أردشير الأول
أردشير بن بابك بن ساسان (180-242)، حاكم إصطخر (206-208) ووالي کـوردی فيفارس (208-226). أسس الإمبراطورية الساسانية الإيرانية بعدما أسقط الإمبراطورية البارثية، وأصبح أول الملوك الساسانيين (224-242). ولد في بلاد فارس في قرية طيروده من قرى مدينة اصطخر.
السنوات الأولى
ولد أردشير الأول أواخر القرن الثاني في المرزبان، وكان أردشير يحكم مدينة اصطخر ثار ضد أخيه وأخذ منه الملك في سنة 208 م، وقام أردشير بالسيطرة على كثير من بلاد فارس والسيطرة على الكثير من المحافظات المجاورة لـ كرمان وأصفهان.
وأثار هذا التوسع انتباه ملك الأشكانيين أرتبانوس الرابع (216 -224)، فطلب من حاكم خوزستان التابع له بالتصدي لأردشير، إلا أن المعركة انتهت بانتصار الثاني فقام أرتبانوس بنفسه بحملة لإخضاع التمرد، فحصلت معركة بين أردشير والملك أرتبانوس الرابع في (هرمزدجان)، ويذكر المؤرخين حدوث مبارزة بينهما انتهت بمقتل أرتبانوس وخروج أردشير مسيطرا على معظم أجزاء الأمبراطورية البارثية. استمر أردشير بغزو الولايات الغربية للإمبراطورية البارثية في السنوات التالية والسيطرة عليها.
توج أردشير كملك وحيد لبلاد فارس سنة 224، وتم تلقيبه بـ«شاهن شاه إيران» أي ملك ملوك إيران، كما لقبت زوجته أدهور أناهِد ب«ملكة الملكات». وهكذا انتهى حكم الإمبراطورية الباراثية الذي استمر لـ 400 عام وابتدأ بحكمه الإمبراطورية الساسانية التي استمرت أربعة قرون حتى مجيء الإسلام.
على مدى السنوات القليلة القادمة استمرت الإمبراطورية الساسانية في عهد أردشير الأول بالتوسع إلى الشرق والمنطقة الشمالية الغربية وفتح ولايات (جرجان) و (سيستان) و (خراسان) و (مرجيانا) و (بلخ) و (خوارزم) و (البحرين) و (الموصل).
ملوك كوشان وتوران ومكران (مناطق في باكستان) كانوا يرون أن أردشير حاكماً أعلى لهم، واجتاح الملك أردشير الأول أرمينيا. وفي سنة 226-227 م، حاول السيطرة على الحضر وحدياب شمال بلاد الرافدين ولكنه هُزم ومُنيت حملته العسكرية بالفشل.
الحالة السياسية والدينية للدولة
جعل أردشير الأول شؤون الحكم إلى هيئة إدارية ذات كفاية عالية معتمدًا على رجال ذوي حنكة وخبرة أسند إليهم المهام الرئيسية، وخلق مركزية قوية ساهمت في توطيد أركان الدولة الساسانية.
الإمبراطورية الساسانية كما أسسها أردشير الأول تميزت عن الإمبراطورية الباراثية التي سبقتها بأمرين:
- السيطرة السياسة المركزية القوية.
- الدعم السياسي للديانة الزرادشتية. فأصبحت الديانة الزرادشتية هي دين الإمبراطورية الساسانية الرسمي.
قام أردشير بعد تأسيس حكومة مركزية قوية بتقسيم إمبراطوريته إلى أقاليم، وتم تصميم هذه الأقاليم لمقاومة تأثير المصالح الوراثية والتنافسات الإقطاعية، لحماية الإمبراطورية الساسانية من التحديات الإقليمية والعسكرية والمصالح الشخصية، وقام الملك أردشير بتوزيع العوائل المتفرعة من عائلته في الأقاليم لحكمها. أما الأمراء الإقطاعيون كبار السن فقد طلبهم الملك أردشير وأبقاهم في الخدمة العسكرية لقيادة قواتهم المحلية التي يتكون أغلبها من الفلاحين، طبقة النبلاء القليلة العدد جعلها الملك أردشير مصدراً للقوة العسكرية حيث شكلوا سلاح الفرسان الخاص بالجيش، والعائلة المالكة وجدت في الجيش قوة موثوقة ومفيدة باستئجار المرتزقة.
