حرمان

(بالتحويل من الحرمان)

الحرمان (بالإنجليزية: Deprivation) يعنى حرفياً الحرمان من شئ أو حالة التجريد من الشئ. وقد استخدم المصطلح بشكل فضفاض للإشارة إلى حالة عدم امتلاك شئ، سواء كان مملوكاً للفرد من قبل أم لا، الأمر الذى يعنى ضمناً أن الشخص المحروم من حقه أن يتوقع الحصول عليه. أما الأشياء التى يمكن أن يحرم منها الفرد فيختلف تحديدها بدقة، ولكن هناك بعض الاحتياجات الأساسية التى استأثرت بأكبر قدر من الاهتمام، كالحاجة إلى الطعام، والمسكن والتعليم والرعاية العاطفية (انظر على سبيل المثال مادة: الحرمان من الأم).

ومفهوم الحرمان - شأنه شان النظرة المحدودة للفقر - يمكن النظر إليه بمعايير مطلقة أو محدودة. ويشير مفهوم الحرمان المطلق إلى غياب وسائل اشباع تلك الاحتياجات الأساسية اللازمة للبقاء كالطعام، والملبس، والمأوى. أما مصطلح الحرمان النسبى فيشير إلى ذلك النوع من الحرمان الذى يستشعره الشخص عندما يقارن نفسه بالآخرين: أى أن الأشخاص المحرومين من شئ معين يقارنون أنفسهم بمن يملكون ذلك الشئ، ومن ثم يشعرون بالحرمان. معنى ذلك أن الحرمان النسبى لاينطوى فقط على المقارنة، ولكنه يتحدد فى العادة وفقاً لأسس ذاتية. كما يرتبط المفهوم ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الجماعة المرجعية المقارنة، أى الجماعة التى يقارن الفرد أو الجماعة نفسه بها، ولذلك يعد اختيار هذه الجماعة المرجعية أمراً حيوياً فى درجة الإحساس بالحرمان النسبى.

وقد طرح صموئيل ستوفر ومساعدوه مفهوم الحرمان النسبى فى دراستهم النفسية الاجتماعية الكلاسيكية المعنونة: الجندى الأمريكى المنشور عام 1949، كما استخدمه أيضا روبرت ميرتون فى كتابه العمدة: المنظرية الاجتماعية والبناء الاجتماعى، الصادر عام 1949، ثم استخدمه علماء الاجتماع على نطاق واسع إبان عقدى الخمسينيات والستينيات. فليس من الغريب - إذن- أن يعود الباحثون إلى استخدام هذا المفهوم من جديد فى دراسات الفقر، وفى الأطروحات التى دارت حول الحاجة إلى تعريفات نسبية للفقر. كمسا وظف رانسيمان W.G. Runciman هذا المفهوم فى دراسته الهامة عن المحرمان النسبى والعدالة الاجتماعية التى صدرت 1966. فقد ركزت هذه الدراسة اهتمامها حول أشكال التفاوت وصور اللامساواة المقررة نظاميا ووعى الناس بها، كما اهتمت بالتساؤل حول تحديد أى أشكال التفاوت التى يتعين إدراكها ورفضها فى ضوء معايير العدالة الاجتماعية. أما فى وقتنا الحاضر فقد تم تسليط الضوء على المصلة بين أشكال عدم المساواة الاجتماعية وخبرة الحرمان النسبى باعتبارها الآلية التى تمكننا من تفسير الفروق العالمية فى توقع أمد الحياة، على أساس أن تفاقم درجة عدم المساواة من شانه أن يؤدى - عن طريق الحرمان النسبى - إلى خفض أمد الحياة المتوقع. لذا، فقد مال الحوار السوسيولوجى إلى التركيز على الخبرة الذاتية للحرمان النسبى. أما فى ميدان السياسة الاجتماعية فقد انصب الاهتمام على أشكال الحرمان المادية والثقافية التى يمكن تقديرها خارجيا. ومن القضايا المهمة المتصلة بالحرمان النسبى موضوع إلى أى مدى يتم انتقال الحرمان من جيل إلى الجبل المتالى. وفى هذا السياق استخدمت فكرة دورة الحرمان للإشارة إلى انتقال الحرمان عبر الأجيال، وبشكل رئيسى من خلال أنماط السلوك، والقيم، والممارسات الأسرية. حيث تذهب هذه الفكرة إلى أهمية الأمراض الشخصية والعائلية -فى مقابل أشكال التفاوت البنائية - فى تفسير الحرمان، وهو الرأى الذى فجر قدرا كبيرا من الجدل والانتقادات (انظر مؤلف رتر دمادج، دورات الحرمان، الصادر عام 1976. وكتاب فيرج وميللر عن ديناميات الحرمان، الصادر عام 1987. ويستخدم مصطلح الحرمان المتعدد حيث تغطى ألوان الحرمان مدى واسعا من الاحتياجات الاجتماعية. يمكن أن نجد عرضاً مفيداً للتراث الهائل حول هذا المفهوم عند جوان جورنى وكاثلين تيرنى فى دراستهما المعنونة، الحرمان النسبى والحركات الاجتماعية: نظرة نقدية على حصاد عشرين عاما من النظرية والبحث"، المنشورة فى فصلية علم الاجتماع عام 1982.