قرابة
القرابة (بالإنجليزية: Kinship) هي مصطلح له معانٍ عدة تعتمد على السياق. يشير هذا المقال إلى استخدام هذا المصطلح على المدى الطويل في علم الإنسان، والذي يشير غالبًا إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تشكل جزءًا مهمًا من حياة معظم البشر في معظم المجتمعات، على الرغم من أن هناك جدلاً دائمًا حول المعنى الدقيق حتى في إطار هذا السياق (انظر أدناه).
وفي سياقات أخرى، قد يكون للقرابة معانٍ مختلفة. في علم الأحياء، فإنه يشير عادة إلى درجة الصلة الوراثية أو معامل العلاقة بين أفراد النوع الواحد. ويمكن أيضًا أن يستخدم في معنى بعينه عند تطبيقه على العلاقات الإنسانية، وفي هذه الحالة يكون معناه أقرب إلى قرابة الدم أو علم الأنساب.
وبوجه عام، قد تشير القرابة إلى التشابه أو المصاهرة بين الكيانات على أساس بعض سماتها الأساسية أو كلها. قد يكون هذا بسبب أصل وجودي مشترك، أي ارتباط تاريخي أو ثقافي أو سمات أخرى مشتركة تربط بين الكيانين. على سبيل المثال، فإن من يدرس الأصول الوجودية للغات الإنسانية علم أصل الكلمات) قد يتساءل إذا ما كانت هناك قرابة بين الكلمة الإنجليزية seven والكلمة الألمانية sieben. وقد تستخدم من ناحية أخرى، على سبيل المثال، عندما يذكر في عنوان خبر مادونا تشعر بقرابة من واليس سيمبسون (Wallis Simpson)، وذلك للإيحاء بوجود مشاعر تشبه التعاطف بين اثنين أو أكثر من الكيانات.
على نطاق واسع، يمكن النظر في أنماط القرابة لتشمل كل من تربطهم علاقة نسب (العلاقات الاجتماعية للفرد التي تتطور)، والأقارب عن طريق الزواج. وعادة ما تسمى علاقات القرابة الإنسانية من خلال الزواج «المصاهرة» على النقيض من العلاقات التي تنشأ في مجموعة واحدة لها أصل واحد والتي تسمى «مجموعة النسب». في بعض الثقافات، يمكن أن تعتبر علاقات القرابة امتدادًا لأناس تربطهم بالفرد علاقات أو غير ذلك من أشكال العلاقات الاجتماعية. وداخل الثقافة، قد يظن البعض أن مجموعات النسب تعود إلى الآلهة (انظر علم الأساطير، أو الدين)، أو أسلاف الحيوان طوطم. ويمكن اعتبار ذلك على أساس أكثر أو أقل حرفية.
يمكن أن تشير القرابة إلى مبدأ عالمي أو فئة من البشر ننظم نحن من خلالها أو مجتمعنا الأفراد أو مجموعات الأفراد إلى مجموعات اجتماعية وأدوار وفئات وعلم الأنساب. يمكن تمثيل العلاقات الأسرية بشكل ملموس (الأم، الأخ، الجد) أو بصورة معنوية بعد درجات من العلاقة. قد تكون العلاقة نسبية (على سبيل المثال الأب واحد بالنسبة لابنه) أو تعكس فكرة مطلقة (على سبيل المثال، اختلاف حالة الأم عن حالة السيدة التي ليس لها أطفال). لا تتطابق درجات العلاقة مع الإرث أو الخلافة القانونية. قد ترى العديد من قوانين الأخلاق القرابة على أنها تفرض التزامات بين الأفراد ذوي الصلة أقوى من تلك التي بين الغرباء، كما هو الحال في الكونفوشيوسية تقوى الأبناء.
المبادئ الأساسية
أنواع الأسرة
الأسرة هي مجموعة من الناس المنتسبين عن طريق قرابة العصب (عن طريق الميلاد المعترف به) أو بالمصاهرة (عن طريق الزواج) أو عن طريق السكن المشترك\الاستهلاك المشترك (شاهد القرابة الطبيعية). في غالبية المجتمعات تعتبر النظام الأساسي للاندماج الاجتماعي للأطفال. باعتبارها الوحدة الأساسية لتربية الأطفال، يصنف علماء الأنثروبولوجيا في العموم مؤسسة الأسرة باعتبارها مرتكزة على الأم (أم وأطفالها)؛ أو زيجية (زوج وزوجة وأطفال؛ تُسمى أيضًا أسرة نواة)؛ أو منسوبة إلى العم (أخ وأخته وأطفالها)؛ أو أسرة ممتدة والتي يشترك فيها الآباء والأطفال في المسكن مع أعضاء آخرين من أسرة لنفس الأبوين.
