الطعام والشريعة الدينية
هذه المقالة يتيمة حيث أن عددًا قليلاً من المقالات أو لا مقالات إطلاقًا تصل إليها. ساعد من فضلك بإضافة وصلات في المقالات ذات العلاقة. (مارس 2009) |
هذه المقالة بحاجة إلى إعادة كتابة باستخدام التنسيق العام لويكيبيديا، مثل استخدام صيغ الويكي، وإضافة روابط. الرجاء إعادة صياغة المقالة بشكل يتماشى مع دليل تنسيق المقالات. بإمكانك إزالة هذه الرسالة بعد عمل التعديلات اللازمة. وسمت هذا المقالة منذ: مارس_2009 |
اجمع علماء الأنتروبولوجية الدينية على ارتباط الظاهرة الغـذائية عند المتدينين بمنظور روحي يقـرن الجسد بالقوى السمـاوية، ويضفي على تناول الغذاء وطريقة إعداده مدلولا وقيمـاً متعالية وخارقة. وأحياناً كان هذا الغذاء حلمياً متخيلا مثـل الوليمة السماوية من المن والسلوى، أو طعاماً عجائبياً مثل اكسير الحياة، اوحُمـل على دلالات رمزية وروحية مثل اعتبار فيلون " اللوغوس " كلمة الله وغذاء الأرواح السماوية مـن القـوى العليا. ومنذ القديم اقيمت وجبات جماعية بقيت إلى مـا بعـد ظهور المسيحية، تعظيماً للآلهة عـلى سخائها ومباركتها الإنسـان. وغـالباً ما تعلقت القداسة بالأعجوبة الغذائية. وخصصت الشعوب الوثنية اربـاباً للتغذية. وكانت حصة مـن الطعام في كـل بيت روماني موقوفة على ربات الغذاء " بينات ". وثمة ثمار وأغذية وقف على ارباب : البلوط أو السنديان، لزيوس " جوبيتر "، والحنطة لديميتر، والكرمة لديونيسوس " باخوس "، والرمان لآتيس. وهناك عادات من اصل آداب المائدة الدينية الجماعية مترسبة في البنية العقلية والسلـوكية المعاصرة حيث تقام الولائم المقدسة داخل اضرحة الأوليـاء المسلمين في (المـغرب العـربي، خصوصا.) تنتظـم الظـاهرة الغـذائية فـي منظـور ديـني، بـربط الجسد بالمـقدس. وتمـر لـدى الإنسـان المتدين عبر مصفـاة الضوابط اللاهـوتية التي بلـورتها التعـاليم والوصـايا وطرائق التقنيات الشعـائرية. ومـن الجلي ان التحريمـات الغذائية لا تنتج من خصائص الأنواع بـل من المكـانة التي تعطى لها في متن نسق، أو انساق متعددة من الـدلالات. وقـد لاحظ تيسمان، على مـا يذكر كلود ليفي ستروس ان انتهاك الحرمات الغذائية يحدث عند قبيلة" بونابي" بعض الإضطربات النفسية التي تشبه بعوارضها بعض ظواهر الحساسية وغالباً ما انعقدت الصلة على صعيد سوسيولوجي بين الطعام وهويـة الدين. وكان أهل " التيبيت " القاطنون على حدود " كانوس " يماهون بين الدين وأنواع من الطعام، فيستخدمون كلمـة رمزية هي الفم عند الإشـارة إلى الجـماعات الدينية الأخرى، فيقولون : ان فمهم مثل فمنا أو لا يشبه فمنا، اي ان ديننا يماثل أو لا يماثل دينهم. لذا كانوا يأنفون من تناول طـعام مـن لا يعتنق عقيدتهم، على ما يذكر ج. هيننغز في مقـالته في " المعجم التوراتي ". كذلك كان كثير من مسيحيي اثيوبيا يحرمون اكل الجمال لأنه عادة إسلامية، ولا يتناولون القـهوة أيضاً للعـلة ذاتها. وكانت التعاليم