جماعية

الجماعية أو الجموعية أو الإشَاعِيّة (Collectivism) هو المصطلح المستخدم لوصف أي وجهة نظر أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية تشدد على أهمية الاعتماد المتبادل بين أفراد المجتمع. والجماعيون بشكل عام يرغبون بإعطاء أولوية لأهداف المجتمع كافة فوق أهداف الفرد. فالمجتمع -بنظرهم- ذو قيمة أكبر من الأفراد الذين يكونونه. بمعنى آخر، الجماعية عكس الفردية، أي أن ثقافات المجتمعات قد تكون جماعية أو فردية.

تشتهر الثقافات الآسيوية والأفريقية والعربية واللاتينية بأنها ثقافات جماعية. بينما الثقافات الاجتماعية في دول كأمريكا وألمانيا هي ثقافات فردية.

يعد كتاب جان جاك روسو العقد الاجتماعي مثالا جيدا على الفلسفة الجماعية السياسية، والتي تطالب بقيام الحكومة أو الناس في مجموعات بامتلاك الأراضي، والمصانع، وسائر وسائل الإنتاج. ولقد «نشأت أشكال عديدة من الجماعية خلال أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ ومن ذلك السنديكالية؛ أي النقابية، التي طالبت أن يمتلك العُمال المصانع ويديرون شؤونها، ومنها أيضًا التعاونيات التي كانت أعمال تجارية يمتلكها الأشخاص الذين يستفيدون من خدماتها. ولعل أوضح الأمثلة على الجماعية تتمثل في الشيوعية والاشتراك».

نبذة عامة

يستخدم هنا مصطلح الجماعية بعدة معان بعضها عام وبعضها خاص محدد. فيشير فى أكثر معانيه عمومية إلى أى نظرية أو ممارسة سياسية، أو اجتماعية افتصادية، تشجع الملكية العامة أو ملكية الدولة وسيطرتها على وسائل الإتتاج والتوزيع. أما الاستخدام الخاص المحدد للمصطلح فيتسم بالتنوع إلى حد كبير، لوجود نماذج متعددة للتتظيمات الجماعية.

وقد ظل تنظيم الفلاحين فى مزارع جماعية يمثل - حتى وقت قريب - جماعة اجتماعية مهمة فى مجتمع الاتحاد السوفيتى السابق. حيث كانت تلك المزارع هى التى تتحكم فى عائد عمل أعضائها، وهى التى تحدد نسب ما يتحصلون عليه من عوائد أو مكافأت، وتحدد نوعية الإنتاج الزراعى ومكوناته. وقد تكونت كثير من هذه الجمعيات عن طريق تجميع الفلاحين، والمزارع المملوكة للأسر رغم إرادتهم خلال قترة حكم ستالين. أما المزراع الجماعية فى الصين فلها قصة مختلفة تماما. وكان "نظام المسئولية" الذى أدخل فى الثمانينيات و احدا من أبرز الظواهر المرثبطة بتلك المزارع، وبمقتضاه كانت كل أسرة فلاحية توقع - وبصورة فردية — على عقد تظل الأرض بمقتضاه من المناحية العملية فى حيازة المزرعة الجماعية، ولكنها تخصص للأسرة الفلاحية لزراعتها بمعرفتها والانتفاع بها. وكانت تلك العقود تحدد التزامات كلا الطرفين، فيما يتعلق مثلا بثقديم الأدوات والمعدات، ودفع الضرائب، والالتزام بإنتاج الحصص الكلفة بتوفيرها. ومن أبرز نماذج التتظيمات الجماعية إدارة العمال الذاتية للاقتصاد التى ظهرت فى فترة حكم تيتو فى يوجوسلافيا. وإن كانت البحوث السوسيولوجية قد أكدت أن التوزيع الديموقراطى النظرى للنفوذ فى مثل هذه المشروعات بتحقق فى الواقع فى قوة مجالس العمال، التى أصبحت ممارستها رمزية إلى حد كبير.