غير أن إنجاب الأطفال ليس الوظيفة الواحدة للأسرة، ففي المجتمعات ذات التقسيم الجنسي للعمالة، يصبح الزواج والعلاقة الناتجة بين اثنين من البشر ضروريين لتكوين منزل منتج اقتصاديًا.
مصطلحات القرابة
تصنف المجتمعات المختلفة علاقات القرابة بشكل مختلف وبالتالي تستخدم أنظمة مختلفة لمصطلحات القرابة، ومن أمثلة ذلك أن بعض اللغات تميز بين الأعمام بالمصاهرة والأعمام من صلة العصب، بينما تستخدم لغات أخرى كلمة واحدة للإشارة إلى الأب وإخوته. تشمل مصطلحات القرابة مصطلحات الألقاب المستخدمة للأقارب المختلفين في اللغات أو المجتمعات المختلفة، بالإضافة إلى المصطلحات المرجعية المستخدمة لتحديد علاقة أولئك الأقارب بالنسبة للذات أو لبعضهم البعض.
يمكن لمصطلحات القرابة أن تكون وصفية أو تصنيفية. عند استخدام مصطلح وصفي، يشير المصطلح إلى شكل واحد محدد من العلاقة، بينما يصنف المصطلح التصنيفي العديد من الأشكال المختلفة للعلاقات تحت مصطلح واحد. على سبيل المثال، تشير كلمة أخ في المجتمعات المتحدثة بالإنجليزية إلى الابن من نفس الوالد، وبالتالي تستخدم المجتمعات الناطقة بالإنجليزية كلمة أخ كمصطلح توصيفي يشير إلى تلك العلاقة فقط. في العديد من مصطلحات القرابة التوصيفية الأخرى، على النقيض، قد يُشار إلى ابن العم الذكر الأول (سواء كان ابن أخ الأم، أو ابن أخت الأم، أو ابن أخ الأب، أو ابن أخت الأب) كأخ.
الأنماط الأساسية لنظم القرابة المعروفة والتي حددها لويس هنري مورجان في عمله الذي قدمه عام 1871 أنظمة القرابة والمصاهرة في الأسرة البشرية هي:
- قرابة الإيروكوا (وتعرف أيضًا بـ «الاندماج ذي الشعبتين»)
- قرابة الغراب (امتداد للاندماج ذي الشعبتين)
- قرابة أوماها (أيضًا امتداد للاندماج ذي الشعبتين)
- قرابة الإسكيمو (يُشار إليها أيضًا بـ «القرابة السلالية»)
- قرابة هاواي (يُشار إليها أيضًا بـ «النظام الجيلي»)
- القرابة السودانية (يُشار إليها أيضًا بـ «النظام الوصفي»)
هناك نوع سابع للأنظمة اعتُبر متميزًا لاحقًا:
- القرابة الدرفيدية (النوع القياسي من القرابة التصنيفية، مع الاندماج ذي الشعبتين ولكنه مختلف تمامًا عن الإيروكوا). تعتبر غالبية القرابة الأسترالية الأبوريجينية تصنيفية أيضًا.
الأنواع الستة (الغراب والإسكيمو وهاواي والإيروكوا وأوماها والسودانية) التي ليست تصنيفية بالكامل (الدرفيدية والأسترالية) هي تلك التي حددها موردوك (1949) قبل أن يعيد لونسبوري (1964) اكتشاف الأصول اللغوية لمصطلحات القرابة التصنيفية.
الدراسات الأنثروبولوجيا الاجتماعية
تعد القرابة واحدا من الأسس التنظيمية الرئيسية التى ينهض عليها المجتمع الإنسانى، وقد اضطلع علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالدراسة المكثفة لأنساق القرابة فى بعض المجتمعات التى كانت ذات أهمية خاصة لبحوثهم، وأعنى المجتمعات التى لا تعرف نظام الدولة. وتؤسس أنساق القرابة علاقات بين الأفراد والجماعات على غرار العلاقات البيولوجية بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة، وبين طرفى العلاقة الزوجية. وتسمى العلاقات التى تتكون من خلال الزواج، والتى تمثل تحالفات بين جماعات من الأشخاص الذين يرتبطون برابطة الدم (أو بالروابط القرابية)، تسمى عادة علاقات مصاهرة. ويميز بعض العلماء الاجتماعيين بين دراسة القرابة ودراسة المصاهرة. وتستند كافة تلك الدراسات على افتراض أن تلك العلاقات تتسم بالتنظيم الدقيق، وتنطوى على مراعاة معايير السلوك بين الأفراد الذين يرتبطون بروابط القرابة أو المصاهرة. فالعلاقات بين الآباء والأبناء (وبالامتداد بين الأجداد والأحفاد) تحدد طرق انتقال الإرث، كما تحدد مجمل العلاقات السياسية بين الأجيال. والعلاقة بين الأب والإبن، شأنها شأن العلاقة بين الإخوة، يمكن أن تكون ذات أهمية حاسمة فى رسم وتعيين قواعد تحريم الزنا بالمحارم.
