اقتصاد سياسي

الاقتصاد السياسي (بالإنجليزية: Political Economy) هو دراسة الإنتاج والتجارة وعلاقاتهما بالقانون والعادات والحكومة؛ وبتوزيع الدخل القومي والثروة. نشأ الاقتصاد السياسي كنظام من الفلسفة الأخلاقية، في القرن الثامن عشر، لاستكشاف إدارة ثروة الدول، يعود أصل المصطلح باللغة الإنجليزية إلى اليونانية، إذ تعود كلمة «political» إلى كلمة «بوليتي» اليونانية والتي كانت تُطلق على أي كيان سياسي وكلمة «economy» إلى «أوكونومي» والتي تعني إدارة الأسرة. عادة ما تُنسب الأعمال الاقتصادية السياسية الأولى إلى الباحثين البريطانيين آدم سميث، وتوماس مالتوس، وديفيد ريكاردو، على الرغم من أنها قد سُبقت بأعمال الفيزيوقراطيين الفرنسيين، مثل فرانسوا كويسناي (1774-1694)، وآن روبرت جاك تورغو (1781-1727).

في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ مصطلح «الاقتصاد» تدريجيًا يحل محل مصطلح «الاقتصاد السياسي»، وذلك مع ظهور النمذجة الرياضية بالتزامن مع نشر كتاب ألفريد مارشال المؤثر في عام 1890. في وقت سابق، دافع ويليام ستانلي جيفونز، وهو من أنصار الأساليب الرياضية المطبقة على الموضوع، عن الإيجاز الذي يتميز به الاقتصاد، آملًا أن يصبح هذا المصطلح «اسمًا معترفًا به للعلم». تشير مقاييس الاقتباسات من «غوغل نغرام فيوير» إلى أن استخدام مصطلح «الاقتصاد» بدأ يتفوق على «الاقتصاد السياسي» منذ عام 1910 تقريبًا، ليصبح المصطلح المفضل لذلك النظام بحلول عام 1920. اليوم، يشير مصطلح «الاقتصاد» عادة إلى الدراسة الضيقة للاقتصاد التي تغيب عن الاعتبارات السياسية والاجتماعية الأخرى، في حين أن مصطلح «الاقتصاد السياسي» يمثل مقاربة مميزة ومنافسة.

قد يشير الاقتصاد السياسي، عندما لا يُستخدم كمرادف للاقتصاد، إلى أشياء مختلفة للغاية. فمن وجهة نظر أكاديمية، قد يشير المصطلح إلى الاقتصاد الماركسي، ونهج الاختيار العام التطبيقي المنبثقة عن مدرسة شيكاغو ومدرسة فرجينيا. في اللغة الشائعة، قد يشير «الاقتصاد السياسي» ببساطة إلى النصيحة التي يقدمها الاقتصاديون إلى الحكومة أو الشعب فيما يخص السياسة الاقتصادية العامة أو على مقترحات اقتصادية محددة طورها علماء سياسيون. توسعت مجموعة الكتابات الاقتصادية السائدة المتزايدة من سبعينيات القرن الماضي إلى ما هو أبعد من نموذج السياسة الاقتصادية، إذ زاد المخططون من فائدة الفرد التمثيلي في دراسة كيفية تأثير القوى السياسية على اختيار السياسات الاقتصادية، وخاصةً فيما يتعلق بالصراعات التوزيعية والمؤسسات السياسية. وهي متوفرة كمجال مستقل للدراسة في بعض الكليات والجامعات.

الافتصاد السياسى - بالمعنى الدقيق للكلمة - كيان مؤثر من الكتابات التى تناولت الأمور الافتصادية التى ارتبطت أساسا بحركة التنوير الفرنسية والانجليزية فى القرن الثامن عشر، والتى بلغت ذروتها فى النظريات الاقتصادية لآدم سميث. ومع ذلك نجد أن الاقتصاديين الكلاسيكين الذى جاءوا فى القرن التاسع عشر واعتمدوا على أفكار سميث، ظلوا يسمون ميدان تخصصهم الاقتصاد السياسى، وهو الأمر الذى خلق قدرا من الغموض فى معنى المصطلح وتوسيعاً لمدلوله فى أدبيات العلوم الاجتماعية. ولهذا يمكن القول أن علم الاجتماع الكلاسيكى بمعناه الواسع، وليس بالمعنى الضيق، يعد فى رأى الكثيرين نقدا للاقتصاد السياسى.

