البورجوازية الصغيرة
البورجوازية الصغيرة (بالإنجليزية: Petite (or Petty) Bourgeoisie) عرفها كارل ماركس بأنها "طبقة انتقالية"، تتلاقى فى داخلها مصالح الطبقتين الرئيسيتين فى المجتمع الرأسمالى (وهما البورجوازية، والبروليتاريا)، وفيها تصبح هذه المصالح أقل وضوحاً وتبلوراً. فالبورجوازية الصغيرة تقع بين هاتين الطبقتين من حيث مصالحها، ومن حيث موقفها الاجتماعى. وهى تمثل شكلا متميزا من أشكال التنظيم الاجتماعى، حيث تختلط ملكية الإنتاج الصغير بالعمل الأسرى، كما أن هذا العمل هو الذى يملك هذا الإنتاج الصغير. ومن النماذج الأصلية لهذه الطبقة أصحاب المحال الصغيرة، والحرفيين الذين يعملون لحسابهم.
وقد سخر ماركس مما أسماه خداع البورجوازية الصغيرة لنفسها، التى تعتقد أنها تمثل حلا للصراع الطبقى بسبب أنها تجمع بين العمل وملكية وسائل الإنتاج. وقد كانت هذه الطبقة تقدمية بمعنى محدود، كما يدل على ذلك مطالبتها فى فترات مختلفة بالتعاونيات، ومؤسسات الائتمان، وفرض نظام ضريبى تصاعدى، وذلك بسبب شعورها بالقهر فى أيدى البورجوازية. ومع ذلك فقد كانت تلك المطالب (من وجهة النظر الماركسية للتاريخ) محدودة للغاية، كما أن الممثلين الإيديولوجيبن لهذه الطبقة كانوا مكبلين بمشكلاتهم الخاصة وسعيهم إلى الحلول الخاصة (انظر مقال ماركس عن "الصراعات المطبقية فى فرنسا فى الفترة من 1848 حتى 1850).
وقد استبدلت هذه الطبقة البورجوازية "الصغيرة" التقليدية (لاشك أن تبنى هذا الوصف الازدرائى وانتشاره يعد شاهداً على بعض نواحى القصور فى الماركسية) التى تحدث عنها ماركس قى بعض كتاباته، بالطبقة "البورجوازية الصغيرة المجديدة" التى شخصها وكتب عنها بعض الكتاب الماركسيين مثل نيكوس بولانتزاس. وفى رأيهم أن هذ الطبقة تتكون من مهندسين، ومشرفين (رؤساء العمال فى الوحدات الصناعية المتقدمة) وبعض الفئات الطبقية الجديدة للبناء القائم، وهى فئات تعيش على ماتقبضه من أجور وتتسم بأنها غير منتجة فى ضوء بعض المعايير الإيديولوجية، والسياسية، والاقتصادية، ولكنها تحمل مع ذلك قدرا من السيطرة الإيديولوجية. وقد وجد إريك أولين رايت من وجهة نظره- أن أصحاب العمل الصغار يشغلون وضعاً طبقياً متناقضاً بين البورجوازية الصغيرة الحقيقية والبورجوازية تفسها. والملاحظ أن تطبيق مجموعة كاملة من المعايير المستخلصة من كتابات ماركس لم تنجح فى أن تستأصل تماماً المعنى المتحقيرى لهذا المصطلح.
وفى رأى ماركس أن تركيز رأس المال ومركزيته سوف يعمل فى نهاية الأمر على إلقاء البورجوازية الصغيرة فى أحضان الطبقة العاملة التى تزداد بؤسا وشقاء، كما أن الفلاحين سوف يتحولون إلى بروليتاريا (بلترة) رغم ارتباطهم بالأرض. ومع ذلك فإن الإلحاح على التشغيل الذاتى، وعلى ملكية وسائل المعيشة، فضلاً عن نمو قطاع الخدمات، واستمرار بقاء فئة "أصحاب المحال".. كل ذلك يعنى أن هذه الطبقة مازالت تتحدى الفناء، كما أنها تتحدى تصنيفها بشكل صريح ضمن البروليتاريا. ولذلك سوف تظل الطبقة الوسطى، أو فئة ذوى الرواتب، تحظى دائماً بمكانة كونها بقايا (أو رواسب) مرحلة سابقة فى التطور الاجتماعى. والقيم المكتوب على أفرادها أن يمثلوها عادة مثل: روح تنظيم الأعمال على مستوى القواعد، والعون الذاتى، والنزعة الفردية، والأسرة، والمزاوجة الناجحة بين الموارد، تعنى كل تلك القيم أنه مهما أصابت كوارث الانكماش الاقتصادى، وازدياد حالات الإفلاس الطيقة البورجوازية الصغيرة، فإنها سوف تظل تمثل نموذجا ثابتا لقيم العصور الماضية. ومع ذلك تذهب بعض البحوث إلى أن هذه الطبقة مازالت قائمة، وسوف تظل، وذلك على أساس أن اتجاهات المجتمع الرأسمالى الحديث لاتمارس تأثيرا موحدا على ظروف وجود تلك الطبقة: ففى بعض البلاد بداً وضعها يضعف، بينما نجدها فى مجتمعات أخرى تشهد صعودا من الناحية العددية ومن الناحية السياسية. (انظر بشهوفر واليوت (محرران): البورجوازية الصغيرة: دراسات مقارنة للشريحة الطبقية القلقة، الصادر عام 1981.
وتمثل هذه الطبقة بالنسبة للنظام الرأسمالى الجديد الذى بداًيظهرفى مجتمعات مابعد اتهيار الاتحاد السوفيتى فى وسط وشرق أوربا، تمثل صورة فعالة وموحية لنظام الخصخصة المحدود النطاق (وهو لهذا السبب نفسه الشكل الوحيد الناجح للخصخصة)، وذلك حتى تاريخ كتابة هذه السطور على الأقل. ومن المتناقضات حقا أن بقاء عقلية البورجوازية الصغيرة داخل قطاع الاقتصاد الثانى فى تلك المجتمعات التى كانت تخضع لسيطرة الدولة إلى حد كبير، هذا الإستمرار هو الذى أسهم إسهاما واضحا فى انهيار الشيوعية ذات الطراز السوفيتى (انظر شيلينى فى كتابه: أرباب العمل الاشتراكيون، الصادر عام 1988). كما أنها أدت إلى اعتبار ملكية الثروة مرادفا للحرية السياسية، ومن ثم دفعت تلك المجتمعات إلى تبنى الخصخصة التامة دون أى تدقيق أو تحفظ تقريباً بوصفها الدواء الشافى لكافة أمراض الماضى.