استقراء (منطق)

الاستقراء (بالإنجليزية: Induction) أو الاستدلال الاستقرائي (Inductive reasoning) أو أحيانًا المنطق الاستقرائي عكس الاستنباط، وهو أحد أشكال الاستدلال، وبتعبير منطقي هو الاستدلال الذي ينتقل من الجزئي إلى الكلي. أي أنه الحكم على الكلي بما يوجد في جزئياته جميعها، وهو الاستقراء الصوري الذي ذهب إليه أرسطو وحده وسمّاه «القياس المقسّم Epagoge» أو الحكم على الكلي بما يوجد في بعض أجزائه، وهو الاستقراء القائم على التعميم.

يبداً الاستقراء من ملاحظات معينة تكون نواة لصياغة تعميمات إمبيريقية. وتشكل هذه التعميمات بدورها الأساس فى بناء النظرية.

ينقسم إلى قسمين: استقراء تام واستقراء ناقص. وتبحث مباحث هذا الشكل من الاستدلال في علم المنطق.

الاستقراء والقياس

النظرة التقليدية إلى الاستقراء هي انه الانتقال من الجزئيات الى الكليات، أو بعبارة أدق: «الانتقال مما هو أشد كلية إلى ما هو أكثر كلية» وذلك في مقابل القياس أو الاستدلال القياسي Déduction الذي هو انتقال من الكلي إلى الجزئي المندرج تحته، أو بعبارة أدق: من الأكثر كلية إلى الأقل كلية.

مثال الاستقراء:

  • هذه قطعة معدن (أ) تتمدد بالحرارة.
  • هذه قطعة معدن (ب) تتمدد بالحرارة.
  • هذه قطعة معدن (ج) تتمدد بالحرارة.
  • ... وهلم جرا إذن المعدن يتمدد بالحرارة.

وهذا ما يعرف بالاستقراء الناقص أي عدم تتبع كل الأفراد (ككل أفراد المعدن في المثال المتقدم) أما الاستقراء التام هو عند تتبع كل الأفراد وقد أشكل على كون الاستقراء التام في كونه استقراء أصلا لأن المقدمة فيه تساوي النتيجة.

ومثال القياس :

  • كل إنسان فان
  • سقراط إنسان
  • ... سقراط فان

فالاستقراء تعميم من حالات جزئية تتصف بصفة مشتركة.

الاستقراء والاستدلال

الاستدلال (أو الاستنباط) الرياضي تعميم هو الآخر، إذ فيه ننتقل من حالة أو أحوال جزئية إلى القانون العام أو النظرية التي تشملها: فمن مثلث نرسمه ونثبت أن مجموع زواياه يساوي قائمتين (٢ق) نستنبط النظرية العامة وهي: مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين.

والخلاف بين كلا النوعين من التعميم هو في الالتجاء إلى التجربة: فنحن في الاستقراء نستند الى التجربة، بينما في الاستدلال الرياضي لا نلجاً أبدا الى التجربة. ولهذا يقترح W.E. Johnson («المنطق» ج٢، فصل ١٠، ١١) إلا نجعل الاستقراء في مقال الاستنباط، بل التقابل هو بين الاستنتاج البرهاني Demonstrative inference وبين الاستتاج الاحتمالي Problematic inference.

الاستقراء التحليلي

يعد الاستقراء التحليلى أكثر شيوعاً داخل الدراسات الكيفية فى حقل علم الاجتماع. ويقتضى هذا المنهج فحص كل حالة فى بحث للتحقق من الفرض. ويحاول المباحث صياغة فرضيات عامة من واقع ملاحظة الحالات الأولية. ويهتم بفحص الحالات الأخرى بهدف البحث عن حالات نافية، ثم يعيد صياغة الفرضيات بما يتلاءم مع هذه الحالات النافية. وتنتهى هذه العملية عندما لا توجد حالات أخرى متعارضة -وهى ضرورة لكى لا يكون الحكم ذا طابع ذاتى -وعندتذ يكون من الممكن صياغة التعميمات بعد هذه المراجعة.

مشاكل الاستقراء

هناك عدة من الإشكاليات المنطقية-الفلسفية التي وجهت للاستدلال الاستقرائي من قبل بعض المانطقة والفلاسفة والعلماء. وقد تعامل مع هذه الإشكاليات عدد منهم.