والاقتصاد السياسى فى مراحله المبكرة هو جماع ثمرة العوامل التالية: حلول المذهب العقلى والعلم تدريجيا وبشكل متزايد محل أنماط التفكير الدينى فى الفلسفة، ومحاولة تطبيق المناهج الإمبيريقية على الأمور الأخلاقية والاجتماعية، ونشأة الرأسمالية الصناعية و الحاجة إلى تقديم وصف فكرى وإيديولوجى للنظام الاقتصادى الجديد، ومعاداة سياسات التجاريين التى كانت تنتهجها الحكومات آنذاك والتى كانت ترجع رفاهية الدول إلى التوازن الإيجابى للتجارة الخارجية. ومع أن الاقتصاد السياسى لم يكن فى يوم من الأيام مذهبا واحدا، فإن رؤيته المميزة ترجع إلى المحاولات التى بذلت لبيان أن فائض القيمة إنما يتحقق من خلال الإنتاج، خاصة العمل المنتج، وليس من خلال التجارة فى ذاتها. ولقد كانت الزراعة فى رأى الفزيوقراط (الطبيعيون) (والى حد ما أيضا فى رأى آدم سميث نفسه) هى المصدر الوحيد للفائض. ولكن الاقتصاد السياسى بدأ يدرك أيضا -منذ ايام سميث- أهمية التصنيع والتنظيم الكلى للأنشطة الإنتاجية بواسطة نظام تقسيم العمل. وقدذهب علماء الاقتصاد فى ذلك إلى أنه يجب ألا تؤدى الجهود التجارية إلى تعويق عملية الرقابة على الأسعار، والأجور، والنقود. فالنقود ليست فى الحقيقة سوى رمز للقيمة، وليست هى مصدر القيمة.

ومع أن مؤلف آدم سميث الشهير: "ثروة الأمم"، الصادر عام ١٧٧٦K الذى كان يدافع عن التبادل عن طريق السوق الحر، قد اعتبر بداية علم الاقتصاد الحديث كميدان علمى، مع ذلك فقد كتب سميث وكبار معاصرية من أبناء عصر التنوير الاسكتلندى (مثل آدم فيرجسون) كذلك عن طائفة عريضة من القضايا الاجتماعية، والأخلاقية، والتاريخية، التى يمكن اعتبار جانب منها جزءا من ميدان علم الاجتماع فى بداياته الأولى. ولكن العنصر السوسيولوجى الأساسى يعنى ضمنا -على أى حال- النظرة الأكثر شمولاً للمجتمع على نحو يفوق ماكانت تعرفه المذاهب الاقتصادية. فتلك المذاهب ذات نزعة فردية شديدة الوضوح، كما أن تأكيدها على دور المصالح الخاصة كأساس للنظام التعاونى ينطوى على شكل جنينى للعناصر الأساسية للنظرية التى أصبحت تعرف منذ ذلك الحين باسم نظرية التبادل الرشيد. ولكنا نلاحظ أن الانفصال الذى حدث فيما بعد بين علم الاقتصاد و العلوم الأخرى كان شيئا غرييا على الاقتصاد السياسى فى مرحلته المبكرة. ويرجع هذا الانفصال فى جانب كبير منه إلى أن من كانوا يسمون علماء الاقتصاد الكلاسيكيبن من الجيل التالى، خاصة دافيد ريكاردو وتلاميذه وكذلك أصحاب مذهب المنفعة الإنجليز فى القرن التاسع عشر، بدأوا يجردون الأفكار الاقتصادية من سائر الأفكار ويضفون عليها طابعاً نظرياً رسميا، وهى العملية التى ظلت مستمرة منذ ذلك الحين. ورغم أوجه الاختلاف العديدة فى الرأى والأهداف- بين كارل ماركس، وماكس فيبر، و إميل دور كايم وغيرهم من مؤسسى علم الاجتماع، فقد كان يجمع بينهم الاقتتاع بان تجريد العنصر الاقتصادى من العناصر الأخرى للحياة الاجتماعية قد تجاهل الأسئلة الحاسمة عن طبيعة الحداثة، والاتتاج الرأسمالى نفسه.

وقد ارتبط مصطلح الاقتصاد السياسى الراديكالى بحركة تجديد المفكر الماركسى خلال عقد الستينيات. فقد كان هذا الاتجاه يعسادى الدوائر الأكاديمية لعلمى الاجتماع والاقتصاد التى كانت تسيطر عليها الوظيفية فى الولايات المتحدة وبريطانيا، وسعى إلى تجاوز التقسيمات القائمة بين العلوم الاجتماعية، التى كان يراها تقسميات إيديولوجية، وذلك عن طريق تطوير أساس مشترك ثنهض عليه المادية التاريخية المتجددة التى أخذت تستعيد عافيتها.

انظر أيضًا