الديانة الزرادشتية ونصوصها المقدسة (أفيستا) ظهرت في الإمبراطورية الباراثية، ويمكن مشاهدة معابد الديانة الزرادشتية (أنيهتا) في مدينة اصطخر شيراز في إيران، فقد كانت مدينة اصطخر هي العاصمة الأولى للإمبراطورية الساسانية بدايتها في عهد الملك أردشير الأول، وقد بنى الساسانيون في هذه المدينة معابد النار الزرادشتية.
انتقلت عاصمة الإمبراطورية الساسانية من إصطخر إلى تسيفون على نهر دجلة.
الجيش
أبقى أردشير الأول على نظام الجيش البارثي المشكل من فرق الفرسان المدرعة تحميها فرق الفرسان الخفيفة من رماة السهام ومن ورائهم الفيالة الذين لم يستخدمهم البارث من قبل. وفي أعقاب هؤلاء كانت تشكيلات ((الحراثين)) الموكول إليهم جمع الأسلاب وإغاثة الجرحى وإعداد الإمدادات، وثمة فرق أخرى كان يستعان بها من الشعوب المتاخمة الخاضعة للدولة والمشهود لهم بالبسالة والإقدام. شيد القلاع على أطراف البلاد وأمدها بوحدات من فرسان الشعوب المجاورة، ومن وراء القلاع رابط الجيش الإيراني بفيالقه.
وكان لهذا الاستعداد العسكري الضخم شأنه في بقاء الدولة الساسانية قرونًا عدة آمنة من الغزو الخارجي أو الاضطراب الداخلي. وكما ساعد الجيش القوي على خلق دولة منيعة وإشاعة الاستقرار، كذلك أسهم الدين الزردشتي في بث روح السلام والطاعة في نفوس الأهلين وتثبيت أركن النظام.
الحرب مع روما
في السنوات الأخيرة من حكم الملك أردشير الأول انشغلت الإمبراطورية الساسانية العظيمة بالحرب مع منافسها في الغرب الإمبراطورية الرومانية، الملك أردشير الأول الذي كان يميل إلى توسيع إمبراطوريته أصباه الإحباط من الغزوات الفاشلة لأرمينيا، وكان هذا الغزو الساساني لأرمينيا سبباً في تحالف أرمينية مع الرومان، الملك أردشير الأول كان لا يرى في الأرمن والقوات القوقازية المعادية له معارضاً أساسياً، ولكن كان يرى في روما وجحافلها المعارض الأساسي.
في سنة 230؛ قاد الملك أردشير الأول جيشه تجاه المحافظة الرومانية في بلاد ما بين النهرين ولكنه فشل بسبب تفوق الأسلحة الرومانية حيث حاصر قلعة بلدة نيبيس ولكنه فشل في اقتحامها، مما جعل الرومان يلجؤون إلى الأساليب الدبلوماسية مع الملك أردشير ولكنه يرفض.
قام الملك أردشير الأول بحملة ثانية فاشلة على القوات الحدودية الرومانية سنة 231 ، ونتيجة لهجمات الملك أردشير على الإمبراطورية الرومانية قام الإمبراطور الروماني إلكسندر سيفيروس بنقل من روما إلى الشرق واستقر في مدينة أنتيوتش، ولكن صعوبة نقل القوات الرومانية من الغرب إلى الشرق جعلتهم يستخدمون الأساليب الدبلوماسية مع الملك أردشير، ولكن الملك أردشير يرفض مرة أخرى.