الزرادشتية تخضع الطعام لمعايير ايديولوجية مشددة حيـال دين صاحب الذبيحة، إذ تحظر على الزرادشتي تناول طعام اعده له غير زرادشتي، بـل تحرم عـليه حتى لـمسه. وهذه التحريمات الـدقيقة والمفصلة، تظهر عـلى مستوى تحضير الطعام، وتصيب خـاصة طرق الطبخ واستخدام الأواني خصوصاً عند اليهـود. وفي الديانة الإسلامية ينصرف التحريم والتحليل إلى التمييز بين طرائق الذبح " التزكية ". بين" ما اُهل لله به" و" ما اُهـل لغير الله به ". فإرسـاء النظام الغذائي، وخاصة نظام محرمات الطعام على قـاعدة من التفسير الديني أو الميتولـوجي أو الأخلاقي التي تفترض ترتيبـاً معيناً، أو تصنيفاً مـعيارياً يميز بين المباح والمحرم، وبين المـندوب والمكروه، إرساء لهوية الجماعة ولتصوراتها عـن الكون، وعـن منظومات الكائنات الواقعية والمتخيلة، وعلاقة الإنسان بها. المجتمع المؤسلم في ضوء هذا المنحى النظري يقارب محمد حسين بن خيرة في كتابـه الموضوع بالفرنسية " الإسلام والمحرمات الغذائية " المدونة الفقهية الإسلامية ساعيـا إلى الكشف عن التصنيف الداخلي لهذه المدونة ولمعاييرها وحدودها. ودورها في تشكيل لحمة الحياة الاجتماعية والروحية. وتوحيد سمتها ومظهـرها الخارجي، من خلال عملهأعلى تنظيم قواعد التحليل والتحريم وتشكيل مفرداتها، وتفسير وظائفها، وحفظ النظام أو صورة العالم كما تتخيلها. ويحدد بن خيرة نطاق عمله في مجال تفكيك المفهوم الثنائي لحلية الحيوان وتحريمه، وعـلاقة جسد المسلم به. صارفاً النظر عن سائر التحريمات غير الحيوانية، بما فيها موضوع تزكية (طريقة ذبح) الحيوانات. ويفصل المؤلف هـا هنا، ما بين النظام الإسلامي بمفهومه النظري الشمولي، وبين سلـوكيات المسلمين وخصوصيات مجتمعاتهم وطرائق عيشهم وتفاوت عاداتهم وتقاليدهم، ويؤثر استخدام صيغة " المجتمع المؤسلم " للدلالة على سياق هـذه المجتمعات التاريخي والحضاري المتواصل والمتجدد والمتنوع. ومثل هـذا السياق هـو الذي يفرض على المـدونة الفقهية إدخالها بعض التفاصيل والتعديلات التي لا تمت احيـاناً إلى اي اصل مـن الأصول الدينية. مثل تحريم اكل لحم الماعز، في المغرب العربي. ومرده احتذاء بعض التقاليد والأعراف المحلية، أو بقاء رواسب من محظورات دينية قديمة. بيد ان المنظومة الفقهيـة على اختلاف المـذاهب الإسلامية، تبقى موحدة في اطـارها العام، لأنها عنصر أساسي من عناصر الاستقرار والتنظيم لمجتمع المسـلمين في كـل حركـاتهم وتصرفاتهم، وفي حلهم وترحالهم. فالتصنيفات الفقهية ليست اطاراً نظرياً فحسب، انما هي أيضا بمثابة وسائل ووسـائط للتدخل في العـالم، وفي الحيـاة الاجتماعية وحركة النـاس. والمؤلـف يتجنب الدخول في اي من سجالات الفقهاء حول حكم التغذي، ان كان وقفياً أو عقلياَ. والفقهاء في هذا يفترقون بين هذين الموقفين، ويستقصي بدلاً عن هذا المدخل ،المنطق الضمني لهـذا التقسيم الثنائي، والتفريق بين الأنواع المحللـة والمحرمة من الحيوان. ويرى ان