واقعية (فن)
الواقعية (بالإنجليزية: Realism) مذهب في الفن والأدب يشير إلى محاولة الأديب أو الفنان تصوير الحياة كما هي عليه في الواقع. وتكمن المهمة الرئيسية للفنان، في نظر الفنان الواقعي، في وصف كل ما يلاحظه بحواسه، بدقة وصدق شديدين، من غير إهمال لما هو قبيح أو مؤلم ومن غير اطّراح للرمزية. .وتعنى الواقعية بتصوير الأشياء والعلاقات، بصورة واضحة كما هي عليه في العالم الحقيقي الواقعي...وبتصوير الجوهر الداخلي للأشياء، وليس الجنوح إلى الفانتازيا أو الرومانسية.
بدأت الواقعية ـ حركة واضحة المعالم في الفن ـ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبحت هي الشكل الفني السائد. وتمتد فترة الواقعية بين ثورة مارس 1848 الفاشلة، وبدايات حكم بسمارك. أي حوالي من 1850 إلى 1890. وقد شهدت هذه الفترة العديد من الاتجاهات الأدبية الأخرى التي كانت موجودة جنبا إلى جنب، مثل الطبيعية.
ولقد كانت الواقعية، ثورة على كل من التقليدية الكلاسيكية والعاطفية الرومانسية، وهما حركتان فنيتان عالجت أعمالهما أمور الحياة بأساليب مثالية، حيث تظهر أعمالالتقليديين الكلاسيكيين الحياة على أنها أكثر منطقية وترتيبًا مما هي عليه في الواقع. أما أعمالالعاطفيين "الرومانسيين" فتظهر الحياة على أنها أكثر إثارة من الناحية العاطفية، وأكثر بعثًا على الشعور بالطمأنينة مما هي عليه في واقع الحياة أصلاً.
يبذل الواقعيون قصارى جهدهم لكي يكونوا موضوعيين إلى أقصى درجة ممكنة، غير أنهم في محاولتهم انتقاء موضوعاتهم وتقديمها لايتمكنون من تجنب التأثير بما يشعرون به أو يفكرون. ولذا فإن أعمق أنماط الواقعية لديهم يأتي نتيجة المراقبة والحكم الشخصي.
أحداث العصر
كان القرن التاسع عشر عصر بداية التصنيع، وعصر التقدم العلمي الكبير. وقد سادت في ذلك العصر النزعة المادية والرأسمالية المتنامية. وقد ساعدت تلك الظروف الطبقة البرجوازية على فرض نفسها على المستويين الفكري والاقتصادي. وقد حاول الأدباء الواقعيون التعايش مع المجتمع في ظل هذه التغيرات، حتى أطلق على هذه الفترة اسم الواقعية البرجوازية.
الأهداف التعبيرية
- على الرغم من الاختلافات الموجودة بين أدباء هذه الفترة، كانت هناك رغبة واحدة تجمع بينهم، وهي أن يصوروا الحياة في كتاباتهم بواقعية، ويقول فونتانه: «الواقعية هي انعكاس للحياة الحقيقية». وقد صاغ أوتو لودفيج مفهوم الواقعية بأن: «الواقعية تريد أن تعبر عن عالم تكون فيه العلاقات أوضح مما هي عليه في العالم الحقيقي، ولا بد من أن تعبر عن الجوهر الداخلي للأشياء».
- ونجد في أدب الواقعية تزايد التساؤل عن معنى هذا العالم، وعن معنى الحياة الإنسانية. كما نجد عند نيتشه الإحساس بالأزمة الفكرية وانهيار الحضارة. ومطالبته بالإنسان المتفوق في مقابل الإنسان الضعيف، حتى يستطيع تغيير العالم لما هو أفضل. وذلك في كتابه الشهير «هكذا تكلم زرادشت».
- كان العالم البرجوازي هو المحور الذي دار حوله الأدب في تلك الفترة. وكان هناك اهتمام بتصوير الحياة اليومية لبسطاء الناس (كالفلاحين والعمال والحرفيين). واتخذ أدب الواقعية الطبيعة كخلفية لأدبهم، مثل شتورم الذي صور الطبيعة في شمال ألمانيا وبحر الشمال. وتيودور فونتانه الذي صور برلين وبراندنبورج في كتابه«رحلات داخل براندنبورج».
