التفاوت البنائي

التفاوت البنائى (بالإنجليزية: Structural Differentiation) يرتبط هذا المفهوم بالنظريات التطورية فى التاريخ وبالنظربة البنائية الوظيفية. وهو يقوم على أن المجتمعات تنتقل من البساطة إلى التعقيدمن خلال عملية تغير اجتماعى تتسم بالتفاوت البنائى. ويتصور أصحاب هذه النظرية أن التفاوت البنائى -فى أبسط صورها- تتمثل فى انقسام الأميبا، ثم انقسام شطريها، ثم انقسام تلك الأقسام بعد ذلك وهكذا. والمجتمعات النى تسمى بالبسيطة هى تلك المجتمعات التي يجري فيها كل شيء في إطار النسق القرابي ومن خلاله. أما فى المجتمعات الحديثة المعقدة فتوجد نظم ومؤسسات مستقلة تؤدى وظائف: التعليم، والعمل، والحكم، والدين، وغير ذلك، على حين باتت الأسرة فى المجتمع الحديث تؤدى أدواراً أكثر تحديدا وتخصصا، مثل عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة خصوصا. ويعنى التفاوت زيادة فى درجة تخصص النظم والمؤسسات الفرعية المختلفة الموجودة فى المجتمع.

أيزنشتدات

ويمكن أن نجد وصفا كلاسيكيا لعملية التفاوت البنائى فى مؤلفات عالم الاجتماع أيزنشتدات، الذى كان من أعلام الاتجاهات التاريخية والمقارنة فى علم الاجتماع (انظر على وجه الخصوص مقاله: علم الاجتماع، التباين والتطور، فى المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع، 1964. ويمكن القول أن هذه النظرية قد فقدت بريقها وأصبحت بالية، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتباطها بنظرية التحديث التى راجت فى الستينيات. والحقيقة أن ما تلقاه هذه النظرية من إهمال لا مبرر له، نظراً لأن أيزنشتدات قدم لنا نظرية محكمة فى التغير تتجاوز كثيرا النظريات التطورية التقليدية. وتمثل نظريته أكثر المحاولات دقة لعرض مفهوم التفاوت البنائى من خلال تحليلات واقعية ملموسة (انظر على سبيل المثال كتابه: التحديث، والرفض، والتغير، 1917، وكتابه: الثورة وتحول المجتمعات، 1978.

تالكوت بارسونز

أما تالكوت بارسونز فيرى أن عملية التفاوت البنائى تتطوى على ثلاث مراحل هى: عملية التفاوت، ثم عملية التكيف وإعادة التكيف، وأخيرا تأسيس نسق قيم أكثر شمولا وعمومية هو الذى يتولى تحقيق التماسك فى المجتمع الحديث المركب. ويرى أيضا أن القوة الدافعة إلى التفاوت تنبثق من حاجة المجتمع إلى التكيف مع بيئته الطبيعية والاجتماعية. ويمكن أن نلتمس الفكرة التطورية الأساسية فى أعمال هربرت سبنسر، ولكن يرجع إلى نيل سملسر فضل تطويرها وتطبيقها على حالة معينة. وتولى تالكوت بارسونز بنفسه عرضها وتفسيرها على أوسع مستوى من العمومية.

الانتقادات

وقد أخذ علماء الاجتماع -على امتداد العقدين الماضيين- يوجهون النقد كثيرا إلى النظريات التطورية، مثل نظرية التفاوت البنائى. من هذا ما يذهب إليه أنتونى جيدنز، فى كتابه تكوين المجتمع -على سبيل المثال- إلى أن المجتمعات البسيطة لم تكن فى حقيقة الأمر بسيطة على الإطلاق. كما يرى جيدنز أن آلية التكيف تتسم بدرجة كبيرة من الغموض و العمومية لا تسمح لها بأن تفسر التغير الاجتماعى.