وداعا أيها الليل الطويل
هذه المقالة تحوي الكثير من ألفاظ التفخيم تمدح بموضوع المقالة دون أن تستشهد بمصادر الآراء، مما يتعارض مع أسلوب الكتابة الموسوعية. يمكنك مساعدة ويكيبيديا بإعادة صياغتها ثم إزالة قالب الإخطار هذا. وسمت هذه المقالة منذ: أكتوبر 2010. . |
التقديم
يحمل ديوان "وداعاً أيها الليل الطويل" للأديب الراحل عبد الله بن محمد الطائي قصائد عديدة تُطلعنا على المراحل المختلفة التي تدرج بها في حياته منذ عامه الشعري الأول حتى آخر مداد شعره وبذلك يكشف لنا هذا الديوان رؤيته وتفاعله مع ما عايشه بتلك المراحل بمختلف الأقطار العربية والإسلامية. ولأن الطائي لم يكن شاعراً فحسب وإنما رجل قضية أرقته الأوضاع الوطنية والعربية، ارتكزت معظم قصائد ديوانه على الإتجاهات التي تفي بالغرض الوطني والقومي.
عاش شاعرنا حياته مرتحلاً من بلد إلى آخر ساعياً إلى نهضة أمته العربية والإسلامية فكان ضريبة ذلك السعي تقلبه في الأيام بين المحن والاغتراب والشوق والحنين لوطنه الأول عُمان. ومع ذلك واظب –رحمه الله-على سعيه وزرع ثروته الأدبية والثقافية في ربوع أمته حتى أينعت بها زهور النهضة.
الحديث في سيرة عبد الله الطائي يطول نظراً لكثرة نشاطاتة وأعماله الأدبية والثقافية والسياسية في البلدان التي أقام بها ونحن في هذه المقالة نود أن نعرض ديوانه الأخير الذي وسمه بــ "وداعاً أيها الليل الطويل" ولكننا سنتطرق على بعض جوانب سيرته من خلال عرضنا لهذا الديوان المتنوع.
الرحلة الأولى
خرج شاعرنا من مسقط رأسه سلطنة عمان نظراً لتردي الظروف المعيشية في فيها وذلك بفترة الأربعينات وكانت كراتشي أول الأراضي التي قصدها شاعرنا للعمل بها. هناك استكمل مهنته التدريسية وعمل في السلك الإذاعي العربي واطلع على آداب الهند والسند كأشعار محمد إقبال وترجم بعضها إلى العربية. كما تفاعل مع المجتمع الباكستاني أثناء إقامته هناك وكتب بعضاً من الأشعار نشرت بديوانه الأول "حادي القافلة" وأيضاً بديوانه الثالث "وداعاً أيها الليل الطويل". ولعلنا هنا نذكر واحدة من أول قصائده وقد بعثها كرسالة شوق لزوجته –أبقاها الله- وهو في باكستان يقول فيها :
ذكرتكِ في ديار الهند إلفاً...عرفتُ بوصله سعد الزمانِ
فكان الذكر مجلبة انقباضٍ ... ومشعل جمرة بين الحواني
بعدتِ وكم نهلْنا الحب صفواً... بهيّ الجوّ مطواع العِنان
وكفُّ الدهر ترمينا بكيدٍ... وتزعجنا بأسقام الطعان
ولولا الحبُّ لطَّف ما نلاقي ... لأهلكَنا الذي كنا نعاني
هجرتك رغم مطّلبي وقصدي...وحقكِ إنّ بُعدكم شجاني
وقد كان الطائي –رحمه الله- منذ شبابه مولعاً بالمشاركة بالنشاطات الأدبية والثقافية كونها أحد بوادر النهضة ولما فيها من رسائل ومساهمات في رقي المجتمع وتثقيفه.