وهى القواعد التى لا تقتصر فقط على وضع حدود معينة للعلاقات الجنسية، وإنما تعين كذلك القواعد التى نتهض عليها عملية المصاهرة، بتحديد أطراف العلاقة الزوجية الممقبلة المحظور الاقتران بهم أو الذين يفضل الارتباط بهم. وكما أن العلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة ترسم أسس العلاقات بين المجماعتين القرابيتين لهما، فإنه يمكن النظر إلى المركب الكلى للعلاقات القرابية وعلاقات المصاهرة كعنصر جوهرى فى تحليل العلاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية فى المجتمعات التى لا تعرف نظام الدولة.
ويتعين أن نلاحظ أن العلاقات البيولوجية الفعلية أو الحقيقية ليست شرطا ضروريا لتحديد مكانة الفرد داخل النسق القرابى. فقد يكون الأهم بالنسبة للطفل - مثلا - أن يكون له أب اجتماعى، يتحمل مسئولية رعايته والإنفاق عليه، ويكون له حق الحصول على ثمار عمله، ويكون ذلك أهم من تحديد أبيه المبيولوجى (أو الحقيقى). ومع ذلك نجد أن معظم أنساق القرابة تعمل من أجل تعيين الحقوق المترتبة على الخدمات الجنسية، والإنجابية، والاقتصادية، والمنزلية للنساء فى المجتمع. ففى مجتمعات الانتساب للأب، حيث يرث الأبناء الذكور عن الآباء، تظل تلك الحقوق على النساء فى حوزة الأب إلى أن تتزوج الإبنة، وعندها تنتقل تلك الحقوق برمتها إلى زوجها. أما مجتمعات الانتساب للأم - من ناحية أخرى، فنجدها تركز على أهمية جماعة الإخوة. فالإرث ينتقل من الخال إلى ابن الأخت. وقد وصفت الطرق المختلفة لتنظيم هذا الحق بأنها تمثل حلولا "للغز الاتتساب للأم". وهى تعنى فى حقيقتها أن الإخوة الذكور لهم حقوق على شقيقاتهم إلى أن يتزوجن. وعند هذه النقطة يظلوا محتفظين بحقوقهم الإنجابية عليهن، بحيث يتحكموا فى أبناء أخواتهم بما يخدم ويؤمن عملية نقل الميراث. أما الحقوق الجنسية على الأخوات فتنتقل إلى الزوج، وكذلك أغلب الحقوق على الخدمات المنزلية التى يمكن أن تقدمها الأخت. ولكن الأرجح أن تظل الحقوق الاقتصادية فى ثمار عمل الأخت تحت سيطرة الأخ أو جماعة الإخوة.
وعلاوة على المواريث، يمكن أن تؤثر قواعد القرابة والمصاهرة على تحديد مكان السكنى، والعلاقات بين الأفراد، وطرق مخاطبة الشخص للآخرين، ومختلف أنواع السلوك الأخرى فى المجاات الافتصادية والسياسية. وقد درست تلك القواعد نفسها من خلال دراسة سلاسل النسب، ومصطلحات القرابة، وأنواع الزواج المفضل، ودوائر إعادة الانتاج الاجتماعى. وتصنف الأنثروبولوجيا الاجتماعية نظريات القرابة تبعا لتأكيدها المنسبى على قواعد النسب (أو الانحدار القرابى) أو على قواعد المصاهرة. أى تبعا لما إذا كانت تولى اهتمامها الأساسى لقواعد العلاقه بين الأب والإبن، أو قواعد الارتباط بين الجماعات التى تتكون من خلال الزواج.
