اقتصاد غير رسمي

الاقتصاد غير الرسمي (بالإنجليزية: Informal Economy) يقصد به كل النشاطات الاقتصادية والتي تحدث خارج مجال الاقتصاد الرسمي والذي تقوم الحكومة بضبطه. يشير هذا النوع من الاقتصاد إلى قطاع الدخل العام والذي تكون فيه أنواع معينة من الدخل ووسائل إدرارها غير مضبوطة من قبل مؤسسات المجتمع في بيئة قانونية واجتماعية.

حيث يعتبر كل النشاطات الاقتصادية والتي لا تخضع للضرائب ولا تراقب من قبل الحكومة ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي، على العكس من الاقتصادي النظامي أو الرسمي.

على الرغم من أن الاقتصاد غير الرسمي مرتبط مع الدول النامية إلا أن كل الأنظمة الاقتصادية تحتوي على اقتصاد غير رسمي.

يشير المصطلحان الإنجليزيان (تحت الطاولة) و(خارج الدفاتر المحاسبية) إلى هذا النوع من الاقتصاد. وكما يشير مصطلح السوق السوداء إلى مجموعة جزئية محددة من الاقتصاد غير الرسمي حيث يكون في هذا المجموعة الجزيئية التهريب ممارساً.

التعريف

يُعزى الاستخدام الأصلي لمصطلح «القطاع غير الرسمي» إلى نموذج التنمية الاقتصادية الذي وضعه دبليو. آرثر لويس، والذي يستخدم لوصف فرص العمالة أو توليد مصادر الرزق بشكل أساسي في العالم النامي. أستُخدم لوصف نوع من العمالة كان ينظر إليه على أنه يقع خارج القطاع الصناعي الحديث. ثمّة تعريف بديل يستخدم الاستقرار الوظيفي كمقياس للشكليّة، مُعرفًا المشاركين في الاقتصاد غير الرسمي بأنهم «الذين لا يتمتعون بالأمن الوظيفي، وأمن العمل، والضمان الاجتماعي». في حين أن كلا التعريفين ينطوي على عدم وجود خيار أو وكالة في المشاركة في الاقتصاد غير الرسمي، إلا أن المشاركة قد تكون أيضًا مدفوعة برغبة في تجنب التنظيم أو فرض الضرائب. قد يظهر ذلك على أنه عمل غير مبلغ عنه، مخفي عن الدولة لأغراض الضرائب أو الضمان الاجتماعي أو قانون العمل، ولكنه قانوني في جميع الجوانب الأخرى. اقترح إدغار إل. فيج تصنيفًا لوصف الاقتصاديات غير المراقبة بما فيها الاقتصاد غير الرسمي بأنها تتسم بنوع من السلوكيات غير المتوافقة مع مجموعة من القواعد المؤسسية. يزعم فيج أن التحايل على أنظمة سوق العمل التي تحدد الحد الأدنى للأجور وظروف العمل والضمان الاجتماعي والبطالة واستحقاقات العجز يؤدي إلى نشوء اقتصاد غير رسمي يحرم بعض العمال من المزايا المستحقة في حين ينقل منافع غير مستحقة إلى الآخرين.

هذا المصطلح مفيد أيضًا في وصف وحساب أشكال المأوى أو ترتيبات المعيشة التي تعتبر أيضًا غير قانونية أو غير خاضعة للرقابة أو غير ممنوحة حماية الدولة. يستبدل «الاقتصاد غير الرسمي» بشكل متزايد بـ «القطاع غير الرسمي» باعتباره الواصف الأفضل لهذا النشاط.

غالبًا ما ينظر إلى الطابع غير الرسمي، سواء في مجال الإسكان أو توليد سبل العيش على حد سواء، على أنه مرض اجتماعي، ويُوصف إما من حيث نقص أو ما يرغب المشارك في تجنبه. هناك رأي مماثل، طرحته عالمة الاجتماع الهولندية البارزة ساسكيا ساسين، مفاده أن القطاع «غير الرسمي» الحديث أو الجديد هو نتاج ومحرك الرأسمالية المتقدمة وموقع لأكثر الجوانب ريادة في الاقتصاد الحضري، بقيادة مهنيين مبدعين مثل الفنانين والمهندسين المعماريين والمصممين ومطوري البرمجيات. في حين أن هذا المظهر من مظاهر القطاع غير الرسمي لا يزال إلى حد كبير سمة من سمات البلدان المتقدمة، إلا أن الأنظمة المتزايدة تنشأ لتيسير مشاركة الأشخاص ذوي المؤهلات المماثلة في البلدان النامية.