كانت نشاطاته في باكستان وغيرها عديدة ولكن نذكر منها مشاركته في المؤتمر الإسلامي بكراتشي عام 1947 وهو يحيي الوفود العربية المشاركة قائلاً:
أعضاء الوفودِ، تحيةٌ من شاعر... كالزهر في ثمر وفي أنسام
يمَّمْتُمُ أرضاً حمت إسلامها... بالسيف لا بمجالس وكلام
غُمرت ديانتها فهبّ جناحها... يدعو فطاول عالي الأجرام
هذا هو الإسلام في مفهومه... موت شريف أو أعزُّ مقام
أبدى حقائقه سلالةُ يعربٍ ... فبنَوا خلودهم مدى الأيام
الرحلة الثانية
وبعد مرور ثلاثة أعوام قضاها شاعرنا –تعالى- في الباكستان، عاد إلى الخليج العربي وإلى البحرين والكويت بالتحديد حيث أقام في كل منهما تسع سنوات وهناك عمل في السلك التعليمي والإعلامي. الجدير بالذكر هو أن أغلب قصائد ديوان "وداعاً أيها الليل الطويل" كُتبت أثناء إقامة الشاعر بالكويت التي كانت تحمل آنذاك لواء الريادة الثقافية والأدبية في الخليج العربي وهناك انسجم الطائي –تعالى- بميادين النهضة وأنهى كتابة روايته "ملائكة الجبل الأخضر" وطبع ديوانه "الفجر الزاحف".
ولديوان "وداعاً أيها الليل الطويل" قصائد عديدة تثبت انسجام الشاعر بتلك الميادين نذكر منها قصيدة لجامعة الكويت والتي يقول فيها :
يـا قـــومُ قـــدْ حــــانَ الحصـــادُ فبـــادِروا ... فَلَقَـــدْ دعتكم في الكُــويْتِ بشائِـرُ
غُرِسَتْ كما غُرِسَ "الفسيلُ" وأزْهرَت ... فكــأنّهــنَ عـلى الخــليــجِ منــائِــرُ
تَـهــدي السَّفــينَ وتــرشــدُ السّـــاري إلى ... سُبُلِ النَّجاح فَتستجيبُ بصائرُ
هَــــنَّ العُــــروبـــــةَ في ســـواحِـلنــــا وقُــــلْ ... بُشراكِ شعَّتْ في الكويتِ مَفاخرُ
...........................................|......................................
............................................|......................................
وهيَ الـجـهــــودُ إذا تـجـمَّـــع ســعْــيُـهـــا... فـلَهــا بــآفـــاقِ النـجـــاحِ مَـظــاهـرُ
اليــــومَ قـــد شـمـــلَ البــــلادَ سـنـاؤُهــــا... فعلى القلـوب مِنَ الســرورِ بــوادِرُ
فَرِحـــتْ بـجـامعـــةٍ علَـتْ أركــانُـهــــا ... لتُــعِــدَّ جيـــلاً في البنـــاء يُـنــاصـرُ
والعِلـــم في صـــرحِ الحضـــارةِ نــورُهـــا ... فهــوَ الأســاسُ لغـرسهـا والنـاصـر
فـاهـتُــفْ لجــامعـةِ الكــويتِ مُــرَحِّبـــاً... واهتـفْ لنَشءٍ نحـوهـا قـد بـادروا
ولم يتنحى شاعرنا عن إدارة وتشجيع أبناء بلده على العلم والاجتهاد ويتضح ذلك بقصيدة "كي يتعلم" وهي قصيدة متعددة القافية على بحر المتقارب، تحكي قصة زياد المعولي حين ذهب الشاعر لزيارة والده فلم يجد في البيت أحد سوى زياد الذي لم يتجاوز حينها السادسة من عمره وقد أغلق على نفسه الأبواب كي يتعلم بينما عاد أهله إلى عُمان. عبر الطائي عن هذه القصة المؤثرة قائلاً :
"زيادُ" إذا خَرَجَ الأقرَبون
وجاء أبوكَ بصدْر ٍحنون
يقولُ : بُنَيَّ فَدَتْكَ العُيون
تريَّثَ هُنا إننا راجعون