وفي نهاية الأمر يقوم الإمبراطور الروماني إلكسندر سيفيروس سنة 232 بقيادة جحافل جيوشه في هجوم متشعب ثلاثي ضد الفرس، ولكن قوات الجيوش الرومانية المنفصلة لم تحرز أي تقدم، وينجح الملك أردشير في استغلال الفوضى في الجيوش الرومانية ويركز قواته ضد العدو ويتقدم عبر أرمينيا، واستطاع إيقاف التقدم الروماني، ولكن الرومان تقدموا من الشمال نحو العاصمة الساسانية تسيفون فقام أردشير بالزحف على الجيش الروماني من الجنوب وحدثت معركة حاسمة انتهت بانتصار حاسم للملك أردشير رغم معاناة خسائر كبيرة في صفوف الفرس، ولكن أحبط الفرس أي محاولة رومانية للهروب.
عاد الإمبراطور الروماني إلكسندر سيفيروس في السنة التالية 233 إلى أوروبا، ولم يجدد الملك أردشير هجماته على الرومان، ولكنه ركز طاقاته في الشرق.
في سنة 237 م قام الملك أردشير الأول ووريثه شابور الأول (241 -272) بغزو بلاد ما بين النهرين ثانية، وهذا الغزو أدى إلى اعتداءات ناجحة على نيبيس وكارراهائي، واستطاع الملك أردشير الأول أخيراً في التغلب على قلعة مدينة الحضر العنيدة، وتوفي الملك أردشير الأول في وقت لاحق من هذه السنة.
الملك أردشير الأول كان ملكاً نشيطاً ومسؤولاً عن نهوض بلاد فارس وتقوية الديانة الزرادشتية، وكان مؤسساً للسلاسة الساسانية التي استمرت لأربعة قرون، ولكن كانت حملاته ضد روما تتصف بالنجاح المحدود، والملك أردشير قدر على عمل أشياء لم يستطع عملها أي فارسي لمدة طويلة كالقوة للدولة الساسانية والردود القوية والجدية أمام حكومة روما وجيوشها، وهذه النجاحات الكبيرة للملك أردشير الأول مهدت لابنه ووريثه شابور الأول أن يكون قوياً أمام العدو.
الفن والعمارة
عني أردشير بتسجيل مغامراته فكلف النحاتين بتصويرها نقشًا بارزًا فوق صخور نقش رستم Naqshi-¡ Rustam المجاور لأصطخر مسقط رأس آل ساسان، وجاء فك رموز الكتابات المصاحبة للنقوش البارزة على يد سلفستر ده ساسي Silvestre de Sacy في عام 1793 في أول دراسة منهجية للغة الإيرانية القديمة. وحين أدركت الشيخوخة أردشير نزل لابنه شابور Shàpùr عن الملك، وظل يعيش متخففًا من أعبائه إلى أن وافاه الأجل ولم يبخل عليه عالم الأساطير بقصص تروي أمجاده. ( انظر أردشير وغلنار)
وقد بنى أردشير عاصمته على شكل دائرة وفقا لتقاليد البارث. وأقام وسطها بيتًا للنار من الحجر، وكان البارث يشيدونه من اللبن. وشيد قصره خارج المدينة من الحجر غير المنحوت والمونة مع استخدام طبقة من الجص لتمليسها. والتأم في القصر جناحاه المنفصلان من قبل في الفن المعماري الأخميني، وهما قاعة الاستقبال «أبادانا» apadana التي انبثق عنها الإيوان المفتوح على الخارج مكونة مع القاعات المربعة التي تليها الجناح الرسمي من القصر ثم جناح السكنى أو المعيشة الذي لم يزد على بضع حجرات حول صحن داخلي.
وأمر أردشير بتخليد المعارك الفاصلة التي خاضها للفوز بعرش إيران بنقشها على الصخرة المشرفة على الممر الضيق المفضي إلى مدينة فيروز أباد والتي تعد أقدم النقوش الصخرية الساسانية وأروعها. وقد عاد فيها الفن الساساني إلى التقاليد الإيرانية السابقة على تقاليد البارث. وفي عهد أردشير أعاد الساسانيون نقش مشهد «تنصيب الملك» مع بعض التحوير يؤكدوا ارتباطهم بالأخمينيين، وليؤكدوا بعودتهم إلى إقامة المباني الحجرية وتصوير مشهد التنصيب بالنقش البارز أنهم بالفعل خلفاء قورش وداريوش، وإن أبقوا على بعض العناصر البارثية مثل القبة والقبوة.