- العودة إلى التاريخ، كانت من بين الأساليب التي استعملها الأدباء الواقعيون. حيث تدور الأحداث في عصر يتماثل مع العصر الحاضر، فتكون للأديب حرية التعبير عن أفكاره، دون أن يتعرض للعصر الحاضر. وكان كل من ماير وشتورم من أشهر الأدباء الذين لجؤوا إلى استخدام هذا الأسلوب التاريخي في قصصهم. مثل رواية ماير «آخر أيام هوتن» ورواية شتورم «فارس الحصان الأبيض». كما نجد الأسلوب نفسه عند كيللر في «روميو وجولييت في القرية» وعند رابه «تاريخ حارة شبيرلينج».
- تخلت الواقعية عن ضرورة انعكاس مشاعر الكاتب وموقفه الخاص في ما يكتب. فالعالم يجب أن يصور من دون أي محاولات للتفسير، ومن دون أي انحياز إلى موقف دون آخر، كلما أمكن ذلك.
أدب عصر الواقعية
كتب أدباء الواقعية المسرح والرواية والأقصوصة "la Nouvelle" والشعر. إلا أن الرواية والأقصوصة كان لهما النصيب الأكبر من كتاباتهم.
• أما المسرح فلم ينجح أي كاتب واقعي في كتابة مسرحيات ناجحة باستثناء فريدريش هيبل، ومن أشهر مسرحياته «ماريا ماجدالينا».
• أما الرواية، فتصور التوتر بين الفرد والعالم المحيط به. ومن أبرز من كتبوا الرواية، السويسري جوتفريد كيللر وفلهلم رابه وفلهلم بوش وتيودور فونتانه.
• أما الأقصوصة، فكانت هي النوع الأدبي السائد في عصر الواقعية. زمن أبرز من كتبوا الأقصوصة، ماير وجوتفريد كيللر وتيودور شتورم.
• أما الشعر، فقد تحولت فيه القصيدة من وصف تجربة الذات المنعزلة عن العالم (كما في الرومانسية)، إلى وصف تجربة الذات التي تدخل في صراع مع المحيط الذي تعيش فيه. وقد كتب أدباء عصر الواقعية الشعر، إلا أن من اشتهر منهم كشعراء هم هيبل وشتورم وماير.
أدباء الواقعية
- هنري جيمس
- تيودور فونتانه
- فريدريش هيبل
- جوتفريد كيللر
- كونراد فرديناند ماير
- فلهلم رابه
- جوستاف فرايتاج
- تيودور شتورم
القصة الواقعية
جاء الفن القصصي الواقعي ثورة على عاطفية وميلودراما المثالية الرومانسية. فالشخصيات في الفن القصصي الواقعي أكثر تعقيدًا من شخصيات القصص العاطفية "الرومانسية"، ومسرح الأحداث فيه يتسم بالهدوء وعدم التركيز على الحبكة وغموض الموضوعات. ويعالج الفن القصصي الواقعي في معظمه حوادث عادية ممكنة الوقوع، كما أنه يرسم شخصيات قابلة للتصديق. وتقدم معظم القصص الواقعية موضوعات متشائمة لا تدعو إلى البهجة، بل قد تثير الاشمئزاز. وهذه السمة القاتمة تنطبق بشكل أساسي على الطبيعية، وهي حركة تطورت عن الواقعية.
ويعزى ازدياد رواج الواقعية باعتبارها أسلوبًا، لا إلى كونها مجرد رد فعل على المعالم الجميلة للفن القصصي العاطفي (الرومانسي) فقط، بل يعود أساسًا لعاملين: الأول هو تطور العلم الحديث، بتأكيده على كتابة التقارير العلمية المفصلة. أما العامل الثاني فهو الرغبة الجامحة لدى الكتاب والقراء، لفهم المشاكل الاجتماعية من منظور أكثر واقعية.
حظيت الواقعية في الأدب الإنجليزي بالاهتمام لأول مرة في القرن الثامن عشر، وعلى وجه الخصوص في أعمال دانيال ديفو. أما القرن التاسع عشر فقد أصبحت الواقعية فيه أكثر أهمية، وبدا ذلك واضحًا من خلال أعمال كل من جين أوستن، و جورج إليوت، وتوماس هاردي، وجورج مور، و وليم ميكبيس تاكاري، وأنطوني ترولوب. ومن كتاب الواقعية الأوروبيين البارزين في القرن التاسع عشر أونوريه دو بلزاك وجوستاف فلوبير وستيندال في فرنسا، وليو تولستوي وإيفان تورجنيف في روسيا.
كان هنري جيمس و وليم دين هاولز، وإلى حد ما مارك توين، من أوائل الكتاب الواقعيين المعترف بهم في الأدب الأمريكي. أما ستيفن كرين وفرانك نوريس وثيودور درايزر فكانوا أوائل الكتاب الطبيعيين الأمريكيين. وبفضل الكتابات القصصية لهؤلاء الكتاب، وكتابات لكتاب آخرين أتوا بعدهم، مثل سنكلير لويس، و إف سكوت فيتزجيرالد، وإرنست همنجواي، وجون شتاينبك، أصبحت الكتابة الواقعية سائدة ومقبولة، بحيث أصبحت القصص العاطفية "الرومانسية" أعمالاً لا تساير روح العصر.