وتذهب وجهة النظر الجماعية فى نقدها للنظريات الليبرالية، ونظريات المذهب الفردى الأخرى، إلى أن علاقات السوق علاقات تنافسية، وبالمتالى تميل إلى بذر الخلاف والشقاق، وإضعاف الروابط الجمعية الضرورية بين الأفراد عندما يواجهون المشاكل التى يمكن أن يتعرضوا لها. من هذا مثلا ما يذهب إليه أصحاب نظريات الرفاهية الاجتماعية من أن التبادل الحر الذى لا تقيده قيود يؤدى إلى خلق مشكلات الرفاهية، على نحو ما يحدث فى سوق الإسكان الذى يعجز عن تقديم المأوى للمحتاجين كل الاحتياج. يعد ريتشارد تيتمس من ابرز أنصار الاتجاه الجمعى الذين دافعوا عن دولة الرفاهية (انظر كتابه: علاقة التهادى، الصادر عام 1970)، حيث يذهب إلى أن أنساق الرفاهية يتعين الدفاع عنها على أساس مميزات وفضائل الغيرية. وكانت حجته أن الناس يجب أن يتلقوا الرفاهية كهبة من الآخرين، كتعبير عن التماسك الاجتماعى، وليس كامتياز أو حق مصدره شبكة علافات التبادل المعقدة. ويؤكد تيتمس أنه فيما يتعلق بالتبرع بالدم، لو أن هذه السلعة "الأكثر قداسة" قد تحولت إلى سعلة تجارية تباع وتشترى، فإن الروابط الأخلاقية بين الأفراد سوف ثتدلوث جميعا بسبب حسابات المصلحة الذاتية وأسعار السوق. ويذكر تيتمس بالتحديد أني المتبرعين بدمائهم عندمايطلبون مقابلا نقدياً أو يتوقعونه إنما يعبرون عن إيمانهم برغبة الناس فى التصرف بطريقة غيرية فى المستقبل، ويتحدون مع بعضهم البعض للتبرع لمن يحتاجون إليهم. ومن خلال التعبير عن الثقة فى سلوك الغرباء المجهولين مستقبلا، يتم "تنفيذ نظرية هوبز فى أن البشرمجردون من الإحساس الأخلاقى الغريزى". إن هذه الرؤية الجمعية للرفاهية، باعتبارها تعبيرا عن قيم مشتركة، تربط بصورة أوبأخرى بين أفراد مختلفين، تقابل على الناحية الأخرى تصورا، أكثر فردية للرفاهية مستمد من نظرية المواطنة. ويعنى مصطلح المواطنة أن مصادر الرفاهية هى مجرد امتداد للحقوق السياسية والقانونية التى تميز الديموقراطيات الليبرالية، ولهذافإن الرفاهية المجمعية تتسق كل الاتساق مع نظربة التعددية الليبرالية. فدولة الرفاهية إنما هى جزء مكمل لنظام السوق، بمعنى أن مؤسسات وسياسات التخفيف من وطأة الحرمان التى تتسم بالرشد، ترتكز على الأسس المفردية لعمليات التبادل والالتزام المشتركة. فى مقابل ذلك يجسد المذهب الجمعي (Communitarianism) رؤية للنظام الاجتماعى تشجع على وجود روابط جمعية حميمة.

الأصول والاعتبارات التاريخية

وصف عالم الاجتماع الألماني فرديناند تونيز أحد النماذج المبكرة للجماعية والفردية بتوظيف مصطلحي «الجماعة» و«المجتمع.» ساد الاعتقاد بأن العلاقات المجتمعية، التي تحظى فيها الطائفية بالأولوية، تتسم بها المجتمعات القروية الريفية الصغيرة. أعاد عالم الأنثروبولوجيا، ريدفيلد (1941)، طرح هذه الفكرة في عمل تباينت فيه الجماعات الشعبية مع الجماعات الحضرية.

