يوم الكلاب الثاني
هذه المقالة يتيمة حيث أن عددًا قليلاً من المقالات أو لا مقالات إطلاقًا تصل إليها. ساعد من فضلك بإضافة وصلات في المقالات ذات العلاقة. (سبتمبر_2011) |
هذا المقال أو المقطع ينقصه الاستشهاد بمصادر. الرجاء تحسين المقال بوضع مصادر مناسبة. أي معلومات غير موثقة يمكن التشكيك بها وإزالتها. وسم هذا القالب منذ: سبتمبر_2011 |
لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصفقة بالمُشقر فقتل المُقاتلة وبقيت الأموال والذراري ، بلغ ذلك مذحجاً ، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : اغتنموا بني تميم ، ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قُضاعة ، فقالت مذحج للمأمور الحارثي وهو كاهن : ما ترى؟
فقال لهم : لا تغزو بني تميم فإنهم يسيرون أعقابا ويردون مياها جبابا فتكون غنيمتكم تُرابا.
قال أبو عُبيدة : فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفها اثنا عشر ألفا و لم يعلم في الجاهلية جيش مثله بالإضافة لجيس كسرى في ذي قار و حشد لقيط بن زرارة في شعب جبلة ، وكان رئيس مذحج عبد يغوث بن صلاءةورئيس همدان يقال له مُسرح ، ورئيس كِندة البراء بن قيس بن الحارث ، فأقبلوا إلى تميم ، فبلغ ذلك سعداً والرباب ، فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفي ، وهو قاضي العرب يومئذ ، فاستشاروه ، فقال لهم : أقلوا الخلاف على أمرائكم ، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل ، والمرء يعجز لا محالة. يا قوم تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين ، ورب عجلة تهبُ ريثا ، واتزروا للحرب ، وادرعوا الليل فإنه أخفى للويل ، ولا جماعة لمن اختلف.
فلما انصرفوا من عند أكثم تهيئوا واستعدوا للحرب ، وأقبل أهل اليمن من بني الحارث ، من أشرافهم : يزيدُ بن عبدالمدان ، ويزيدُ بن مُخرم ، ويزيدُ ابن الطيثم بن المأمور ، ويزيد بن هوبر ، حتى إذا كانوا بتيمن نزلوا قريباً من الكلاب.
ورجل من بني زيد بن رباح بن يربوع يقال له : مُشمت بن زنباغ في إبل له عند خال له من بني سعد يقال له : زُهير بن بو ، فلما أبصرهم المُشمت قال لزهير : دونك الإبل وتنح عن طريقهم حتى آتي الحي فأنذرهم.
قال فركب المُشمت ناقة ثم سار حتى أتى سعداً والرباب وهم على الكُلاب فأنذرهم ، فأعدوا للقوم ، وصبحوهم فأغاروا على النعم فطردوها ، وجعل رجل من أهل اليمن يرتجز ويقول :
في كل عام نعمٌ ننتابه
على الكُلاب غيبا اربابه
قال : فأجابه غلام من بني سعد كان في النعم على فرس له فقال:
عما قليل ستترى أربابه صلب القناة حازما شبابه
قال : فأقبلت سعد والرباب ، ورئيس الرباب النُعمان بن جساس ، ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقري. قال أبو عُبيدة : أجمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذ قيس بن عاصم ، فقال رجل ضبي حين دنا من القوم:
في كل عام نعمٌ تحوونه يلقحه قوم وتُنتجونه أربابه نوكى فلا يحمونه ولا يلاقون طعانا دونه أنعم الأبناء تحسبونه هيهات هيهات لما ترجونه
فقال ضمرة بن لبيد الحماسي : انظرو إذا استقتم النعم ، فإن أتتكم عُصباً عُصبا وثبتت الأولى للأخرى حتى تلحق فإن أمر القوم هين ، وإن لحق بكم القوم فلم ينظروا إليكم حتى يرُدوا وجوه النعم ولا ينتظر بعضهم بعضاً فإن أمر القوم شديد.
وتقدمت سعد والرباب فالتقوا في أوائل الناس ، فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم من قبل وجوهها فجعلوا يصرفونها بأرماحهم واختلطوا فاقتتلوا قتالاً شديداً يومهم حتى إذا كان من آخر النهار قُتل النُعمان بن جساس ، قتله رجل من أهل اليمن كانت أمه من بني حنظلة يقال له : عبدالله بن كعب ، وهو الذي رماه ، فقال للنعمان حين رماه خذها وأنا ابن الحنظلية.