المسرحية الواقعية
كانت الواقعية في المسرحية كما كانت في الفن القصصي محاولة لتصوير الواقع بجماله وقبحه. وقد تطورت المسرحية الواقعية في أوروبا أولاً، رد فعل للميلودراما والملهاة العاطفية، التي كانت سائدة في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر. كما أخذت أشكالاً عديدة، تتدرج من الواقعية الخفيفة في ملهاة السلوك المتكلف والمبالغ فيه، إلى المأساة العميقة للأسلوب الطبيعي.
وأصبحت للمسرحية الواقعية أهميتها لأول مرة بعد ظهور مسرحيات هنريك إبسن في النرويج. وقد تفحص إبسن القضايا الاجتماعية التي كانت سائدة في عصره في أعماله المسرحية مثل أعمدة المجتمع (1877م)،بيت الدمية (1879م). أما أنطون تشيخوف فقد وصف أرستقراطية روسيا المتلاشية في مسرحيته بستان الكرز (1904م). وفيما يتعلق بالمسرح الإنجليزي فقد كان تقبله للواقعية بطيئًا، إلا أن جورج برنارد شو ما لبث أن بعث الحياة في الحركة الواقعية، في سلسلة من مسرحيات طويلة ذكية تعالج القضايا الاجتماعية، بدءًا من مسرحية بيوت الأرامل في عام 1892م. وفي أيرلندا مزج جون ميلينجتون سينج الواقعية بالشعر في مسرحيته ركاب البحر (1904م). وتناول شون أوكايسي قضايا نضال أيرلندا من أجل الاستقلال عن إنجلترا في مسرحيتهغونو والبيكوك (1924م) ومسرحيات أخرى.
أما الأثر الدائم الذي أحدثته الواقعية في المسرح، فقد جاء بتقديم مسرحية ما وراء الأفق ليوجين أونيل في عام 1920م.
التصوير التشكيلي الواقعي
تطور التصوير الواقعي رد فعل على أسلوبين من أساليب التصوير التشكيلي، كانا سائدين في أوائل القرن التاسع عشر، وهما التقليدية (الكلاسيكية الجديدة) والعاطفية (الرومانسية). ويمكن رؤية ملامح للواقعية في أعمال الرسام الأسباني فرانسسكو جويا في القرن الثامن عشر. وقد سيطرت الواقعية على التصوير التشكيلي الأوروبي في القرن التاسع عشر، وظهر ذلك واضحًا في أعمال فنانين فرنسيين، مثل كاميل كورو وغوستاف كوربيه وأونوريه دومييه. أما الانطباعيون الفرنسيون، الذين جاءوا في أواخر القرن التاسع عشر، فقد طوروا مفهومهم الخاص للواقعية، إذ ضاقت الواقعية في لوحاتهم، لتعبر عن الواقع المضيء، وإن كان محدودًا تمامًا، هذا الواقع الذي يمكن رؤيته بلمحة واحدة.
كان من بين فناني الواقعية في القرن التاسع عشر الأمريكيان توماس إيكنز و ونسلو هومر. ثم تلتهم في أوائل القرن العشرين مجموعة من فناني الواقعية سميت مدرسة أسكان أومجموعة الثمانية. وقد عارضت هذه المجموعة العاطفية السمات الأكاديمية التي كانت شائعة في الفن الأمريكي. ورسم هؤلاء الفنانون مناظر من الواقع المعاش في الشوارع ولوحات شخصية ومناظر طبيعية. ومن بين الفنانين الواقعيين أيضًا جورج بيلوز، وجون ستيورات كري، و إدوارد هوبر، وريغنالد مارش، وغرانت وود.
الواقعية اليوم
شاعت الواقعية في الفن القصصي والمسرحية، وأصبح من الصعوبة بمكان تمييز هوية منفصلة لها. ومن الموضوعات الواقعية الشائعة؛ أهمية اللاوعي، ودور الأقليات العرقية في المجتمع، والبحث عن قيم في عالم معاد. وفي أوائل القرن العشرين بدأ الرسامون يرفضون الواقعية ويتبنون الأساليب التجريدية. وبحلول الثمانينيات من القرن العشرين أصبحت الواقعية تقترن ـ في كثير من الأحيان ـ بالتصوير الضوئي، أكثر مما ترتبط بالتصوير التشكيلي.