فلا تَبْكِ بَلْ قُل بصوتِ المُطيعْ
لِنصْحِكُمُ يا أبي لَنْ أضيع
سأصبر صبر الجريءِ الجَلُود
فصبري أبي مالَهُ حُدود
وإنْ كُنتَ أنْتَ مَرامي الوحيد
سأقْبَعُ في بُقعةٍ لا أحِيد
وهكذا الغربة تسن على حاملها مواجع الفراق، فإن كان زياد قد فارق والده العائد فإن شاعره في المقابل فارق والدته مفارقة ابدية بلا وداع وقد قال معبراً عن ذلك الفقد:
اليومَ أشعرُ بالمصائبِ جُمِّعت...والنفسُ تَغرَق في دُجى الظُّلماتِ
اليومَ أَشعرُ أنَّ أصلي قد هَوى...فَبَقِيتُ غُصْناً ذاويَ الورقاتِ
كانت كمثلِ الروحِ بَينَ جَوانحي...والنُّورُ يَكشفُ مُغلَقَ الطُرُقاتِ
كانت وإن طال الفراقُ ككوبٍ...يَجلو لِعيني أقومَ الغايات
أما على الصعيد السياسي فقد شارك الطائي –رحمه الله-، إخوته في الكويت تضامنهم مع إخوانهم العرب في حرب حزيران ضد الجيش الصهيوني وانشد محرضاً لواء اليرموك الكويتي ليقوم بواجبه الأخوي والعقدي :
يا جندي سِرْ للثـارْ
واقحم خطوط النار
واقهر عدو الدار
مع جحفل الأحرار
عُربٌ لهم أخبار
في النجده والإيثار
يا جندي سر للثار
واقحم خطوط النار
يابنَ الكويت البار
رشاشّك الهّـدار
إحمله كالأقدار
حلّت على الغدّار
شاركْ بكشف العار
مهما جنى أيّار
وقد ضم ديوان الطائي الأخير ستة قصائد تخص قضية القدس المحتل نذكر منها جزء من قصيدة "أبو رمزي يحدث نفسه على الجسر" والتي يقول فيها :
سنعبر الجسرَ على رغم العدا
ونبذل الأرواح في ساحِ الفدا
آمنتُ بالعودة للقدس غدا
فيا رفيقي كن لنا منجِدا
إن الوغى شبّت فَمُدَّ اليدا
هيّا إلى النهر نبلّ الصدى
إنا لنا ديناً لكي نعيد للدار الهدى
فالمسجد الأقصى حِماه صار سدى
في عام 1968 انتقل شاعر "الليل الطويل" من الكويت إلى إمارة أبوظبي حيث ولاه الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –رحمه الله- مناصب مختلفه فعينه مستشار له في العلاقات الخارجية برتبة وزير ونائباً على وزارة الإعلام ومستشاراً للتربية. كانت منطقة ساحل عُمان آنذاك تشهد تطورات شتى بقيادة مؤسس مسيرة نهضتها الشيخ زايد –رحمه الله- ففي تلك الفترة انشأت المدارس والمستشفيات وبدأت المنطقة بتفعيل سياسيتها الخارجية وكان للطائي اسهامات عديدة في تلك المرحله بما فيها من تطوير وتنمية. وفي أبوظبي، اتسعت قريحته الشعرية وهو يعبر عن ذلك بقوله :
سألتْ هَلْ لكَ في سهرتنا هذي قصيدهْ
أُنظر الليل وقد رصّع بالأنجم جِيده
وارمق الجو وقد لحَّن بالصمت نشيده
أفما حرّك في القلب أحاسيس جديده ؟
قُلت والإغراء من حوليَ قد فاق حدوده
صوتُ حسناء بجنح الليل يستجلي وجوده
وحديثٌ يجبر العازف أن يلقِيَ عوده
ههنا تحلو الأماسي ويصبّ الكون جوده
مرحباً بالشعر تدعو لمعانيه خرِيدهْ
صوتها ما زال للشاطئ في الليل نشيده
مرحباً بالبحر قد صاغ على الماء عقوده
والسما تمنحه الدرَّ فيختار نضيده
وضياء البدر أغناه بألوانٍ جديده
غبدا الشاطئ روضاً نَثَرَ الأفْق وروده
تسأليني عن قصيدي، وهنا ألف قصيده !
