الديانة الآتونية

الديانة الآتونية هي عقيدة التوحيد الجديدة التي حاول إخناتون نشرها في مصر القديمة. اختلفت دعوة أخناتون عن سابقيها في الإيمان بوحدانية الإله دون شريك وعالمية هذا الإله حيث كان رب كل الناس المصريين والأجانب وأراد إخناتون (أو أخناتون) بهذا الدين الجديد أن يحل محل القومية المصرية.. وقد هَجَرَ الملك إخناتون طيبة برغم ما كان لها من السيادة والأبهة بعيدًا عن كهنة آمون وسمَّى نفسه (العائش في الصدق) وأقام له حاضرةً جديدةً وسماها أخيتاتون وهي تل العمارنة بمحافظة المنيا حاليا. إلا أن كهنة آمون رع في طيبة قاوموا أفكاره ورفضوا دينه الجديد.

نبذة تاريخية

كان كهنة آمون أكثر الناس إفادة من الرخاء الذي عاد على مصر على يدي تحتمس الثالث، وكادوا يهجرون الدين للسياسة، وإذا هم سياسيون أكثر منهم دينيون. وكاد الميدان الديني يخلو من رجاله الذين كان عليهم في ظل تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف أن يجمعوا الناس على عقيدة جامعة ولا يتركوهم في بلبلة واختلاف كل كما يهوى. وهذا ما هيأ لثورة دينية وجعل أمنحتب الرابع أو أخناتون يحل عبادة أتون القائمة على التوحيد محل عبادة آمون، وأن ينقل عاصمته إلى تل العمارنة. غير أن هذه العقيدة لم تعش أكثر من عشرين عامًا أعاد بعدها توت عنخ آمون عبادة آمون واتخذ طيبة عاصمة من جديد.

عقيدة التوحيد

حين دان المصري بدين إله الشمس خلال عصر بناة الأهرام عرف طريقه إلى قوة يخشاها وتحاسبه على أعماله في دنياه. وحين اختار الشمس دون غيرها رأى فيها رمز القوة الشاملة التي تجمع العالم في قبضتها.

وخلال الدولتين القديمة والوسطى كان الملك هو وحده الذي يملك الاتصال بالآلهة، لذا لم نجد خلال هاتين الدولتين صورة من صور الآلهة على الآثار التي تركها منهم من عامة الشعب. ومنذ بداية عهد الانتقال التاني (بين الدولة الوسطى والدولة الحديثة) أخذت صور الآلهة تظهر على آثار عامة الشعب وزاد هذا انتشارًا في عهد الدولة الحديثة، ومرد هذا إلى المساواة المطلقة بين الناس جميعًا في الديانة التي تحققت في عهد الأسرة الثانية عشر غير أنها لم تظهر لتوها في الفن بل احتاجت لشيء من الوقت.

وقد خطا أمنحتب الرابع أو أخناتن في مجال العقيدة الدينية خطوة وثابة حين أضفى عليها معاني أوغل في الروحية وأبعد عن المادية وأقرب إلى المذهب التوحيدي منها إلى ما سواه. فقد جعل من الشمس الإله ذا السيادة الكاملة على العالم سيادة لا يشاركه فيها غيره. وبعد أن كان إله الشمس يمنل بقمة هريم مرة وبقرص الشمس مرة أخرى، وبقرص الشمس المجنح مرة ثالثة، ظهرت صورة ((أتون)) Aton تنتشر الأشعة منه على هيئة أيد مبسوطة على شؤون البشر جميعًا، وانمحى اسم آمون ليحل محله أتون الاسم الجديد لإله الشمس الذي ينطوي العالم كله تحت سلطانه.