المنظومة الفقهية لا تقارب هذه الفروق انطلاقاً مـن الملاحظة الموضوعية أو التصنيف العـلمي أو التشريح الفيزيولوجي، بل مـن خلال القاموس الميتولوجي أو شبه العلمي في تصنيف الحيوانات وتشريحها، المستوحى في معظمه من مزيج هلليني _ فارسي. ومن عقيدة النفس والروح والشهـوات الجسدية والغرائزية، مخضعة في ذلك المسلم ليتقيد بأوامرها وأعـرافها، فيروّض نفسه وجسده على إبـاحة الأطـايب وكراهية الخبـائث. ومدرجة قيـود التحليل والتحريم وشرائطه، في باب موجبات الفطرة ومقتضى سنن الخلق والطبيعة. تقاطعات ويحيل بن خيرة تصنيف المحظورات الغذائية المتقـاطعة مع خطابات اخلاقية ودينية وصحية إلى مرجعية تنظيم العالم، وعلاقة كل عنصر من العناصر الكونية : الماء ـ والأرض ـ والهواء ـ بصنف مـن هذه الحيوانـات. وتمتد الجـذور التاريخية القديمة لهذه التقسيمات والتقاطعات إلى منابع عدة، منها ما يـرجع إلى تجربة الحياة الرعـوية عند الجاهليين، ومنها ما يرجع إلى التراث التوراتي، أو إلى الثقافة الهللينية الفلسفية الطبيعية : حـار ـ جاف ـ بارد ـ رطب ـ وقـد افضت هـذه المكونات والينابيع التاريخية إلى انبثاق ظاهرات دينية فقهية متأثرة بها. مثل ان الزكاة على الحيوان لم تتوجب الا على الأنعام التي تتكاثر عـادةً في المجتمع الرعوي. ولم تفرض مثلاً على الصيد البـري أو الصيد البحري. كذلك لم يقدم المسلمون اياً مـن اضاحيهم وقرابينهم من بين الحيوانات الـوحشية والسباع. وثمة معايير كثيرة شكلت في المدونة الفقهية الواحدة محوراً لتعـارضات شكلية بين انـواع الحيوانـات، وتقـاطعاً بين الاصناف البرية والمائية، و" الإنسية " الداجنة و" الوحشية " البرية. وبين الحيوانات التي تقيم علاقة مع القوى الأرضية الجهنمية الشيطـانية، مثل الخنزير والكلب والحية. أو مع القوى السمـاوية الملائكية مثل الديك. وأجمعت المـدارس الفقهية على عدم وجود أنواع محللة أو محرمة بالكامل. ما خلا الحشرات والهوام التي تحرمها الحنفية والإمامية جميعها. وميـزة التصنيفات الفقهية انهـا ترتكز على آيـات قرآنية محدودة، بيد ان هـذه التصنيفات تتسع على مدار القرون، ناهلة من منابع السنة النبوية والأعـراف المحلية والديـانات الكتابية والقديمة، حتى أضحت قرينة على تطور المجتمعات الإسلامية، كما على امتثاليتها ومركزيتها العقائدية والشعائرية والسلوكية. واكتسبت هذه التصنيفات التي تعزل المحرم عـن المحلل، والنجس عن الطاهر، ضربـاً مـن التمـايز بين المجتمعات الإسلامية وسـواها، ودلالة انتماء إلى فئة معينة محددة. وتمثل هذه الخيارات الدينية عند تقاطعها مع خيارات الأديان الأخرى بؤرة صراع رمزي بينهما. ومثالاً على ذلك يضع بن خيرة مسـألة الطعام في القرآن عند نزوله كمحاولة لاجتثاث عـوائد الطعـام الوثنية، التي استمرت عنـد معظم المسلمين في بداية الدعوة، من ضمن التناقض بين الدينين. الإنسانية والحيوانية ويفترض ان المدونة الفقهية التي تسعى إلى بنـاء