فقال النعمان : ثكلتك أمك ، رب حنظلية قد غاظتني فذهبت مثلا.
وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهزمهم قتل النعمان ، فلم يزدهم ذلك إلا أصبحوا غدوا على القتال ، فنادى قيس بن عاصم : يال سعد ، ونادى عبد يغوث: يال سعد . قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة ، فلما سمع ذلك قيس نادى : يال كعب ، فنادى عبد يغوث : يال كعب. قيس يدعو كعب بن سعد. وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو ، فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث قال: ما لهم أخزاهم الله ما ندعو بشعار إلا دعو بمثله ، فنادى قيس : يال مُقاعس ، يعني الحارث بن كعب ، وكان يلقب مقاعساً فلما سمع وعلة بن عبدالله الجرمي الصوت وكان صاحب اللواء يومئذ طرحه. وكان أول من انهزم من اليمن ، وحملت عليهم بنو سعد والرباب فهزموهم أفظع هزيمة ، وجعل رجل منهم يقول:
يا قوم لا يفلتكم اليزيدان يزيد حزن ويزيد الريان
وجعل قيس بن عاصم يُنادي : يال تميم لا تقتلوا إلا فارساً فإن الرجالة لكم وجعل يرتجز ويقول:
لما تولوا عصبا شوازبا أقسمت لا أطعن إلا راكبا
وجعل يأخذ الأسارى ، فإذا أخذ أسيراً قال له : ممن أنت؟ فيقول: أنا من بني زعبل وهو زعبل بن كعب أخو الحارث بن كعب وهم أنذال ، فكان الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء. فجعل قيس إذا أخذ أسيراً منهم دفعه إلى من يليه من بني تميم ويقول: امسك حتى اصطاد زعبلة أخرى ، فذهبت مثلاً ، فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون حتى أُسر عبد يغوث ، أسره فتى من بني عُمير بن عبد شمس ، وقُتل يومئذ علقمة بن سباج القُريعي ، وهو فارس هبود ، وهبود فرس عمرو بن الجعيد المُرادي ، وأسر الأهتمُ – واسمه سنان بن سُمي بن خالد بن مُنقر ، ويومئذ سُمي الأهتم – رئيس كندة البراء بن قيس ، وقتلت التيم الأدبر الحارثي وآخر من بني الحارث يقال له مُعاوية ، قتلهما النُعمان بن جساس قبل أن يُقتل ، وقتل يومئذ من أشرافهم خمسة ، وقتلت بنو ضبة ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبي. وأما عبد يغوث فانطلق به العبشمي إلى أهله ، وكان العبشمي أهوج ، فقالت له أمه ورأت عبد يغوث عظيماً جميلاً : من أنت؟ قال : أنا سيد القوم . فضحكت وقالت : قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج ! فقال عبد يغوث : وتضحكُ مني شيخةٌ عبشميةٌ = كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا ثم قال لها : أيتها الحرة هل لك إلى خير ؟ قالت : وما ذاك ؟ قال : أعطي ابنك مائة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم فإني أتخوف أن تنزعني سعد والرباب منه ، فضمن لها مائة من الإبل وأرسل إلى بني الحارث فوجهوا بها إليه فقبضها العبشمي ، وانطلق به إلى الأهتم وأنشأ عبد يغوث يقول:
أأهتمُ يا خير البرية والدا ورهطا إذا ما الناس عدوا المساعيا تدارك أسيراً عانياً في بلادكم ولا تُشقفني التيم ألق الدواهيا
فمشت سعد والرباب فيه ، فقالت الرباب : يا بني سعد قُتل فارسنا ولم يُقتل لكم فارس مذكور فدفعه الأهتم إليهم فأخذه عصمة بن أبير التيمي فانطلق به إلى منزله.
فقال عبد يغوث : با بني تيم اقتلوني قتلة كريمة !
فقال له عصمة : وما تلك القتلة ؟
قال : اسقوني الخمر ودعوني أنح على نفسي !