ناقض ماكس ويبر (1930) النظرية الجماعية والفردية من المنظور الديني، معتقدًا أن البروتستانت أكثر فردية واعتمادًا على الذات مقارنة بالكاثوليك، الذين أيدوا العلاقات الهرمية المترابطة بين الناس. كان غيرت هوفستيد (1980) مؤثرًا إلى حد كبير في إيذانه بحقبة من البحوث العابرة للثقافات التي تُجري مقارنات بين الجماعية والفردية. وضع هوفستيد إطارًا مفاهيميًا للجماعية والفردية كجزء من سلسلة متواصلة، مع تمثيل كل بناء ثقافي لقطب معاكس. وصف المؤلف الأفراد الذين يؤيدون درجة عالية من الجماعية بأنهم مندمجون في سياقاتهم الاجتماعية ويمنحون الأولوية للأهداف المجتمعية على حساب الأهداف الفردية.

الماركسية اللينينية

مثّلت الجماعية جزءًا أساسيًا من الأيديولوجية الماركسية اللينينية في فترة الاتحاد السوفيتي، وكان لها دور رئيسي في تشكيل المواطن السوفيتيي الحديث، والتضحية بحياته طوعًا من أجل صالح الجماعة. غالبًا ما وُظفت مصطلحات مثل «جماعي» و«جماهيري» في اللغة الرسمية ومدحتها وسائل الدعاية البارزة، كفلاديمير فلاديميريوفيتش ماياكوفسكي في عمله الذي حمل عنوان من يحتاج 1، وبيرتولت بريخت في أعماله القرار، والإنسان مساوٍ للإنسان.

الأناركية الجماعية

تتعامل الأناركية الجماعية مع العمل الجماعي ضمن نظام أناركي لا مركزي، حيث يتلقى الأشخاص أجرًا مقابل فائض قيمة العمل. تتناقض الأناركية الجماعية مع الأناركية الشيوعية، حيث تُلغى الأجور ويأخذ الأفراد ما يحتاجونه من مخزن السلع بحرية تماشيًا مع شعار «من كل حسب قدرته إلى كل حسب حاجته.» ترتبط الأناركية الجماعية أكثر من غيرها بميخائيل باكونين، والأقسام المعادية للسلطوية في جمعية الشغيلة العالمية، والحركة الأناركية الإسبانية المبكرة.

المصطلحات والقياس

يوصف تأسيس الجماعية في الأدب التجريبي تحت عدة أسماء مختلفة. أكثرها شيوعًا هو استخدام مصطلح التكافل الذاتي المترابط. من العبارات الأخرى المستخدمة لوصف مفهوم الجماعية- الفردية هي التوزيع- التخصيص، والاعتماد الجماعي-الاعتماد على الذات، فضلًا عن أنواع فرعية من الجماعية-الفردية (بمعنى الأشكال الفرعية الرأسية والأفقية). يُعتقد أن عدم اتساق المصطلحات يُعزى إلى بعض الصعوبة في توليف المؤلفات التجريبية المتعلقة بالجماعية توليفًا فعالًا.

النماذج النظرية

في أحد النماذج الرئيسية للجماعية، يصف ماركوس وكيتاياما الاتكال المتبادل (أي الجماعية) بأنها مرتبطة أساسًا بالسياق الاجتماعي. على هذا النحو، فإن إحساس المرء بنفسه يعتمد على من حوله ويُحدّد جزئيًا ويتجلى في المقام الأول بموجب السلوك العام. بالتالي، يُستوحى تنظيم الذات باستخدام الآخرين مرجعًا. أي أن الفرد المتكافل يستخدم الأفكار والمشاعر والمعتقدات المختبئة مع شخص آخر تربطه علاقة به، فضلًا عن سلوكيات الشخص الآخر، لاتخاذ القرارات بشأن سماته وأفعاله الداخلية.

ساهم ماركوس وكيتاياما في الأدب من خلال تحدي نموذج هوفستيد أحادي الأبعاد الجماعية والفردية. تصور المؤلفان هذين البنيتين من الناحية البيولوجية، بطريقة يمكن تأييد كل من النظرية الجماعية والفردية بشكل مستقل وربما بنفس المستوى. أعاد طرح هذا المفهوم واضعو نظريات بارزون في هذا المجال.

انظر أيضًا