منظور متكامل ومنغلق، يدور حول قـاعدة التعـارض بين الأعلى والأسفل، واليمين واليسار. تضع الإنسان في البؤرة والمركز لكنها لا تلغي الفـاصل بين الإنسانية والحيوانية كنظـامين متعارضين بالمطلق، بل تقيم جسراً ما بين هذين المخلوقين. تعبر عن وجوده حسب رأي المؤلف، بأحاسيس الخشية من النكوص والارتداد إلى البهيمية التي تنتاب المرء عندما يتناول طعامـاً حيوانياً محرماً. ولا يحيل بن خيرة هذا الخوف من المسوخية إلى اي شبهة طوطمية، كما درج على هذا التصور الأنتولوجيون الذين عـدوا تحريم اكـل بعض انـواع مـن الحيوانات أثراً من آثار التصنيفات الطوطمية، وبقية من بقايا وظائفها التي عرفها الساميون، وعرب ما قبل الإسلام. انمـا ينطلق بن خيرة مـن اقـامة علاقـة سيكولوجية بين الآكـل والمـأكول. حيث يعتبر الآكل التهـامه لحم الحيوان اجتيافاً لطاقـاته وصفاته، فإذا كان مؤذياً وعدوانياً فإنه يتماهى مع خواصه الخبيثة والقبيحة. وغالباً مـا حرم الفقهاء المسلمون الضواري والكواسر لأنها تتميز بعدوانيتها وعنفها. ولكننـا نرى بالأمثلة الشاهدة، ان هذه العلاقـة، لاتقتصر على مـا أقامه بن خيرة من صلة سيكولوجية، وإنما تتعداهاالى روابـط سحرية بين الأثنين. ومن موروثنا ان العربي الجاهلي ظـن بوطأة هذا التصور الذي يحول صفات المأكول إلى الآكل انه يحوز بأكله الكبد مثلاً، القوة والشجاعة والقدرة على التحمل، لأن الكبد في نظره وسط الجسم، اي بؤرة القوة المقدسة، ومركز روح الإنسان وطاقته الروحية، لذا شاع عند البدو أكل الأكبـاد خصوصاً في حالة الانتقام، وقصة هنـد بنت عتبة معروفة. وهي التي استخرجت كبد حمزة بن عبد المطلب عم النبي وسميت آكلة الأكباد. وعادة اكل الكبد في العموم طقس ديني تعبدي. كذلك دفعت رغبة الأنسان إلى الخلود ان يتصور ان الغذاء، من طريق التحول الهضمي، واستخلاص جوهره الغـذائي، يمكنه من الحصول عـلى اكسير الحياة واجتيـاف القدرات المطلقة لإطالة الأعمار. وفي التاريخ العربي ان اتباع حمدان القرمطي كانوا يؤدون إليـه ضريبة " البلغة " وهي ضريبـة خـاصة يدفعها من اراد ان يشترك في " خبز الجنة ". ولفظة البلغة تعني كمية الغذاء الضروري لاستمرار الحياة. وسميت تلك الضريبة بذلك لأن من كـان يدفعها يحصل عـلى قطعة بحجم حبة البندق من خبز شهي، زعم حمدان قرمط انه غذاء اهل الجنة، وانه مرسل من لدن الإمام المحتجب (راجع بندلي جوزي :" من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام ". ص 163 وبتأثير من اطروحة الإناسية ماري دوغلاس الشهيرة يحسب بن خيرة ان الشهوة إلى المحرم تتجاوز حـدود العلاقة الفردية بين الإنسان ونوع الطعام، لتتحول إلى علاقة تهديمية تخريبية للنظـام الاجتماعي والسياسي، الذي ينبذ هـذه المحرمات، ويعزلها كعنصرخطـر يهدد بتقويض دعـائم تآلفه وتجـانسه وديمومة بقائـه. فيمـا يمثل النزول عنـد أوامر الشريعـة وشعائرها انقاذاً لنظام الطبيعة والمجتمع من الفوضى والضياع.