وقد سيطرت نظرية النسب (أو الانحدار القرابى) (Descent Theory) طوال الفترة بين الثلاثينيات والستينيات، وارتبطت أساسا باعمال عالم الأنثروبولوجيا المتخصص فى الدراسات الافريقية ماير فورتس والدراسات النظرية لرادكليف براون. ويذهب أصحاب نظرية النسب أو الانحدار القرابى إلى أن نظم القرابة هى التى تضمن استمرار وجود الجماعات القرابية ككيانات سياسية عبر الزمن. ويعنى هذا أن العلاقات داخل الجماعات القرابية يجب أن تتأسس وتستمر من خلال صلات الانحدار القرابى الحقيقية أو المتخيلة، والتى يمكن إرجاعها إلى أحد الوالدين أو إلى كليهما. فبؤرة الاهتمام هنا هى العلاقة بين الأب والإبن والعلاقات بين الإخوة. وتولى تلك الدراسات الأهمية الأولى للانحدار القرابى والخلافة، وتتسم بأنها دراسات إمبيريقية إلى حد ظاهر، كما تتسم بارتباطها بالنظرية الوظيفية، حيث يذهب أصحاب نظرية الانحدار القرابى إلى أن نظم القرابة إنما توجد لكى ترسم وتعين الحقوق والواجبات فى داخل المجتمعات.
أما نظرية التحالف (Alliance Theory) فتتسم بطابع نظرى أوضح، حيث تهتم بدراسة كيف تؤسس قواعد القرابة صلات بين الجماعات عن طريق الزواج. ومن هنا يحتل نظام الزواج وقواعد تحريم الزنا بالمحارم مكانة محورية داخل هذه النظرية. ويعنى هذا، فى رأى أصحاب نظرية التحالف، أن نظم القرابة إنما توجد لكى تخلق إمكانيات لإقامة علاقة زوجية، أو تقضى بحظر أو استبعاد إمكانية قيام مثل هذه العلاقه. ويستند القدر الأعظم من آراء تلك النظرية إلى مؤلفات كلود ليفى شتراوس، الذى وصف نظم القرابة بأنها إما أن تكون "أولية" أو "مركبة". ففى ظل النظم الأولية يختار شريك العلافة الزوجية وفقا لقواعد اجتماعية محددة، على حين لا يختار هذا الشريك فى النظم المركبة وفقا لبعض القواعد البنائية، وإنما وفقا لهوى الاختيار الفردى. على أننا نلاحظ أن تلك التحديدات إنما هى مبادئ تجريدية أكثر منها أوصافا لواقع إمبيريقى ماثل فعلا، إذ نجد فى الواقع أن لدى كافة المجتمعات قواعد معينة لتحريم الزنا بالمحارم هى التى تحدد شركاء العلاقه الزوجية وفقا لنظم أولية، كما أن لديها جميعا بعض الجوانب أو العناصر المركبة التى تسمح للفرد بقدر من الاختيار وفقا لظروفه وأحواله.
وفى خلال عقدى الستينيات والسبعينيات زادت سخونة الجدال بين أصحاب نظرية المتحالف و أصحاب نظرية الانحدار القرابى، وذلك لكون هذا الجدال جزءا من الحوار الأوسع بين المدرسة الوظيفية والمدرسة البنيوية فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية. ولكن ذلك الجدال سرعان ماخبت حدته مع مطلع الثمانينيات، و أصبح محل الاتفاق العام اليوم أن المفرق يكمن فى مستوى النظرية المستخدمة، أكثر مما يكمن فى النظم القرابية الموجودة فى الواقع أو فى الالتزام بأى توجه نظرى معين.
ويمكن القول بأن أياً من مؤلفات رودنى نيدام يمكن أن تقدم عرضا عاما طيبا للتراث الأنثروبولوجى حول الموضوع، وانظر على سبيل المثال: إعادة النظر فى القرابة والزواج، الصادر عام 1971، أو مؤلفه بعنوان: ملاحظات واختراعات: دراسات متشككة عن القرابة، الصادر عام 1974.
أعدت الدكتورة نجوى عبد الحميد سعد الله أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية الآداب جامعة حلوان عدداً من الدراسات الميدانية عن القرابة، كانت باكورتها دراسة عن: نظام القرابة عند بعض الجماعات السكانية المتميزة فى منطقة أسوان (أنظر عرضاً مفصلاً لها فى الكتاب التالي: محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا. أسس نظرية وتطبيقات عملية، دار المعرقة الجامعية، الإسكندرية، طبعات متعددة، ص ص 599 - 655). للوقوف على مزيد من الدراسات العربية حول الموضوع انظر الملخصات السوسيولوجية العربية التي يصدرها مركز البحوث والدراسات الأجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتغطى المطبوعات الاجتماعية منذ بدايات القرن وحتى اليوم فى 12 مجلداً (بإشراف أحمد زايد، ثم محمد الجوهرى).