرات مجتمعات بعينها فى أوربا الغربية (وخاصة فى انجلترا وهولندا)، وليس تلك الحالات التى عمرت فيها الدولة. ويتمحور التفسير الذى قدمه الماركسيون حول الادعاء السافر والخلافى القائل بأن أغلبية الدول الأوربية قد مرت بأزمة اقنصادية مزمنة، استطاعت أن تتجنبها كل من انجلترا وهولندا. وقد نتج عن ذلك أنه فى كافة المجتمعات الأوربية عدا هذين البلدين، كانث النبالة الإقطاعية قادرة على سحق أو تكبيل منافسيها الرأسماليين. ولهذا السبب، كان باستطاعة الطبقات البورجوازية فى كل من انجلترا وهولندا أن تكتسب فى وقت مبكر امتيازات فى مواجهة منافسيها المحتملين، وهى الامتيازات التى استطاعت البورجوازية أن تعظمها بالتخلص من الحكم المطلق في هذين البلدين فى وقت قصير نسبيا. و إذا ماطرحنا جانباً الشواهد الإمبيريقية العديدة التى تعارض هذه الأطروحة، فمن المهم أن نلاحظ أنها تنهض على الادعاء بأفضلية دور العوامل الاقتصادية فى التحليل، وهو موقف مرفوض بنفس درجة رفض الادعاء بأفضلية دور العوامل السياسية الذى اعترض عليه الماركسيون. وربما كان مؤلف لوبلينسكايا: الاستبداد الفرنسى: المرحلة الحاسمة من 1620 حتى 1629، الصادر عام 1968، هو أكثر المحاولات نجاحا فى تجنب كلا الموقفين.