تأويل

التأويل من المصطلحات المختلف عليها في علوم الدين والقرآن عند المسلمين فمنهم من قال:يطلق في القرآن والسنة ويراد به التفسير، كما يراد به الحقيقة التي يؤول إليها الأمر أو الخبر. تأويل الكلام هو الرجوع به إلى مراد المتكلم، وهو على قسمين: الأول: بيان مراد المتكلم، وهذا هو التفسير. الثاني: الموجود الذي يؤول إليه الكلام، أي ظهور المتكلم به إلى الواقع المحسوس. وهناك من قال بأن التفسير غير التأويل مثل قول (الثعلبي):التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ.

مصطلح التأويل

التأويل في اللغة هو الإرجاع. أوّلَ الشئ أي أرجعه، وآل إليه الشيء أي رجع إليه وهو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله لدليل.

. إذن فكلمة (آلَ) (تَأْوِيْلاً) والمصدر (أَوَّلَ) والجمع (تَأْوِيْلَاْتٌ أو تَآوِيْلٌ ) تعني رجع وصار و(آل) عنه تعني ارتد. و(آل) على القوم تعني ولي عليهم فهم رعاياه ويرجعون اليه وهو مسئول عنهم. و(أوّل) الشيء إليه أرجعه، و(أوّل) الكلام يعني فسره... فكأن التأويل هو إرجاع للكلمة المرادة إلى أصل أبعد من المعنى الحرفي لها. أي أن التأويل إرجاع أبعد من إرجاع المفردة العادية، أو، قل، هو إرجاع ثنائي، أولا يتم إرجاع الكلمة إلى الذهن لمعرفة معناها، ثم يتم إرجاع المعنى إلى ما وراء المعنى المصطلح عليه للتوصل إلى (معنى المعنى).

ولعله لا توجد كلمة في العربية أثارت جدلاً بين الباحثين مثل كلمة تأويل. فهي الكلمة التي امتازت بفتح الأفق وإكتشاف المثير والجديد، كما أنها هي نفسها التي أظهرت الطوائف الإسلامية باختلافها الموضوعي وغير الموضوعي الذي وصل حد الاقتتال، كما هي بذاتها التي أخرجت المدارس النقدية والفكرية والفنية المتميزة ودارت حولها أفكارها ومفاهيمها، وهي هي التي تثير جدلا واسعا الآن بين مفكري العصر الحديث، وهي هي التي عن طريقها يبلغ الأديب والفقيه ذروة غاياته.

ولمعرفة التأويل أكثر لا بد من التطرق لعدد من المصطلحات اللغوية التي تتبع لكلمة تأويل مثل (الدلالة) و(التفسير) و(اللغة).

التأويل عند أهل السنة

التأويل عند الإمام الطبري

طالع أيضاً: تفسير الطبري

للتأويل عند الإمام الطبري اهتمام بالغ، حيث أطلق لفظ التأويل في بداية تفسير كل آية، فيقول: «القول في تأويل قوله تعالى» ثم يأخذ في التفسير. وقد جاء في مقدمته أن تأويل جميع القرآن على ثلاثة أوجه.

وتفسير الطبري من أكبر كتب التفسير، يقع في ثلاثين جزءاً، وهو مطبوع عدة طبعات. وهو تفسير شامل فسّر فيه الطبري القرآن الكريم آية آية، وكلمة كلمة. وهو يقسِّم السورة إلى مجموعات، تضم كل مجموعة آية أو أكثر، ويبدأ تفسير كل مجموعة بقوله: (القول في تأويل قوله تعالى...)، ثم يُبَيِّن المعنى في إيجاز بأسلوبه وعبارته، ثم يقول: (وبمثل الذي قلنا في تأويل الآية قال جماعة من أهل التأويل)، ويعقب ذلك مباشرة بقوله: (ذِكْر مَنْ قال ذلك) فيذكر الروايات المنقولة في الآية أو الكلمة التي يفسرها عن النبي أو مفسري الصحابة والتابعين وتابعيهم. وإذا كان هناك اختلاف في تفسير شيء من القرآن بين أهل التفسير فإنه يقول: (وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله... فقال بعضهم... وقال آخرون).

التأويل الإسلامي الحديث

إن التأويل (حركة) متصاعدة لا تتوقف فإذا توقفت تحتم وجود تجاوز زمكاني للنص لهذا فإن النص لا يعيش الا في ظل التأويل.. ومن هنا ظهرت في العصر الحديث حركات إسلامية (فردية)عديدة تبنت مفهوما جديدا للنص القرآني كما ظهر مفكرون أصحاب وجهات نظر مغايرة لمألوف التراث الإسلامي ولعل تاريخ هذه الحركة الفكرية الجديدة قد استهلت بالإمام محمد عبده الذي قاد هجمة شرسة على مؤسسة الدين الرسمية في البلاد (الأزهر) ومما قاله عن الأزهر (مكثت عشرة أعوام أنظف رأسي عن قاذوراته ولم أستطع).. ولعل هذه القطيعة العجيبة بين شيخ أزهري وبجدته كان سببها الرئيس هي تأويلاته الحداثوية التي لاقت اعتراضا شرسا من اصحاب العمامات. يقاسم الشيخ محمد عبده ريادته الدكتور طه حسين الذي أحدث ثورة في عالم الفكر الديني ومن أشهر مظاهر ثورته كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي رفض فيه ما نحل للشعراء الجاهليين من أشعار من قبل المفسرين وكتاب السيرة. وهناك أيضا محمد عمارة الذي تأثر بأفكار المعتزلة وحقق لهم الكثير من الكتب المهمة ومن أهم كتبه (التراث في ضوء العقل). وهناك الكاتب (علي حرب) الذي تناول أزمة الحداثة والفكر الإسلامي، وهناك أيضا الكاتبة فاطمة المرنيسي. وهناك أيضا الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي كاد أن يكلفه تأويله حياته الزوجية ففر وزوجته إلى المهجر..

ولكن يمكننا أن نقول بأن أشهر دعاة التأويل في العصر الحديث وأهمهم هو الأستاذ محمود محمد طه وتأتي أهمية طه من أنه الوحيد من كل دعاة التجديد والتنوير الذي أصبغ على أفكاره صفة التنظيمية فانشأ جماعة الاخوان الجمهوريين التي انتشرت في السودان منذ منتصف القرن الماضي. كما أن طه قد امتاز بتأويله المترابط للنص الديني وربطه لذلك التأويل بالحياة العامة فهو رجل دين ينظر للحياة الحديثة من داخل الدين. ويتحدث عن رؤيته الحديثة في شأن الدولة وسياستها واقتصادها وحكمها من منظور تأويلي تجديدي لاقى استحسان العديدين في الاوساط التنويرية ولكنه أيضا قوبل باستهجان وغضب الكثيرين في الدوائر الدينية الرسمية مثل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي.

انظر أيضاً