الاقتصاد غير الرسمي ما بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع

الاقتصاد غير الرسمى يعنى هذا المصطلح، كما يستخدمه علماء الاجتماع، العمل الذى لا يخضع لآليات السوق، ويضيفون إليه أحياناً: الأنشطة التى تتم داخل الاقتصاد الأسود (وهى أنشطة يمكن تحديدها بدقة بأنها أنشطة سوق). أما علماء الاقتصاد فيستخدمون هذا المصطلح كبديل للاقتصاد الخفى، أو السرى أو الأسود، والذى يصعب قياس مدى مساهمته فى الناتج القومى الإجمالى. و لاشك أن هذه الاستخدامات المتضاربة للمفهوم كانت مصدرا لسوء الفهم والالتباس الذى أحاط بالمناقشات الدائرة حول هذا المفهوم، خاصة داخل السياقات العامة أو التخصصات البينية، أو الدوائر السياسية.

وثمة طائفة واسعة من الأعمال غير الخاضعة لآليات السوق، التى يضمنها علماء الاجتماع داخل مصطلح الاقتصاد غير الرسمى مثل: العمل المنزلى غير مدفوع الأجر، العمل الاستهلاكى، العمل المنتج الذى لايتم بيعه فى السوق، الأعمال الخدمية داخل المجتمع المحلى، الخدمات أو السلع التى تنتج بقصد التبادل أو ثقدم كهدايا فى ثقافة الأسرة الممتدة أو داخل المجتمعات المحلية، التجارة غير المشروعة (فى الخدمات على سبيل المثال)، الأعمال التى يصعب تحصيل ضرائب الدخل منها بشكل كامل (وتخضع للتخمين لا للمعرفة الحقيقية). بل إن بعض الكتاب يضيفون إلى تلك القائمة أنشطة السوق التى تتم داخل المنزل، لأن هذه الأعمال ترتبط، من وجهة نظرهم، بالأنشطة المنزلية أكثر من ارتباطها بالمفهوم المجرد الخاص بالعمل مدفوع الأجر. ولاشك أن القاسم المشترك الذى يجمع بين كل هذه الأنشطة هو أنها لا تظهر اطلاقا، أو تظهربشكل جزئى، داخل الاحصاءات الرسمية الخاصة بالعمالة (التوظف). ويرى علماء الاجتماع عادة أن ذلك يدل على القصور الشديد أو النقص الذى يسم هذه الإحصاءات؛ والواقع أن استبعاد الأنشطة سالفة الذكر من الاحصاءات الرسمية غالباً ما يكون مقصودا، وراجعا إلى أن الإحصاءات الخاصة بسوق العمل يتم صياغتها من خلال إطار نظرى اقتصادى وعدم الاهتمام بالإطار النظرى السوسيولوجى.

ويعى علماء الاقتصاد دائما أن الحجم الكلى للعمل المنتج والعمل الاستهلاكى اكبربكثيرمن ذلك الحجم الذى يظهر فى الإحصاءات الرسمية الخاصة بالعمالة والناتج القومى الإجمالى. لذا يطلقون مصطلح "الاقتصاد الأسود" على ذلك الجزء الذى كان يجب أن يظهر داخل الإحصاءات، ولكنه لا يظهر، أو لم يتم تسجيله بشكل رسمى، رغبة فى التهرب الضريبى. أما مصطلح العمل "الهامشى" أو العمالة الهامشية فيطلق على الأفراد (النساء فى الغالب، والذين يعدون بالملايين داخل بريطانيا وبعض الأقطار الأخرى) الذين يحصلون على أجور صغيرة جدا من العمل (الوظيفة)، ومن ثم يتم استبعادهم — استبعادا له مايبرره- من ضرائب الدخل ومن نظام التأمين الاجتماعى، ومن الإحصاءات الأخرى المشابهة. لكن الجزء الأعظم الذى يتم استبعاده، داخل المجتمعات الصناعية، من التعريفات الخاصة بالعمالة والناتج القومى الإجمالى فيتمثل فى العمل الاستهلاكى. وقد أوضح الاقتصادى جالبرايث، فى كتابه: الاقتصاد و القضية العامة، الصادر عام ١٩٧٣ أن تحول النساء إلى طبقة خادمة مستترة كان شرطاً ضرورياً للتنمية والنمو المتواصل داخل الاقتصاد الحديث. فالقيود على الاستهلاك تكون قاسية إذ لم يتم تفويض العمل. كما أن انثقال المرأة من العمل المنتج، داخل مجتمعات ماقبل الصناعة، إلى دور ربة الممنزل ومديرة الاستهلاك المنزلى، قد فتح الباب لزيادة الاستهلاك بلا حدود داخل اقتصاديات السوق، كما ساهم فى الاتساع المضطرد فى الصناعات الخدمية. لذافإن دور المرأة كخادم كان حاسما فيمايرى البعض، فى النمو المتواصل للاستهلاك داخل الاقتصاد الحديث.