ومن اعذب قصائد الديوان قصيدة الشاعر "يا بارق الشرق" والتي امتدح بها مسيرة النهضة في أبوظبي وهمة اهلها بغرض التشجيع والإشادة. جاءت القصيدة مجارة لنونية الشيخ الشاعر ناصر بن السالم الرواحي العبسي، المعروف بـ"أبي مسلم البهلاني". يقول الطائي بمطلع القصيدة مجارياً قصيدة أحد ابرز الشعراء العمانيون :
يا بارقَ الشرق لي في الشرق خلاّن...أطيافهم بسواد العينُ سكانُ
حَدِّث فديتك عنهم، إنني كلفٌ... لم يُلْهِني عنهم حسن وإحسان
زرقُ العيون إذا سلَّت لواحظها... قاومتها برسيسِ الحب مذ بانوا
والشُّقر إن أقبلت تزهو مفاتنها...عندي من السمر تذكار وتَحنان
وغادة من حسان الغرب تيَّمها... شِعري فأصغت وكلُّ الجسم آذان
في رفقةُ يعجب الجلاسَ ذوقُهم... به من الحسر أعباقٌ وأردانُ
أسمعتها من معين الشعر أروعَه... مما شجا قيسُ أو أبداه، شيخان
قيسٌ يذوب على ليلاه من ولهٍ... وإبنُ شيخانَ في كفيه ريحان
قالت كذا الشرق، قلت الشرق مطلعه... نور، وكم أشرقت بالنور أزمان
قالت أَذبتم بهذا الشعر أفئدة... وكم أُذيب به مهجٌ وأذهان
قالت ألم يسبِكم سحرٌ بمغربنا... فعندنا من خبايا الحسن ألوان
أجبتها وجفوني من تذكّرها...وادٍ به الدمع دفّاق وهتَّان
إني أحنُّ إلى داري ومعشرها... يكاد يفضحني دمع وأشجان
هي المعاهد لا أنسى معالمها...وكيف تُهجر بالجنّات أوطان ؟
العودة إلى أرض الوطن
وبعد ثلاثة وعشرين عاماً من البين، عاد الشاعر عبد الله الطائي إلى مسقط رأسه وذلك فور تولي السلطان قابوس بن سعيد –حفظه الله- مقاليد حكم عهد النهضة العُمانية. وفي الديوان ابيات جميلة تبين حجم ما حمله الشاعر من احاسيس ومشاعر اتجاه وطنه خلال تلك الهجرة الطويلة ومدى بهجته بلقياه من جديد إذ يقول فيها :
يا بلادي ما اغتربنا ما نأيْنا... طالما أنّا رجعنا فالتقَينا
قد نسِينا أمسِ مذ لحتِ لنا... ومن البهجة بالعَوْد بكينا
أمس في ظلمائه اندسَّ فلا... ظلَماً خُضنا ولا ذلاً رأينا
وإذا الدمع جرى فلْتعلمي...أنه بُقيا في مقلتَينا
عجب كيف مضت أعمارنُا... نحمل الفقدَ فلم يَقضِ علينا
إنها عشرون عاماً مِن جوى... لحبيبٍ هو كالروح لدَينا
مذ لقيناه استعدنا عُمُراً... قد سرى كالبدر في ليلٍ إلينا
فكأنما في صَبا من زهوه... وكأنَّ الدهر طوعٌ في يدينا
مرحباً بالأرض ألفيتُ بها... منبتَ الروح به أنفُض أيْنا
مرحباً بالأهل أرتاح بهم... بعد هجرٍ ونوى، أُذناً وعَينا
يا بلادي، هاكِ قلبي إنه... قلب حرٍّ ما ارتضى في العمر شَينا
حمل الهمَّ على أنياطه ... تَخِذَ الأخلاق في المهجر دينا
ولصيت شاعرنا السياسي والأدبي، اختاره السلطان قابوس بن سعيد بأن يكون ضمن وفد الصداقة الذي ارسله لعدة اقطار عربية واجنبية يغية التعريف بنهضة عُمان واشتراكها بركب التطوير المشرتك. وقد خص الديوان المتناول بهذه المقالة قصيدة تسجل موقف ذلك الوفد بقول الشاعر :
أرادكمُ قابوس رسْل قرابة...لأبناء عمٍ ما نسونا بهجران
قطعنا لهم رحما وزدناه عزلة... وهم مجمع القربى وخيرة أعوان
فإن لاح للمينين سانحُ رَكْبكم... ضممت عليه يا بنيّ بأجفاني
وإن عدتم نحويَ سَعِدت بخطوطم... وأسكنتكم عيني وصدري وأحضاني
أقمتم رِباط الودّ بيني وإخوتي ... فيا وفد قابوسٍ لقابوسَ شكواني
أنا بكمُ مثلُ الغريب معادُه ... لدارٍ وأهل مع جِوارٍ وخلان
وبترشيح السيد طارق بن تيمور –حفظه الله- تولى الشاعر أمر وزارتي الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل مما مكنه بأن يكون أحد قادات عهد النهضة العُمانية ورواد منشئاتها.
العودة إلى أبو ظبي
وبعد استقالة شاعر الديوان "وداعاً أيها الليل الطويل" من اعماله الوزارية استقر فترة في إمارة أبوظبي وواصل كتابة قصائد الديوان إلا أن قصائده بدت تتجه نحو محك الغموض حتى ارخت اوزانها على محط الصمت وانقطاع. ويظهر ذلك بقصيدتيّ "نهاية حب" و"النفق" ففي الأولى يتحفظ بسر حبٌ انتهى إذ يقول :
|