جماعة مرجعية

الجماعة المرجعية (بالإنجليزية: Reference Group) مصطلح صكه هربرت هيمان مصطلح جماعة مرجعية فى كتابه سجلات علم النفس الصادر عام 1942)، ليشير إلى الجماعة التى يقيم الفرد سلو كه أو مواقفه فى ضوئها. وقد ميز هيمان بين الجماعة ذات العضوية التى ينتمى إليها الناس بالفعل، وبين الجماعة المرجعية التى ثستخدم كأساس للمقارنة. فالجماعة المرجعية قد تكون جماعة ذات عضوية وقد لاتكون كذلك. وقد استخدم ثيودور نيوكمب Theodore Newcomb (فى كتابه الشخصية والتغير الاجتماعى الصادر عام 1943) الجماعات المرجعية للمساعدة فى تفسير الاتجاهات والقيم المتغيرة لدى الطالبات فى كلية بنتجتون الليبرالية للبنات. فالعديد من الطالبات اللاتى جئن من بيئات محافظة سياسيا استطعن أن يطورن - وبشكل متزايد - اتجاهات ليبرالية خلال دراستهم الجامعية، حيث أخذن فى التوحد بصورة أكبر مع أعضاءهيئة التدريس بالكلية، وبصورة أقل مع أسرهن ومحال اقامتهن الأصلية. فالبنات اللاتى تغيرن أكثر - حسب تفسير نيو كومب - كن يتميزن بالاستقلالية عن الوالدين، ويتمتعن. بالإحساس بالكفاءة الشخصية فى العلاقات الاجتماعية، والمقدرة فى سبيل إنجاز أهدافهن. وقد نظر إلى الكلية فى هذه الحالة باعتبارهاجماعة مرجعية ايجابية، بينما نظر إلى الوالدين كجماعة مرجعية سلبية بالمنسبة لبناتهم يشعر بها الجنود لم تكن ترتبط بدرجة المتمردات إلى حد ما.

وفى هذه الاستخدامات المبكرة لم يكن مفهوم الجماعة المرجعية قد تحدد جيدا، كما لمم يكن مرتبطا ارتباطا واضحا بأى شكل بنظرية علم النفس الاجتماعى أوعلم الاجتماع، والتمييز الوحيد الشائع فى هذا السياق هو الذى يجرى بين الدراسات الوظيفية المتى تسلط الضوء على وظائف الجماعات المرجعية سواء فى تقديم المستوى المعيارى أو النقطة المرجعية المقارنة، وبين اتجاه التفاعلية الرمزية الذى يرى الجماعات المرجعية كمنظورات كونية مشتركة تمد الذات بالمعانى.

ثم قدم كل من روبرت ميرتون و أليس كيت صياغة وظيفية منتظمة لمفهوم الجماعة الممرجعية فى دراستهما الكلاسيكية المعنونة "إسهام فى نظرية سلوك الجماعة المرجعية" و المنشورة فى كتاب ميرتون ولازار سفيلد (محرران): الاستمرارية فى البحث الاجتماعى: درامات فى طبيعة ومنهج بحث الجندى الأمريكى، الصادر عام 1950، وقد جاء مقالهما استجابة لما كتبه صامويل ستوفر فى تقرير البحث المنشور تحت عنوان الجندى الأمريكى، عام 1949، والذى قرر فيه أن مشاعر الحرمان التى المشقة الفعلية التى كانوا يتعرضون لمها بقدر ما كانت مرتبطة بمستويات المعيشة لدى الجماعة التى كان المجنود يقارنون حالتهم بها. وقد أشار ميرتون وكيت إلى أن الحرمان النسبى هو حالة خاصة لسلوك الجماعة المرجعية المقارن. وذهب ميرتون فيما بعد إلى التمييز بين الجماعات المرجعية وجماعات التفاعل (فى كتابه النظرية الاجتماعية والبناء الاجتماعى الصادر عام 1957، وفى رأيه أن التوع الثانى من الجماعات يمثل جزءاعاما من البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد، ولكنه لا يحدد للفرد المستويات المعيارية ولايمثل أساسا للمقارنة عنده . ويحدد ميرتون أيضا الظروف التى فى ضوئها يختار المفرد جماعة عضوية فعلية أو جماعة غير ذات عضوية لتكون مرجعا معياريا له، ويرجع ميرتون أن تكون الجماعات غير ذات العضوية أكثر اختيارا فى المجتمعات عالية الحراك. ومن هنا فإن أى فرد لديه تطلع قد يقلد اتجاهات وطريقة حياة الصفوة المحلية على أمل أن ترتفع مكانته . وفى دراسة أكثر شهرة عن " الحرمان النسبى والعدالة الاجتماعية، صادرة عام 1966، يذهب رانسيمان إلى أن الاتجاهات نحو عدم المساواة (بما فيها شعور الناس بالحرمان النسبى) ترجع إلى الإطار المتشدد لجماعاتهم المرجعية، على الرغم من أن هذا الرأى قد وجه إليه المنقد، حيث يتضح من الشواهد التى أوردها رانسيمان أن العلاقة السببية المطروحة يمكن أن تصدق فى الاتجاه المعاكس.