وقد أصبح المشتغلون بالعلوم الاجتماعية خلال الثماتينيات أكثر اهتماماًبأنماط العمل الكثيرة التى يتم استبعادها من الاحصاءات الرسمية الخاصة بالعمالة، وحاولوا تصنيفها وقياسها (وإن لم يحققوا سوى نجاح جزئى فقط). ونجد أن قلة من علماء الاجتماع هم الذين استوعبوا تماما المفاهيم و التعريفات الإجرائية المستخدمة فى إحصاءات العمالة وأدركوا أن المفاهيم الاجراتية تختلف عبر البلدان، وأن ذلك يفضى إلى الخلط وتداخل التعريفات بين أنماط العمل غير الرسمى وغير الخاضع لميكانيزمات السوق من ناحية، والعمل مدفوع الأجر، من ناحية أخرى. على سبيل المثال إذا استطاع المرء أن يفرق بين العمل المنزلى المنتج، و الأنشطة الخاصة بوقت الفراغ، والعمل المنزلى الاستهلاكى داخل استراتيجية العمل الخاص بالأسرة المعيشية (العائلة) فسوف تتضح له بجلاء العلاقة الوثيقة بين العمل الذى يساهم فى اقتصاد السوق، والعمل الذى لايساهم فى هذا الاقتصاد.

تاريخ

حاولت الحكومات تنظيم جوانب من اقتصاداتها ما دام فائض الثروة موجودًا والذي على الأقل كان في وقت مبكر مثل سومر. رغم ذلك فإن مثل هذه التنظيمات لم تكن قابلة للتنفيذ بالكامل على الإطلاق.

تشير الأدلة الأثرية والأنثروبولوجيا بقوة إلى أن الناس في جميع المجتمعات يعدلون نشاطهم بانتظام في إطار النظم الاقتصادية في محاولة للتهرب من الأنظمة. لذلك، إذا كان النشاط الاقتصادي غير الرسمي هو النشاط الذي لا يخضع للتنظيم في ظل نظام منظم على نحو آخر، فإن الاقتصادات غير الرسمية تكون قديمة قدم نظيراتها الرسمية، إن لم تكن أقدم. المصطلح بذات نفسه، هو أكثر حداثة. أدى تفاؤل مدرسة تطوير نظرية التحديث بمعظم الناس في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين إلى الاعتقاد بأن الأشكال التقليدية للعمل والإنتاج ستختفي نتيجة للتقدم الاقتصادي في البلدان النامية. بما أن هذا التفاؤل أثبت أنه لا أساس له من الصحة، لجأ الباحثون إلى الدراسة عن كثب لما كان يُطلق عليه آنذاك القطاع التقليدي. وجدوا أن هذا القطاع لم يستمر فحسب، بل توسع في الواقع ليشمل تطورات جديدة. بقبول أن هذه الأشكال من الإنتاج كانت موجودة لتبقى، سارع العلماء وبعض المنظمات الدولية باصطلاح «القطاع غير الرسمي» (المعروف لاحقًا باسم الاقتصاد غير الرسمي أو الشكليّة فقط)، والذي يُنسب إلى عالم الأنثروبولوجيا البريطاني كيث هارت في الدراسة التي أجريت عام 1971 عن غانا ونشرت في عام 1973، وصاغتها منظمة العمل الدولية في دراسة تمت قراءتها على نطاق واسع عن كينيا في عام 1972.

