نسبية ثقافية

(بالتحويل من النسبية الثقافية)

النسبية الثقافية (بالإنجليزية: Cultural Relativism) هي مبدأ ينص على أن أفعال واعتقادات الفرد يجب أن تفهم من قبل الآخرين ضمن سياق الثقافة التي ولد بها. وارتبط اتجاه أو نظرية النسبية الثقافية بتلاميذ وأتباع فرانز بواس في أمريكا الشمالية.

تأسس هذا المبدأ كبديهية ضمن منهجية عمل الأبحاث الأنثروبولوجية من قبل فرانز بواس (الأب المؤسس لعلم الأنثربولوجيا الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية) في العقود الأولى من القرن العشرين. تحدث بواس أول مرة عن فكرته هذه في العام 1887، حيث قال: «الحضارة ليست بالشيء المطلق، وإنما هي نسبية، فالأفكار والمفاهيم التي تتواجد ضمن تواجدها 'صحيحة' فقط إلى اليوم الذي تزول في تلك الحضارة»

ومازالت هذه النظرية تمثل قوة مؤثرة في الأنثروبولوجيا، على الرغم من تزايد الشك في سلامة هذا المفهوم في النظريات الأنثروبولجية الحديثة.

المفهوم

النّسبية الثّقافيّة: Cultural Relativism: مفهوم تحليلي ذاع صيته بشكل يشمل العلوم الأخرى غير علم الانثربولوجيا مع النقد ما بعد الحداثوي الّذي تشكّل في الرّبع الأخير من القرن الماضي. وقد تشكّل مفهوم هذا المصطلح بصفته نتاجا مباشرا من نتاجات مدرسة المراجعات التاريخية وردّة فعل على مفهوم المركزية الغربية الّذي بدأ يعرف بداية أفوله في تلك الفترة بعد اعتراف الفلاسفة والمفكّرين ما بعد الحداثويّين الغربيّين أنفسهم أنّهم يستقون كثيرا من مقوّمات أفكارهم من الرّوح الفلسفيّة المبثوثة في الفكر الشرقي القديم أساسا وخاصّة من ناقرجونه ومدرسة ماضيماكه. وكان من أوّل نتاجات الفلاسفة والمفكّرين الّذين أسّسوا هذا التّوجّه الفكريّ تعرية مقولات الحداثة الغربيّة ذاتها وزيف ادّعاءاتها بأوهام الكونية والإنسانيّة وأنّها نبراس التقدّم البشري. وقد بيّن هؤلاء المفكّرون أنّ أكبر الفلاسفة الغربيّين في فترة الحداثة، والألماني هايديقار من بينهم، كانوا يعيدون صياغة أفكار سوزوكي وناقرجونه ويلائمونها مع النّسق الغربي ليس إلّا..

يؤكد أصحاب النسبية القافية أن المفاهيم الاجتماعية تتأسس اجتماعياً وأنها تتباين عبر الثقافات. فقد تتضمن هذه المفهومات أفكاراً أساسية، حول ما يعد صادقاً، وما يعتبر صحيحاً من الناحية الأخلاقية، وحول المقومات التى تتشكل منها المعرفة، أو التى يتشكل منها الواقع ذاته. ويذهب بيتر وينش فى مقالته "فهم المجتمع البدائى" المنشورة فى الحولية الفلسفية الأمريكية، عام 1964، يذهب إلى القول بأن إحساسنا بالواقع إنما هو تصور اجتماعى، يعتمد على الخطاب السائد فى المجتمع الذى نعيش فيه. وهكذا يرفض أتباع النسبية الثقافية المسلمات العقلانية و الفروض ذات الطبيعة العامة الشمولية التى تنهض عليها النظريات الكبرى كالوظيفية، أو الماركسية، أو التحليل النفسي عند فرويد.

تستند التسبية الثقافية على تراث فلاسفة اللغويات، أمثال لودفيج فيتجنشتين، وويلارد كوين Quine وبنجامين فورف Whorf، وإدوارد سبير Sapir. فقد أكد هؤلاء الفلاسفة أنه لو كانت اللغة هى التى تشكل العالم وتصوغه لنا، فمعنى ذلك أن الحقيقة ليس لها وجود مستقل، ولكنها تتشكل من خلال مقولات ثقافية ولغوية، وبالتالي تصبح ثقافتان غير متكافئتين ومتباينتين لأن رؤى العالم فى كل منهماتقوم على لغة وعلى فروض مختلفة كل الاختلاف. ويذهب بول فايرابند فى كتابه المعنون: ضد المنهج، الصادر عام 1975 إلى وجود ثقافات تختلف اختلافاً بعيداً عن ثقافة الغرب، بحيث تصبح مستعصية على الفهم بالنسبة للأغراب عنها، لأنهم لا يستطيعون ترجمتها إلى معاييرهم ونظرتهم هم.

وقدكان لهذا الرأى دلالات كبرى فى دراسة المجتمعات غير الغربية. فإذا كان استيراد اتجاه غربى عقلانى للفهم يعد نوعا من التمركز حول السلالة، فإنه يتعين علينا أن نحاول فهم الأنماط الثقافية فى حد ذاتها ومن داخلها، أى نتبنى وجهة نظر أبناء تلك الثقافة أنفسهم. وعلى هذا الأساس تصبح الإثنوجرافيا عملية اكتشاف المعانى التى يتصور الأفراد من خلالها واقعهم، وترجمة هذه المعرفة إلى الخطاب الخاص بمجتمع المباحث الميدانى.

أهم الإضافات

من أهمّ إضافات هذه المدرسة اعتبار المفاهيم والمصطلحات والمناهج الغربيّة ليست سوى رؤى ثقافيّة حضاريّة غربيّة مخصوصة ولا تنطبق آليّا على بقيّة المجتمعات، وأنّ مقولة كونيّة الحداثة الغربيّة ليست سوى وهم. ومن أهمّ أعلام النّسبيّة الثّقافيّة اليوم المفكّر الياباني تاكاشي كيمورا. مع أن الكثير من المفكرين الإسلاميين قد تجاوزو الحدودالنسبية في حد ذاتها وحاولو مرارا دحض هذه النظرية البدائية في نظرهم با لقول أن القول بالنسبية نسبي أيضا. ومن أهم المفكرين الإسلاميين الذين تناول هذ الموضوع بجدية تعمق موضوعيين المفكر العربي ولد الشنظورة الباحث في الإسلام وشِؤون الأقليات والحضارات القديمة.

أهم المراجع العربيّة

يُعتبر كتاب الدّكتور المبروك المنصوري "الدّراسات الدّينيّة المعاصرة من المركزيّة الغربيّة إلى النّسبيّة الثّقافيّة"، تونس، الدّار المتوسّطيّة للنّشر، 2010، من أهمّ الكتب العربيّة في هذا المجال تنظيرا وتطبيقا. فقد بحث الدّكتور المنصوري مفهوم النسبية الثقافية انطلاقا من فكر أهمّ المفكّرين المختصّين في هذا المجال وهو المفكّر الياباني تاكاشي كيمورا. ثمّ طبّق المبروك المنصوري هذا الفهم المعمّق على أربعة مجالات وهي «الاستشراق والقرآن والهويّة والقيم الدّينيّة» مستعملا مراجع بأربع لغات غربيّة وهي الفرنسيّة والأنقليزيّة والألمانيّة والإسبانيّة، بالإضافة إلى العربيّة.وقد ربط بعض الباحثين العرب المعاصرين بين التّفهّم المعمّق للتحديث للنّسبيّة الثّقافيّة فيّة من جهة وشروط التّحديث الفكري من جهة أخرى.

انظر أيضا