وينبع تصور الاتجاه التفاعلى عن الجماعة المرجعية من فكرة جورج هربرت ميد عن "الآخر العام". فطبقا لما يراه "ميد" نجد أنه خلال عملية اكتساب الذات يمر الناس بممارسة أدوار محددة جداً أثناء مراحل اللعب فى نمو الذات (فهم على سبيل المثال يفترضون القيام بدور الوالدين أو الأقران) ولكنهم فى المراحل المتأخرة والمعروفة بمرحلة الآخر العام يصبحون قادرين على تبنى اتجاهات المجتمع كله تجاه أنفسهم أو ذواتهم. ومن هنا فإن الآخر العام (كما يظهر فى هذه الحالة الأخيرة) يؤدى دور وسيلة الأمان للفرد فى العالم الاجتماعي الأوسع من ناحية، وميكانيزما للضبط الاجتماعى من ناحية أخرى. فيبدأ الناس فى رؤية العالم المحيط من منظور أولئك الذين يشاركونهم هذا العالم فى مجتمعهم . ومن تقطة البدء هذه طور تاموتسو شيبيوتانى فكرة أن الجماعات المرجعية هى منظورات فى الواقع، "فالجماعة المرجعية قد تصبح أى تجمع يأخذه الفرد الفاعل فى اعتباره سواء كان هذا التجمع حقيقياً أو متخيلا، عظيما أو حقيرا. وبمعنى اخر، فإن الجماعة المرجعية هى جماعة يستخدم الفرد الفاعل نظرتها كإطار مرجعى بالنسبة له فى تتظيم ميدان تصوراته (انظر مقاله: الجماعات المرجعية كمنظورات"، فى: المجلة الأمريكية لعالم الاجتماع، عام 1954، وقد اتسعت هذه الفكرة مؤخرا عند أنسلم شتراوس وزملائه فيما قدموه عن منظور العالم الاجتماعى (فى كتاب: دراسات فى الثفاعلية الرمزية، الصادر عام 1978، فى محاولتهم تحديد ما أسموه "الأطر الأوسع للخطاب"، أو "عوالم الخطاب"، والتى تتعدى الحدود المادية لجماعات محينة مثل الجماعات الطبية، أو جماعات اللواطيين أو غيرهما.

ولا زال السؤال الخاص بفائدة مفهوم الجماعة المرجعية دون إجابة حتى الآن. إذ يعتبر بعض النقاد أنه يثير من المشكلات أكثر ممايقدم من الحلول. وإحدى هذه المشكلات الأساسية هى أننا لانعرف ما هى المحددات التى يختار الفرد بناءاً عليها

جماعة ما كجماعة مرجعية، ومتى يتم ذلك. وفى الحقيقة فإنه يبدو من الأرجح أن الشخص قد يستخدم عددا كبيراً من الجماعات المرجعية فى فترات مختلفة من حياته، وحسب مصالحة المختلفة. ولهذا فإن المشكلة الثانية ثتعلق بمدى خصوصية أو عمومية جماعة مرجعية ما. فقد تشير إحدى الدراسات مثلا أن التوجه السياسى لشخص ما تأثر بزملائه أو أقرانه، فى حين لا يتضح ما إذا كانت هذه الجماعة المرجعية تؤثر أيضا فى وجهة نظر هذا الشخص فى أمور أخرى مثل أخلاقيات ممارسة الجنس، أو الدين. وعلى أية حال، فعلى الرغم من أن مصطلح الجماعة المرجعية يفتقد التحديد و الدقة، فإنه يبدو أنه يقدم رؤى مفيدة حول السلوك الاجتماعى، ولا يزال يستخدم على نطاق واسع فى تفسير أنماط المساومة على الأجور، والاتتماء الدينى على سبيل المثال.