في «الاقتصادات التحتيّة: التهرب الضريبي وتشويه المعلومات» درس إدغار ل. فيج الآثار الاقتصادية المترتبة على تحول النشاط الاقتصادي من القطاع الملحوظ إلى القطاع غير الملحوظ في الاقتصاد. هذا التحول لا يقلل فقط من قدرة الحكومة على تحصيل الإيرادات، بل يمكن أيضًا أن يؤدي إلى تحيز أنظمة المعلومات في البلاد وبالتالي يؤدي إلى قرارات سياسية مضللة. يفحص الكتاب وسائل بديلة لتقدير حجم مختلف الاقتصادات غير الملحوظة، ويفحص نتائجها في كلٍّ من الاقتصاديات الاشتراكية والموجهة نحو السوق. يستمر فيج في تطوير إطار تصنيفي يوضح الفروق بين الاقتصادات غير الرسمية وغير القانونية وغير المبلغ عنها وغير المسجلة، ويحدد روابطها المفاهيميّة والتجريبيّة والوسائل البديلة لقياس حجمها واتجاهاتها. منذ ذلك الحين، أصبح القطاع غير الرسمي موضوع تحقيقٍ شائع بشكل متزايد، ليس فقط في الاقتصاد، ولكن أيضًا في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتخطيط الحضري. مع التحول باتجاه ما يسمى أنماط الإنتاج ما بعد فورد في البلدان النامية المتقدمة، أجبِر العديد من العمال على الخروج من عملهم في القطاع الرسمي إلى العمالة غير الرسمية. في مجموعة من المقالات البذريّة، الاقتصاد غير الرسمي. دراسات في البلدان المتقدمة والبلدان الأقل نموًا، أكّد أليخاندرو بورتس والمتعاونون معه على وجود اقتصاد غير رسمي في جميع البلدان من خلال تضمين دراسات حالة تتراوح بين نيويورك ومدريد إلى الأوروغواي وكولومبيا.

يمكن القول إن أحد الكتب الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد غير الرسمي هو كتاب «إل أوترو سينديرو» لـ هيرناندو دي سوتو (1986)، والذي نشر باللغة الإنجليزية في عام 1989 باسم «الطريق الآخر» مع مقدمة للكاتب البيروفي ماريو فارغاس ليوسا. يزعم دي سوتو وفريقه أن التنظيم المفرط في اقتصاديات البيرو (وغيرها من اقتصاديات أمريكا اللاتينية) يجبر جزءًا كبيرًا من الاقتصاد على التحول إلى النظام غير الرسمي وبالتالي يمنع التنمية الاقتصادية. بينما يتهم دي سوتو الطبقة الحاكمة في القرن العشرين بالإتجارية، فإنه يُعجب بروح المبادرة في الاقتصاد غير الرسمي. في تجربة مستشهد بها على نطاق واسع، حاول فريقه تسجيل مصنع ملابس صغير قانونيًا في ليما. استغرق هذا أكثر من 100 خطوة إدارية ونحو عام من العمل بدوام كامل. تضع مراجعة فيج للطريق الآخر العمل في سياق أدب الاقتصاد غير الرسمي. في حين أن عمل دي سوتو يحظى بشعبية لدى صناع السياسات وأبطال سياسات السوق الحرة مثل مجلة الإيكونومست، فقد انتقده بعض علماء الاقتصاد غير الرسمي بسبب العيوب المنهجية والتحيز المعياري.

في النصف الثاني من التسعينيات، بدأ العديد من العلماء في اصطلاح «الاقتصاد غير الرسمي» بوعي بدلاً من «القطاع غير الرسمي» للإشارة إلى مفهوم أوسع يشمل المؤسسات بالإضافة إلى العمالة في الاقتصاديات النامية والانتقالية والصناعية المتقدمة.

من بين الاستطلاعات التي أجريت حول حجم اقتصاد الظل وتطوره (والتي يُعبر عنها في الأغلب بنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي) تلك التي أجراها فيج (1989)، وشنايدر وإنست (2000). في هذه الاستطلاعات يمكن العثور على مناقشة مكثفة حول مختلف إجراءات التقدير لحجم اقتصاد الظل وكذلك تقييم نقدي لحجم اقتصاد الظل وعواقب اقتصاد الظل على الرسمي الذي يمكن العثور عليه. تستعرض أحدث ورقة استطلاع عن الموضوع معنى وقياس الاقتصاديات غير الملحوظة، وهي تنتقد بصفة خاصة تقديرات حجم ما يسمى «اقتصاد الظل» الذي يستخدم أساليبًا متعددة المؤشرات متعددة الأسباب التي تعامل اقتصاد الظل كمتغير كامن.