وهرز

وهرز قائد ساساني أرسله ملك كسرى أنوشِروان لنجدة ملك سيف بن ذي يزن في حربه مع الأحباش لتحرير بلاده من قبضتهم.

لما وفد « سيف بن ذي يزن » على كسرى لطلب النجدة، قال « كسرى » أن أرض اليمن إنما هي أرض شاة و بعير ، ولا حاجة لنا بها، وأعطى سيفاً بعض الدنانير فنثرها سيف، وقال: إنما جبال بلادي ذهب و فضة.


فشاور «  كسرى  » رجاله في الأمر، فأشاروا عليه بإرسال السجناء الذي سجنوا لاتهامهم بالقتل للقتال مع « سيف بن ذي يزن » ، فإن هلكوا، كان ذلك ما يريده «كسرى » وإن ظفروا بااليمن من الأحباش انضمت ولاية جديدة إلى أعمال فارس ، فعمل « كسرى » بالمشورة، وأرسل مع سيف جيشاً من المحكومين بالقتل.

فأمر بمن في السجون فأحضروا فكانوا ثمانمائة فرداً، فعين عليهم قائدًا من أساورته يقال له " وهرز " وقيل‏:‏ بل كان من أهل السجون سخط عليه كسرى لحدث فحبسه وكان يعدله بألف أسوار وأمر بحملهم في ثماني سفن فركبوا البحر فغرق سفينتان وخرجوا بساحل حضرموت ولحق « بابن ذي يزن » بشرٌ كثير وسار إليهم مسروق بن أبرهه في مائة ألف من الحبشة و حمير و الأعراب وجعل "وهرز" البحر وراء ظهره وأحرق السفن لئلا يطمع أصحابه في النجاة وأحرق كل ما معهم من زاد وكسوة إلا ما أكلوا وما على أبدانهم وقال لأصحابه‏:‏ إنما أحرقت ذلك لئلا يأخذه الحبشة إن ظفروا بكم وإن نحن ظفرنا بهم فسنأخذ أضعافه فإن كنتم تقاتلون معي وتصبروني أعلمتموني ذلك وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي حتى يخرج من ظهري فانظروا ما حالكم إذا فعل رئيسكم هذا بنفسه‏.‏

قالوا‏:‏ بل نقاتل معك حتى نموت أو نظفر‏.‏

ثم قال « لسيف بن ذي يزن » ‏:‏ ما عندك قال‏:‏ ما شئت من « رجل عربي » و « سيف عربي » ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعًا أو نظفر جميعًا‏.‏

قال‏:‏ أنصفت‏.‏

مسروق بن أبرهة الأشرم

سمع بهم « مسروق بن أبرهة » فجمع إليه جنده فعبأ "وهرز" أصحابه وأمرهم أن يوتروا قسيهم وقال‏:‏ إذا أمرتكم بالرمي فارموا رشقًا‏.‏

وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه وهو على فيل و على رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة لا يرى دون الظفر شيءًا‏.‏

وكان وهرز قل بصره فقال‏:‏ أروني عظيمهم‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا صاحب الفيل ثم ركب فرسًا فقالوا‏:‏ ركب فرسًا ثم انتقل إلى بغلة فقالوا‏:‏ ركب بغلة‏.‏

فقال وهرز‏:‏ ذل و ذل ملكه‏!‏ وقال وهرز‏:‏ ارفعوا لي حاجبي وكانا قد سقطا على عينيه من الكبر فرفعوهما له بعصابة ثم جعل نشابة في كبد قوسه وقال‏:‏ أشيروا إلى مسروق فأشاروا إليه فقال لهم‏:‏ سأرميه فإن رأيتم أصحابه وقوفًا لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوؤذنكم فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتموهم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبته فاحملوا عليهم‏.‏

ثم رماه فأصاب السهم بين عينيه ورمى أصحابه فقتل مسروق وجماعة من اصحابه فاستدارت الحبشة بمسروق وقد سقط عن دابته وحملت الفرس عليهم فلم يكن دون الهزيمة شيء وغنم الفرس من عسكرهم ما لا يعد ولا يحصى‏.‏

وقال وهرز‏:‏ كفوا عن العرب واقتلوا السودان ولا تبقوا منهم أحدًا‏.‏

وهرب رجل من الأعراب يومًا وليلة ثم التفت فرأى في جعبته نشابة فقال‏:‏ لأمك الويل‏!‏ أبعدٌ أم طول مسير‏!‏ وسار وهرز حتى دخل صنعاء وغلب على بلاد اليمن وأرسل عماله في المخاليف‏.‏

وكان مدة ملك الحبشة اليمن اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة ملوك‏:‏ أرياط ثم أبرهة ثم ابنه يكسوم ثم مسروق بن أبرهة وقيل‏:‏ كان ملكهم نحوًا من مائتي سنة وقيل غير ذلك والأول أصح‏.‏

فلما ملك وهرز اليمن أرسل إلى كسرى يعلمه بذلك وبعث إليه بأموال وكتب إليه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذي يزن وبعضهم يقول معدي كرب بن سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها وفرض عليه كسرى جزية وخراجًا معلومًا في كل عام فملكه وهرز وانصرف إلى كسرى وأقام سيف على اليمن ملكًا يقتل الحبشة ويبقر بطون الحبال عن الحمل ولم يترك منهم إلا القليل جعلهم خولًا فاتخذ منهم جمازين يسعون بين يديه بالحراب فمكث غير كثير ثم إنه خرج يومًا والحبشة يسعون بين يديه بحرابهم فضربوه بالحراب حتى قتلوه فكان ملكه خمس عشرة سنة ووثب بهم رجل من الحبشة فقتل باليمن وأفسد فلما بلغ ذاك كسرى بعث إليهم وهرز في أربعة آلاف فارس وأمره أن لا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية من أسود إلا قتله صغيرًا أو كبيرًا ولا يدع رجلًا جعدًا قططًا قد شرك فيه السودان إلا قتله وأقبل حتى دخل اليمن ففعل ما أمره وكتب إلى كسرى يخبره فأقره على ملك اليمن فكان يجيبها لكسرى حتى هلك وأمر بعده كسرى ابنه المرزبان بن وهرز حتى هلك ثم أمر بعده كسرى التينجان بن المرزبان ثم أمر بعده خر خسرة بن التينجان بن المرزبان‏.‏

ثم إن كسرى أبرويز غضب عليه فأحضره من اليمن فلما قدم تلقاه رجل من عظماء الفرس فألقى عليه سيفًا كان لأبي كسرى فأجاره كسرى بذلك من القتل وعزله عن اليمن وبعث باذان إلى اليمن فلم يزل بها حتى بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم‏.‏

المصادر

  • الصنعانی، محمد بن یحیی بن عبدالله بن احمد، الیمانی. ، (اَلأنَباءَ عَن دُولةَ بَلقِیسَ وَ سَبأَ) ، منشورات دار الیمنیة للنشر والتوزیع، صنعاء، عام 1984 للميلاد.

Vahriz]] fa:وهریز it:Vahrez