ونكاد نحس هذه النغمة التوحيدية بما تحمل من معاني التبجيل لرب الكون العظيم في هذه الأنشودة الأتونية التي نقدم بعض أبياتها: ((جميل هو بزوغك في أفق السماء يا أتون الحي يا بدء الحياة. إذا أشرقت في الأفق الشرقي ملأت كل أرض بجمالك. أنت جميل، أنت عظيم. أشعتك تجمع الأقطار وكل ما خلقت. أنت ناء ولكن أشعتك تملأ الأرض. الكل يراك ولا أحد يعرف مسيرتك. عندما تحتجب وراء الأفق غربًا تظلم الأرض إظلام الموت، فيأوي الناس إلى مخادعهم وقد غطوا رؤوسهم حتى إن الإنسان لا يرى صنوه، ولو سرق ما يملك من تحت رأسه لما أحس بشيء. أما السباع فتنطلق من عرينها والحيات تنساب لتلدغ، والظلمات تخيم على كل شيء . العالم كله في سكون لأن من خلقه يرتاح في سمائه. وعندما تشرق في الأفق تتألق الأرض، وعندما تمنح أشعتك يهلل سكان الأرضين ويهب الناس واقفين فأنت الذي توقظهم، يرفعون أيديهم عابدين جلالك ويشغل الناس بعملهم، وتمرح الماشية في المروج ويزدهر الشجر والنبات وتغادر الطيور أوكارها وتبسط أجنحتها بروحك، وتقفز الحملان على حوافرها، ويهلل كل ما يطير وترفرف أجنحته عندما تشرق أنت من أجله. أنت في قلبي ولا أحد يعرفك غير ابنك أخناتن. أنت الذي عرفته طبيعتك وقوتك. وسكان العالم في قبضتك لأنك أنت خالقهم، يحيون عندما تشرق ويموتون عندما تغرب، لأنك أنت الحياة بعينها والكل يحيا بك)).

وعلى الرغم من الحرب القاسية الغاشمة التي شهرت على هذا المذهب بعد وفاة صاحبه أخناتن فلقد ظلت تلك الروح العاطفية تسود النفوس، وتأصل في الناس وجدان متميز، وأصبحت القلوب عامرة بالحب، كما عمرت بالخشية والندم والخوف من الإله. كذلك بدت روح التأمل العميق تشعل المتعبدين وتصرفهم عن كل شيء إلا التفكير في الدين، وتجلت المثل العليا والدعوة إلى التحلي بها والابتعاد عن كل ما يشين، وتمكن الوازع في النفوس واستجاب الناس لصوت الضمير وعدوه من صوت الإله، ولم يعل الآثم يخفي إثمه أو ينكره لأنه أصبح يؤمن بأن إله يعلم خبايا النفوس وما تخفي الصدر. ونجد هذا واضحا في رسالة تسمى حكم ((آمون - إم - أوبت)) Amon - Em - Awpet على لسان حكيم يعظ آبنه حيث يقول: ((إذا استمعت إلى حديث فتدبر ما فيه من خير أو شر، ثم أذع خيره بلسانك وأخف شره في صدرك. ولا تطلق العنان لنفسك جريًا وراء الثراء ولا تمن نفسك بطلب المزيد واقنع بأنك قد نلت ما يكفيك. ولا تهجع في فراشك وأنت خائف من غدك، فما تدري ما سيطالبك به هذا الغد، وما أجهل الإنسان بما سيحمله إليه غده. الكمال لله وحده والعجز من صفة الإنسان، فهو يضرب في غير اتجاه ولا قصد. لا تقل إني مبرأ من الخطايا ولا تحاول أن تثير فتنة. الخطايا أمرها إلى الله، هو الذي يفصل فيها، وما من إنسان بلغ الكمال ...)).

