طبقة دنيا

(بالتحويل من الطبقة الدنيا)

الطبقة الدنيا (بالإنجليزية: Underclass) انبثقت المناقشات الواسعة والحادة بين علماء الاجتماح لقضية الطبقة الدنيا من خاال المؤلفات الامريكية أساساً التى تناولت ظاهرتين يعتقد أنهما مرتبطتين ببعضهما البعض، وأقصد بالظاهرة الأولى مستويات البطالة المرتفعة بين الشباب، وبالثانية ارتفاع نسبة الأسر ذات العائل الواحد. ويرجع القلق من اضطراد نمو الأسر ذات العائل الواحد إلى أنها باتت تمثل أضخم الفئات المعتمدة على مساعدات الرفاهية، وذلك بفضل نظام مساعدة الأسر التى تعول أطفالاً (Aid to Families with Dependent Children - AFDC). ويلاحظ أن السكان السود فى أمريكا هم الفئة الأكثر تأثراً بكل من البطالة والأسرة ذات العائل الواحد، وبما يفوق نسبتهم إلى المجتمع الأمريكى.

ويشير المصطلح نفسه - الطبقة الدنيا - إلى مجموعة من الناس تقع خارج التيار الرئيسى للمجتمع، ولكن بعد هذا التحديد العام المتفق عليه، تبدأ الخلافات حول طبيعة هذا الاستبعاد وعوامله. ومن التفسيرات التى قدمت فى هذا الصدد، ذلك الذى قدمه ودافع عنه بقوة تشارلز مارى (فى كتابه المعنون: فقدان المقومات الأساسية، الصادر عام 1984). ويذهب فيه الى أن إدمان الاعتماد على مساعدات الرفاهية قد شجع على تفكك الأسر النووية، كما خلق عملية تنشئة اجتماعية تقوم على تبنى ثقافة مضادة تؤمن بالتقليل من قيمة العمل، وتشجع على الاعتماد على المعونات، واللجوء الى الجريمة. وإلى جانب هذا توجد نظرة بنانية بديلة، عرضها ويليام جوليسوس ويلسون وزملاؤه، وفيها يؤكدون على فشل الاقتصاد (الأمريكى) فى توفير وظانف مضمونة تكفى للوفاء باحتياجات الطلب على التوظف، وهو الأمر الذى كان من عواقبه هدم دور الذكر كمسئول عن توفير احتياجات الأسرة، على نحو ما كاتت تعرفه التنشئة الاجتماعية من قبل. وهكدا يذهب أصحاب الرأى الأول إلى أن سبب استبعاد هذه الطبقة من نهر الحياة الرئيسى يكمن فى الاتجاهات والسلوكيات التى يتبناها أفراد هذه الطبقة أنفسهم، على حين يرجع أصحاب الرأى الثانى سبب استبعادهم إلى عدم المساواة البنائية التى تتحيز ضد جماعات بعيتها فى المجتمع.

ولقد أصبح تحديد الطبيعة الحقيقية لهذا التحيز البنائى موضوعا للجدل المحتدم فى التراث السوسيولوجى الأمريكى. ومن نقاط الخلاف الواضحة ما اذا كانت مشكلات هذا التحيز ضد السكان السود راجعة إلى لونهم أم راجعة إلى وضعهم الطبقى. وكان ويلسون قد أشار فى مؤلفه: تراجع أهمية العنصر (العرق) إلى وجود : "طبقة دنيا ضخمة من البروليتاريا السود، وأن هذه الفئة السكانية الهائلة الحجم تقبع فى أدنى درجات السلم الطبقى الاجتماعى، تعانى من التعليم السى والأجور المنخفضة والوظائف غير المستقرة". (انظر ويليام جوليوس ويلسون وزملاؤه، تراجع أهمية العنصر (العرق)، 1978). فهذا التعريف يفهم الطبقة المدتيا كظاهرة خاصة بالسسود، ويحدد ملامحها بهشاشة وضعها فى سوق العمل، ودون إشارة صريحة إلى أى عوامل سلوكية أو معنوية. ثم عاد ويلسون - وتحدث -فى دراسة لاحقة له (انظر دراسة وبليام جوليوس ويلسون وزملاؤه، المتحيز ضدهم حقا، الصادرة عام 1987). تحدث عن : "الأفراد الذين يفتقرون إلى التدريب والمهارات، ويعانون إما من البطالة لفترات طويلة، أو من كونهم ليسوا أعضاء أصلا فى قوة العمل، وهم آفراد منخرطون فى ارتكاب الجرائم على قارعة الطريق وغيرها من أشكال السلوك المنحرف، و عاتلات تعانى فتر ات طويلة من الفقر و/أو الاعتماد على معونات الرفاهية . وهنا نلحظ تغيير ا طفيفا فى محور الاهتمام عند ويلسون، فلم ترد فى صيأغته الآحدث إشارة صريحة إلى المعرق ، وأصبحت البطالة غير المتصلة بطالة حقيقية، واتسع تعريفه للطبقة الدنيا بحيث أصبح يستوعب الإجرام والاعتماد على معونات الرفاهية (ومن ثم يدخل فى تعريف ويلسون بعد ثقافى، وهو التعريف الذى كان ذا توجه بنائى فى الأساس).