ومن أبرز من تكلم عن الاستقراء ومشاكله ديفيد هيوم، كارل بوبر، محمد باقر الصدر في كتابه الإسس المنطقية للاستقراء وغيرهم.

ومن الإشكاليات الموجهة للاستقراء:

  • ما هو سبب تعميم الحكم على باقي الإفراد إن لم أفحص إلا بعضها؟
  • ما هو سبب تعميم الحكم على المستقبل مع أننا فحصنا الأفراد في الزمن الحالي أو ما قبل؟

الاستدلال يقوم على أساس مبدأ الهوية، لكن على أي أساس يقوم الاستقراء؟ تلك هي مشكلة «أساس الاستقراء»، التي تناولها بالتفصيل جول لاشلييه في رسالته المشهورة لنيل الدكتوراه بعنوان: «أساس الاستقراء» وانتهى فيها الى أنه أساس مزدوج هو: قانون العلية، ومبدأ الغائية.

ومشكلة الاستقراء هي مشكلة ضمان صحة التعميم : فبأي حق أنتقل من أحوال جزئية قليلة إلى قانون عام يشمل كل الأحوال المشابهة؟ إن ذلك لا يكون إلا على أساس التسليم بمصادرة تقول بتكافوء الأفراد داخل التصور الواحد من كل الوجوه. وهي مصادرة بمعزل عن اليقين، لكثرة الشواذ والفروق الفردية التي تزداد تفاضلاً وعمقاً كلما انتقلنا من ملكة الجماد إلى مملكة النبات إلى ملكة الحيوان، وخصوصاً في النوع الإنساني. حيث تكون الفروق الفردية في أعلى درجة من التفاوت.

ولهذا السيب رأى ارسطو منذ البداية، أن الاستقراء منهج غير يقيني، وظل الرأي على هذا طوال العصور الوسطى، إلى أن جاء بيكون في أوائل القرن السابع عشر فحاول أن يرفع من شأن الاستقراء (الناقص) بوضع ضوابط تضمن له المزيد من اليقين.

وفي نفس المعنى يقول كنت أن الاستقراء يعطي عموماً نسبياً Komparative Allgemeinheit لا عموماَ دقيقاَ أو ضرورة. أن الاستقراء ليس استنتاجاَ عقلياَ، بل شأنه شأن قياس المثيل (أو قياس النظير analogie) بل هو احتمال منطقي Logische Priisumption أو هو استتاج تجريبي؛ إننا نحصل بواسطته على قضايا عامة، لا على قضايا كلية>

وقد بحث برترند رسل في العلاقة بين الاستقراء والاحتمال وانتهى الى النتائج التالية:

١- ليس في النظرية الرياضية للاحتمال ما يبرر أن نعتبر الاستقراء - سواء منه الجزئي والعام - محتملاً، مهما يكن من وفرة عدد الأحوال الموافقة.

٢ - إذا لم نضع حداً لطابع التعريف بالمفهوم للصيغتين (أ) و(ب) الداخلتين في الاستقراء، فإنه يمكن أن نتبين أن مبدأ الاستقراء ليس فقط مشكوكاً فيه، بل وأيضاً باطل، أعني أنه إذا أعطينا أن ع أعضاء في الصنف أ تنتسب إلى صنف آخر هو ب، فان قيم ب التي لا ينتسب فيها العضو التالي من أ إلى ب هي أكبر من القيم التي فيها العضو التالي من أ ينتسب إلى ب، اللهم إلا إذا كان ع ليس أقل كثيراً من مجموع الأشياء في العالم.

٣-ما يسمى بـ «الاستقراء الشرطي» Hypothetical induction - وفيه تصير النظرية العامة محتملة لأن كل نتائج الملاحظة قد حققت - يختلف جوهرياً عن الاستقراء بالاحصاء (بالعد) البسيط. لأنه اذا كانت ق هي النظرية، و أ هي صنف الظواهر، وب صنف النتائج، فان ق تكافىء «كل أ هي ب» والبينة لـ ق تتحصل بالعد البسيط.

٤ - إذا كان للبرهان الاستقرائي أن يكون له حظ من الصدق، فإن المبدأ الاستقرائي يجب أن يصاغ مع بعض التحديد limitation الذي لم يكتشف بعد، والإدراك العام يعتبر، عملياً، من أنواع مختلفة من الاستقراء.

انظر أيضاً