عالمية الإله الجديد

كانت دولة إله الشمس ذات الاتساع الشاسع المدى قد بدأت مع عصر الأهرام. ولكن هذا الإله كان يحكم مصر فحسب وكان مركز عبادته في «هليوبوليس» (عين شمس حاليا بالقرب من القاهرة). ونجده في أنشودة الشمس بمتون الأهرام يقف حارسًا على الحدود المصرية ليقيم الحواجز التي تمنع الأجانب من دخول مملكته المحروسة -مصر-. وتعددت عبادة آلهة مختلفة في أقطار مصر، إلا أن كان هناك إله ذائع الصيت من شمال مصر وجنوبها، ذاع صيته خلال الدولة الحديثة وأصبح آمون رع، وحرص كل فراعنة الدولة الحديثة على إقامة المعابد والصروح له في طيبة (الأقصر حاليًا). من هؤلاء الفراعنة الذين اهتموا بطيبة تحتمس الأول وتحتمس الثاني والملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث . وأصبحت طيبة بمثابة أكبر معبد في العالم لعبادة إله، وكان هذا الإله آمون رع. كانت آله أخرى تعبد في مناطق مصر المتعددة إلى جانب آمون رع الذي عـّزي إليه انتصارات المصريين منذ أحمس الأول على الهكسوس وطردهم من مصر. فكانت حروب تحتمس الثالث في بلاد النوبة والشام مثلا تحت رعاية ونصر من آمون.

لم يكن آتون رب شعب ما أو مدينة معينة بل كان هو رب كل الناس التي تشرق عليهم الشمس فهو رب المصريين وشعوب آسيا وشعوب النوبة وهو راع لا يفرق بين أحد من رعيته وهو الذي أعطى كل جنس شكله وطبعه بإرادته. هذا ما نقرأه في الأنشودة التي ألفها إخناتون لعبادة آتون.

وهكذ أراد أخناتن دينًا عالميا يحل محل الدين القومي، ويتجه إلى الطبيعة بما فيها من جمال كامن وسحر خفي ونظام مستتب. وكان لهذا الاتجاه أثره في الفن؛ إذ تأثر الفنانون بهذه الروح الجديدة، واخذو يصوون الحياة مرحة جذلى تخالف المخالفة كلها تلك الصور الهادئة الرتيبة التي اعتدنا أن نراها في رسوم المصاطب. وكان أثر ذلك بارزًا في الصور الجصية التي كانت تزين أرضية قصر أخناتن. وغدا الناس أشد إحساسًا بمظاهر الحياة، تسودهم روح مرحة هاشة، كما ظهر أخناتن نفسه يفيض عطفًا لا كفرعون جبار كما كان حال أسلافه.

أجزاء من الأنشودة الشمسية قبل أخناتون

من مقتنيات المتحف البريطانى في لندن. وهذه الأنشودة تقول أن الوحيد كان قبل اخناتون ولكن أخناتون هو الذي أحياه وأخلص في عبادته.

"يا مذكرى بالأبديه

وحجتى في إدراك الأبدية

يامن سوى نفسه بنفسه.....

إنك صانع مصور لنفسك بنفسك

و مصور دون أن تصور

منقطع القرين في صفاته مخترق الأبديه

مرشد الملايين إلى السبل

وعندما تقلع في عرض السماء يشاهدك كل البشر .........

أنت خالق الكل وتمنحهم قوتك

أنت ام نافعه للآلهه والبشر

وأنت صانع مجرب....

و راع شجاع يسوق ماشيته

و أنت ملجؤها ومانحها قوتها ..........

هو الذي يرى ما خلق

و السيد الاحد الذي يأخذ كل الاراضى اسرى كل يوم

بصفته واحد يشاهد من عليها

مضئ في السماء وكائن كالشمس

وهو يخلق الفصول والشهور...

و كل البلاد في فرح عند بزوغه كل يوم..لكى تسبح له."

الديانة الآتونية واليهودية

يعتقد أن فكرة التوحيد في الديانة الآتونية لها علاقة بنشأة الدين اليهودي وانها هي الاصل في فكرة التوحيد . يتبوأ بعض الباحثين والكتاب تلك النظرة، ومن ضمنهم مؤسس علم النفس سيجموند فرويد ، وهو يهودي، الذي يعتقد أن إخناتون سبق بفكرة وحدانية الإله وأن سيدنا موسى اعتقد في أفكاره وفلسفته، وكتب عن ذلك في كتابه:«موسى والوحدانية» ( [Moses and Monotheism (see also [Osarseph.

اقرأ أيضًا