بلترة

بلترة (التحول إلى بروليتاريا) (بالإنجليزية: Proletarianization) يشير هذا المصطلح إلى عملية امتصاص أجزاء من الطبقة الوسطى داخل صفوف الطبقة العاملة. وقد ذهب كارل ماركس وفريدريك إنجلز فى: منشور الحزب الشيوعى (الذى صدر عام 1848) إلى أن الرأسمالية سوف تؤدى إلى خلق حالة من الاستقطاب الطبقى، حيث ينقسم المجتمع إلى "معسكرين كبيرين متعاديين" هما: البورجوازية (أو ملاك المشروعات) والبروليتاريا (أى الطبقة العاملة). وسوف تختفى تدربجيا كل الجماعات والكيانات الطبقية الوسيطة مثل صغار المنتجين، والحرفيين الذين يعملون لحسابهم...إلخ. كما أن المشتغلين بالأعمال غير اليدوية -المذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى- سوف ينضمون إلى أحد المعسكرين المتعاديين.

ولطالما وجه دارسو الطبقات انتقادات إلى ماركس وانجلز لتجاهل الأهمية المتزايدة لما يعرف بالطبقة الوسطى الجديدة فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، حيث تتزايد أعداد فئات كبار المديرين، والمديرين، والمهنيين. ودفاعاً عن تلك الانتقادات أصر علماء الاجتماع الماركسى على أن المنشور الشيوعى قد تعمد رسم صورة مجردة لنمط خالص من النظام الرأسمالى، على حين نجد أن كتابات ماركس الأخرى تعترف بتعقد المجتمعات القائمة فعلاً. فمن الصحيح يقيناً - أن المجلد الأول من كتاب رأس المال لماركس (الصادر عام 1867) - على سبيل المثال - يلاحظ أن تطور الشركات المساهمة من شأنها أن تؤدى إلى فصل مهمة الإدارة عن ملكية رأس المال حيث نجد أن مهمة الإدارة يضطلع بها جيش متزايد العدد من الضباط (أى المديرين) وضباط الصف (أى المشرفين)، الذين يتولون سلطة على العمال باسم رأس المال".

وقد تلقت المناقشة زخماً جديداً من خلال ادعاء هارى بريفرمان فى كتابه: العمل ورأس المال الاحتكارى، الصادر عام 1974 أن كثيراً من الجماعات التى كانت تعد حتى الآن عمالاً ينتمون إلى الطبقة الوسطى (خاصة الموظفين الكتابيين العاديين والحرفيين المهرة) قد تحولوا تحولاً واضحاً إلى طبقة البروليتاريا بسبب انخفاض مستوى أعمالهم أو بسبب ظاهرة إفقاد المهارة. وفى رأى بريفرمان أن مثل هذه العملية كانت ملازمة للمجتمعات الرأسمالية، على أساس أن متطلبات الإتتاج الرأسمالى قد أجبرت أولئك الذين كانوا يملكون المشروعات الصناعية أو يديرونها على أداء أعمال صغيرة جزئية تطبيقاً لأسس الإدارة العلمية، وذلك من أجل الحصول على الأرباح ودعم السيطرة على العمال. وقد أثار مؤلف بريفرمان قدرا كبيرا من التعليقات وكان بمثابة الأساس النظرى للعديد من الدراسات الماركسية المحدثة عن عملية العمل.

وعلى الرغم من أن العلماء قد دحضوا كثيرا من البيانات التى قدمها بريفرمان فى كتابه، فإن التصور الشائع هو أن الجدال حول قضية البلترة مازال ينتظر الحسم، حيث يتعين أولاعلى المشاركين فى هذا الجدال أن يتفقوا على المعايير التى يجب أن تقاس بها عملية البلترة. ويمكننا أن نحدد أربعة تصورات -على الأقل- لعملية البلترة فى التراث المتاح حول الموضوع. ففى رأى بعض المعلقين أن الحجة الأساسية تتصل بالحجم النسبى لكل طبقة. وتعنى البلترة بهذا التصور نمو نسبة مواقع الطبقة العاملة فى إطار البناء الطبقى الشامل. وهناك فريق آخر اهتم بدراسة بيانات الحراك الاجتماعى، محاولين حساب مدى احتمال تحول الأفراد إلى البروليتاريا عن طريق الحراك نزولا إلى الطبقة العاملة، سواء من الطبقة الوسطى، أو بفعل التطور الطبيعى للمسار المهنى. ولهذا يرى هذا المفريق أن الناس، وليست المواقع الطبقية، هى المتى تمثل موضوع عملية البلترة. وهناك معيار ثالث يشير إلى عملية العمل نفسها. حيث ذهب بعض الباحثين إلى أن كثيرا من المواقع التى تبدو فى الظاهر غير متتمية إلى الطبقة العاملة (فى إطار البناء الطبقى) -كاولئك الذين يعملون موظفين إداريين عاديين- قد فقدت مهاراتها التى كانت تتمتع بها فى الماضى، وذلك على أساس مضمون الوظيفة وإختفاء الطابع الروتينى على المهام التى يؤديها هؤلاء العاملون، بحيث أصبح التمييز بينها وبين المواقع التى يشغلها أبناء الطبقة العاملة الذين يعملون* بأيديهم متعذرا. أما المعيار الرابع والأخيرفيشير إلى عملية البلترة بمعناها الاجتماعى السياسى، أى مدى حرص بعض جماعات الطبقة الوسطى - داخل قوة العمل - على تعريف أنفسهم بأنهم ينتمون إلى الطبقة العاملة، أو تعريف أنفسهم بوصفهم حلفاء للطبقة العاملة، ومن ثم يشاركونها ثقافتها وطموحاتها السياسية.

ومن النتائج الواضحة التى أسفرت عنها البحوث الإمبيريقية أن عملية البلترة قد تكون قائمة وموجودة وفقا لمعيار من المعايير الأربعة السابقة، وقد تكون غائبة اذا احتكمنا إلى معيار آخر. من هذا مثلا أن كثيرا من الموظفين الكتابيين العاديين يشتركون فى الظروف البروليتارية للعمل (من حيث الدخل، والمزايا الإضاقية، واسثقلال العمل، وفرص الترقى)، ولكنهم يتسمون فى نفس الوقت بالسمات الاجتماعية السياسية التى تتميز بها الطبقة الوسطى (من حيث السلوك الانتخابى، والميل إلى الالتحاق بالنقابات، وتعريفهم لوضعهم الطبقى).

انظر أيضاً