ومع أن المناقشات حول طبيعة الطبقة الدنيا وحجمها قد جرت بالأساس فى الولايات المتحدة، غير أن الأفكار المحورية فيها لم تكن غريبة على الإطلاق على المجتمع البريطانى، خاصة فى خضم الزيادة الواضحة والمفاجنة فى الاهتمام بـ "ثقافة إدمان مساعدات الرفاهية" التى شهدتها بريطانيا خلال عقد الثمانينيات، مع أن هتاك بعض الدراسات التى ترجع إلى عقدى الستينيات والسبعينيات، خاصة تلك الدراسات التى تتاولت موضوع دورة الحرمان. وعرفت حقبة السبعينيات دراسات أخرى ركزت اهتمامها حول الأوضاع المتردية للسكان السود الذين يعيشون فى مناطق وسط المدينة فى بريطانيا، على نحو ما عرفنا - على سبيل المثال - عند جون ركس وسالى توملنسون. فنجدهما يذهبان إلى أن التحيز المنظم ضدهم فى مجال العمل ومجال الإسكان يودى إلى نوع من النشاط على مستوى مجتمع الجيرة، يمثل تعبيرا عن وعى طبقى جماعى، حيث قالا مثلاً: "هناك نوع من الميل لدى مجتمع السود للتصرف كطبقة مستقلة أو كطبقة دنيا داخل المجتمع البريطانى". (انظر كتابهما المعنون: مهاجرون مسن المستعمرات داخل مدينة بريطانية، الصادر عام 1979).

وقد لعب تشارلز مارى دورا بارزا فى وضع موضوع الطبقة الدنيا على أجندة علماء الاجتماع وعلى الأجندة السياسية أيضا، ولكن بطريقة خلافية إلى أبعد حد ممكن. وقد ذهب فى مؤلف حديث له إلى أن: "الفرق بين الولايات المتحدة وبريطانيا أن الولايات المتحدة وصلت إلى المستقبل قبل بريطانيا". كما استخدم مارى تعبيرات مجازية واستحارات من دنيا "الوباء" و "المرض"، موضحا أن الطبقة الدنيا تتسم بالممارسات اللاشرعية، والجرائم العنيفة، والتسرب من قوة العمل بمحدلات متزايدة باضطراد. وسوف تظل مستمرة فى هذا الاتجاه حيث توجد أجيال جذيدة من الأطفال الذين نشأوا على الحياة فى ظل هذا النمط من الحياة (انظر مؤلفه: الطبقة الدنيا البريطانية الناشئة، الصادر عام 1990). ويبدو أن البحوث التى تطورت من خلال المناقشات التى تمت فى مرحلة سابقة عن موضوع دورة الحرمان قد عملت - الآن - على التقليل من أهمية هذه النتيجة التى انتهى إليها مارى.

لقد ظلت مشكلة البطالة تمثل دائما مشكلة حقيقية بالنسبة لدارسى التدر ج الطبقى الاجتماعى على أساس التراتب المهنى، وقد تبنى بعض دارسى الطبقات فكر ة وجود طبقة دنيا فى محاولة منهم لحل هذه المعضلة. وذهب رانسيمان (فى مقاله : كم عدد الطبقات فى المجتمع البريطانى المعاصر؟ المنشور فى مجلة: علم الاجتماع، عام 1991) لى أنه يوجد أدنى من الطبقات العاملة التى تضم العمال اليدويين المهرة وغير المهرة، توجد طبقة دنيا متميزة وهو مصطلح لا يدل على مجموعة أو على فنة من العمال الذى يعانون من التحيز المنظم ضدهم داخل سوق العمل، وإنما يشير إلى أولنك الأفراد من أعضاء المجتمع البريطانى الذين تضعهم أدوارهم - بشكل شبه دائم - فى الوضع الاقتصادى الذى يجعل الذولة تقذم معونات الرفاهية لأولنك العنجزين كلية عن المشاركة فى سوق العمل ... فهم فئة تعانى عادة من البطالة الطويلة الأجل. ولكن هذا التعريف محل اختلاف بين الدارسين، اذ أنه لا ينطبق - فى الحقيقة - على العاطلين الذين لا زالوا نظريا على الأقل مشاركين فى سوق: العمل (وإن تكن مشاركة غير ناجحة )، وإنما ينطبق على أولنك الذين يقعون بشكل نهانى وبات خار ج قوة العمل، مثل كبار السن، والمرضى بامراض مزمنة، والمعوقين بنسبة كبيرة تقعدهم عن العمل.

وذهب عالم اجتماع بريطانى آخر، هو أنتونى جيدنز (فى مؤلفه: البناء الطبقى فى المجتمعات المتقدمة، الصادر عام 1973) الى تعريف الطبقة الدنيا بأننا تتكون من الأفراد الذين يتركزون فى المهن ذات الأجور الأدنى، والأفراد شبه العاطلين أو العاطلين بشكل داتم يسبب سوء تأهليهم لاقتحام السوق نتيجة اعتبارات ثقافية أساسا". وتناول داتكان جالى إمكانيات التماسك الثقافى والوعى الذاتى الجماعى بوصفها الماامح المميزة للطبقة الدنيا. وانتهى من دراسته إلى أن أنماط التوظف غير المعيارية والبطالة الطويلة الأمد لتى انتث ت خنال الثمانينيات كانت بمثابة اأسان البنانى لظيقة دنيا متميزة، ولكني: لا تتيم الذيل علينا تقافيا.( انظر ذرأسة ذانكان جالى عن العمل واليطالة والتذر ج العنبقى الاجتماعى المنشورة في كتابه الممعنون: العمل فى بريطانيا، الصادر عام 1988).

من هنا قد يحسن ان نترك الكلمة الأخيرة حول هذا المفهوم لجيربرت جانز (فى دراسته عن تحليل الطبقة الدنيا" المنشورة فى مجلة اتحاد التخطيط الآمر يكى، عام 1990) الذى انتهى الى القول بأن "الطبقة الدنيا مصطلح تركيبى متميز تمام التميز يجمء تحته أشتاتا من البشر شديدة التنوع والتباين". فهو مفهوم قد يكون مقيدا من وجهة البلاغة السياسية أكثر منه ذا دلالة سوسيولوجية.