فقال له عصمة : نعم ، فسقاه الخمر ثم قطع له عرقاً يقال له الأكحل وتركه ينزف ، ومضى عنه عصمة وترك معه ابنين له فقالا : جمعت أهل اليمن وجئت لتصطلمنا فكيف رأيت الله فعل بك؟
فقال عبد يغوث في ذلك :
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
فما لكُما في اللوم نفعٌ ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعُها
قليل وما لومي أخي من شماليا
قيا راكبا إما عرضت فبلغن
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
أبا كرب والأيهمين كليهما
وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا
جزى الله قومي بالكلاب ملامة
صريحهم والآخرين المواليا
ولو شئت نجتني من الخيل نهدة
ترى خلفها الحر الجياد توليا
ولكنني أحمي ذمار أبيكم
وكان الرماح يختطفن المحاميا
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا
وقد علمت عرسي مليكة أنني
أنا الليث معدوا عليه وعاديا
أقول وقد شدوا لساني بنعسة
أمعشر تيم أطلقوا لي لسانيا
أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا
فإن أخاكم لم يكن من بوائيا
أحقا عباد الله أن لست سامعا
نشيد الرعاء المُعزبين المتاليا
وقد كنت نحار الجزور ومعمل ال
مطي وأمضي حيث لا حي ماضيا
وأنحر للشرب الكرام مطيتي
وأصدع بين القينتين ردائا
وعادية سوم الجراد وزعتها
بكفي وقد أنحوا إلى العواليا
كأني لم أركب جواداً ولم أقل
لخيلي كُري نفسي عن رجاليا
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل
لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا
قال : فضحكت العبشمية ، وهم آسروه : وذلك أنه لما أُسر شدوا لسانه بنسعة لئلا يهجوهم وأبو إلا قتله ، فقتلوه بالنعمان بن جساس.
فقال : صفية بنت الخرع ترثي النعمان :
نطاقه هندواني وجبته فضفاضة كأضاة النهي موضونه غابت تميم فلم تشهد فوارس ولم يكونوا غداة الروع يُخزونه لقد أخذنا شفاء النفس لو شفيت وما قتلنا به إلا ارمأ دونه
وقال وعلة :
فمن يك يرجو في تميم هوادة
فليس لجرم في تميم أواصر
وذلك أن قيس بن عاصم لما أكثر قومه القتل في اليمن أمرهم بالكف عن القتل وأن يحُزوا عراقيبهم فقالت نائحة عمروا بن الجُعيد:
أشاب قذال الرأس مصرع سيد وفارس هبود أشاب النواصيا
وقال الفرزدق بهذا اليوم
سمونا الي نجران اليماني واهله ونجران ارض لم تديث مقاله بمختلف الاصوات نسمع صوته كرز القطا لايفقه الصوت قائله لنا أمره لا تعرف البلقُ وسطه كثير الوغا منْ كلِّ حيّ قبائله كأن بناتِ الحارثيين وسطهم ظباء صريمٍ لم تفرج غياطله إذا حان منه منزل الليلِ أوقدت لأخراه في أعلى اليفاع أوائله يظلُّ بهِ الأرضُ الفضاءُ معضلا و تجهر أسدامَ المياه قنابله ترى عافيات الطير قد وثَّقت لها بشبعٍ من السخل العتاق منازله إذا فزعوا هزّوا لواء (ابن حابسٍ) و نادوا كريماً خِيمه و شمائله سعى بترات للعشيرة أدركت حفيظة ذي فضلٍ على من يفاضله فأدركها و ازداد مجداً و رفعة و خيراً، و أحظى النّاس بالخير فاعله أرى أهل نجران الكواكب بالضحى و أدرك فيهم كلَّ وِترٍ يحاوله و صبّح أهل الجوف، و الجوفُ آمن بمثل الدَّبا و الدهر جمٌ بلابله فظل على همدانَ يومٌ أتاهم بنحسِ نحوس ظهرهُ و أصائله و كِندةُ لم يترك لهم ذا حفيظة و لا معقلاً إلا أبيحت معاقله و أهل حبونا من مرادٍ تداركت و جرماً بواد خالط البحر ساحله صبحناهم الجرد الجياد كأنّها قطا أفزعته يومَ طلّ أجادله
وقال جرير :
وخيلي التي وردت نجران ثم ثنت
يوم الكلاب بورد غير محبوس
قد افعمت وادي نجران معلمتا
بالدراعين والخيل الكراديس